شعار قسم ميدان

استثمار في المستقبل.. مشاريع عربية ناشئة تواجه أزمة الطاقة

ميدان - ريسيكلوبيكيا
في الوقت الذي كانت فيه معادلة الأمان الاقتصادي ترتبط بتوافر احتياطات النفط والغاز، هزت المنطقة العربية اضطرابات عديدة أعادت صوغ المعادلات الآمنة، ولتظهر التهديدات الاقتصادية على أعتاب تلك الدول، حيث تناقص احتياطي النفط في المنطقة العربية بشكل متسارع خلال السنوات الخمسين المقبلة، وهو ما يعني انهيارا حادا في المشغل الأساسي للطاقة في المنطقة. لذلك، كان من الطبيعي أن تدرك حركة ريادة الأعمال التقنية أن الاستثمـار في تأسيس شركات ناشئة تطور حلولا فعالة في مجالات الطاقة النظيفـة وانعكس ذلك على اهتمام المستثمرين ورواد الأعمال في الشرق الأوسط أيضا بدعم مشروعات الطاقة البيئية بشكل لافت.

           

بحسب فوربس؛ حققت المنطقـة العربية طفـرة كبيرة في النمو الخاص بالاستثمارات في مجال الطاقة النظيفة، أو ما يسمى الطاقة الخضراء، تشمل مضاعفة الاستثمار في هذا المجال بثلاثة أضعاف ما كان سائدا من قبل، كما أطلقت الإمارات كمثال أول سندات خضـراء (Green Bonds) في الشرق الأوسط بقيمة 500 مليون دولار بهدف دعم الاتجاه نحو حلول الطاقة النظيفة. ( 1 ، 2 )

            

نستعرض في هذا التقرير مجموعة من الشركات العربية الناشئة التي تركّز على تطوير حلول مبتكـرة لتوليد ودعم الطاقة النظيفة بشكل يساعد -على المدى القريب- في تخفيف الأعباء عن مظاهر أزمـة الطاقة التي أصبحت منتشرة عربيا بشكل كبير، خصوصا مع الاضطرابات السياسية، ويساعد أيضا -على المدى البعيد- في إيجاد حلول غير تقليدية لمصادر الطاقة التقليدية السائدة.

           

شركة Energy 24.. حلول تخزين الطاقــة
undefined
        
شركة لبنـانية تأسست عام 2011 بواسطة كل من رائد الأعمال أنطوان صعب، ونادية موسوني. استطاعت الشركة تطوير نظام متكامل لتخزين الطاقة من الألواح الشمسية أو من الشبكات الكهـربائية العادية بدون الحاجة للاستعانة بمولّدات تعمل بوقود ملوث للبيئة.

         

راودت الفكـرة رائد الأعمال اللبناني أنطوان صعب عندما كان يقضي عطلة في لبنان بعد عمله لفتــرة طويلة في مجال الطاقة الكهربائية في دول الخليج، ليكتشف أثناء قضاء عطلته في بلده الانقطـاع المتكرر للتيار الكهربائي في منطاق مختلفة لأسباب عديدة؛ أهمها أن البنية التحتية لم تتعاف بشكل كامل من آثار الحرب الأهلية في لبنان. كانت هذه بداية ظهور فكـرة تطوير نظـام صديق للبيئة يتجنب استخدام المولدات التقليدية لتخزين الطاقة واستخدامها مباشرة أثناء انقطاع التيار.

         

تأسست الشركة باسم "E 24" (أي طاقة لمدة 24 ساعة) عام 2011، واستطاعت على مدار عامين ابتكار وحدة تخزين للطاقة يمكنها إطلاق الكهرباء لإضاءة المصابيح المنزلية والثلاجات والأجهزة الضـرورية بمجرد انقطاع التيار الكهربائي، وإبقائها لفترة طويلة دون الاعتماد على مولدات تقليدية. طرح المنتج للمرة الأولى عام 2013، وفي عام 2014 استطاعت الشركة الفوز بمسابقة "بادر" اللبنـانية.

