شعار قسم ميدان

لماذا تفوقت الأردن عربيا في ريادة الأعمال؟

midan - liwwa
ثمة خطأ شائع بين روّاد الأعمال ومتابعي حركة تأسيس الشركات الناشئة بخصوص أسباب نجاح الشركات الريادية في دول بعينها، وهو أنه عادة ما يتم إسناد مُعظم الأسباب إلى مستوى حرفيّة رائد الأعمال ومستوى تعليمه وصبره وإصراره وتفانيه الشديد في عمله الذي يجعله في النهاية يصل إلى تحويل مشروعه الصغير إلى شركة عالمية.

 

قد يكون ذلك صحيحا، ولكنه -قطعا- ليس السبب الوحيد في نجاح ريادة الأعمال في دول معيّنة وفشلها في دول أخرى، فعندما نتحدث عن الأردن باعتبارها واحدة من أقطاب الدول العربية التي تشهد نجاحا ملحوظا في حركة ريادة الأعمال بها، فمن الخطأ إسناد السبب إلى إصرار وثقافة وتعليم الشباب الأردني -فقط-، لأنه في النهاية جزء ممتد من واقع عربي شامل، يشهد في مناطق أخرى فشلا كبيرا في تنمية مفهوم ريادة الأعمال. السبب الأساسي لنجاح حركات ريادة الأعمال في دول بعينها هو ما عبّر عنه الريادي الشهير بول غراهام(1) عندما أشار إلى أن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يتم طرحه هو سؤال عكسي: ما الذي يحمي الشركات الناشئة من الفشل في دول معينة؟ (2)

 

يجيب عن هذا السؤال بأن فشل وموت الشركات الناشئة أمر طبيعي، بينما غير الطبيعي أصلا هو حياتها، الأمر مماثل تماما لميلاد الطفل، الطبيعي أن يموت بسبب هشاشته وضعفه، ولكنه يستمر في الحياة بسبب البيئة والحاضنة والرعاية التي تساعده على الاستمرار. نفس الوضع بالنسبة لنجاح الشركات الناشئة الذي هو مرتبط أساسا بالدول التي توفّر مناخا يعتبر حاضنا لحركة ريادة الأعمال فيها، وليس أبدا براعة رائد الأعمال أو ذكاؤه هما سبب نجاة مشروعه.

 

هنا، نخوض في جولة أخرى من استعراض مجموعة من أبرز الشركات الأردنية الناشئة التي احتلت مركزها في قائمة أهم 100  شركة عربية ناشئة، ونسلط الضوء على بعض ملامح نجاحها ووصولها إلى هذه المرتبة من خلال الوسط الريادي الإيجابي الذي تشهده المملكة الصغيرة.

 

شركة طماطم

 
المجال: ألعاب رقمية.. شركة ريادية تأسست في الأردن في عام 2013، وتعتبر واحدة من أكبر منصّات الألعاب العربية التي تستهدف تعريب الألعاب العالمية وتقديمها للمستخدم العربي عبر الهواتف الذكيّة بنظام الأندرويد والـ"آي أو إس" (iOS). أسس الشركة رائد الأعمال الأردني حسام حمّو بعد سلسلة من الإخفاقات، حيث اضطر هو وفريقه لإغلاق شركة تم إطلاقها مسبقا تخصصت في صناعة ألعاب المتصفّح تحت اسم "ويزارد بروداكشين" (Wizard productions).. لكنه عاد وأطلق شركة طمـاطم بالتعاون مع رائد الأعمال صهيب ذياب.

 

خلال شهـور قليلة من إطلاق منصّة طماطم استطاعت أن تطلق عشرات الألعاب ووصل عدد تحميلاتها إلى أكثر من 4 مليون تحميل، الأمر الذي كان يعتبر إشارة واضحة إلى نجاح الشركة في جذب اهتمام المستخدمين العرب، وكان إشارة للانطلاق بشكل أكبر في تطوير الألعاب وتعديلها بما يناسب المستخدم في المنطقة. تعمل طماطم حاليا في مجال نشر الألعاب في المنطقة العربية، وتستهدف العمل على تعريب وتطوير نسخ ألعاب عالمية ناجحة من خلال التعاقد مع أكبر مطوّري الألعاب والاستوديوهات العالمية، كما تفتح الباب أيضا لمطوّري الألعاب بكافة مستوياتهم لنشـر ألعابهم وتبنّيها من طرف المنصّـة.

