شعار قسم ميدان

طريقة للفوز.. طريقة للهزيمة

ميدان - ضربة زيدان

ضربة الجزاء؛ إنها ذلك الحُكم الفوريّ بالإعدام على حارس المرمى، وفرصة هدف سهل يُضاف إلى سجل منفذها. يقف الجميع في انتظار نتيجة تسديدها، على أمل ضعيف في أن ينقذها الحارس. وتتحقق حينها الفكرة الجوهرية من تشجيع كرة القدم؛ ذلك الاحتمال الضئيل في حدوث شيءٍ غير متوقع.

الهدف في كرة القدم حدث نادر، فمعظم المباريات لا يزيد فيها المعدل عن ثلاثة أهداف، ومعظمها أيضًا ينتهي بفارق هدف واحد بين المتنافسين. وضع(1) عالم الاقتصاد ستيفان ذيمانسكي فرضية يتضاعف فيها حجم المرمى، ويتم التخفيف فيها من قانون التسلل في اللعبة، وخرج بنتيجة ملخصها أن كرة القدم حينها سوف تشهد عددًا أكبر من الأهداف، وتصبح حينها مثل كرة السلة وكرة القدم الأميركية.

يستطيع الجمهور الأميركي حينها أن يتفاعل بشكل أكبر مع اللعبة الشعبية الأولى في العالم ومحدودة الشعبية في بلادهم. ولكن ذلك في المقابل سوف تُحسم معظم المباريات للفرق صاحبة الأموال الأكثر؛ لأن عوامل مثل سرعة الركض أو قوة التصويب سوف تصبح الطريقة الأهم في التسجيل، وهو ما تستطيع الفرق الغنية حسمه بشراء أمهر الراكضين أو أقوى المصوبين. لكن النتيجة الطبيعية لذلك حسب فرضية ذيمانسكي أن دور الحظ في اللعبة سوف يتضاءل. ويطرح سؤالا واضحًا وجوابًا؛ هل يمكننا التخلي عن عشوائية كرة القدم، ونحد من دور الحظ فيها؟ بالقطع لا نريد ذلك.

 
تلعب العشوائية دورًا كبيرًا في كرة القدم. ومن دون هذه العشوائية تتحول إلى مجموعة من الأرقام والتشكيلات الهندسية. وكلما زاد هذا الدور كلما قلّت المتعة. وإليك بعض الأحداث والمواقف العشوائية تزيد من إثارة اللعبة، وتجعل الفوز والهزيمة مسألة أخرى لا تتوقف فقط على الكفاءة:

 

وتأبى العارضة أن تسكن الكرة الشباك

ينتهي تصويب الكرة على المرمى باحتمال 1 من 5؛ إما أنا يشتتها الدفاع أو يتصدى لها الحارس أو تخطئ المرمى أو أن تسكنها. مما يعني أن احتمال الهدف إحصائيًا هو 20% من التصويبات، لأن الاحتمال الخامس هو أن ترتطم الكرة بالعارضة أو القائمين. وحينها لا يمطر المشجعون اللاعبين بالثناء أو السباب، لأنهم يعلمون أن العارضة والقائمين لهما إرادة خاصة يصعب تفسيرها إلا بطرق فيزيائية معقدة(2). فربما ترتطم الكرة، وترتد أمام خط المرمى، وربما خلفه، وربما ترتطم فلا نعلم هل تخطته أم لا. 

