شعار قسم ميدان

"دودة الأذن".. لماذا تعلق بعض الأغاني بأذهاننا؟!

midan - موسيقى
خلال أحد الأسابيع المنصرمة؛ وبعدما استمعت لإحدى الأغاني المُفضلة لدي، لم يتوان عقلي عن تكرار أحد مقاطع الأغنية -مرارًا وتكرارًا- وظللت أكرر نفس المقطع على مدار أسبوعٍ كاملٍ. هذه الحالة تُصادفنا كثيرًا، فعند الاستماع إلى بعض الأغاني تستمر أدمغتنا في تكرار إحدى مقاطعها بصورة مستمرة قد تستمر لأسابيع.!

 

"التصوير الموسيقي اللاإرادي" هو الاسم العلمي لهذه الحالة المتمثلة في علقان إحدى الأغاني بأذهاننا، كما تُعرف هذه التجربة أيضًا باسم "متلازمة الأغنية العالقة" وتُعتبر "دودة الأذن" (Earworm) هي المسمى الأكثر شعبية وشهرة لهذه الحالة.
 

تُعتبر متلازمة الأغنية العالقة (دودة الأذن) تجربة شائعة بدرجة كبيرة جدًا، مما دفع الباحثين إلى دراسة هذه الظاهرة بتعمق للتعرف على الأسباب التي تؤدي إلى حدوثها لهذه الدرجة، وعلى أي أساس يختلف تكرار حدوثها من شخص إلى آخر، ولماذا تعلق بعض الأغاني في أذهاننا بينما لا يفعلها البعض الآخر، بالإضافة إلى كيفية التخلص منها. لذلك كَثُرت الأبحاث التي تتناول هذه المتلازمة خلال الحقبة الماضية.
 

فتشير العديد من الدراسات البحثية إلى أن أكثر من 90% منا يعانون من هذه المتلازمة وبصورة منتظمة. كما وجدت إحدى الدراسات الأخرى الناتجة عن المؤتمر الدولي العاشر لفهم وإدراك الموسيقى أن أكثر من 91% من المشاركين بها يعانون من دودة الأذن مرة واحدة على الأقل في الأسبوع؛ بينما تعاني 25% منهم من هذه المتلازمة أكثر من مرة على مدار اليوم.
 

صٌناع الموسيقي أكثر عرضة لمتلازمة الأغنية العالقة
undefined

قد تتعدد الأسباب الفعلية المسئولة عن حدوث دودة الأذن وتعلق بعض الأغاني بأذهاننا. لذلك اختلفت العديد من الأبحاث حول الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى هذه الحالة، لكن في المجمل يمكن تقسيم تلك الأسباب إلى أسباب متعلقة بصناعة الموسيقي والأغنية نفسها، وأسباب أخرى تتعلق بالسمات الشخصية للأفراد، ومن هنا يظهر اختلاف تكرار دودة الأذن بين الأشخاص وبعضهم البعض؛ كما ظهر في إحدى الدراسات التي كان يتعرض ¼ المشاركين بها لهذه الحالة أكثر من مرة على مدار اليوم، على عكس باقي المشاركين الذين كانوا يعانون منها مرة واحدة فقط خلال الأسبوع.


أشارت
إحدى الدراسات البحثية التي تمت في كلية "جولد سميث" بجامعة لندن على يد فريق من 6 باحثين إلى أن دودة الأذن تُنسب غالبًا إلى أغنية ما تم الاستماع إليها مؤخرًا، أو تم الاستماع إليها بصورة متكررة، وبالتالي يتناسب معدل إصابة الأشخاص بدودة الأذن تناسبًا طرديًا بالاحتكاك بالموسيقي. فيوضح "يان هيمينج" أستاذ علم الموسيقي بجامعة كاسل أن صُناع الموسيقى، والأشخاص الذين يتعرضون إلى الموسيقى بصورة متكررة، أو يستمعون كثيرًا إلى الراديو، أو يمتلكون مجموعة كبيرة من الموسيقى والتسجيلات هم أكثر عرضة لهذه المتلازمة من غيرهم.
 

