شعار قسم ميدان

كنجن.. شركة مصرية أسالت لعاب سامسونغ

ميدان - كنجن
اضغط للاستماع
     

في الأوساط التقنية، لم يكن خبـر استحواذ شـركة سامسونغ الكـورية على شركة "كنجن" (Kngine) المصرية الناشئة خبرا مفاجئا، على الرغم من أن وسائل الإعلام تعاملت معه بحفـاوة كبيـرة عندما أُعلن عنه في بداية مارس/آذار، باعتبار أنه يمثّل مؤشرا جيدا لحركة ريادة الأعمال المتناميـة في مصر، خصوصا في مجال شديد الأهمية حول العالم، وهو "الذكـاء الاصطنـاعي" الذي يعتبر المولّد الأساسي لحركة الشركات العالمية.

    

السبب أن استحواذ سامسونغ على "كنجن" قد تمّ بالفعل في العام الماضي في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بعد أعوام من دعم العملاق الكوري للشركة المصرية الناشئة، وإن أُجّل الإعلان عنه حتى الشهر الحالي، بسبب ما ذكـره هيثم الفضيـل -مؤسس الشركة- عن وجود تفاصيل خاصة بالشراكة بين الشركتين حتّمت إبقاء الخبر بعيدا عن التسليط الإعلامي بعض الوقت، خصوصا في ظل المنافسة الهائلة بين الشركات التقنية في الاستحواذ على الشركات الناشئة التي تُطوّر تطبيقـات للذكاء الاصطناعي.

    

وعلى الرغم أنه لم يُعلن عن قيمة الصفقة حتى الآن، فإن استحواذ سامسونغ على شركة "كنجن" (Kngine) المصرية التي تعمل في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميـركية يعتبر بلا شك تتويجا لرحلة رياديـة عربية ناجحة قد تحمل في طيـاتها إشارة أن العرب ربما لن يكونوا مستوردين فقط لتطبيقات الذكاء الاصطنـاعي، وإنما سيصبحون قادرين على المشاركة في إنتـاجه أيضا والمساهمة فيه بشكل فعّال خلال السنوات المقبلة. (1، 2، 3)

     

البدايـة: علّمت نفسي البرمجة!
بعكس ما هو سائد بين مؤسسي الشركات الناشئة في مجال معقد مثل "الذكـاء الاصطنـاعي"، لم يتخرّج هيثم الفضيل في كلية الهندسة أو علوم الحاسبات. الواقع أنه تلقّى تعليمه الأساسي في نظـام التعليم الثـانوي الصنـاعي في مصر والذي لم يؤهله للالتحاق بكلية الهندسة أو علوم الحاسبات (Computer Science)، فالتحق بكلية التجـارة -وهي من أكثر الكليـات الشعبية في مصـر التي يلتحق بها الآلاف من الطلاب سنويا- وتخرّج فيهـا بشهـادة جامعية عادية. ومع ذلك، وفي عالم موازٍ صنعـه لنفسه، قضـى هيثم كل هذه الفتـرة يدرس ذاتيا -بالتوازي مع تعليمه النظـامي- علوم البرمجة.
    

       

وبحسب هيثم، هذا الشغف بالبرمجة وعلوم الحاسب عموما لم يكن طارئا عليه، وإنما يعود بجذوره إلى فتـرة الطفـولة، حيث بدأ في تطوير البرمجيات وهو في سن العاشرة من عمـره تقريبا. في تلك الفترة، ومع هذا الشغف بالبرمجة اهتم بشكـل كبير بمفهوم الآلة، متأثرا ومدفوعا بأفلام الخيال العلمي التي تجسّد الآلات والأجهزة بأنماط سلوكية بشرية.

     

كان هذا الشغف بالبرمجة ومفهوم الآلة الكاملة الذكية (Perfect Machine) هو الدافع الأساسي الذي جعله يشق طريقه في مجال البرمجة ، فعمـل مبكرا كمبرمج ثم باحث في هذا المجال لصالح عدد من الشركات، بعيدا تماما عن دراسته النظـامية المُعتادة في كلية التجارة.

 

الفكـرة التي قادت إلى "محرك المعــرفة"
في عام 2008 -وهو في العشرين من عمره تقريبا- بدأ الفضيـل في خطواته الأولى لمشـروع "كنجن" (Kngine) الذي ظهر في تلك الفترة كمشروع بحثي، وهو اختصار لعبارة "محرّك المعـرفة" (Knowledge Engine). فكـرة المشروع قائمة على توفيـر محرك بحثي شبيه بغوغل، ولكنه أكثر ذكاء في تنقية وتقديم نتائج البحث حيث يتوقعها ويستبقها ويقدم للباحث أفضـل ترشيحات ممكنة قائمة على الذكـاء الاصطنـاعي. يمكن اختصار الفكـرة أكثر بأنه محرّك بحثي يتوقع ما يبحث عنه المستخدم بشكل أفضل له طابع إنسـاني ذكـي.
          