 

اليوم وصل عدد الألعاب التي أطلقتها طماطم حوالي 40 لعبـة رقمية لنظامي أندرويد وآي او اس ، وحققت الشركة منذ انطلاقها إلى اليوم أكثر من 31 مليون تحميل، ويتم استخدامها من طرف أكثر من 3.5 مليون مستخدم شهريا، الأمر الذي جعل الشركة من أكثر شركات الألعاب الواعدة في الأردن والشرق الأوسط.

  

تستهدف الشركة حاليا العمل على التوسّع في أسواق الخليج العربي وشمال أفريقيا، وهو الذي جعلها تقدم على فتح مكتب لها في القاهرة، فضلا عن أن الشركة تركز حاليا على سوق الخليج باعتباره من أكبر أسواق العالم استخداما لشبكة الإنترنت وإقبالا على عالم الألعاب الرقمية عبر الهواتف.(3،4،5)

 

شركة أخطبوط
عام 2011 تم إدراج الشركة في قائمة أسرع 500 شركة ريادية عربية ناشئة، وقائمة أسرع 30 شركة أردنية ناشئة (أخطبوط)
عام 2011 تم إدراج الشركة في قائمة أسرع 500 شركة ريادية عربية ناشئة، وقائمة أسرع 30 شركة أردنية ناشئة (أخطبوط)
 
المجال: توظيف.. شركة أردنية ناشئة تتخصص في مجال التوظيف، تأسست بواسطة يوسف شامون وحاج حسن في عام 2007 كمنصـة مهنية شاملة، توفـّر فرص العمل والإرشادات الوظيفية وتعمل على الربط بين أصحاب العمل والباحثين عنه والموظفين ذوي الكفاءة. في بدايات انطلاقها كانت تركز على الأردن بشكل محلي، ثم توسّعت لتفتتح فروعا لها في دبي والرياض.

 

يقوم الباحثون عن الوظائف برفع سيرهم الذاتية على الموقع الذي يتيح صندوق بحثي بأحدث الوظائف وفقا لكافة التخصصات، فضلا أن الموقع يعقد سلسلة من الشراكات مع الصحف والإذاعات والمجلات بهدف نشر الوظائف سواء للباحثين عنها أو الراغبين في التوظيف، كما يعتبر موقع التوظيف الوحيد في الشرق الأوسط المزوّد بمجموعة اختبارات للشخصية، مثل اختبار "إم بي تي آي" (MBTI) الذي يمكن الباحثين عن العمـل من اجتيازه مجانا.

 

ساهمت أخطبوط في الحضور في العشرات من معارض التوظيف في الأردن والدول العربية على مستوى الجامعات أو شركات التوظيف أو البرامج المهنية المتخصصة لرفع كفاءة الموظفين والربط بينهم وبين الشركات، كما وقّعت اتقافيات شراكة مع العديد من المؤسسات الاجتماعية مثل مؤسسة طلال أبو غزالة الأردنية. في عام 2011 تم إدراج الشركة في قائمة أسرع 500 شركة ريادية عربية ناشئة ، وفي نفس العام أدرجت في قائمة أسرع 30 شركة أردنية ناشئة.(6،7،8)

 

شركـة طقس العرب

 
المجال: أرصاد جويّة.. تأسست شركة طقس العـرب في عمّان في عام 2006 كشركة أرصاد جويّة محلية في الأساس تحت مسمّى "طقس الأردن"، وفي عام 2010 تم تحويل اسم الشركة إلى طقس العرب لتقوم بتوجيه نشاطها في الأرصاد الجوية لجميع البلاد العربية.

 

مؤسس الشركة هو محمد الشاكر، أطلق شركته الصغيرة وهو لا يزال في المدرسة الثانوية، درس في كلية الصيدلية -رغم اهتماماته بعالم الأرصاد الجوية- الأمر الذي جعله يحصل على شهادتين في مجال الأرصاد الجوية بعد التخرج من مكتب الأرصاد في المملكة المتحدة، لعدم وجود هذا التخصص في الجامعات الأردنية.

