شعار قسم ميدان

هل كان أسلافنا ينامون على الأشجار منذ ثلاثة ملايين عام؟

midan - رئيسية تاريخ

 حدث الأمر بسرعة، وهذا كل ما نعرفه. ربما سقطت الفتاة من فوق شجرة أو مرضت ولربما غرقت. لكن قبل 3.3 مليون سنة، توفيت إحدى البشر البدائيين من نوع "أسترالوبيثكس أفارانسيس، فيما يعرف حاليا بإثيوبيا، وكانت تبلغ من العمر 3 أعوام.

 

لكن حظها العاثر تمخض عن ثروة معرفية ضخمة؛ جسدها تحجر بسرعة، ربما لأنها سقطت في قاع مجرى مائي أو إلى مياه تجري بسرعة. دفق المياه والصخور كان رحيمًا بهيكلها العظمي، فتركه كتلة واحدةً جانَبها الأذى إلى حد كبير. عندما اكتشفت جمجمتها في جدار منحدر صخري عام 2000، أدرك علماء الأنثروبولوجيا أنهم وقعوا على كنز.

   

undefined

   

هذه الطفلة الصغيرة هي أكثر الهياكل العظمية التي تم اكتشافها لأسلاف الإنسان البدائي اكتمالا. الجمجمة والرقبة والفقرات والقفص الصدري، والجسم السفلي بأجزائه جميعها محفوظة بالكامل تقريبًا. حتى أن شكل دماغها ترك أثرا على الصخور، وأسماها العلماء "سيلام"، وهي لفظة آرامية تعني "سلام". 

 

قال جيريمي داسيلفا، أستاذ الأنثروبولوجيا في كلية دارتموث: "إنه أمر رائع ولا يشبه أي شيء رأيته من قبل؛ عادة ما  تكون عظام البالغين المكتشفة أكبر حجما وأكثر كثافة واكتشافها أكثر سهولة. وغالبًا ما تكون عظام الأطفال هشة للغاية وتتآكل بمرور الأعوام. وإن عثرنا على عظام أطفال فإننا نجد قطعة مجزأة من الفك السفلي أو بعض الأسنان، لذا فهذا الاكتشاف غير عادي".

 

خرج اكتشاف سلام للنور في المرة الأولى عام 2006؛ فرغم أن الاكتشاف كان في عام 2000 إلا أن العلماء كانوا بحاجة إلى عالم الحفريات، زيري سيناي المسيجيد، وفريقه لأكثر من نصف عقد من الزمن فقط لإخراج هيكلها العظمي من الصخور، بينما استغرق فريق آخر 12 عامًا أخرى لكي يقوم بإخراج وكشف قطع الصخور التي تحتوي على عظام قدميها.

 

مؤخرا نشر الفريق الأخير النتائج الأولى لعمله في مجلة ساينس ادفانسيس، وكان تحليل هذه الورقة البحثية مهما للغاية لأنه متصل بواحد من أهم قطع أحجية أصل البشر وهو: متى تعلمنا السير على قدمين؟ يبدو أن  هذا النوع من الإنسان البدائي الذي يدخل تحته عشرات السلالات الفرعية لأفريقيا قبل العصر الجليدي، يمثل مرحلة أساسية في هذه القصة. قال كيم كونجدون، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة تورو نيفادا "لا تزال العظام مرتبطة بالشكل التشريحي". بعبارة أخرى، لا تزال عظام قدم سلام متصلة بنفس وضعها عندما كانت على قيد الحياة.

   

undefined

   

وقال داسيلفا مؤلف البحث الجديد "عادة عندما نجد حفريات كهذه فإننا نجدها مبعثرة. مثلا كان هيكل لوسي الشهير منتشرا على مساحة واسعة ولم توجد أي عظمة متصلة بأخرى، ولكن في هذا الهيكل العظمي،  تتصل العظام ببعضها مما يسمح لنا برؤية حقيقة وضع هذه العظام عندما كانت حية".

 

وبنظر العلماء إلى الاكتشاف الجديد وجدوا أن أصابع قدميها كان لها شكل مختلف، وهناك قاعدة لدى العلماء تقول إن الإصبع الكبير المنحني يجعل من السهل تسلق الأشجار، أما القصير والسمين بعض الشيء  يجعل من السهل المشي على قدمين. وإذا ما قارنا بين قدم الإنسان والشمبانزي مثلا نجد أن له إصبع قدم قادر على الإمساك وطويل يشبه إبهام يد البشر يمكنهم من تسلق الأشجار والقفز عليها بسهولة، في حين نملك نحن أصابع أقدام قصيرة وصغيرة تمكننا من المشي المستقيم ببراعة دون التمكن من تسلق الأشجار بسهولة.

 

ويقول البحث الجديد أن إصبع قدم سلام كان في مكان وسط بين النوعين حيث كان يمتلك قدرة أكبر على الإمساك من الإنسان الحديث.  ويقول الباحثون أن السبب ربما يكون هو كثرة تسلق الشجر. وقال  داسيلفا: "هؤلاء الأطفال الصغار البدائيون يتكدسون فوق الأشجار إذا ما ظهر حيوان مفترس، أو يتسلقون أجساد أمهاتهم للحماية". ويجادل هو وزملاؤه أن إصبع سلام يساعد في حل لغز طويل الأمد حول هذا العصر من أسلاف البشر.  فقبل 3.3 مليون سنة، كان البالغون منهم يملكون أقداما أقرب لأقدام البشر الحاليين ومتكيفة بشكل جيد للمشي، وحتى الأطفال الصغار كانوا يمشون على قدمين.

 

 لكن حتى البالغون منهم امتكلوا أصابع منحنية تشبه أصابع القرد، ومن هنا قال العلماء باحتمال أن الإنسان البدائي من هذا النوع كان يتجول على الأرض ويتسلق على الأشجار.  وكذلك احتمال أن أصابع القدم الطويلة هذه تشبه الزائدة الدودية البشرية الحديثة، ومجرد شكل ليس له استخدام. اقترح دا سيلفا خيارًا ثالثًا وهو أن إنسان أسترالوبيثكس كان يسير بالنهار وينام في الليل على الأشجار ويقوم ببناء الأعشاش لتجنب الحيوانات المفترسة، ومع كثرة التسلق انحنت عظام القدم واتخذت هذا الشكل".

   undefined

   

وقالت ميشيل درابو، عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة مونتريال التي لم تشارك في هذا البحث، أنها تتفق مع احتمالية أن إصبع سلام المحني ربما سمح بحركة أكبر مما يملك البشر المعاصرين، ولكن عندما تنظر إلى السمات التي نكتشف أنا كانت موجودة لدى أسلافنا وغابت فينا الآن نعرف أن هناك انتقاء طبيعي، لأن الصفة أصبحت مختلفة.

 

وكل هذا النظريات تأتي من مجرد سمة واحدة وجزء صغير من جسد سلام؛ القدم وتحديدا إصبعها! وهناك العشرات من الفرضيات والنظريات التي يمكن استخلاصها بمزيد من البحث، ويؤكد البحث على سمات أخرى لدى أطفال الأسترالوبيثيكوس تدل على أنهم تطوروا بطريقة مشابهة لتطور الأطفال اليوم.

————————————————–

ترجمة (الزهراء جمعة)

هذا التقرير مترجم عن: The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان