شعار قسم ميدان

تفكيك أكذوبة اكتشاف البنتاغون لأطباق طائرة

midan - أطباق طائرة

في أثناء تمرين اعتيادي لمجموعة من سفن البحرية الأميركية قبالة سواحل كاليفورنيا التقط رادار السفن مركبة طائرة تقترب بسرعة ثابتة ولا تستجيب لأية إشارات راديوية تبثها السفينة للتعرف عليها، هنا أعلنت حالة الطوارئ فورًا وأرسلت طائرتين من الفئة (F18) لتتبُّع تلك المركبة وإيقافها إن مثّلت تهديدًا، مع اقتراب الطائرتين من المركبة اكتشفوا أنها ليست طائرة، بل هو جسم مستطيل الشكل بطول 13 متر وسمك 4 أمتار، حينها، بدأت المناورة.

 

ارتفعت إحدى الطائرتين من الفئة (F18) للأعلى وتتبعت رفيقتها هذا الجسم الذي، فجأة، غير اتجاهه، في مناورة تتصدى – كما يبدو – لما نعرفه عن قوانين الفيزياء ليصبح خلف الطائرة التي تطارده، وخوفًا على حياتهم، مع انخفاض كمّيات الوقود بالطائرات، اضطر الطيّارَين للعودة إلى قواعدهم بينما ظل هذا "الشيء" الطائر في مجال السفن لعدة ساعات، يرتفع حتى 25 ألف متر ثم ينخفض بسرعة الصوت إلى حوالي 15 قدم فقط حائمًا فوق سطح البحر.

 

هل هو برنامج سرّي؟

كان ما سبق هو مجمل تصريح كريستوفر كي. ميلون(1)، والذي عمل خلال 20 عامًا كجزء من إدارات الاستخبارات في الولايات المتحدة الأميركية، فكان نائب مساعد لوزير الدفاع للاستخبارات، ثم نائب مساعد لوزير الدفاع لعمليات المعلومات والأمن، وأخيرًا كمساعد وزير الدفاع لسياسة الاستخبارات، في مؤتمر صحفي بأكتوبر الماضي حول حادث هام تم تسجيله ورصده من قبل قوات البحرية الأميركية قبل ثلاثة عشر عامًا من الآن، تجد تسجيل الطائرة (F18) للحادث صوتًا وصورة في الفيديو المرفق من يوتيوب، ولم يتم – إلى الآن – فك طلاسم ذك اللغز.

 

 

أعيد ذلك التصريح إلى مركز الاهتمام خلال الأيام القليلة السابقة بعد أن اعترف البنتاغون(2)، مقر وزارة دفاع الولايات المتحدة، بأنه موّل ضمن ميزانيته، بما قيمته 22 مليون جنيه، برنامج للبحث عن الأجسام الطائرة المجهولة والتي تمثل تهديدًا، بدأ البرنامج سنة 2007 بدعم من مجموعة من أعضاء الكونغرس ممن يؤمنون بوجود كائنات فضائية تظهر من حين لآخر بمركباتها لتحلق في غلافنا الجوي، ثم أُغلق سنة 2012 بحجة تحويل التمويل لأغراض أكثر أهمية، إلا أنه استمر بعد ذلك بشكل جزئي تابع لمجموعة من المستثمرين.

 

في الحقيقة، لم يكن هذا البرنامج سريًا بالمعنى الاستخباراتي(3) كما يزعم البعض، لكنه كان مُدارًا فقط، لأغراض عسكرية بالمقام الأول، من قبل عدد قليل جدًا من المسؤولين، أحدهم كان مليارديرا صاحب شركة أبحاث فضاء يدعى روبرت بيغلو، وكان الهدف الأساسي للبنتاغون من البرنامج، أو قُل الحجة البيروقراطية، هو دراسة تلك الحالات التي يرصد فيها عسكريون، أو حتى مدنيون (بدرجة أقل)، حركة غير طبيعية تنافي ما نعرفه عن قوانين أنظمة الدفع أو قوانين الحركة، وتحليلها ومحاولة الخروج بتفسير ممكن.

 

ورغم أن بيغلو، وأصدقائه من أعضاء الكونغرس السابقين الذين دعموا وتابعوا هذا البرنامج، يخرجون علينا يومًا بعد يوم في برامج التليفزيون الشهيرة للقول إن هناك "دلائل واضحة" على وجود تلك الأجسام الطائرة، إلا أن تلك التصريحات -أولًا- لا تمت بصلة للجهات الرسمية، كذلك فإنه لا دليل قوي عليها سوى فيديوهات من النوع الذي رأيناه بالأعلى، وهي، رغم ما تبديه لنا من غرابة، تحتمل أيضًا أسبابًا اعتيادية كأن تكون تلك الأجسام هي فقط برنامج سرّي آخر مدار من قبل إدارات استخباراتية أخرى.

