شعار قسم ميدان

مصنع فورد.. حكاية ملهمة لرجال الأعمال

ميدان - هنري فورد

اكتمل بناء مصنع هنري فورد المسمى ريفر روج في عام 1928م، وكان مصنع فورد يُعد أعجوبة في ذلك الوقت. كان مصنعًا متكاملًا بنسبة 100٪، حتى الحديد الذي كان يحتاج إليه، كان ينتجه المصنع بنفسه، وبحلول ثلاثينيات القرن الماضي بلغ عدد العاملين فيه أكثر من 100،000 موظف، وأنتج تقريبًا كل المكونات التي كانت تحتاج إليها السيارات الفورد التي تم بناؤها وتجميعها أيضًا داخل المصنع ذاته. وكانت تلك هي الميزة الرئيسة التي تحلّى بها ذلك المصنع في تلك الوقت.

لا أحد يمكنه إنشاء مصنع كهذا الآن. لن يكون لذلك أي معنى. في أسواق اليوم، سيكون من المستحيل لأي شركة أن تكون قادرة على المنافسة في أكثر من حفنة من آلاف المكونات التي تدخل في السيارات الحديثة التي يتم صنعها هذه الأيام. ولهذا السبب تركز شركات اليوم على بناء سلاسل توريد عالمية.

في حين أن هذا المبدأ كان يُعد مفهومًا مثاليًا في "الاقتصاد القديم"، إلا أن العديد من الشركات الرقمية لا تزال تكافح من أجله. ولأن الكثير من الأعمال ذات القيمة العالية تقوم على المواهب، فإنهم يفترضون أن هناك ميزة تنافسية في التركيز على شحذ القدرات الشخصية، ولكن في عالم متشابك كالذي نعيش فيه الآن، يمكن تحصيل استفادة أكبر بكثير من خلال توسيع وتعميق الاتصالات التي تبنيها مع الآخرين.

undefined


نظم التشغيل الآلي تنقل القدرات إلى مناطق جديدة

بدأت أول آلة صراف آلي (ATM) في عام 1966م. وبحلول سبعينيات القرن الماضي أصبحت شائعة وفي الثمانينات كانت قد انتشرت في كل مكان. وبدا كما لو أن صرّافو البنوك قد فقدوا وظائفهم الفعلية ولم يعد لهم فائدة كما بدأت الفروع المصرفية المادية للبنوك في الاختفاء. من ذا الذي يحتاج إلى حجرٍ ومطرقة في عالم رقمي أصبحت الحواسيب فيه المعاول الأساسية؟

ومع ذلك، حدث العكس تماما. في الواقع، هناك أكثر من ضعف عدد فروع البنك اليوم مما كانت عليه في السبعينيات. والحقيقة هي أن نظم التشغيل الآلية تحول القدرات من مكان إلى آخر، في كثير من الأحيان إلى مستوى أعلى. على سبيل المثال، نحن لا نذهب عادة إلى فروع البنوك المحلية الآن لإتمام عملية تحويل بعض الأموال، ولكن نذهب عادة لحل مشكلة ما أو الحصول على المشورة.

اليوم، ونحن نرى نظم التشغيل الآلية تُغيّر ديناميكية وآلية العديد من الصناعات. إذ تم تحويل متاجر التجزئة من مكان للشراء وإجراء الصفقات إلى مكان من نوعٍ آخر نذهب إليه للحصول على خدمةٍ ما أو استشارةٍ أو التقاط بعض البضائع والمنتجات التي اشتريناها عبر الإنترنت. تحول العمل داخل المصانع العمل اليدوي الذي يقوم به العمال إلى مكان يقوم العمال على تشغيل الروبوتات.

والحقيقة هي أن العديد من البشر يعملون في تعاون مع الآخرين بشكل مستمر من أجل تصميم المزيد من أعمال الآلات. وهذا يعني أن علينا تطوير العديد من المهارات الجديدة لتعويض ما تقوم به الآلات بشكل مختلف، هذا إذا كنا على استعداد من مواكبة تلك التطور والتغير.

undefined

العمل على نشر البيانات والمعلومات وإتاحتها للجميع

كان من المعتقد عادة أن البيانات والاكتشافات العلمية تُعد ملكية خاصة لابد من حراستها والحفاظ عليها عن كثب. ولكن في عام 2005م، رأى باحث في المعهد الوطني للسرطان اسمه جان كلود زينكلوسن فرصة للذهاب في اتجاه آخر. فقد أخبرني "لقد رأيت أنه من الأنفع لي وللجميع أن نقوم بجمع البيانات جنبًا إلى جنب مع بعض التحليل الأساسي، والقيام بنشره والسماح للمجتمع العلمي بدراسته".

