شعار قسم ميدان

"تساؤلات مسرطنة".. هل الشيشة الإلكترونية بديل آمن؟

على نواصي المقاهي الشبابية في قلب في قلب مدينتك، ستلحظ مشهدا لا تخطئه العين، فبدلا من الصورة التي اعتدناها سابقا بوجود عناصر محدودة في المشهد (الشيشة – السيجارة – والقهوة أو الشاي)، يتزايد في المشهد عنصر يثير الغرابة والفضول، فالسجائر أو الشيشة الالكترونية تتعالى أبخرتها من أفواه عديد من الشباب، فقد تحولت في السنوات الأخيرة إلى موضة سلوكية تنتشر في الأوساط بسرعة كبيرة.

 

يبدأ الحديث حول السجائرالإلكترونية بسؤال هام حول خطر السجائر العادية، فكما تعرف، تحرق السجائر العادية التبغ (Tobacco)، وهو قاتل مأجور(1) تربطه علاقة بوفاة ملايين الأشخاص كل عام حسب تقارير منظمة الصحة العالمية، أضف إلى ذلك قدرته على رفع احتمالات وفاة الشخص العادي، في مراحل العمر قبل الستين والسبعين، إلى ثلاثة أضعاف. مشكلة التبغ هنا -كما يروج لها- هو أنه لا يمنحك النيكوتين فقط أثناء حرقه، بل يقدم لك وجبة كاملة من المواد المسرطنة(2)، كالفورمالدهيد، الرصاص، السيانايد، الأمونيا، والبنزين، بل واليورانيوم أيضا في بعض الأحيان كنتيجة لأنواع من المخصبات والتي تضاف إلى التربة أثناء زراعة نبات التبغ، بالإضافة إلى نواتج عدم احتراق تلك المكونات بالكامل.

 

وعلى مدى سنوات طويلة اتخذ الهجوم على السجائر عدة أبواب، لكن أهمها كان الهجوم على التبغ ومشكلاته المرتبطة بالمكونات الإضافية للنيكوتين، الهدف الرئيس لحرق التبغ، ولم يكن أحد يعرف أن ذلك سوف يفتح الباب، في 2003، بالأسواق الصينية أولا، ثم كل العالم، لنوع جديد من السجائر، يسمى السجائر الإلكترونية، والتي سوقت لنفسها باعتبارها "البديل الآمن" للسجائر العادية، وذلك لأن السجائر الإلكترونية لا تحرق التبغ، وإنما تقدم لك نيكوتينا نقيا تقوم تلك الآلة البسيطة بتحويله لبخار يمكن لك استنشاقه، بذلك بدأ نوع جديد من الصناعة، تطورت أدواتها يوما بعد يوم، وكالعادة امتلكت صورا وأحجاما ومذاقات مختلفة حسب الطلب.

 

لكن.. هل السجائر الإلكترونية أكثر أمانا بالفعل؟

ليس هذا، في الحقيقة، ما تشير إليه دراسة(3) نشرت قبل عدة ساعات، بقيادة د. هيون لونج لي من قسم الطب البيئي، ورفاقه من نفس القسم، وقسم علم أمراض المسالك البولية، بكلية الطب، جامعة نيويورك، في الدورية العلمية الشهيرة(4) PNAS، اختصارا لـ Proceedings of the National Academy of Sciences وهي منشورات متخصصة تصدرها الأكاديمية الوطنية للعلوم، والتي تشير إلى أنه على الرغم من كون السجائر الإلكترونية تحتوي على نيكوتين خال من المواد المسرطنة، إلا أنها قد تتسبب في تلف الحمض النووي DNA الخاص بمناطق غاية في الحساسية من أجسامنا، وهي القلب، الرئة، والكليتين.