 


"مش ممكن يا زيدان! نهائي كأس العالم، والدقائق الأولى، وصفر – صفر، وتضرب بهذه الطريقة!؟ ومع من؟ مع جيانلويجي بوفون"

كان هذا هو نص تعليق التونسي عصام الشوالي على ركلة الجزاء الذي نفذها زين الدين زيدان في الدقيقة السادسة من نهائي كأس العالم 2006 أمام إيطاليا. يومها لعبها زيدان بطريقة بانينكا(3)، أو (الملعقة) كما يحب الإيطاليون تسميتها، لترتطم الكرة بالعارضة وتهبط خلف خط المرمى، ويضيء الاستاد الألماني حينها بعلامة الهدف الفرنسي الأول. ثم تمر الدقائق حتى تصل إلى الدقيقة المميزة 120، ويحتكم الفريقان إلى ضربات الترجيح. وتأتي الضربة الثانية ويجيئ الدور على الفرنسي الأرجنتيني تريزيغيه، ليضع الكرة مباشرة في مرمى ذات الحارس، ومباشرة نحو العارضة التي تغيّرت إرادتها هذه المرة وارتدت الكرة أمام خط المرمى، لتتسبب هذه الركلة تحديدًا في هزيمة فرنسا. لُعبت يومها تسع ضربات، سكنت جميعها الشباك، إلا ضربة تريزيغيه. إنه ذات اللاعب الذي أقصى الإيطاليين بقسوة على أرضهم في نهائي يورو 2000. لكن العارضة هذه المرة تعلن أنها لاعب آخر معتل المزاج يلعب معك أو ضدك بلا قواعد ثابتة يمكن توقعها، كأحد أسرار كرة القدم.

 

هل تجاوزت الكرة خط المرمى بيتر تشيك؟

"لقد تجاوزت الكرة خط المرمى"، هكذا يحسم ستيفن جيرارد الجدل. "لا! لم تتجاوزه، لقد فازوا بهدف غير صحيح"، وهكذا يكرر(4) جوزيه مورينيو رغم مرور السنين. إنها مباراة العودة في نصف نهائي دور الأبطال 2005 بين ليفربول وتشلسي عندما حسم الريدز النتيجة لصالحهم بهدف الإسباني لويس غارسيا. فهل تجاوزت الكرة خط مرمى بيتر تشيك، أم أن ويليام جالاس قد نجح في تشتيتها؟
 

  
والإجابة المنطقية الواضحة هي أنه من المستحيل الحكم خاصة أن الفيديو الخاص باللقاء لا يوضّح أي شيء، حتى مع تغيير زاوية التصوير. لكن جمهور ليفربول وراء ستيفن جيرارد يقطع بأن الهدف صحيح، ويصفه في مذكراته الأخيرة بـ "الهدف الذي ما زال مورينيو يبكي عليه حتى الآن". خاصة أن هذه هي بطولة دوري الأبطال 2005، ونهائي إسطنبول الأثير لدى جماهير الأحمر العريق. وفي الجهة المقابلة، فقد صكّ الاستثنائي مصطلحًا جديدًا يصف هذا الهدف؛ الهدف الشبح(5)! ويقول ساخرًا: "إنه هدف قادم من القمر!". ولا عجب إن كان هذا الهدف هو أحد أسباب ابتكار تقنية خط المرمى التي تقطع إن كانت الكرة قد عبرت خط المرمى أم لا.

  
undefined

هناك الكثير من الحالات الشهيرة بالطبع للهدف الشبح، لعل أشهرها على الإطلاق هو هدف إنجلترا في مرمى منتخب ألمانيا الغربية في نهائي كأس العالم 1966(6)، الذي انتهى لصالح الإنجليز بنتيجة 4-2. ومازال الجديل قائمًا إلى الآن، فيلوم الألمان الحكم الذي حرمهم من الفوز بالبطولة التي كانت لتصل بهم للرقم 5، ويعادلون بها الرقم التاريخي للبرازيل الفائزة بخمس بطولات لكأس العالم. ويسخر منهم الإنجليز بأن المباراة انتهت بفارق هدفين وليس هدف واحد! وهو سر من أسرار كرة القدم الذي لا يستطيع أحد حسمه حتى الآن. ولكن الدراما تستمر بعد هذه المباراة عندما يتقابل الألمان والإنجليز بعد مرور أربعة عقود في كأس العالم 2010، ولا يحتسب الحكم هدفًا صحيحًا لفرانك لامبارد في مرمى مانويل نوير، ليتم إقصاء إنجلترا بذات الطريقة التي ربحت بها كأس العالم، والبطولة الوحيدة في تاريخها!

