شعار قسم ميدان

مشاركة الأفكار.. سبيل الشركات الكبرى لتحقيق إنجازات عظيمة

ميدان - اجتماع عمل تشارك أفكار فريق
يُعد التغيير التنظيمي أمرًا صعبًا، ولسوء الحظ لا تبلغ معظم الشركات غايتها في تحقيق أهداف التحول نتيجة لسوء التخطيط، وأولويات المنافسة، ومشقة التغيير، والافتقار إلى قبوله لدى الفريق. ويكمن أحد الأسباب الجوهرية وراء عدم تحقيق القبول والدعم والمشاركة في أن القادة وأعضاء الفريق الرئيسيين على نطاق المنظمة لا تشملهم عملية التخطيط. إذ إن الشركات التي تنجح في بلوغ غايتها في التغيير، تصل إليه لأنها ترتقب ذلك وتتأهب له جيدًا.

 

تسير عملية تخطيط المهمات في فرق قوات العمليات البحرية الأميركية "نيفي سيلز" بطريقة مباشرة، لكنها تُصمَّم للارتقاء بالمعلومات والخبرات التي يضعها كل فرد في الفريق على الطاولة. عندما تظهر إحدى المهمات، فإننا نبدأ بتحليل أوليّ للمعلومات حتى نستطيع أن نفهم الهدف والمقصد العام. ما الذي نحاول إنجازه؟ ثم نحدد العناصر المتاحة لدينا من طاقم الأفراد، والموارد، والإطار الزمني. لكن الأهم في هذا، أننا نلغي المركزية في عملية التخطيط عن طريق تخويل مهمة تحليل سبل العمل الممكنة وتطوير الخطة إلى القادة الرئيسيين وأعضاء الفريق.

 

لا تتيح هذه العملية لنا أن نجمع أكبر قدر ممكن من البيانات والآراء وحسب، بل إنها أيضًا تحظى بقبول الفريق في ذات الوقت. فكيف هذا؟ يعود السبب إلى أن الجميع لديه صوت في تطوير الإستراتيجية والتكتيكات. غير أن قوة نيفي سيلز وأفضل منظمات الأعمال ينجحون في اجتياز التغيير لأنهم على أهبة الاستعداد لذلك. فالتخطيط شيء جيد، لكن التأهب ضروري. إذ إن الاختيار الاستباقي للمخاطرة، وترقب العوائق، واتخاذ التحركات الإستراتيجية هي الطرق التي يقود بها أعظم القادة منظماتهم نحو الوصول إلى العظَمة.

 

عندما علم قادة الشركة أنهم سيضطرون لاتخاذ تحركات جريئة إلى حد كبير حتى يبقوا في السوق، أجرى فريق القيادة استقصاءً لأعضاء الفرق الرئيسية بجميع قطاعات المنظمة كي يجمعوا أكبر قدر ممكن من المدخلات
عندما علم قادة الشركة أنهم سيضطرون لاتخاذ تحركات جريئة إلى حد كبير حتى يبقوا في السوق، أجرى فريق القيادة استقصاءً لأعضاء الفرق الرئيسية بجميع قطاعات المنظمة كي يجمعوا أكبر قدر ممكن من المدخلات

 

على الرغم أنه من الجيد دومًا التعلم من أخطائنا وأخطاء الآخرين، دعونا نلقي نظرة على شركة من الشركات التي تسير بلا أخطاء لأعوام كثيرة. كنت أدردش مع أحد عملائي حول تاريخ الشركة وكيف كانوا قادرين على إدارة التغيير في منظمتهم. فقد تحدت الشركة، وهي شركة "إم بي إكس سيستمز"، الصعاب في مجال شديد التنافسية عن طريق اتخاذ التحركات الديناميكية بطريقة استباقية، وليس برد الفعل، كما أشركوا الفريق في عملية تخطيط المهمة.