       

         

المفتـاح الأساسي للمحرك البحثي "كنجن" (Kngine) الذي يقدم بحثا متطورا عن نوعية محركات البحث الموجودة -غوغل كمثال- هو أنه يركز على "المعـرفة" (Knowledge) وليس مجرد بيانات أو معلومات أو تطوير خوارزميات قائمة على كلمات بحثية استدلالية. بمعنى آخر هو محاكاة لتقليد الدماغ البشري في تحليل المعلومات وفهمها وربطها بآخر الأحداث الموجودة، ثم تقديمها للباحث بشكل مباشر يجعلها تضم الأمور التي يبحث عنها بالفعل، وتفضيلات موجّهة له تحديدا، وليس بحثا عاما قائما على قدرة الباحث في استخدام الكلمات المفتاحية.

     

بمعنى أكثر تركيزا، كان طموح الشاب المصـري هو تطوير محرّك بحثي لا يكتفي فقط بفهـرسة الويب، بل "يفهم" ما يريده الباحث بالضبط، ويقدم له النتائج التي يسعى لها بالفعل، وليس مجرد إظهار نتائج مفهـرسة تستمد قوتها من قوة الكلمـات المفتاحية فقط دون وعي بمعنى هذه الكلمـات وأهدافها.

    

من مشروع بحثي إلى شركة ناشئة
بعد عام من إطـلاق المشروع، وعندما لاحظ أنه حقق نتائج جيدة وأن تكنولوجيا البحث الذكي بدأت في الظهور بشكل جيد عالميا، تواصل هيثم مع بعض زملائه في جامعة "MIT" عارضا عليهم المشروع وطالبا منهم المشـورة، فاقترحوا عليه تحويل المشروع من مجرد مشروع بحثي إلى شركة ناشئة، وبالتالي الحصول على التمويلات اللازمة التي تُخرج هذا المشـروع إلى النور كخدمـة تقنية جديدة يمكن تعميمها على الويب العالمي.
       

          

في عام 2009، ترك هيثم الفضيل عمله اليومي في شركة باراليلز لحلول أنظمة تشغيل آبل، وانضمّ إليه أخوه أشرف، وشكّل الشقيقـان فريقا لتحويل "كنجن" من مشروع بحثي إلى شركة ناشئة تطوّر منتجا وتسعى إلى جولات تمويلية تمكّنها من توظيف فريق أكبر، وبالتالي إدخال تحسينات أكبر على المنتج بحيث يمكنها جني أرباح من ورائه. وبالفعل انطلق نموذج أوّلي (Prototype) من المشروع موجّهـا إلى الجمهور في بداية عام 2010.

     

حقق النموذج الأوّلي نجاحا لافتا للأنظار، حيث قام موقع "فينتشـر بيت" الأميـركي الشهير المتخصص في الابتكـارات التقنية باختباره في أغسطس/آب 2010، وأجرى مقارنة بينه وبين محركات أخرى عالمية مشابهة له مثل "باورست" (Powerset)، قائلا إن محرّك البحث الذكي "كنجن" تفوّق بإمكـانياته على "باورست" الذي حصل سابقا على رأس مال مخاطر بقيمة 12.5 مليون دولار وقامت شركة مايكـروسوفت بالاستحواذ عليه عام 2008. (4)

    

بقدوم عام 2011، ناضل الشقيقان بهدف الحصول على تمويل يضمن استمرار مشروعهما وتحديثه بالشكل الذي يرغبان فيه، فكانت الفرصة مناسبة عندما شارك "كنجن" في مسابقة "برنامج الريادة العالمية" الذي عُقد في القاهرة، واُختير المشروع كأحد الفائزين في المسابقة عن جدارة من بين عشرات الشركات الأخرى.

