شعار قسم ميدان

لأن نجم فريقك ليس بالأهمية التي تظنها

midan - football

مر وقت طويل منذ تلقت سمعة كرة القدم كلعبة جماعية كل هذا الكم من الضربات الموجعة، فحتى في زمن تتكدس فيه النجوم في فرق معينة دونًا عن غيرها، مازال هوسَنا بفكرة المنقذ المُخَلِّص يسيطر على نظرتنا للعبة؛ اللاعب الذي يكفل الأفضلية على الجميع بمجرد ضمه لفريقك، ويمكنه حسم الأمور حينما يقرر ذلك.

 

القاعدة تقول أن الأوساط الجماهيرية هي البيئة الأخصب لانتشار خرافات مشابهة، وأن انتزاعها من عقول المشجعين هو الأصعب على الاطلاق، خاصة إذا كانت مدعومة بجيش من وكلاء اللاعبين والشركات المليارية التي تتلاقى مصالحها مع تلك الخرافات، لعدة أسباب أهمها هو سهولة التحكم في لاعب ما والترويج له مقارنة بنادي أو فريق، وبالطبع مدى تقبل المزاج العام لتجربة رياضية ما دونًا عن غيرها، وهي نفس الأسباب – إلى جانب أخرى لا تقل أهمية – التي تجعل أيًا من ميسي ورونالدو منفردين يحظون بضعف الأضواء التي تنالها تجارب كأتليتكو مدريد أو إشبيلية أو دورتموند أو حتى ليستر سيتي، رغم أنها لا تقل أهمية في ميزان اللعبة التاريخي.

 

عاهات وتقاليد
بالطبع تحتم التقاليد عند هذه النقطة أن نلعن زمن ثنائي إسبانيا المدلل الذي يستأثر بانتباه العالم في أنانية تليق بطفل في الثالثة من عمره، ولكن الأمر أعقد من ذلك بقليل، لأن هذا التقليد ما هو إلا هوس بشري آخر باختصار كل شيء في عنوان واحد كبير يغنينا عن التفاصيل المرهقة.
 

تجربة بسيطة على محرك جوجل ستخبرك أن بوجبا 2016-2017 ينتج مليون وربع رابط تقريبًا، وهو ثُلث ما ينتجه نفس المحرك إن استبدلت اسمه بمانشستر يونايتد، ويتكرر الأمر في نمط واضح مع أقرانه من النجوم في فرق أوروبا المختلفة بنسب متقاربة؛ ديبالا مع اليوفي، سانشيز مع أرسنال، كوتينيو مع ليفربول وبالطبع جريزمان مع الأتليتي.
 

undefined

موضة مستحدثة؟ قل ذلك لميلان ساكي الذي كان يضم ثلاثة فائزين بالكرة الذهبية وربما أقوى خط دفاع عرفته اللعبة، أو نوتنجهام كلوف في الثمانينات وبلاكبرن شيرر في منتصف التسعينات؛ مشاريع أخرى تم تعريفها باختصار مُخل، اكتفى بالتركيز على أسماء دونًا عن غيرها، لا لسبب إلا كونها لاقت ما يكفي من القبول الاعلامي مقارنة بشركائها في النجاح، فلا أحد يريد السماع عن جاك ووكر الذي خطفت ملايينه نجومًا كشيرر من فم فيرجسون ومانشستر يونايتد نفسه، ولولاها لما كان لقب 96 ممكنًا، لأنها قصة يمكن لأي آلة حاسبة أن ترويها باحتراف، دون الحاجة لعناوين حماسية عن حكايات الكفاح الملحمي، والتي كان ذكر الأموال ليفسدها بالتأكيد.

 

لذا إن كنت تبحث عن آلة حاسبة، أو قليلًا من العلم لتأطير كل تلك الخرافات، أو حتى إجابات منطقية لأسئلة كلماذا لا يفوز ميسي بلقب مع الأرجنتين، أو كيف فازت البرتغال بأصعب مباريات اليورو أمام أقوى المرشحين وأصحاب الأرض دون نجمها الأول، أو لماذا لا يلمع بوجبا مع الشياطين كما كان مع يوفنتوس، فمن الجيد أن تعلم أنك لست وحدك، وأن هناك من سبقك بالفعل.

 

خطأ مطبعي
تبدأ القصة مع حادث تحطم مكوك "تشالنجر" المأساوي في 1986، والذي اتضح لاحقًا أن سببه كان فشل قطعة واحدة متكررة في تأدية وظيفتها، قطعة واحدة أشبه بحلقة مفرغة تستخدم لعزل غرفة المحرك الأيمن، وكعادة كل المآسي التي تبدأ بخطأ بسيط؛ انفجر المكوك بطاقمه كاملًا بعد 73 ثانية فقط من اطلاقه، لأن أحدهم قرر أن يضاعف ربحه بشراء نسخة أردأ من نفس القطعة بنصف الثمن.
 

undefined

أخرج عالم الاقتصاد الأمريكي "مايكل كريمر" آلته الحاسبة بدوره، وبدأ في دراسة الحالة واضعًا نظريته التي أسماها على اسم نفس القطعة التي سببت الخلل (O-Ring Theory)، والتي تقترح أن خطوط التجميع الصناعية التي تشبه ذلك الذي أنتج مكونات الـ"تشالنجر"، تقوم بمضاعفة العيوب كما تضاعف المزايا بالضبط، وأن خطأ واحد متكرر قد يؤدي لنتائج كارثية في المجمل؛ الأمر أشبه بآلة كاتبة بزر واحد معطوب، مع فارق بسيط هو أنك لن تكتشف الحرف المختفي إلا عند انتهائك من الكتاب وطرحه للنشر.