 

ما الذي رأيناه حقًا؟

إن تصريحات كريس مولين، والطيّارين الأربعة(4)، وأعضاء الكونغرس المهتمين، غالبًا ما تحمل جملًا كـ "ينافي قوانين الفيزياء" أو "لم أر مثله من قبل" أو غيرها من الادعاءات التي يصعب إثباتها والتأكد من صحتها، ذلك بالطبع لا ينفي أن هناك درجات واضحة من الاختلاف بين ما نراه في تلك المقاطع المصوّرة والطائرات الطبيعية، لكن دعنا نقول أننا فقط لا نأمل أن تكون مصالح البعض السياسية (هاري ريد السيناتور السابق والذي يقول أنه لم يخجل من دعم برنامج كهذا، استقالة مدير البرنامج لويس اليزونودو في أكتوبر ثم "بعدها" تصريحه بوجود دلائل واضحة على وجود كائنات فضائية، أو أن يكو الأمر برمته ذا علاقة بمشكلات سياسية بين دول بعينها)، أو الاقتصادية الخاصة بأشخاص بعينهم أو مؤسسات (بيغلو وشركته، أو مولين الذي أسس أيضًا شركة بعد تقاعده) هي جزء من ادعاءات كتلك.

 

 

في الحقيقة، بجانب كل تلك المشكلات العسكرية، الإعلامية، والسياسية المتشابكة، يطرح هذا الموضوع عدة أسئلة هامة تلفت انتباهنا إلى الجانب العلمي لتلك الحكاية، حيث مثلًا: إن كانت تلك الكائنات موجودة، لمَ تتعمد أن تتخفّى عنّا؟ لماذا لا تحاربنا أو تحدّثنا؟ ثم، لماذا صرّح الناس في كل العالم، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعد -كما يبدو- مركز انطلاق كل الادعاءات المتعلقة بهذا الموضوع، أنهم قد رصدوا أجرامًا طائرة تختلف عن أي شيء قد رأوه من قبل؟

  

دعنا نبدأ بالسؤال الأخير، فبجانب حب الشهرة، والهوس بالظهور الإعلامي في برامج المساء أو الجرائد بألوانها، أو حتى بعض الحالات النفسية التي تدعو أصحابها لتصور وجود أشياء لم توجد من قبل، فإن هناك سبب رئيس يجعل الناس يظنون أن هناك أجرامًا طائرة ذات علاقة بكائنات فضائية، تسمى (UFOs Unidentified Flying Objects) أجرام طائرة مجهولة، ونسميها أطباقًا طائرة، وهو أنهم لا يفهمون السماء بالأساس، أو لا يفهمون كيفية تصوير شيء ما، فمثلًا(5) إن أحد أشهر الأجرام التي ادعّى الناس أنها أطباقٌ طائرة تعد ألمع نجوم السماء "الشعرى اليمانية" (Sirius) من كوكبة الكلب الأكبر.

 

أضف لذلك ظواهر أخرى معتادة كالنفث الخارج من بعض الطائرات، أو غير معتادة "كالسحب العدسية"(6)  (Lenticular Clouds) وهي غيوم تتخذ شكلا لوزي بيضاوي أو دائري تتكون في المناطق الجبلية، أو نوع من الأوهام البصرية كالسراب في الأفق، أو ظواهر فلكية في بعض المناطق "كالأورورا"(7) (Aurora)، أو حتى البالونات التجريبية الخاصة ببعض أبحاث الطقس، أو المحطة الفضائية الدولية والتي تلمع في السماء كثيرًا وتتحرك بسرعة، هناك دائمًا بعض الأشياء التي لم يعتدها البعض، كمذنب يظهر في السماء، فيتصور أنها ليست من هذا العالم، لكن في تلك النقطة من حوارنا معًا حول تلك الأجسام المتخفية يظهر سؤال آخر هام غالبًا ما تثيره أفلام الخيال العلمي وهو:

 