 

تصمم "إم بي إكس" وتصنع أجهزة السيرفر لعدد من أكبر بائعي البرمجيات ومقدمي الخدمات في العالم وأكثرهم استقلالًا وطلبًا. لكنهم لم يبدأوا بهذه الطريقة. اعتادت الشركة، التي تأسست عام 1995، أن تبيع اللوحات الأم وبعض المكونات الأخرى في أجهزة الحاسوب، وكان أكثر عملائهم من الشركات الصغيرة. ومع اقتراب الشركة من العقد الأول من القرن الجديد، كانت أجهزة السيرفر واللوحات الأم تقترب من تسليعها. فلم يعد البيع للمستخدمين النهائيين منطقيًا، والتغيير كان قادماً!

 

وعندما علموا أنهم سيضطرون لاتخاذ تحركات جريئة إلى حد كبير حتى يبقوا في السوق، أجرى فريق القيادة العليا استقصاءً لأعضاء الفرق الرئيسية بجميع قطاعات المنظمة كي يجمعوا أكبر قدر ممكن من المدخلات. فقد كانوا على الدوام مثابرين على حماية ثقافة الشركة، كما أن لديهم سجلًا حافلًا بمواطن القوة الثقافية عندما يواجهون التحديات الفريدة. ويعتبر الاعتزاز العميق بالعملاء لدى موظفيهم من بين نقاط القوة هذه. غير أن الشيء الوحيد الذي صار جليًا بسرعة هو أنهم كانوا سيحركون أشرعتهم بعيدًا عن عملائهم من الشركات الصغيرة ويستبدلون بتلك الأرباح القادمة منهم عملاءً أكبر من مصنّعي المعدات الأصلية.

  

عندما تم اشراك أعضاء الفرق الرئيسية في تخطيط الإستراتيجية وتنفيذها. أتاح لهم هذا الأمر أن يتعاملوا مع الخوف ويزرعوا ثقافة قبول المخاطرة. مما أعدهم للتغيير الذين كانوا سيواجهونه في الطريق
عندما تم اشراك أعضاء الفرق الرئيسية في تخطيط الإستراتيجية وتنفيذها. أتاح لهم هذا الأمر أن يتعاملوا مع الخوف ويزرعوا ثقافة قبول المخاطرة. مما أعدهم للتغيير الذين كانوا سيواجهونه في الطريق

 

في تلك الأثناء، كان 30% من أرباحهم تأتي من هذه الحسابات التجارية الصغيرة. وبعد أن مروا بعملية تخطيط معمقة، افترقوا عن هؤلاء العملاء تدريجيًا، وأوجدوا لهم مصادرًا جديدة مع شركاء موثوقين، واستبدلوا هذه الإيرادات مثلما أرادوا. تفهّم الموظفون لماذا احتاجوا إلى اتخاذ هذا التحرك لأنهم اشتركوا في القرار. فقد منحوا وقتهم وعنايتهم من أجل الانتقال بعملائهم إلى موردين آخرين وكانوا قادرين على حماية السمعة الكبيرة للشركة.    

 

لقد مررنا بعملية مشابهة في شركتي الأخيرة. إذ يبدو غريبًا أن نترك أرباحًا بالملايين لكي نعيد هيكلة الطريقة التي نسيّر بها العمل، لكنها يمكن في الغالب أن تُترجم إلى الفارق بين الفوز والخسارة على المدى البعيد.

 

في عام 2008، عندما حلّ الكساد، فعلوا عكس ما فعلته كثير من الشركات. فبدلًا من تخفيض النفقات وتقليل العمالة، استثمروا في النمو. وبينما خرج كثير من منافسيهم من نطاق الأعمال، ازدادت في الواقع أرباحهم. فقد نجحوا في الانتقال نحو مجال مُصنّعي المعدات الأصلية وقللوا عدد عملائهم بصورة دراماتيكية فيما تضاعفت أرباحهم. لقد كان أعضاء الفرق الرئيسية بجميع أنحاء المنظمة جزءًا من تخطيط هذه الإستراتيجية وتنفيذها. أتاح لهم قبول التغيير أن يتعاملوا مع الخوف ويزرعوا ثقافة قبول المخاطرة. مما أعدهم للتغيير الذين كانوا سيواجهونه في الطريق.