    

هذا الفوز ضمن للفريق الحصول على تمويل من صندوق "سواري فينتشرز" (Sawari Ventures) لرأس المال المخاطر بقيمة 275 ألف دولار، بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة المصرية، واعتباره واحدا من أهم المشروعات الريادية للشباب المصـري بعد الثورة، لدرجة وصف موقع "تك كرنش" (Tech Crunch) العالمي للمشـروع باعتباره "اعتــداء مباشرا على غوغل".(5، 6، 7، 8، 16

     

الروابط ليست إجابات.. نواة تطوير المشـروع

    

بعد الحصول على تمويل من "سواري فينتشرز"، بدأ الأخوان يركزان بشكل أكبر على تطويـر أداء المحرك البحثي في مجالات أوسع، خصوصا مع نمو الفريق ليصل إلى 12 مبرمجا يعملون في المشروع في القاهرة. وفي يونيو/حزيران من عام 2012، أطلق "كنجن" (Kngine) أول نسخة تجريبية لتطبيقـاته على الهواتف الذكيـة بنظـامي الآيفون والأندرويد تحت شعـار "الروابط ليست إجابات".

    

منذ إطـلاق التطبيق بدا واضحا أن محرك البحث يلعب دورا مزيجا بين كل من تطبيق "سيري" (Siri) للبحث الصوتي الذي تطوّره شركة آبل، وتطبيق البحث الدلالي المعروف الذي تطوّره شركة غوغل. قدّم التطبيـق أداء استثنائيا بالقدرة على الإجابة عن كل من الأسئلة المكتوبة والشفهية التي توجّه إليه، وتقديم نتائج البحث على شكل نصوص ورسوم بيانية وصور ورسومات قريبة للغاية مما يطلبه الباحث، وليس مجرّد روابط فقط. هذا الأسلوب اعتمده محرّك "كنجن" باعتبار أن مستخدمي الهواتف الذكية يريدون إجابات واضحة عن أسئلتهم، ولا يريدون لائحة تُظهر مجموعة من الروابط قد تقودهم إلى الإجابة أو لا.

   

بعد شهور من إطلاق التطبيق استطاع أن يحصد تصنيفات إيجابية للغاية على متجر غوغل بلاي على أندرويد، ومتجر آب ستور على آبل. وفي سبتمبـر/أيلول من العام نفسه أُجريت مقـارنة بين محرك البحث "كنجن" مع مجموعة من أهم المنافسين له، مثل تطبيق "إيفـي" (Evi) الذي يقوم على تحليل الأسئلة واستقاء الإجابات المناسبة لها من مواقع عديدة مثل "Quora" وغيرها. وأيضا بينه وبين منافسين آخرين مثل "ولفرام ألفا" (WolframAlpha)، و"سيري" وغيرهما. كانت النتيجة أن محرّك "كنجن" (Kngine) استطاع أن يجيب عن الأسئلة بدرجة أدق بمرّتين من "ولفرام ألفا" و"إيفي". (8، 9)

    

التوسع العالمي.. الإدارة.. التمويل
undefined

           

في السنوات اللاحقة، بدأت شركة "كنجن" تتخذ مسارا تصاعديا في تطوير أدائها سواء على مستوى الإدارة أو التوسع أو تطوير الخدمة. ففي عام 2012، بدأ الفضيل في محاولة البحث عن موطئ قدم لشـركته عالميا، حيث انتقل إلى بالو ألتو في ولاية كاليفـورنيا الأميـركية معقل وادي السيليكون والشركات التقنية العالمية، بهدف الترويج لـ "كنجن" من خلال افتتـاح مكتب في دوغ باتش لابز (Dogpatch labs) إحدى أشهـر بيئات احتضـان الشركات الناشئة في العالم "Accelerating Startups ecosystem" الإيرلندية، والتي تتوزع مكاتبها حول العالم. (9، 10 )

    

في تلك الفتـرة، ومع التوسّع في مكاتب الشركة وشهرتها، بدأ تحدٍّ آخر في الظهور وهو طريقة توظيف الأشخاص ذوي المواهب والقدرات التي يمكن أن تساهم في تطوير الشركة، خصوصا مع ما بدا واضحا من تدني المواهب والكفاءات في هذا المجال. وبحسب بحث نشر في مارس/آذار عام 2014 بعنـوان "الخطوة التالية: تخطي العقبات أمام رواد الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتطوير وتوسيع أعمالهم" من إصدار مختبر ومضـة للأبحاث، تم تسليط الضوء على أسلوب إداري مميز يُتّبع في شركة "كنجن" الريادية الناشئة بهدف استقطـاب أفضل المواهب التي تحتاجهم الشركة، خصوصا في مجال متقدم مثل الذكاء الاصطـناعي. كان هذا الأسلوب ما أسمـاه هيثم الفضيل "جامعة كنجن".