 

تضم الشركة كادرا كبيرا من خبراء الأرصاد الجوية لتقديم خدمات الرصد بشكل مهني، فضلاً عن العديد من الخبراء الاستشاريين في العديد من الدول العربية، ويعتبـر الموقع حاليا من أكبر مواقع الطقس في العالم العربي، حيث تم استخدامه في عام 2014 من قبل أكثر من 20 مليون مستخدم عربي، من بيهم 5 ملايين مواطن أردني، الأمر الذي جعله من بين أكثر 10 مواقع للزيارة في الأردن بحسب ترتيب أليكسا للمواقع.

 

في عام 2015 تلقت شركة طقس العرب جولة تمويلية كبيـرة لم يتم تحديدها من مستثمرين إقليميين وعالميين من بينهم صندوق بادية إمباكت و"داش فينتشيرز" (Dash Ventures) وغيرهم من المستثمرين، كتوطئة لموجـة توسّع بشكل أكبر في المنطقة. حاليا، أصبح طقس العرب مصدرا أساسيا للعديد من المحطات التلفزيونية والشركات، من بينها موقع شركة الاتصالات السعودية، ويقدم خدماته في التنبؤ بالطقس، فضلا عن أخبار ذات صلة بالعلوم والجغرافيا والمناخ.(9،10)

 

شركة لِـوّا 

 
المجال: دعم وتمويل.. تأسست شركة Liwwa الأردنية في عام 2012 بواسطة أحمد مور وسامر عطياني، وهي منصـة إقراض مرنة تهدف إلى التصدي لمشكلات البطالة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن طريق تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

 

جاءت فكـرة الشركة على صدى حقيقة أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تمثل 80% من إجمالي النشاط الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن هذه الشركات تؤمّن فرص عمل تقترب من 40%. وبالتالي العمـل على سد الفجوة التمويلية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في المنطقة من شأنه تحسين عجلة الاقتصاد. تأتي منصة ليوّا في وقت تمر به العديد من الدول العربية بأزمة فجوات تمويلية للمشروعات الناشئة الصغيرة والمتوسطة، حتى إنها بلغت في كل من المغرب ولبنان واليمن حوالي 250 مليار دولار بحسب البنك الدولي، فضلا عن إحجام العديد من البنوك عن تمويل المشروعات، واعتمادها بشكل خاص على العلاقات الشخصية في ضخ التمويل، وليس على نوعية الأعمال.

 

على المستوى المحلي، تأتي منصّة ليوا في وقت تلعب فيه الشركات الصغيرة والمتوسطة دورا أساسيا في الاقتصاد الأردني، حتى إنها توظف 60% من القوى العاملة الأردنية، وهو ما يجعل دور الشركة كبيرا في تأمين رؤوس الأموال للشركات من هذا الجانب. منذ تأسيس الشركة لعبت ليوّا دورا بارزا في توفير 20 قرضا بقيمة 100 ألف دولار أميركي، فضلا عن التعاون مع مجموعة مستثمرين محليين وإقليميين قادرين على دعم القروض الصغيرة والمتوسطة.

 

هذا الدور جعل الشركة تحصل مؤخرا على جولة تمويلية استطاعت من خلالها الحصول على تمويل كبير -لم تُحدد قيمته- من مجموعة مستثمرين مثل "داش فينتشيرز" وبنك الاتحاد وصندوق "إم في آي" (MVI)، الأمر الذي سيجعل الشركة قادرة على تنفيذ خطط توسّع إقليمي في الشرق الأوسط.(11)

     

شركة الطبّي

   
المجال: محتوى وخدمات طبية.. موقع الطبّي (Altibbi) هو شركة ناشئة أردنية رائدة، يعد الآن المرجع الطبي الرئيس باللغة العربية بعد أن تطور من قاموس طبي بسيط على الإنترنت باللغة العربية وتحول إلى بوابة طبيّة متكاملة تقدم المعلومات الطبية، وخدمات فحص ومشورة طبية، والتواصل مع الأطباء أونلاين، ومحتوى طبي مكتوب ومرئي ومرسوم.