 

وفي عام 2011، خلص فريق القيادة العليا إلى أن ثمة حاجةً لجهود تحول أخرى كي تنمو أعمالهم بدون مضاعفة عدد العملاء. ومرة أخرى، جمعوا الفريق وانغمسوا في الأرقام. كشفت البيانات التي جمعها الفريق المضطلع بمهمة التحول أن 82% من أرباحهم كانت تأتي من 15% فقط من عملائهم. وكان هذا وضعًا خطيرًا ليكونوا فيه. كان هناك جانب إيجابي آخر في ثقافتهم، ويكمن في شفافيتهم في نقل الحقائق المالية للمنظمة. فتركوا كل الأفراد ليعرفوا ما كان يحدث وما يحتاج إلى التغيير. وفي ظل عرض الأرقام على الجميع، دعّموا على الفور "السبب" الداعي للإستراتيجية الجديدة.

  

من خلال خلق ثقافة تقبل الخطورة، وتتبنى الشفافية، وتشرك الجميع في عملية التخطيط من خلال التخطيط الآني من أجل التغيير وتمكين جميع من بالمنظمة، تستمر
من خلال خلق ثقافة تقبل الخطورة، وتتبنى الشفافية، وتشرك الجميع في عملية التخطيط من خلال التخطيط الآني من أجل التغيير وتمكين جميع من بالمنظمة، تستمر "إم بي إكس" في الهيمة على السوق
  

دعت الخطة إلى استبعاد 65% من عملائهم. قد تعتقدون عند رؤية هذه الخطة أنهم فقدوا عقولهم. لكن ذلك غير حقيقي لأن الاحتواء وشفافية التواصل حدثا خلال عملية التخطيط. نقلت الشركة هؤلاء العملاء إلى بائعين جدد ولم يشهدوا على الإطلاق زيادة في الأرباح؟ فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة ارتقاءً درامتيكيًا بكفاءات كل موظف وبالإيرادات التي يحققها. تحسنت الجودة والوفاء بمواعيد التسليم، كما تحسن متوسط الإيرادات القادمة من كل عميل.

 

تحولت المحادثة مع عميلتي حينئذ إلى حديث حول الثقافة والقيّم. فسألتها عن الطريقة التي أداروا بها هذه الأشياء خلال هذه الجهود الجوهرية للتحول. أثبت ما قالته لي نظرياتي حول التحول الذي تحركه الثقافة. لقد تعمّدوا خلق تجارب ثقافية مصممة للمساعدة على تنفيذ إستراتيجيات التغيير لديهم. إذ أنهم ارتقوا بالعناصر الإيجابية فيما عالجوا في الوقت ذاته الجوانب السلبية. فأداروا ما يشبه نوادي الكتب ووضعوا الأهداف بأن يكونوا مصنفين بأنهم أحد أفضل الأماكن للعمل. كما ابتعدوا عن الإشارة إلى قيمهم الرئيسية على أنها "قيّم". بل أطلقوا عليها "عادات".

 

فالقادة العظماء يعرفون أن القيّم تحمل تمامًا نفس القدر من أفضلية السلوكيات التي يجسدها كل فرد في الشركة كل يوم. والقيّم لا تكون ذات أهمية إلا إذا كان الناس يعيشونها فعليًا. كما أنها تصير جزءًا من الثقافة حينما تصبح الأفعالُ المدفوعة بالقيّم عادات. وهذه القيّم تكافأ علنًا.

 

ومن خلال خلق ثقافة تقبل الخطورة، وتتبنى الشفافية، وتشرك الجميع في عملية التخطيط؛ تستمر "إم بي إكس" في الهيمنة على سوقها وإعلاء قيمتها. والأكثر من هذا، أنهم لم يلجؤوا أبدًا إلى تسريح العمالة في إستراتيجية التحول التي يتخذونها. ففي عام 2016، حققوا هدفهم بشغل مكان لهم في قائمتين عن "أفضل الأماكن للعمل لديها". ومن خلال التخطيط الآني من أجل التغيير وتمكين جميع من بالمنظمة، يستمرون في لعب دور نموذجي للتحول الناجح، والدائم أيضًا.

 

======================================= 

 

مترجمٌ عن: (آي إن سي)

المصدر : الجزيرة