 

كارت أحمر من السماء

الكارت الأحمر من الأحداث نادرة الحدوث في مباريات الكرة، لكنه حاسم وعالق بالذاكرة دومًا. ولا أحد سوف ينسى كارت ريفالدو الأحمر في مباراة تركيا والبرازيل بكأس العالم 2002، عندما كان يتعمد إضاعة الوقت هناك بالتأخر في استعادة الكرة لتنفيذ ضربة ركنية، فأعادها نحوه حاقان أوزال لاعب تركيا الغاضب ببعض القوة، وارتطمت الكرة بساقه وسقط على الأرض ممسكًا بوجهه في مشهد تمثيلي واضح، وأنهاه الحكم الكوري الجنوبي كيم يونغ جو بإشهار البطاقة الحمراء ضد أوزال.

 
تعدك كرة القدم أحيانًا ببعض الكوميديا العجيبة. فبعد السقوط المضحك من ريفالدو، جاءت مجموعة تصريحات لا تقل إضحاكًا من كافة أطراف الواقعة. تبدأ عند ريفالدو الذي صرّح بوضوح أنه غير نادم على التمثيل، وحتى بعد أن أوقعت عليه الفيفا غرامة 7000 جنيه إسترليني، وتصاعد الأمر في الدفاع عن نفسه، فقال(7):

"لقد سعدتُ برؤية الكارت الأحمر. يجب أن يحظى اللاعبون المهاريون بالفرصة للتعبير عن أنفسهم، إذا أردنا أن تظل كرة القدم لعبة جميلة. وتتسم المباريات الآن بالكثير من الفاولات والعنف، ولا يهم إن كان الكرة ارتطمت بساقي أو رأسي، فقط النيّة هي التي تهم".. "الكرة لم ترتطم برأسي، ولكن لا يجب أن تسود هذه الروح في كأس العالم. لقد استحق الكارت الأحمر"

أما رئيس الاتحاد التركي، فقد تحدث(8) في سياق مختلف تمامًا: "لقد قتل الحكم سبعين مليون مواطن تركي".. "لقد ضحّينا بألف جندي تركي في الدفاع عن كوريا الجنوبية في حربها ضد كوريا الشمالية. نحن نحب الكوريين، ولكن هذا الرجل لا يصلح كحكم".. "أنا لا أواقف على فعل حاقان أوزال، ولكن ريفالدو أمسك برأسه كما لو كان أصيب بنزيف في المخ".

ولم يتوقف الأمر هنا، ولكن شارك مدرب البرازيل حينها، لويس سكولاري، في التصريحات، فقال: "لقد ارتطمت الكرة بساقه، لكنه كانت تتحرك لأعلى، فقام بحماية وجهه بيده. وهذا ما أخرج هذه الصورة"

وهذه هي كرة القدم عندما تتحول إلى مسلسل سيتكوم مضحك للغاية. لا ننسى بالطبع مشاكسات فينغر ومورينيو المستمرة. ولا ننسى المعارك الكلامية في الدوري الإيطالي. وبالقطع هناك الكثير من تصريحات حقبة فان خال مع مانشستر يونايتد.
 

لا شك أن أهداف الدقيقة 90 مثلًا هي مِن أجمل ما تقدّمه لنا كرة القدم، وضربات الترجيح كذلك، وفي بعض الأحيان تلعب أخطاء التحكيم دورًا كبيرًا في إخراج مشاهد تؤكد عشوائية اللعبة، وهناك بالقطع ليونيل ميسّي.. ولكل ذلك مقالٌ آخر.

المصدر : الجزيرة