الإعلانات الضارة.. مبالغات الحملات الدعائية قد تتسبب بخسائر فادحة
التسويق هو القاعدة الأساسية التي تقرر نجاح أو فشل أي منظمة سواءً كانت كبيرة أو متوسطة أو صغيرة. مغناطيس الأرباح، وتنشيط حركة المبيعات، ومن ثم تطوير حركة الإنتاج، والاهتمام بالجودة، الانفجار العظيم، وتمدد أي منظمة إيجابيا في السوق، هو بالأساس قائم على قوة الحملات التسويقية التي تنتهجها هذه المنظمة في المرتبة الأولى، ومن بعدها تأتي بقية العمليات.
ومع ذلك، التسويق يجب أن يكون مرتبطا بالموضوعية. ألف باء تسويق أن تُظهر كافة مميزات منتجك، وتستهدف الفراغ الذي يمكن أن يملؤه منتجك في السوق. ولكن أحيانا الأمور تذهب في الاتجاه الخاطئ، عندما يتحمّس مسئولو التسويق أكثر من اللازم، فيحاولون تلميع المنتجات وتسويقها بشكل مبالغ فيه بهدف جذب مزيد من الأرباح. فتكون النتيجة في النهاية جذب الخسائر من ناحية، والفضائح من ناحية أخرى!
في هذا التقرير نستعرض مجموعة من أشهر "المبالغات" في الحملات التسويقية التي لم تؤتِ أكلها بزيادة في الأرباح كما كان يتوقع أصحابها، وإنما بزيادة في الخسائر. فضلا عن وقت طويل في محاولة ترميم الشرخ الذي ظهر في جدار سُمعة المؤسسة بين المستلهكين.
في العام 2014، تم رفع دعوى قضائية جماعية من قِبل عدد من مستهلكي مشروب الطاقة ريد بول في أميركا ضد الشركة النمساوية، كان من حيثياتها أنهم كانوا مستهلكين دوريين للمشروب لأكثر من 10 سنوات، ومع ذلك لم يبرز لهم أي "أجنحة"، أو ظهر عليهم أي تحسّن في إمكانياتهم العقلية أو الجسدية. فقط يداومون على شرب ريدبول كمشروب غني بالطاقة والكافيين لا أكثر ولا أقل، ولم يحصلوا على أي مميزات خاصة من ورائه.
النتيجة كانت صدور حكم قضائي يتّهم ريدبول بعمل دعاية تسويقية مزيّفة ومضللة للمستهلكين، ويلزم الشركة النمساوية بدفع تعويضات قدّرت بـ 13 مليون دولار، على شكل دفع غرامة قدرها 10 دولارات لكل مستهلك أميركي بدأ في الاستهلاك الدوري للمشروب بدءًا من العام 2002 حتى لحظة إصدار الحكم القضائي.
بعد صدور الحكم القضائي، أعلنت ريدبول رضوخها لتنفيذه؛ لالتزامها بالقوانين والأحكام القضائية مهما كانت، ومع ذلك فهي تثق في طرق تسويقها وشعاراتها وأنها لا تقول سوى الحقيقة الدقيقة، وتنكر أي اتهامات لها بأنها قامت بتضليل عملائها. ( 1، 2، 3 )
هذه الحملة التسويقية تم مواجهتها قضائيا بدءًا من العام 2008، حيث تم توجيه دعوى تقول إن الشركة استطاعت أن تحقق زيادة في المبيعات بنسبة 30 % مقارنة بالمنتجات الشبيهة، عندما قامت بالإشارة إلى مزايا منتجها "العلمية والسريرية" دون دليل واضح بخصوص هذه الدعاوى، ما يعني أن هذه الحملة تحمل شبهة تضليل صريحة لرفع المبيعات من ناحية، وتحقيق تفوّق على المنافسين من ناحية أخرى دون إنجاز حقيقي.
كانت النتيجة من وراء هذه الحملة الدعائية الزائفة لأكتيفيا، هو تغريم الشركة مبلغ 45 مليون دولار، وإجبارها على إزالة كلمتي " مثبت سريريا وعلميا" من ملصقات المنتجات التي تنتجها. وهو الأمر الذي جعل شركة دانون -الشركة الأم المالكة لأكتيفيا- تعلن إنكارها لأي خطأ قد قامت بارتكابه، باعتبار أن جملة "أوضحت الدراسات السريرية" تعتبر مسموحة قانونيا تماما في عالم الدعاية والتسويق، وتقوم بها الكثير من الشركات الأخرى. ومع ذلك، فقد أعلنت عن دفعها للغرامة انصياعا للقانون. ( 4 )
هذه الفضيحة التي هزّت الشركة بشدة باعتبارها واحدة من أكبر سلاسل محال التجزئة في بريطانيا، جعلت قسم التسويق والعلاقات العامة يحاول أن يغطّي هذه الكارثة، فقامت الشركة بإطلاق حملة دعائية هدفها تحسين صورتها أمام العملاء، من ضمنها نشر إعلان كبير يلتهم صفحتين كبيرتين في معظم الصحف البريطانية، بعنوان: ما الدرس الذي تعلمّناه من أزمة البرغر؟
في هذا الإعلان، على الرغم من أنه يبدو ظاهريا اعتراف من الشركة بوقوعها في الخطأ، وأنها تقدم اعتذارا ضمنيا للجمهور من خلال اعترافها بتعلم دروس من وراء الأزمة، إلا أن الشركة زادت الطين بلّة عندما احتوى هذا الإعلان الضخم على إنكار أن هذه الازمة مرتبطة فقط بالشركة، وإنما هي أزمة في صناعة اللحوم ككل، وأن اللحوم التي تملأ السوق البريطاني هي لحوم ملوّثة بلحوم الخيول. أي أن المشكلة كانت في الصناعة نفسها، وليس خطأ الشركة بمفردها. كان هذا الإعلان مثار ضجيج هائل، وتم التأكد من أن ادعاءات الشركة خاطئة، وقررت "هيئة معايير الإعلان (Advertising Standards Authority)" حذف الإعلان من الصحف ومنع الحملة الإعلانية التي اتخذتها الشركة لتحسين صورتها بإلقاء اللوم على صناعة اللحوم ككل.