دودة الأذن الموسيقية ما بين ترابطات الذاكرة والحالة المزاجية
بالإضافة إلى ذلك؛ فقد أوضح المشاركون في الدراسة السابقة أن دودة الأذن الموسيقية قد تحدث بسبب ترابطات الذاكرة؛ حيث تتم إثارة هذه المتلازمة عند رؤيتهم لأي صورة لديها أدنى ارتباط بأغنية معينة، وبالمثل تمامًا عند قراءتهم لكلمة ما من كلمات أغنية معينة. فتقوم الدماغ بإحداث ترابط فوري بين الصورة أو الكلمة التي تم التعرض لها وبين الأغنية الموجودة في الذاكرة. إذ تقوم الدماغ باستعادة الأغنية من مكمنها -بالذاكرة طويلة المدى- إلى ذهن الفرد؛ حيث تشغل حيزا لا بأس به من التفكير؛ مما يدفع الفرد إلى تكرار الأغنية تلقائيًا.

يرتبط حدوث متلازمة الأغنية العالقة ارتباطًا وثيقًا بالعاطفة، فالأغاني التي لا نعرفها جيدًا تعتبر أقل عرضة لأن تصبح دودة أذن
يرتبط حدوث متلازمة الأغنية العالقة ارتباطًا وثيقًا بالعاطفة، فالأغاني التي لا نعرفها جيدًا تعتبر أقل عرضة لأن تصبح دودة أذن
 

فعلى سبيل المثال؛ شرح أحد المشاركين في هذه الدراسة أنه يعاني من دودة الأذن لهذا السبب بالتحديد. ففي كل مرة يتعرض فيها لكلمة "Umbrella"، تقوم دماغه بإحداث ترابط بين الكلمة وبين أغنية "ريانا" التي تحمل نفس الاسم، وبالتبعية تقوم دماغه باسترجاع الأغنية من ذاكرته طويلة المدى؛ لتظل عالقة في ذهنه ويقوم بغنائها مرارًا وتكرارًا لفترة ليست بالقصيرة.
 

ومن ناحية أخرى؛ قد تلعب الحالة النفسية والمزاجية دورًا لا يمكن التغاضي عنه في الإصابة بدودة الأذن الموسيقية، فأكد بعض الأشخاص على أنهم يُصابون بدودة الأذن للأغنية ذاتها عندما يكونون تحت الضغط؛ بينما يُعاني البعض من دودة الأذن سريعة الإيقاع عندما يكون في حالة من اليقظة والانتباه. بالإضافة إلى ذلك يرتبط حدوث متلازمة الأغنية العالقة ارتباطًا وثيقًا بالعاطفة، فالأغاني التي لا نعرفها جيدًا تعتبر أقل عرضة لأن تصبح دودة أذن، وبالتالي فمن الصعب جدًا أن تصبح أغنية بلغة أجنبية كدودة أذن إلا إذا كان الشخص يتقن هذه اللغة؛ حتى يستطيع الدماغ استعادتها دون بذل المزيد من الجهد.
 

ما هي صفات الأغاني التي تُصنف كدودة أذن موسيقية؟
بالرغم من تباين العوامل والأسباب السابقة المتعلقة بمدى التعرض للموسيقى، والحالة النفسية والمزاجية، وارتباطات الذاكرة، وكذلك الارتباط العاطفي. توجد العديد من العوامل الموسيقية المرتبطة بصناعة الأغنية ذاتها؛ حيث يكمن تأثير هذه العوامل في جعل بعض الأغاني أكثر جاذبية وعرضة لأن تعلق في الذهن أكثر من غيرها.
 

ففي إحدى الدراسات الحديثة التي تم نشرها في نوفمبر /تشرين الثاني الماضي، قام فريق الباحثين باستطلاع شمل 3 ألاف شخص، سُئلوا عن الأغاني التي تكرر حدوثها كدودة أذن موسيقية. ثم قام الباحثون بوضع قائمة تشمل أكثر الأغاني حدوثًا كدودة أذن موسيقية، فتم التركيز على أغاني موسيقى "البوب" التي تم إصدارها بين عامي 2010 و2013.