           

استطاعت الشركة في الأعوام التالية تأمين حصص تمويلية كبيـرة بإجمالي 3 ملايين دولار جمعتها من مصارف لبنانية وعقود شراكة واستثمـار، ساهمت في رفع عدد فريق موظفيها بشكل كبير والتوسع في أعمال الشركة لتخدم المنازل والمصانع ومشاروعات بالتعاون مع الحكومة، فضلا عن تدشين عدد من المشاريع؛ على رأسها تقنية "eVillage" المعنية بتزويد قرى كاملة في لبنان بالطاقة الكهربائية اعتمادا على الطاقة الشمسية بدلا من المولدات الملوثة للبيئة.

        

تعمل الشركة اللبنانية اليوم على التوسع إقليميا في العراق وإفريقيا، كما تعمل على افتتاح مصنع في بلغاريا بأوروبا، وتخطط لدخول أسواق أميركا الشمالية وأوروبا في العام الجاري (2018)، بمجموعة من الحلول التي توفر الطاقة النظيفـة. وتحتل المرتبة رقم 39 في قائمة فوربس لأقوى الشركات العربية الناشئة للعام 2017. ( 3 ، 4 ، 5 )

             

كرم سولار.. الاستفادة من الطاقة الشمسية

              

شركة ناشئة مصـرية حازت على تسليط إعلامي كبير كونها من أولى الشركات المصرية التي تعمل على إنتاج الطاقة الشمسية وتفعيــلها في العديد من المجالات داخل مصر، خصوصا مع تفاقم أزمة الطاقة التي شهدتها مصر على مدار الأعوام الأخيرة.

             

تأسست شركة كرم سولار عام 2011 بواسطة رائد الأعمال المصري أحمد زهران، برأس مال يقدر بـ250 ألف جنيه مصري، وكانت تستهدف في البداية العمل على إيجاد حلول لمشكلات الأراضي الزراعيـة في الصحراء، والتي تتمثل بشكل أساسي في ضعف مضخّـات المياه القادمة من الآبار، كونها تعمل بالسولار الذي كان يعاني من نقص كبير في مصر خلال تلك الفتــرة.

          

بدأت الشركة في العمل على تنفيذ مشروع لتسهيل ضخ المياه من الآبار عبر الطاقة الشمسية، وهو الأمر الذي شهد نجاحا مهما للشركة مع قدرة الشباب على تطوير تقنيات متطورة بإمكانيات محلية، وتسجيل براءات اختراع دولية باسم الشركة، استطاعوا من خلالها تطوير مضخات ماء بقدرة 600 حصان تعمل بالطاقة الشمسية فقط، والاستغناء الكامل عن الوقود.

            

حظيت الشركة المصرية باهتمام المستثمرين في مصر، واستطاعت أن تكون أول شركة طاقة شمسية تحصل على رخصة من وزارة الكهـرباء لتوليد وبيع الكهرباء مباشرة، واستطاعت بالفعل أن توقع عقودا مع شركات محلية كبـرى مثل "شركة جهينـة" (شركة غذائية) لتوفير الكهرباء لمزارعها من خلال الطاقة الشمسية، وأيضا "مجموعة الدقهلية للدواجن والزراعة" لتوفير احتياجاتها من الطاقة، كمـا تعمل على بناء محطة طاقة شمسية في مرسى علم السياحية توفّر 300 ألف لتر ديزل يوميا، وتفتتح في عام 2018.

       

في عام 2017، حجزت كرم سولار مكانا في قائمة أفضـل 100 شركة عربية ناشئة تقود إلى الثورة الصناعية الرابعة، وهي القائمة التي تم إصدارها على هامش المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي عقد في البحر الميت بالأردن، واختيرت بناء عليه عشرات الشركات العربية الفاعلة في مجالات متعددة، بما فيها مجالات الطاقة النظيفة. (6، 7، 8، 9، 10، 11)

 

بيوديزيل.. وقود حيوي نظيف من زيت الطعام المستعمل
undefined
      
تأسست شركة "بيوديزيل مصر" عام 2013 بواسطة كل من محمود أبو الركب (معلّق رياضي في قناة أبو ظبي الرياضية) واسماعيل زاهر ومعتز عليـوه، واستطاعت خلال سنوات أن تحقق إنجازات أهلتها لتحتل المركز الثالث عشر في تصنيف فوربس لأفضل الشركات المصرية الناشئة للعام 2016.