وقد شكل هذا النهج الفكرة الأساسية لـ "أطلس جينوم السرطان"، وهو مشروع مشترك بين المعهد القومي للسرطان والمعهد القومي لبحوث الجينوم البشري، الذي بدأ في عام 2006م، ومنذ ذلك الحين تم إضافة أورام أكثر من 10،000 مريض بشكل متسلسل شاملًا لـ 33 نوعًا مختلفًا من أنواع السرطان. ثم قال لي زينكلوسن بفخر "لقد أصبحت بيانات السرطان الآن بيانات مفتوحة ومتاحة للجميع".

وهناك نهج مشابه يتمثل في مبادرة مواد الجينوم المحتوى الوراثي هو بناء قواعد بيانات لخصائص تلك المواد مثل القوة والكثافة وغيرها من الأشياء، وتشمل المبادرة أيضًا النماذج الحاسوبية المعنية بتنبؤ العمليات التي من الممكن تحقيق الصفات التي يبحث عنها الباحث. ومثل أطلس جينوم السرطان، فإن هذه المبادرة تسعى لجعل تلك البيانات متاحة لأي شخص يحتاج إلى الاطلاع عليها أو استخدامها.

واتخذت شركة تعدين تسمى "غولدكورب" نهجًا مماثلًا لإيجاد طبقات جديدة في المناجم القديمة. ومن خلال الإفصاح عن بياناتها للجمهور، تمكنت من الاتصال بموارد أكثر بكثير وتوسيع قدراتها إلى ما هو أبعد مما يمكن أن تحقيقه داخليًا وخفضت بشكل كبير من تكاليف إنتاجها ناهيك عن زيادة الكبيرة التي حققت في إنتاجها.
 

استخدام المنصات لزيادة القدرات
في عام 2005، قررت شركة إيلي ليلي الانسحاب خارج إنوسنتيف تاركة إياها كمنصة مستقلة تمامًا. ولم تنفق عليها سوى 30 مليون دولار، وهو مبلغًا لا يُذكر بجانب شركة تُقَدر إيراداتها بالمليارات.
في عام 2005، قررت شركة إيلي ليلي الانسحاب خارج إنوسنتيف تاركة إياها كمنصة مستقلة تمامًا. ولم تنفق عليها سوى 30 مليون دولار، وهو مبلغًا لا يُذكر بجانب شركة تُقَدر إيراداتها بالمليارات.
 

البحوث الدوائية هي القدرة الأساسية لأي شركة أدوية كبرى ونجاح أو فشل أي بحث معين يعني بالضرورة مكسب أو خسارة المليارات الناتج النهائي. لذلك، ليس من الغريب أن نسمع أن التنقيب أو البحث عن أدوية جديدة هو الشيء الذي تسعى إليه معظم شركات الأدوية. ومع ذلك، رأى "ألفوس بينغهام"، وهو المدير التنفيذي لشركة الأدوية العالمية "إيلي ليلي"، فرصة للقيام بشيء مختلف. كعاشق كبير لنظام التشغيل "لينكس"، إذ كان مفتونًا بفكرة أن الآلاف من المتطوعين يستطيعون خلق وتطوير البرامج المعقدة التي يمكن أن تتنافس مع أفضل المنتجات للشركات الخاصة الكبرى. خلُص إلى أنه من الممكن تمديد فكرة "لينكس مع مكافأة" وبذلك ربما يمكنه الوصول لحل بعض المشاكل الصعبة التي واجهت "إيلي ليلي"، ولم تستطع الشركة العثور على إجابة لها.