التدخين

كانت فكرة التجارب هي تعريض الفئران(5) إلى السجائر الإلكترونية لمدة 12 أسبوعا، بمعدل جرعات تتدرج في الكم والكيف لتتشابه مع ما يحدث للإنسان العادي خلال 10 سنوات، وهنا جاءت النتائج لتقول أن هناك نسبا جوهرية من مركبات تتسبب في تلف الـ DNA قد تواجدت بدرجات متفاوتة في القلب، الرئة، والمثانة، وكانت نسب تواجدها في الرئة أعلى بثلاث إلى ثماني مرات من القلب والمثانة، لكن، ما الذي يعنيه أن تتواجد مواد تقلل من نشاط إصلاح الـ DNA الخاص بنا أو من كميات البروتين التي تقوم بهذه العملية؟

 

السرطان؛ في الحقيقة إن هذا النوع من النشاط يسمح للطفرات في الحمض النووي بالحدوث، ومع انخفاض معدلات إصلاحها تتراكم تلك الطفرات شيئا فشيئا، مما يصنع أرضا خصبة للتأثير السرطاني، لكن في تلك النقطة دعنا نوضح أن 80% من النيكوتين نفسه، المادة الرئيسية لمكونات السجارة الإلكترونية، يتحول عندما يدخل الجسم إلى "كوتينين" وهو مادة غير مسرطنة أو سامة، لكن قدر صغير من النيكوتين (أقل من 10%) يتحول داخل الجسم إلى النيتروزامينات Nitrosamines ، والتي بدورها تتسبب في نشاط سرطاني قوي ومثبت في حيوانات التجارب، بذلك فإن النيكوتين نفسه لا يؤثر مباشرة في الحمض النووي DNA الخاص بنا، لكن نواتج النيتروزامين تفعل ذلك.

 

أضف إلى ذلك أنه، وعبر مجموعة أخرى من تلك التجارب(6)، في نفس الدراسة، قد ظهر أن لبعض نواتج "أيض النيكوتين" نفس الأثر المسرطن المباشر على خلايا طلائية تم عزلها من المثانة، القلب، والرئة الخاصة بالفئران، وأخرى من الرئة والمثانة الخاصة بالبشر، ولم تلعب تلك النواتج فقط دور "المواد المساعدة" على إحداث طفرات في الحمض النووي DNA، بل أيضا تسببت هي ذاتها في رفع معدلات حدوث الطفرات العشوائية مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بمركبات معيارية تتسبب في تلك الطفرات كالأشعة فوق البنفسجية، ما يعني درجات خطر مضاعف.

 

تساؤلات مسرطنة

من جهة أخرى فإن درجة سلامة السجائر الإلكترونية ليست معروفة إلى حد الآن، خاصة مع الاستخدام طويل الأمد، فنحن أمام منتج جديد نسبيا لم ينل قدرا كافيا من البحث، فمثلا تشير بعض الدراسات(7)، والتي تجد نقدا كذلك، إلى أن فولت البطّارية الخاصة بالسيجارة الإلكترونية واختلاف توصيليتها قد يؤثر بقوة على مدى سلامة الجهاز الذي يقع بين يديك، حيث قد يتسبب ذلك في رفع نسب الفورمالدهايد، المسرطن هو الآخر، كذلك فإن مادة البروبيلين جليكول(8)، المذيب الذي يوضع به النيكوتين في السيجارة الإلكترونية هي أيضا موضع شك في ذلك المجال البحثي رغم أمانه النسبي، أضف إلى ذلك درجات التنوع الشديد في نماذج السجائر الإلكترونية واختلاف المواد المستخدمة في تركيبها سواء من حيث النوع أو الجودة، وقد تفهم ما يواجهه النطاق البحثي من مشكلات تتعلق بالجهاز فقط.

 

وفي المقابل تشير تقارير منظمة الصحة العالمية الصادرة(9) في 2014 إلى أن الدراسات الاستقصائية التي تتحدث في قدرة السجائر الإلكترونية على مساعدة بعض المدخنين في الإقلاع عن التدخين، تجد لنفسها مكانا محدودا لا يمكن معه أن نصل إلى نتائج مؤكده، فإن كانت تساعد مدخني السجائر بالفعل في التخلي عن سجائر التبغ المعتادة إلى أخرى إلكترونية، لكن الإلكترونية تصبح سجائرك الجديدة، والفكرة هنا هي أن بعض الأطباء قد يستخدمها كمرحلة انتقالية في أثناء العلاج، لكن عبر تقليل تدريجي لجرعات النيكوتين، وهو نفس الأثر الذي يحدث حينما يستخدم الأطباء النيكوتين اللاصق أو في الصورة القابلة للمضغ من أجل تراجع تدريجي في استخدامه، لكن استخدام هذه الصور من النيكوتين دون خطة طبية، كانت سجائر إلكترونية أو أقراص للمضغ أو لاصقات، لا يعتبر حلا.