هذا التخبط الشديد في معالجة الأزمة، سواءً انتشار فضيحة لحوم الخيول، أو التهرب من تحمّل المسئولية كاملة لاحقا، جعلت سلسلة متاجر تيسكو تخسر حوالي 300 مليون جنيه استرليني (ما يعادل 432 مليون دولار) من قيمتها السوقية؛ ما يعتبر واحدة من أكبر خسائر الفضائح التي حدثت مؤخرا. ( 5، 6، 7 )
مع ظهور الموقع، ومع وعد الموقع لجميع زوّراه بإعادة ترتيب اللقاءات بينهم وبين أصدقائهم القدامى، فقط إذا قاموا بالتسجيل في العضوية الذهبية بمقابل مادي. ومع إقبال الكثير من زوار الموقع على التسجيل بالعضوية الذهبية، انتظر الكثير منهم بفارغ الصبر بدء ترتيب اللقاءات، ولكن انتظارهم يطول أكثر من اللازم، مع سيل من الرسائل الإلكترونية الوهمية من الموقع.
في العام 2008م، تقدم أحد الأعضاء الغاضبين بدعوى قضائية ضد الموقع متهما إياه بالتزييف وكسب أرباح من الأعضاء دون تقديم خدمة حقيقية في المقابل، الأمر الذي دفع المزيد من الأعضاء برفع دعاوى قضائية انتهت بتغريم (classmate) حوالي 9.5 مليون دولار في العام 2010، بقيمة 3 دولارات لكل عضو قام بالتسجيل في الموقع ولم يتم ترتيب لقاء مع أصدقاءه القدامى. الطريف أن الموقع لم يتعلم من هذا الدرس الذي كلّفة 10 ملايين دولار، وقام بدفع غرامة أخرى في العام 2015م بقيمة 11 مليونا بسبب حملاته الإعلانية المزيّفة. ( 9، 10 )
تم رفع دعوة قضائية ضد سبليندا، أدت إلى تغريمها مبلغا لم يتم الإعلان عنه، ومع ذلك يقدّر المبلغ بحوالي 200 مليون دولار، وهو المبلغ الذي طلبته الجهة المُدّعية كتعويضات من الأرباح غير العادلة التي حققتها سبليندا من وراء هذه الجملة لمنتجاتها في الأسواق. ( 11، 12 )
يبدو أن الشركة اعتمدت على شهرتها العالمية الكبيرة في مجال الأحذية الرياضية، ولم تنتبه إلى الدقة والمصداقية في حملاتها التسويقية لأحد الأحذية الذي تم إنتاجها في العام 2011م. قالت الشركة إن هذا الحذاء سوف يمكّن مرتديه من حرق المزيد من السعرات الحرارية، وبالتالي يكسبهم المزيد من المميزات الصحية. كما أعلنت الشركة أنها استخدمت تقنية خاصة بها في صناعة هذا الحذاء تقوم بتنشيط المفاصل وأوتار الركبة وكعوب القدم.
في مقابل كل هذه الخصائص العجيبة للحذاء، أثبتت الفحوص أنه لا يقدم أي فوائد صحية لمرتاديه، وأنه فقط حذاء رياضي جيد. وبالتالي اعتبرت الحملة التسويقية للحذاء مضللة، وتم مقاضاة الشركة بواسطة عدد من مشتري الحذاء أعلنوا أنهم خُدعوا وتضرروا من إعلان الشركة المضلل عن الحذاء. وفي العام 2012م، قامت شركة نيو بالانس بالانصياع لحكم قضائي بدفع غرامة تعويضية تقدر ب 2.3 مليون دولار. ( 13، 14 )
بعد هذا التصريح، تم منع لوريال الفرنسية في الولايات المتحدة من إطلاق أي حملات دعائية بخصوص منتجاتها لمكافحة آثار التجاعيد على الجلد، إلا بعد تقديم أدلة علمية موثوقة ثابتة تدعم هذه التصريحات. وهو ما يعتبر موقفا محرجا آخر بالنسبة للشركة التي تعتبر من أكبر شركات منتجات التجميل في العالم. صحيح أن هذه القضية لم تنتهِ بخسائر مادية للشركة الفرنسية، وأنها استطاعت الفرار من دفع غرامات مالية، إلا أن هذا التنبيه يجعل أي خرق لهذا الاتفاق من الشركة من المتوقع أن يكلّفها مبالغ كبيرة في المستقبل. ( 15 )
أخيرا، كل شركة معرّضة للخطأ. والواقع أن الاخطاء التسويقية نفسها هي الأكثر انتشارا، لأن النشاط التسويقي هو الأكثر تركيزا وتفاعلا من بين الأنشطة الأخرى التي تقدمها الشركة. ولكن ثمة فرق بين أخطاء بسيطة يمكن تداركها، وبين أخطاء كبيرة قد تؤثر على سمعة الشركة، أو على الأقل قد تترك بها نُدبة مادية أو معنوية كان يمكن تجاوزها بسهولة. فقط لو لم تبالغ في حملتها الدعائية للمنتج أو الخدمة التي تقدمها.