"جدول يشمل أكثر الأغاني التي تم تصنيفها كدودة أذن موسيقية بناءً على الاستطلاع الذي قام به الباحثون وفقًا لدراسة بحثية تم نشرها نهاية العام الماضي" (الجزيرة)

 

ووفقًا لنتائج الاستطلاع، توصل الباحثون إلى عدد من الصفات التي تُعتبر المفتاح الرئيس؛ ليتم تصنيف الأغنية واعتبارها دودة أذن. أول هذه الصفات هو درجة السرعة في الإيقاعات الموسيقية؛ فتميل الأغاني التي تعتبر دودة أذن موسيقية إلى أن تكون أسرع في الإيقاع عن غيرها؛ حيث يُفضل الدماغ الإيقاعات السريعة؛ لأنها تكون أكثر تفاؤلًا من الأغاني ذات الإيقاعات البطيئة، مثل أغنية "ربك لما يريد" لمحمد منير؛ على سبيل المثال.
 

بالإضافة إلى ذلك فهناك علاقة تربط بين التنقل والحركة وبين حدوث دودة الأذن، حيث تحدث دودة الأذن للكثير من الناس عند انخراطهم في الحركة الدورية أو ممارسة الرياضة. كما يلعب الشكل العام للحن الأغنية دورا كبيرا في حدوث بعض الأغاني كدودة أذن، فكلما كان اللحن سهلًا وأكثر شيوعًا كانت احتمالية حدوث الأغنية كدودة أذن كبيرة جدًا. وذلك لأن وجود شكل لحني عام شائع يساعد الدماغ على تذكر الأغنية بسهولة دون بذل جهد.
 

فمن الألحان الشائعة جدًا، والتي يُعزى إليها تصنيف الكثير من الأغاني كدودة أذن هوالنمط اللحني المرتفع الذي يليه مباشرةً نمط آخر منخفض؛ حيث يتم تكرار هذا النمط في الكثير من الأغاني الرومانسية وأغاني الأطفال مثل أغنية "Twinkle Twinkle Little Star" على سبيل المثال.
 

إذن.. كيف تتخلص من متلازمة الأغنية العالقة؟
الكثير من الناس يعتبر دودة الأذن الموسيقية تجربة ممتعه أو غير مزعجة على الإطلاق؛ لكن بالرغم من عدم وجود تأثير ضار لها إلا أن البعض قد يعتبرها حالة مزعجة، فوفقًا لأحد الأبحاث الذي تم في جامعة شفيلد؛ فإن الناس يعتبرون 30% من ديدان الأذن الموسيقية مسببة للإزعاج.
 undefined

يمكن اتباع العديد من الطرق البسيطة للتخلص من دودة الأذن، فقبل الذهاب إلى النوم يُنصح بتجنب الاستماع إلى الموسيقى وخاصة الأغاني التي يتم الاستماع إليها بكثرة خلال اليوم. كذلك يوصي أحد الأبحاث بمضغ العلكة عند التعرض لدودة الأذن، فيعمل مضغ العلكة على تعكير صفو أدمغتنا؛ مما يضعف قدرتنا على تخيل الموسيقى وتذكرها.
 

بالإضافة إلى ذلك؛ تُعتبر الحركة غير المتوقعة مساهمًا فعالًا للتخلص من تعلق الأغاني بأدمغتنا مثل؛ الرقص أو الجري، أو المشي بوتيرة أسرع أو أبطأ من إيقاع الأغنية. كما يلعب الغناء دورًا هامًا أيضًا في التخلص من هذه المتلازمة، فقط ابتعد عن الأغنية العالقة بذهنك، وقم بغناء أي كلمات أو أغنية أخرى. كما يمكن التخلص من هذه التجربة عن طريق الإلهاء والتشتيت؛ قم بمهاتفة صديق لك، أو مشاهدة فيلم مُفضل، يمكنك أيضًا التغلب على دودة الأذن عن طريق ممارسة هوايتك المفضلة، أو الرسم والقراءة.
 

ومن ناحية أخرى؛ يعتبر التفاعل المبالغ فيه مع الأغنية العالقة في الذهن طريقة فعالة في التخلص منها؛ فالاستماع إلى الأغنية العالقة ذاتها مرارًا وتكرارًا بصورة مبالغ فيها يؤدي إلى إصابة الشخص بالملل والضجر من الأغنية؛ مما يؤدي إلى إرهاق دودة الأذن والتخلص من تعلقها بالذهن في النهاية. كما يُمكن التعرف على دودة الأذن بصورة مبسطة من خلال الفيديو التعليمي التالي؛

المصدر : الجزيرة