     

الفكـرة هي قيام الشركة بتطوير برنامج تدريبي متقدم يُلزم المتقدمين للعمل في الشركة بالالتحاق به كشرط أساسي في الحصول والاستمرار في وظيفتهم، حيث يدرس المتدربون في مكاتب الشركة العديد من البرامج الهندسية والبرمجية والذكاء الاصطناعي والقدرات الذهنية من خلال مناهج دراسية متاحة على الإنترنت تابعة لجـامعة ستانفورد ومعهد "MIT" وبيركلي وغيرها. وبعد فترة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أشهر يخضع المشاركون لاختبارات تؤهلهم للانضمـام إلى الشركة إذا استطاعوا تجاوزها. هذا الأسلوب -بحسب تصريح للفضيل- أثبت نفسه كوسيلة توظيف ناجعة في استهداف الموظفين الأكفاء تحديدا بشكل أفضل دقة بكثير من وسائل التوظيف التقليدية. (11)

    

على مدار الأعوام التالية، استطـاعت الشركة أن تحقق إنجازات كبيرة في مجال تطوير محرك البحث والتطبيق وتسهيل طرق استخدامه للمستخدمين، وهو ما جعل الشركة تتمكن من تأمين تمويل آخر في سبتمبر/أيلول من العام 2014 بقيمة مليون دولار بواسطة تجمع من الشركات يضم "مركز سامسونغ المفتوح للابتكار" في أميـركا (Samsung Open Innovation Center)، و"فودافون فينتشرز في مصر" (Vodafone Ventures Egypt)، وأيضا ساهم في التمويل شركة "سواري فينتشرز" (Sawari Ventures) للمال المغامر. (12)

 

بيكسبي يعجّل استحواذ العملاق الكوري على الشركة المصرية
undefined
  
في الربع الأول من عام 2017، أعلنت شركة سامسونغ الكـورية عن واحد من أهم منتجاتها الرقمية الجديدة وهو المساعد الصوتي الذكي "بيكسبي" (Bixby) الذي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطنـاعي التي تتيح للمستخدم التحكم من خلالها في الهاتف وتطبيقاته وأدواته بشكل أكبر دقة وأسهل في الاستخدام، ويمكن للمساعد الذكي فهم تعبيرات المستخدم بشكل أفضل سواء بالتحدث أو الكتابة أو اللمس.

     

الخدمة بدأت التفعيل في هواتف سامسونغ من طراز "Galaxy S8″ و"Galaxy S8 بلس"، ومن المتوقع أن يحجز مكانا في إصدارات سامسونغ القادمة من الهواتف الذكية باعتباره من أهم الإضافات التنافسيـة للشركة في ظل تركيز الشركات الكبرى بشكل كامل على تقنيات الذكـاء الاصطناعي في الهواتف النقالة، وتسهيل الاستخدام والاعتماد على البحث الذكـي الذي يقود إلى أفضل النتائج ويجعل الهاتف قادرا على فهم شخصية صاحبه ويتوقع ما يريده وما يبحث عنه بالضبط. (13)

     

لذلك، جاء استحواذ الشركة الكـورية على "كنجن" (Kngine) المصـرية -في صفقة لم يُعلن عن قيمتها- طبيعيا في سبيل دعـم مشروعها المساعد الذكي "بيكسبي" الذي تعمل على تطويره ليشمل سلاسل منتجـاتها المقبلة، خصوصا مع وصول دقّـة المحرك الذكي إلى نسبة 82% والعمل على مزيد من تطويره ليصل إلى نسب أعلى.

   

     

يأتي هذا الاستحواذ مع تنامي المنافسة بين مساعد سامسونغ الذكي "بيكسبي" وبين مساعد غوغل الذكي (Google Assistant) وسيري (Siri) الذي تطوّره آبل، وهو توقيت تتوجّه فيه أهم الشركات التقنية الكبرى إلى دعم تقنيات الذكـاء الاصطنـاعي، جعل سامسونغ تقوم أيضا بالاستحواذ على شركة "Fluenty" الكـورية التي تدعم أيضا أبحاث الذكاء الاصطنـاعي في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه. (14، 15)

      

undefined

     

ربما لم يكن الأخوان الفضيل يتوقعان هذا النجاح الذي حققه محرك بحثهما الذكي على مدار سنواته العشر، وربما كانا يتوقعـانه. في الحالتين، جسّدت قصة نجـاح "كنجن" (Kngine) نموذجا مهما لقصص النجاح الريادي للشركات الناشئة العربية في مجال الذكاء الاصطنـاعي الذي يعتبر على قمة هرم الأنشطة الريادية العالمية حاليا.

المصدر : الجزيرة