أين ذهب الجميع؟

نعيش في كَون ولد -كما نتصور- قبل 13.8 مليار سنة، به تريليوني مجرة، كل واحدة منها تحتوي على عدد مهول من النجوم (400 مليار نجم في مجرتنا، وتريليون نجم في الجارة أندروميدا)، نعرف أن هناك عددا كبيرا من الكواكب يمكن له احتضان ظروف تشبه ظروف أرضنا الدافئة، خذ مثلًا الإعلان الكبير الأخير لناسا قبل عدة أشهر عن اكتشاف النظام النجمي(8) "ترابيست 1" (TRAPPIST-1) الذي يضم سبعة كواكب تدخل ثلاثة منها في النطاق الصالح للحياة مع احتمال أن تكون الكواكب السبعة ذات ظروف ممكنة للحياة، بل وتقترح دراسة أخيرة(9) أن هناك ما يقترب من 100 مليار كوكب كالأرض في الكون.

 

undefined

 

في كون كهذا، يمكن لحضارة ما تمتلك تكنولوجيا صاروخية متوسطة قد تستطيع بسرعة الوصول إلى كامل حدود المجرة الخاصة بها خلال -قُل- 10 ملايين سنة فقط، في تلك النقطة دعنا نفترض أن هناك كوكب ما، لنسمّيه "الكوكب كريبتون"، يشبه الأرض في كل شيء تقريبًا، ويقع ضمن النطاق الصالح للحياة، لكنه ولد قبل 6.5 مليار سنة ضوئية، بينما ولدت الأرض من باطن السحابة الغبارية المحيطة بالشمس قبل 4.5 مليار سنة ضوئية فقط، هذا يعني أن هذا الكوكب، الآن، يتقدم عنّا بـ 2 مليار سنة كاملة، هنا سوف نسأل: متى ابتكر الإنسان الكتابة؟

 

قبل حوالي خمسة آلاف سنة فقط، إن كل ما نراه من تقدم صناعي كان ابن المائتي سنة السابقة، ومنذ 20 سنة فقط لم نكن لنتوقع أن 6 مليار شخص من هذا الكوكب سوف يمتلكون هواتف محمولة. إن تطور القدرات التقنية للبشرية يدفعنا لفكرة عن كوكبنا، بعد 2 مليار سنة، لا يمكن تخيّلها، لكن على الأقل يمكن فهم مدى التقدم المتوقع إذا استمرت الأمور بهذا النمط، هنا يتدخل الفيزيائي الروسي نيكولاي كافيندش ليقول إن هناك ثلاثة مستويات(10) أساسية لأي حضارة تحكم تقدمها التقني.

  

المستوى الأول هو قدرة الحضارة على استخدام وتخزين الطاقة الواصلة لها من النجم الذي يدور كوكبها حوله، أما في المستوى الثاني فإن الحضارة قد تكون قادرة على صنع تقنيات، تبلغ من الدقة والتطور بحيث يمكن لها أن تغلّف نجمها كاملًا لتستغل كل ذرة طاقة صادرة منه، وحضارة المستوى الثالث تتمكن من استخدام وتخزين كل طاقة المجرة، نحن إذا – كأرضيين – لازلنا نحاول أن نكون من أصحاب الحضارة من المستوى الأول، أما الكوكب كريبتون، صديقنا الأكبر سنًا بفارق 2 مليار سنة، فربما الآن يتجهز للدخول في المرحلة الثالثة، أو هو أصبح بالفعل من أصحاب اللقب "حضارة المستوى الثالث".

 

هنا سوف نسأل، على لسان أنريكو فيرمي(11) الفيزيائي الشهير "مفارقة فيرمي": لماذا إذا لم تأت تلك الحضارة إلى الآن؟ أين هم؟ أين ذهبت الحياة ولماذا نحن وحيدون بهذا الشكل؟ ويطرح هذا السؤال -بكل بساطة- إجابتين، إما أنهم لا يوجدون، إلا في أفلام مارفيل، ونحن وحيدون حتّى الثمالة، أو أنهم هناك بالفعل لكن لسبب ما لا نستطيع التواصل معهم، لكن كيف يمكن أن يكونوا موجودين ولكن لا قدرة لنا -أو لهم- على التواصل؟!

 

الحاجز العظيم

قد تكون التكنولوجيا التلسكوبية الخاصة بنا غير قادرة على التقاطهم، أو قد يكونون في مرحلة المراقبة بالفعل، أي يراقبوننا لكنهم لم يقدموا على خطوة التواصل بعد، أو أنهم هناك بالفعل، يراقبوننا ويعرفون بوجودنا، لكنهم لا يهتمّون، أو أنهم ربما في بُعد آخر مختلف عنّا بالأعلى بينما نحن عبارة عن محاكاة حاسوبية، أو قد نكون مجرد تجربة ما، لكن روبن هانسون أستاذ علم الاقتصاد بجامعة جورج ميسون(12) يقترح سببًا آخر لمفارقة فيرمي (Fermi Paradox).