 

تأسس الموقع قبل عام 2011 بواسطة جليل اللبدي رائد الأعمال الأردني الذي قرر أن يرفع نسخة إلكترونية من القاموس الطبي باللغة العربية تضم حوالي 15 ألف تعريف، وهي أساسا عمل والد اللبدي الطبيب الذي جمعه على مدى 15 عاما. مع نشـر الموسوعة الطبّية لاحظ العبّادي ندرةً في المحتوى الطبي -آنذاك- وأن المستخدم العربي عادة يلجأ لبعض المجلات الطبية الورقية أو بعض المواقع غير الدقيقة في محتواها، وكانت هذه هي ضربة البداية لتحويل الموسوعة الطبية الصغيرة إلى موقع الطبّي بشكله الحالي.

 

اليوم يعتبر الطبّي من أكبر المراجع الطبية العربية، ويجمع أكثر من 5 مليون مستخدم شهريا، ويتواصل مع 10 آلاف طبيب ناشط من العالم العربي ككل -وإن كان ثلثهم من الأردن-، فضـلا عن وجود أكثر من 650 ألف مقال طبي منشور، إلى جانب الاستشارات الطبية المجانية بالتعاون مع أطباء مرخّصين. حصل الطبّي على جائزة القمة العالمية لمحتويات الهاتف "دبليو أس أي" (WSA) في مجال الرعاية الصحية، ونجح في الحصول على استثمار -لم يتم الكشف عن قيمته- في عام 2014 بواسطة "إم إي في بي" (MEVP) وداش فنتشـرز.(12)

 

شركة كاش باشا
المجال: تسهيلات الدفع الإلكتروني.. تأسست شركة كاش باشا (CashBasha) في عام 2013 بواسطة رائد الأعمال فؤاد جريس، وتستهدف توفير خدمة دفع متكاملة للمتسوّقين في الأردن تمكّنهم من الشراء عبـر موقع "أمازون" بدون الحاجة لوجود بطاقة دفع أو حساب مصرفي، بمعنى أن كاش باشا تقوم بعمل كامل إجراءات الشراء عبر أمازون لمستخدم الإنترنت العادي البسيط، وتوفّر عليه الدخول في هذه التعقيدات.

  

 

بمجرّد أن يحدد المتسوّق اختياره بشراء سلعة معينة من أمازون عبر "كاش باشا" يتلقى تسعيرا فوريا لطلبه شاملة للرسوم الجمـركية والشحن، ويحدد المتسوّق الأردني طريقة الدفع المناسبة، بما فيها الدفع نقدا عبر أحد المتاجر المحليّة الشريكة لكاش باشا، أو حتى نقدا عند تسلّم الطلب.

 

جاءت شركة كاش باشا لتقدم حلا لمشكلة مستعصية في العالم العربي والعالم الثالث، وهي وجود الكثير من المتسوّقين الذين ليس لديهم بطاقات ائتمان، وبدأت في التوسع خارج الأردن لتشمل السعودية مع المزيد من خطط التوسع في الخليج وشمال أفريقيا. حاليا تقوم الشركة بمعالجة ما يقارب 8 آلاف طلب شهريا مع معدلات نمو متسارعة، واستطاعت أن تعقد اتفاقية شراكة مع شركة أرامكس الأردنية العالمية للشحن، كما استطاعت أن تعقد اتفاقا مع شركة الاستثمار الأميركية Startaps) 500). وفي أواخر عام 2016 حصـدت شركة كاش باشا المركز الأول في مسابقة "ستارت أب إسطنبـول" (Startup Istanbul) التي عقدت بتركيا في مواجهـة 2700 شركة ريادية ناشئة حول العالم.(13،14،15)

 

أخيرا، يمكن القول إن الأردن تقدم مثالا فريدا -ومُلهما- لحركة ريادة الأعمال العربية، ليس فقط في نماذج المشروعات الواعدة التي يُطلقها الشباب الأردني، وإنما أيضا فيما يخص تطوير الآليات الاجتماعية التي تحتضن تلك المشاريع وتجعلها ترى الضوء، سواءً عبر حاضنات الأعمال الخاصة أو المؤسسات الحكومية.

المصدر : الجزيرة