شعار قسم ميدان

أزمة خاشقجي تتصاعد.. تعرف على أبرز الشركات ورجال الأعمال الذين قاطعوا السعودية

ميدان - بن سلمان

يبدو أن حادثة اختفاء الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" داخل القنصلة السعـودية بإسطنبول يوم الثلاثاء، الثاني من أكتوبر/تشرين الأول لم تعد تمثّـل محوراً لأزمة سياسية فقط، وإنما تتعاظم يوميا لتصـل إلى ما يبدو أنه مؤشرات لبدء إجراءات اقتصادية من طرف مجموعة من أكبر الشركات العالمية والأشخاص المؤثرين تجـاه التزامات سابقة جمعتهم مع الحكومة السعـودية، مع توالي الاخبار التي تتحدث عن قتل الصحفي بطريقة مروّعة.

خلال عشـرة أيام من حادثة الاختفاء، خرجت العديد من الشخصيات العالمية البارزة في عالم الأعمال والإعلام والشركات العملاقة، يعلنون عن قراراتهم بخصوص الانسحاب أو تجميد مشاركاتهم في مشروعات أو أنشطة سعـودية، بينما أعلنت شركات وشخصيـات عالمية أخرى أنها مازالت تدرس موقفها مع تبدّي الحقائق في قضية الصحفي المختفي.

إمبراطور فيرجن ينسحب.. ويهدد

undefined

في حساباته على مواقع التواصل الاجتمـاعي، أعلن السير يريتشارد برانسون مؤسس مجموعة "فيرجن غروب Virgin group" العملاقة التي تضم أكثر من 400 شركة عالمية في مختلف المجالات، أعلن قطع الروابط مع الحكـومة السعـودية بعد حادثة اختفاء الصحفي "جمال خاشقجي"، واتخاذ مجموعة من القرارات التي تشمل تعليق اتفاقيـات اقتصادية جارية ومستقبلية. (1)

وبحسب المنشور الرسمي الذي أعلنه برانسـون، قال فيه إنه كان يحمل آمالا عظيمة في المملكة العربية السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، وهو الأمر الذي جعله يقبل عرض الحكومة السعـودية له بتولي إدارة مشروعين سياحيين كبيــرين في مدينة " نيـوم " الذكية حول منطقة البحـر الأحمر.

يكمل المنشور: إلا أنه، وبعد الأخبار التي تواردت بخصوص ما حدث في تركيا من اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فإنه – إن صحّت هذه الأخبار – سيؤدي بوضوح إلى عدم قدرتنا في الغرب على متابعة الاستمرار في إنجاز الاعمال بالتعاون مع الحكومة السعـودية. ( 2 )

وذكر برانسون أنه في الوقت التي قامت مجموعته بالتواصل مع السلطات السعـودية لطلب المزيد من المعلومات لتوضيح موقفهم بخصوص ما حدث للسيد خاشقجي، ومع ضبابية الموقف بخصوص التحقيقات الجارية، فإنه قد قرر تعليق إدارته للمشروعين السياحيين الذين طُلب منه العمل عليهما في المملكة، كما ستقوم مجموعة فيرجن بإيقاف المفاوضات الجارية مع صندوق الاستثمارات العامة السعـودي الذي تقدم بطلب استثمار في شركتي الفضاء " فيرجين غالاكتيك Virgin Galactic " و"فيرجن أوربت Virgin Orbit ".

undefined

وبحسب رويترز، فإن الأقسام المتخصصة في صناعات الفضـاء التابعة لمجموعة فيرجن العالمية كانت قد دخلت في مفاوضات جارية مع صندوق الاستثمارات العامة السعــودي يتيح للصندوق ضخ استثمـارات تقدر بحوالي مليـار دولار في هذه القطاعات، كجزء من خطـة الحكومة السعـودية في التوسع للاستثمار في الشركات العالمية.

ولي العهد السعـودي كان قد أجرى زيارة لمجمـوعة فيرجن غالاكتيك في ولاية كاليفـورنيا الأميـركية في مطلع أبريل / نيسان الماضي، وكان في استقباله مؤسس مجموعة فيرجن السير ريتشارد برانسـون الذي بدت العلاقة بينهما طيبة للغاية. خلال الزيارة قام برانسـون بإطلاعه بنفسه على نظام النقل السريع "الهايبرلوب" الذي تطوّره الشركة، وإمكانيـة تطبيق هذا النظـام سريع النقـل في المملكة، حيث يختصـر المسافة ما بين مدينتي جدّة والرياض في 75 دقيقة فقط.  فضلاً عن إمكانية الربط بين السعـودية والإمارات بهذا القطـار الذي تطوّره الشركة ليقطع المسافات بين الدولتين في زمن قياسي، ضمن خطة المملكة الطموحة المسماة برؤية 2030.