       

فكـرة الشركة جاءت كنمذجـة لأسلوب عمل العديد من الشركات البريطانيـة التي تقوم بإنتاج الوقود الحيـوي وتفعّـل استخداماته في العديد من المجالات، كتوجّـه عالمي جديد إلى استخدام الطاقة النظيفة غير المكلّفة وإحلالها محل الوقود العضـوي المكلّف والمسبب للتلوّث. البيوديزل الذي تنتجه الشركة هو وقود نظيف يتم تصنيعه من زيوت نباتية أو مخلفات الدهون الحيوانية أو حتى من خلال زيوت الطعام المستعملة في المطاعم، ومن ثم يتم تحويله إلى وقود للعمل في المحركات المختلفة، بإمكـانيات مطابقة لإمكانيات الوقود العادي، وإن كانت تفوقه في الكثير من المميزات.

          

وقود البيوديزل يعد شديد الأمان في النقل والاستهلاك -مقارنة بالوقود العضوي- وأيضا لا يسب تلوّث البيئة، حيث تعتبر الانبعاثات الكربونية الناتجة عنه أقل بنسبة 90% من السولار العادي، كما أنه يزيد من عمـر الآلات التي تعمل به. أيضا، يمكن خلط هذا الوقود بالوقود العضوي دون الحاجة إلى تعديل فني أو هندسي في تصميم المحركات التي تستخدمه، وهو ما يجعل هذا المنتج واحدا من أهم المنتجات التي يحتاجها السوق المصري تحديدا -مع ارتفاع نسب التلوث في مصر- والسوق العالمي ككـل.

         

تقوم الشركة بعقد اتفاقات مع العديد من سلاسل الطعام في مصر لاستغلال بقايا زيت الطعام المستعمل بتكلفة لا تكاد تذكـر، ومن ثم تحويله إلى وقود حيوي يتم توريده إلى العديد من الشركات في السوق المحلية. وتسعى الشركة وفقا لما تم الإعلان عنه في موقعها الرسمي إلى استخدام مخلفات أكثر انتشارا في مصر مثل قش الأرز -سبب من أهم أسباب التلوث في مصر- وتحويلها إلى وقود سائل يمكن استخدامه كوقود نظيف بدءا من عام 2019. (12، 13)

            

ريسيكلوبيكيـا.. خدمات بيئية وإعادة تصنيع

         

تأسست الشركة في عام 2011 بواسطة مصطفى حمدان ومجموعة من الشباب المهندسين في مدينة طنطا المصرية، وتعتبر من أولى الشركات التي تعمل على إعادة تدوير النفايات الإلكترونية (بقايا الأجهزة المختلفة) في مصـر والشرق الأوسط. بدأت الفكـرة -كما يقول حمدان في إحدى لقاءاته- بمشاهدته لفيلم وثائقي بخصوص إعادة تدوير النفايات الإلكترونية، واستخلاص العديد من المعادن المهمة من وراء هذه العملية مثل "الذهب والفضة"، فضلا عن إمكانية إعادة الاستفادة من هذه الأجهزة "الخردة" في إنتاجها مرة أخرى أو تحويلها إلى منتجات مختلفة.

           

كانت الانطلاقة الحقيقة للشركة بعد حصول مؤسسيها على دفعة تمويلية قدرها 10 آلاف دولار بعد نجاحها في مسابقة ريادية محلية مصرية في عام 2011، الأمر الذي جعل لديهم تمويلا مبدئيا كاف لبدء شركتهم الناشئة في كراج صغير يملكه والد مصطفى في مدينة طنطا .

         

اسم الشركة هو مزيج من "Recycle" بمعنى إعادة تدوير، و"روبابيكيا" وتعني الأشياء القديمة التي تشتهر بمناداة جامعي الأجهزة القديمة في شوارع المدن المصرية بهذا الاسم. الجمع بين الكلمتين؛ بمعنى إعادة تدوير الروبابيكيـا.

          

كانت الضربة الأولى عندما بدأ حمدان الترويج لشركته عبر موقع "علي بابا" العالمي الشهير، لتصله أول طلبية من هونغ كونغ بطلب إعادة تدوير 10 أطنان من نفايات الأقراص الصلبة، وهو الأمر الذي كان مفاجئا لمؤسس الشركة، الذي استطاع تدبير الصفقة عبر الاقتراض من أحد أساتذته الجامعيين، وكانت بداية سلسلة نجاحات شهدتها شركته على مدار عامين، حيث ترشحت الشركة إلى العديد من المسابقات، ونالت عدة جولات تمويلية.