 

إلى لحظة كتابة هذه الجمل، سواء عبر البنتاغون أو دراسات علمية أخيرة، نحن لم نتواصل، أو نتمكن حتّى من التأكد، بأية درجة، من وجود كائنات فضائية
إلى لحظة كتابة هذه الجمل، سواء عبر البنتاغون أو دراسات علمية أخيرة، نحن لم نتواصل، أو نتمكن حتّى من التأكد، بأية درجة، من وجود كائنات فضائية

 

يقول روبن أن أية حضارة تبدأ من نجم وكوكب، في النطاق الصالح للحياة، هذا هو شرطها الأول، بعد ذلك نحتاج للشرط الثاني وهو تواجد جزيئات الحياة (الحمض النووي)، ثم ظهور الأشكال الخلوية الأوّلية، ثم التعقد الخلوي التالي، ثم ظهور التكاثر بالتزاوج، والكائنات متعددة الخلايا، ثم تمكن كائن ما من استخدام دماغه، ثم المرحلة التي نحن فيها الآن كبشر، وأخيرًا القدرة على استعمار كواكب أخرى والنفاذ إلى جوانب المجرة، أو الكون ككل.

 

بذلك تكون الإجابة على مفارقة فيرمي هو أنه، على عكس المتوقع، فإن هناك عددا قليلا جدًا من الحضارات الممكن وجودها، بسبب أن أحد تلك الشروط يمثّل عجزًا حقيقيًا لا يمكن تجاوزه بسهولة في طريق أية حضارة، يسمى ذلك العجز بالمصفاة/الحاجز العظيم13 (Great Filter)، قد تكون سببا أوّليا كنشوء الحياة، أو في مرحلة متقدمة كأن تقوم النسبة الكبرى من الحضارات بتدمير ذاتها في أثناء تخطّي مرحلتنا (التي نقع فيها الآن) إلى مرحلة تقدم حضاري أكثر ضخامة يسمح باستعمار كواكب أخرى. الأرض إذنا إمّا محظوظة بالمرور من تلك المصفاة الدقيقة قبل عدة ملايين/مليارات من السنين، أو أنها مقبلة على كارثة كونية، فالحضارات تنشأ وتفنى بضغطة زر من "مخبول" كوري أو أميركي أو روسي ربما، كما ترى.

 

لكن، في النهاية، فإن كل ما عرضناه من فرضيات لا يدخل في نطاق العلم أو الاختبار التجريبي بالمعنى المفهوم، بل يطرح تساؤلات فلسفية هامة، قد لا يكون هناك أي أحد ونحن فقط وحيدون لكن ذلك أيضًا يطرح أسئلة فلسفية معقدة، يشبه الأمر أن تستيقظ فجأة في مبنى ما؛ لتجد أن لا أحد هناك، تدور في أرجاء المبنى ولا تجد أحدا، تخرج من المبنى للشارع، تدور في شوارع المدينة، في الأسواق والصيدليات والملاهي، قد تركب إحدى السيارات لتسافر على مدى مئة كيلومتر بين المدن المختلفة، فلا تجد أي أحد، أنت فقط في ذلك البراح الواسع، ألا يدعو ذلك للرعب؟!

 

بالفعل، وهو أيضًا نوع من الرعب الذي يدفع الكثيرين للهوس بعالم الأطباق الطائرة، لذلك، ولكي نوضح الأمر في ظل تلك العاصفة شديدة القسوة من الادعاءات على الإنترنت العربي أو العالمي تعليقًا على تلك القصّة، لم يرصد البنتاغون -أو يعلن عن رصد- أية أطباق طائرة، وإنما اعترف فقط بأن هناك قطرة قدرها 22 مليون دولار ضمن حوض ميزانية قدره 500 مليار دولار خُصصت للتعرف على أجرام طائرة مجهولة الهوية، وهناك فيديوهات حقيقية "تشير" – بشكل ما – إلى أشياء طائرة "لا نعرف ماهيتها بعد"، وإلى لحظة كتابة هذه الجمل، سواء عبر البنتاغون أو دراسات علمية أخيرة(14)، نحن لم نتواصل، أو نتمكن حتّى من التأكد، بأية درجة، من وجود كائنات فضائية.

المصدر : الجزيرة