الجدير بالذكر أن ريتشارد برانسون يعتبر واحداً من أهم وأشهر رجال الاعمال البريطانيين على الإطلاق، وتقدر ثــروته بحوالي 5 مليارات دولار، وتضم شركته " فيرجن " أكثر من 400 شركة عالمية في كافة القطاعات التجارية، تشمل مجالات الترفيه والطيران والفندقة والفضاء والحفلات وغيرها. ( 3، 4، 5، 6 )

دافوس الصحراء.. انسحابات بالجملة من المؤتمر المنتظر

تأتي هذه الازمة وتوابعها قبل أيام قليلة من انطـلاق النسخة الثانية من المؤتمر السنوي الذي ينطلق في السعودية تحت اسم " مبادرة مستقبل الاستثمـار  Future Investment Initiative " الذي يرأسه ولي العهد السعــودي محمد بن سلمان، وينظمه صندوق الاستثمـارات العامة، والذي يقوم باستضافة عدد كبير من قادة الأعمال حول العالم على مدار 3 أيام متتالية، يقوم خلالها أكثر من 100 متحدث عالمي بإلقاء محاضرات وتنظيم ندوات على هامش المؤتمر الذي يستهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بمعايير مستقبلية.

المؤتمر الذي سيعقد في الفترة ما بين 23 إلى 25 أكتوبر / تشرين الأول والذي يُطلق عليه في الصحافة العالمية " دافوس الصحـراء " تيمناً بمنتدى الاقتصاد العالمي الذي يعقد في منتج دافوس السويسـري، يبدو أنه سيواجه صعـوبات بالغـة مع إعلان عدد كبير من أبرز الشخصيات البارزة في عالم السياسة والأعمال مقاطعتــه والتغيب عن الحضــور بسبب أزمة اختفاء الصحفي "جمال خاشقجي" التي وقعت في بداية نفس الشهر.

صحيفة النيويورك تايمز أعلنت سحب دعمها Sponsorship للمؤتمر على خلفية اختفاء الصحفي. كما أعلنت الصحافية زاني مينتــون بيدوس رئيسة تحرير صحيفة الإيكونوميست الاقتصادية الشهيـرة عن قرارها النهائي بعدم المشاركة في المؤتمر. الأمر نفسه حدث مع الصحافية الأميـركية الشهيـرة "أريانا هافنغتــون" مؤسسة مدوّنة هافنغتــون بوست التي أعلنت عن قرارها بالتغيب عن المؤتمر، تبعها الملياردير باتريك سون شيونج مالك صحيفة لوس أنجلوس تايم الذي أعلن عدم حضـوره أيضاً.

 

دارا خسروشاهي المدير التنفيذي لشركة أوبر العالمية المتخصصة في النقل، من أبرز الشخصيات التي قررت الانسحاب عن حضور مؤتمر دافس الصحراء بالمملكة
دارا خسروشاهي المدير التنفيذي لشركة أوبر العالمية المتخصصة في النقل، من أبرز الشخصيات التي قررت الانسحاب عن حضور مؤتمر دافس الصحراء بالمملكة
 

على مستوى المتحدثين، أعلن روبرت باكيش المدير التنفيذي لشركة فياكوم Viacom الأميركية العملاقة المتخصصة في مجالات الإعلام والترفيه مقاطعته للمؤتمر الذي كان من المُزمع أن يكون متحدثاً فيه. كما أعلن أيضاً الملياردير ورجل الأعمال والمستثمـر الأميـركي ستيف كيس المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي السابق لشركة AOLالأميـركية العملاقة للتقنية والاتصالات أنه كان ينوي حضـور مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار كمتحدث ومشارك في اجتماعات مشروعات البحر الأحمر، إلا أنه وفي ضوء أحداث اختفاء خاشقجي أعلن انسحابه من المؤتمر.

إلا أن أبرز وأكثر الأسماء تأثيرا حتى الآن الذي أعلن عن عدم حضوره المؤتمر على خلفية حادثة الاختفاء، فهو دارا خسروشاهي المدير التنفيذي لشركة أوبر العالمية المتخصصة في النقل، والذي أعلن عن تغيّبه عن الحضور للمؤتمر الذي سيُقعد في نهاية الشهر، على خلفيـة اختفاء الصحفي. خسروشاهي أيضاً أبدى قلقه بشكل علني بخصوص السعـودية باعتبار أن أوبر نالت دعماً استثماريا كبيرا من صندوق الاستثمارات العامة السعـودي بقيمة 3.5 مليار دولار في العام 2016. ( 7، 8، 9، 10 )


تلويحات بالانسحاب من "نيوم" أيضا
مشروع نيوم (يوتيوب)
مشروع نيوم (يوتيوب)

لم تتوقف الانسحابات عن حضور المؤتمر السنوي الذي تعقده السعودية على أراضيها، وإنما طال أيضاً الانسحاب من المشاركة في مشروع "نيوم" الذي أعلن عنه في أكتــوبر / تشرين الأول من العام 2017 في حضور أكثر من 3500 من قادة الأعمال والمسؤولين في العالم الذين حضـروا إلى الرياض بدعوة من ولي العهد السعودي.