 

والأزمة التي نواجهها حينما نتحدث عن السجائر الإلكترونية تتعلق بالصحة عامة، فعلى الرغم من أن البعض يصنف السجائر الإلكترونية بأنها أقل ضررا؛ لأنها تحتوي على النيكوتين فقط، بما يحمله من أضرار معروفة، إلا أن المشكلة بالأساس تقع ضمن نطاق مختلف، فمثلا تم حظر إعلانات السجائر في الكثير من الدول قبل فترة طويلة، إلا أن السجائر الإلكترونية تجد لنفسها مكانا تسويقيا جديدا على أنها "شكل ما" من أشكال علاج الإدمان على التدخين في التلفزيون وعلى الإنترنت، بالتالي فإن هناك فرصة أكبر لسوق أكبر خاص بها، أعني أنها قد لا تقلل من عدد المدخنين، بالعكس تماما، قد ترفع من أعدادهم.

 

ما هي المشكلة الحقيقية؟

أحد أهم أسباب انتشار السجائر الإلكترونية هي كونها "موضة معاصرة" تتخذ أشكالا متنوعة غاية في الأناقة (رويترز)
أحد أهم أسباب انتشار السجائر الإلكترونية هي كونها "موضة معاصرة" تتخذ أشكالا متنوعة غاية في الأناقة (رويترز)

وذلك لأن الثقافة الشعبية بدأت تتخذ موقفا معاديا للسجائر العادية، أما السجائر الإلكترونية فهي تدخل في هذا النطاق كأحد أدوات تلك الحالة من المعاداة، تدخل على أنها "العلاج" أو "البديل الآمن"، وهو ما يرفع من نسب مجربيها من غير المدخنين، وكذلك -وهو الأخطر- يرفع من درجات قبولها بين صغار السن من المراهقين أو حتى من هم دون تلك السن، فمثلا نجد أن عدد المقبلين عليها من المراهقين الأميركان(10) تضاعف  خلال سنوات قليلة ليصل إلى 16% من طلبة المرحلة الثانوية، بينما تقع المشكلة الأساسية لكل أنواع التدخين في الإدمان النفسي للنيكوتين نفسه، بالتالي فإن تلك السجائر الجديدة تعد أكثر خطرا من سابقتها، لكن بما تروج له عن نفسها.

 

أضف لذلك أن أحد أهم أسباب انتشار السجائر الإلكترونية هي كونها "موضة معاصرة"، تتخذ أشكالا متنوعة غاية في الأناقة والتنوع والمناسبة لكل فئة عمرية حسب ذوقها، فأصبحت كأنها هاتفك النقال تحمله معك فيظهر أناقتك، كذلك فإن مشهد هذا الكم من الدخان، الكثيف جدا مقارنة بالسجائر العادية، يلفت انتباه الفئات صغيرة السن إلى محاولة تجريبها والتمتع بأناقة نفث الدخان، وتلك ظاهرة جديدة، أشبه بلعبة، خاصة بالسجائر الإلكترونية، تسمى "مطاردة السحب الدخانية(11) Cloud-chasing"، وقد وجدت لنفسها جمهورا واسعا تضاعفت أعداده بحلول سنة 2014 حينما تحدثت عنها مجموعة منصات شهيرة على الإنترنت.

 

التدخين هو التدخين، إذن، تلك هي المشكلة الواضحة والتي تشير لها دراسة فريق جامعة نيويورك، ومع تصاعد استخدام السجائر الإلكترونية في الوطن العربي واتساع رقعة مستخدميها من الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية المختلفة، خاصة بين المراهقين في سن المرحلة الثانوية، فإن أجراس الخطر يجب أن تدق بقوة وسرعة، يجب أن يكون ذلك المفهوم "التدخين هو التدخين" ملازما لحملات دعائية واسعة لها علاقة بتوعية المواطنين إلى أن السجائر الإلكترونية لا تختلف كثيرا عن رفيقتها العادية، وإلا فنحن أمام نقطة اختراق غاية في القوة؛ قد ينجح التدخين خلالها في النفاذ لمئات الآلاف، وربما الملايين، من الضحايا الجدد، ومن فئات عمرية لم نكن نتوقع أن ينتشر فيها التدخين لتلك الدرجة.

المصدر : الجزيرة