وبدأت منصة إنوسنتيف في (يونيو/ حزيران) لعام 2001م بإضافة 21 مشكلة، وهي العديد من المشاكل التي ظلت الشركة تعمل على إيجاد حل لها لسنوات عديدة. وعلى الرغم من أن المكافآت كانت صغيرة في بالمقارنة بمجال صناعة الأدوية -إذ كانت تتراوح بين (20000 دولار أميركي – 25000 دولار أميركي)- إلا أنه بحلول نهاية العام كان قد تم حل ثُلُث تلك المشاكل. كان هذا نجاحًا مذهلًا!

وسرعان ما أصبح واضحًا جليًا أن المزيد من التحديات على الموقع سوف تجذب المزيد من المحللين الذين يتصارعون من أجل إيجاد حلول لتلك المشاكل، لذلك بدأوا بإضافة شركات أخرى إلى المنصة. وعندما تحسنت النتائج، بدأوا أيضاً في دعوة المتنافسين إلى نشر تحدياتهم الخاصة أيضًا. اليوم، إنوسنتيف لديها أكثر من 100،000 شخصًا من المحللين الذين يعملون على إيجاد حلول لمئات من المشاكل العويصة جدًا التي يصعب على أكثر الشركات ذكاءً إيجاد حلول لها.

 

في عام 2005، قررت شركة إيلي ليلي الانسحاب خارج إنوسنتيف تاركة إياها كمنصة مستقلة تمامًا. ولم تنفق عليها سوى 30 مليون دولار، وهو مبلغًا لا يُذكر بجانب شركة تُقَدر إيراداتها بالمليارات. ومع ذلك، فإن قدرة منصة إنوسنتيف على التوسع بصورة طبيعية من حيث اجتذاب العديد من المواهب الكبيرة كانت فائدتها أكبر بكثير من كونها منصة داخلية مملوكة.
 –

تعميم النظم الإيكولوجية بصورة شاملة
لا تستند القدرة التنافسية الخاصة بك على الأصول والقدرات التي تتحكم بها، بل على ما يمكنك الوصول إليه. لذلك بدلًا من التركيز على قدراتك الداخلية
لا تستند القدرة التنافسية الخاصة بك على الأصول والقدرات التي تتحكم بها، بل على ما يمكنك الوصول إليه. لذلك بدلًا من التركيز على قدراتك الداخلية
 

في كتاب مايكل بورتر الشهير، كتاب الميزة التنافسية، قال أستاذ هارفارد أن مفتاح النجاح على المدى الطويل هو السيطرة على سلسلة القيمة من خلال تعظيم القدرة التفاوضية بين الموردين والعملاء والداخلين الجدد في السوق والبضائع البديلة. هذا وقد هيمنت أفكاره على التفكير الاستراتيجي والتخطيط لعقود.

 

كان مصنع ريفر روج لـ "هنري فورد" مثالًا رئيسيا لهذا النوع من التفكير. وكان فقط عدد قليل من الشركات في ذلك الوقت -وحتى الآن- قد استحوذ على رأس المال الكافي لبناء مثل هذا المرفق الضخم، المتكامل تمامًا القادر على تصنيع كل عنصر يمكن الاحتياج إليه داخل أي سيارة يقوم المصنع بتصنعيها بحيث تزيد قدرتها على المساومة.

 

ومع ذلك، اليوم لا تستند القدرة التنافسية الخاصة بك على الأصول والقدرات التي تتحكم بها، بل على ما يمكنك الوصول إليه. لذلك بدلًا من التركيز على قدراتك الداخلية، تحتاج الآن إلى التفكير في كيفية زيادة تلك القدرات عن طريق زيادة دائرة عملائك وشركائك والبائعين والمنصات مفتوحة المصدر للوصول إلى النظم الإيكولوجية للتكنولوجيا والمواهب والمعلومات.

وقال بيل جوي ذات مرة تلك المقولة الشهيرة "بغض النظر عن من تكون، فإن معظم أذكى الأشخاص في العالم يعملون لدى أشخاص آخرين"، لكن ذلك لا يوضح الفكرة بصورة كافية. اليوم يمكننا القول أن الأفضل من كل شيء يكمن خارج مؤسستك والميزة التنافسية لم تعد تقع على قمة هرم القدرات وإنما في مركز شبكة العلاقات التي يمكنك تكوينها.
____________________________________________________

مترجم عن: (آي إن سي)

المصدر : الجزيرة