المشروع أعلن أنه سيشمل تدشين مدينة ذكية عالمية على البحر الأحمر باستثمـارات قدّرت بـ 500 مليار دولار من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعـودي وعدد كبير من المستثمـرين المحليين والعالمين، وسيشمل مدن تقنية ذكية عابرة للحدود ومحورا للترفيه والسياحة. المشروع تم الترويج له باعتباره أحد أهم المشروعات التي يدعمها محمد بن سلمان في رؤية 2030 باعتباره رمز التحديث في المملكة الجديدة، ووعد بأن يتم توفير البيئة المناسبة لقادة الأعمال من كافة الجنسيات بشفافية واستقرار وأمان استثماري.

بعد مرور عام واحد من إعلان بدء العمل في مشروع نيوم، يبدو أن الوعود بخصوص "الشفافية والاستقرار والأمان" تبددت بعد حادثة اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حيث تم الإعلان عن موجة من الانسحابات لمجموعة من أهم الرموز العالمية المشاركة في المشروع أبـرزهم إرنست مونيز، الفيزيائي ووزير الطاقـة الأميركي السابق الذي أعلن تعليق عضويته في المجلس الاستشاري لمشروع نيـوم المكوّن من 18 شخصيـة عالمية ذائعة الصيت، قائلاً إن استمرار مشاركته في المشروع يعتمد على الكشف عن كامل الحقائق بخصوص اختفاء الصحفي جمال خاشقجي خلال الأيام والأسابيع المقبلة. 

 نفس الموقف اتخذته " نيلي كرويس " النائبة السابقة لرئيس المفوّضية الأوروبية، حيث أعلنت أنها تقوم بتعليق دورها في مشروع نيـوم حتى يتم الكشف عن مصير الصحفي السعودي. أما التقني ورائد الاعمال والمستثمـر الأميـركي سام ألتمـان رئيس مسرّعة الأعمال الأميركية الأشهر "واي كومبيناتور Y Combinator  " والذي يعتبر عضواً بارزاً في المجلس الاستشـاري لمشروع نيـوم السعـودي، أعلن أيضاً تعليق عمله في المشـروع حتى تتبين حقائق اختفاء الصحفي. (7، 8، 9، 10، 11)

المزيد من التداعيات خلال الأيام المقبلة؟

تزامناً مع حملات المقاطعـة، كانت شركة " هاربور غروب Harbour Group " وهي واحدة من العديد من شركات اللوبي التي تتعامل معها الحكـومة السعـودية في واشنطن، كانت قد أعلنت عن إنهاء عقدها التي سبق وأبرمته مع السفارة السعـودية في أميـركا– بحسب نيويورك تايمز – بقيمة 80 ألف دولار شهرياً مقابل العمل كوكالة ترويج وعلاقات عامة ودعاية للسياسات السعـودية في أميركا. التصريح بإنهاء التعاقد جاء على لسـان ريتشارد مينتز المدير الإداري للشركة، على خلفيـة اختفاء الصحفي جمال خاشقجي.  (12)

ومع تزايد الضغوط على السعودية منذ اختفاء الصحفي المعارض والكاتب في صحيفة الواشنطن بوست، تتنبأ العديد من الصحف والتقارير باستمرار تصاعد ردة الفعل الغربية من نواحي اقتصادية، ربما تؤدي إلى تعثّر استثمارات أخرى، وانسحاب المزيد من الأسماء العالمية البارزة في مشروع نيـوم، فضلاً عن الانسحاب من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي يُعقد بعد أيام، خصوصاً من جانب الصحفيين. (13)

وعلى مستوى التصريحات، أشار العديد من الشخصيات الدولية أن حضـورهم للمؤتمـر الذي سيُعقد في الرياض نهاية الشهـر مازال قائماً، إلا إذا خرجت المزيد من المعلومات بشأن الصحفي السعودي المختفي تستدعي إعادة النظـر في قرار المشاركة، وهو التصريح الذي أدلى به وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين. (14)

في النهاية، المؤكد أن الأيام المقبلة ستكشف المزيد من ردود الأفعال على مستوى الشركات الدولية والأشخاص المؤثرين الذين أعلنوا أنهم يدرسون قراراتهم بناءً على الحقائق التي تتكشّف يومياً، بعيداً عن الهدوء الحذر التي تتعامل به الحكـومات سياسيا تجاه قضية اختفاء الصحفي السعـودي جمال خاشقجي الذي دخل قنصليـة بلاده لإنهاء بعض الأوراق الرسمية ولم يعد.

المصدر : الجزيرة