      

بقدوم عام 2013، ومع اقتراب الشركة الناشئة من التعاقد على صفقة استثمار كبيرة مع شركة ألمانية، حدثت الاضطرابات السياسية التي شهدتها البلاد في يونيو/حزيران من هذا العام، الأمر الذي أدى إلى تراجع الشركة الألمانية عن عزمها على الاستثمار في ريسيكلوبيديا، وأدى إلى تراجع كبير في مستوى أعمال الشركة.

            

رغم ذلك، استطاعت الشركة لاحقا الوقوف على قدميها مجددا، والبدء في التعاقد مع شركات كبرى خارج مصر، أبرزها شركة دايناميك ريساكلينج الأميركية، خصوصا مع تحول الشركة إلى الإنتـاج بدلا من لعب دور الوسيط فقط -كما كانت في بدايات انطلاقها- واستطاعت الشركة التعاون مع العديد من منصّات التجارة الإلكترونية، وتعكف حاليا على تنفيذ خطط للتوسع خارج السوق المصري. (14، 15، 16)

 

صافــون.. الاستفــادة من طاقـة الريـاح      

       

تأسست شركة صافون إينرجي (Saphon Energy) التونسيـة الناشئة عام 2012 بواسطة رائد الأعمال أنيس عويني، كأحد المشاريع الريادية التي تستهدف توليد الطـاقة النظيفـة باستخدام قوة الرياح.

      

استطاع المشروع أن يطور تقنيـة حديثة يمكنها تحويل 80% من طاقة الرياح إلى طاقة كهـربائية عبر محوّل أطلق عليه اسم "صافون"، وهو اسم مستوحى من اسم إله الرياح الذي كان يعبد في قـرطاج القديمة. المحول الذي تنتجه الشركة يعمل بدون شفـرات وبكفاءة أكبر وبمعدلات أمان أعلى من المحولات التقليدية التي تحول الرياح إلى طاقة، كما أنه لا يصدر صوتا، وأقل إزعاجا وضررا بالبيئة، ومنخفض التكلفة، مما يجعله خيارا ممتازا لتوليد الطاقة الكهربائية -بالتوازي مع شبكات الكهرباء النظامية- في الدول النامية تحديدا.

          

حقق المشروع خلال سنوات انتشارا جيدا جعله محل أنظار عدد من اللاعبين العالميين؛ على رأسهم مايكروسوفت التي دعمت الشركة لتطوير نموذجها الأوّلي، كما حصل المحول المسمى "ذا صافونيان" على جائزة دولية للاختراعات في النمسا عام 2013، وجائزة المستكشف غولف ستريم نافيجيتور التي تمنح للاختراعات ذات الأثر الإيجابي على صحة الإنسان والاقتصاد والبيئة عام 2015.

     

استطـاعت الشركة عبر سنوات -منذ إطـلاقها- حصد تمويل من مستثمرين تأسيسيين في دبي، وهو الأمر الذي يدفع الشركة إلى تنفيذ مشاريعها على المستوى المحلي في تونس، وعلى المستوى العالمي أيضا؛ مثل مشاريع متوقّعة في الهند. (17، 18، 19، 20)

 

undefined

 

أخيرا، يبدو واضحا الاتجاه الريادي العربي لدعم تأسيس شركات ناشئة في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة والتي -ربما بعكس مجالات ريادية أخرى- تلقى اهتماما حقيقيا من الحكومات التي تعاني أصلا من أزمات حقيقية في إدارة ملفات الطاقة في السنوات الأخيرة، سبّبتها إما أزمات سياسية أو تغيرات كبرى في الحراك الاقتصادي العالمي أو حتى نقص محتمل وشيك في موارد الطاقة التي تعودت عليها المنطقة على مدار العقود الأخيرة، ما يعني -ربما- أننا بصدد المزيد من التطوير والدعم والتسريع لهذا القطاع الناشئ في السنوات المقبلة.

المصدر : الجزيرة