 

من هنا نشأت نظرية أخرى هي (The Weakest Link Theory) أو نظرية الحلقة الأضعف، والتي تقضي بأن أي سلسلة من الأفعال لإخراج منتج واحد نهائي تتحدد جودتها بجودة أقل عناصرها، بمعنى أن الزر المعطوب يجعل الآلة بأكملها عديمة الفائدة.

هل يبدو ذلك مألوفًا؟

 

قانون القطيع
على الرغم من كون أريجّو ساكي أحد ألمع العقول التكتيكية التي أنجبتها اللعبة، إلا أننا نعلم جيدًا أن علم الاقتصاد لم يكن واحدًا من جوانب لمعانه، رغم ذلك نجح الايطالي في تعريف الـ(O-Ring Theory) الخاصة به مبكرًا، حينما اعتبر أن هدف التكتيك الرئيسي هو مضاعفة قدرات اللاعبين، وبالطبع أنت تعلم كل شيء عن قانون القطيع الذي تتحدد سرعته بسرعة أبطأ أعضائه، والتي ليست إلا نظرية الحلقة الأضعف متنكرة.

 

كل هذا جميل ورائع ومنطقي جدًا، ولكن الاثارة الحقيقية تبدأ عندما يقرر المحررين الرياضيين "كريس أندرسون" وديفيد سالّي" في تطبيق نفس النظريات على فرق كرة القدم، التي يمكن اعتبارها – مجازًا – خطوطًا بشرية لتجميع المنتج النهائي، والممكن تلخيصه في معادلة؛ الأهداف في شباك الخصم ناقص الأهداف في شباكك، بالإضافة لأن أي فريق يمكن اعتباره قطيعًا تتأثر كفاءته بكفاءة أضعف أعضائه كذلك.
 

undefined

ففي كتابهما "لعبة الأرقام"، يحاول الثنائي اثبات حقيقة أن كرة القدم هي لعبة "الحلقة الأضعف"، حيث يتجاوز التأثير السلبي لأسوأ لاعبي الفريق الأثر الايجابي الذي قد ينتجه أفضل لاعبيه أو نجمه الأول، ومن هنا ينطلقان لتقديم تفسير منطقي لنجاح الأتليتي المستمر بقيادة سيميوني، وفوز البرتغال بالنهائي بدون رونالدو، والأهم على الاطلاق؛ تتويج ليستر بالبريميرليج.

 

أفضل الأسوأ
الأمر ببساطة أن كرة القدم هي لعبة أخطاء في النهاية، والهدف الرئيس من أي فعل على خط التجميع هو تقليلها قدر الإمكان، وهو ما يؤكد الـ"تشولو" الأرجنتيني أنه عماد فريقه، لذا يحاول دائمًا البحث عن أخطائه الخاصة واصلاحها قبل استغلال أخطاء الخصم، ومن ثم تقوم تعاقداته على فلسفة بسيطة هي ضم ما أسماه بـ"أفضل أسوأ اللاعبين"، فإذا افترضنا أنك في موقع سيميوني في الوقت الحالي، ماذا ستكون أولويتك؟ التعاقد مع بديل لجريزمان أم استبدال مدافع جاوز الثلاثين؟

 

النظرة المبدئية السطحية تظهر أن الفرنسي هو نجم الفريق الأوحد والأهم، ومن ثم سيكون غيابه الأكثر تأثيرًا، والأولى هو توفير البديل لتجنب ذلك، بينما يظهر التحليل المتأني أن الأرجنتيني نجح في استبدال أجويرو، فالكاو، ودييجو كوستا من قبله، بل إن التحدي الأصعب أثناء قيامه بذلك كان الحفاظ على دفاع صلب يبقيه في المنافسة مع فرق تمتلك ثلاثة من جريزمان في خطوطها الأمامية، وبالطبع لو حظي سيميوني بفرصة للتعاقد مع هذا وذاك في نفس الوقت لما فوتها، ولكن في أندية كالأتليتي يظل الحديث دائمًا عن الأهم فالمهم.
 

undefined

حتى الآن تبدو نظرية الحلقة الأضعف وكأنها تنويع على فكرة المنقذ المُخَلِّص ليس إلا، وكأننا مازلنا في خضم الحديث عن لاعب واحد، ولكن بدلًا من حل مشاكل الفريق بضمه، يبدأ الحل من التخلص منه.

 

لذا كانت فلسفة سيميوني أعمق بقليل مما سبق، ودفعته فكرة اللاعب الأسوأ لاعتماد أساليب اجتماعية لتذليل الفوارق بين لاعبيه ودمجهم كمجموعة واحدة خارج الملعب، عوضًا عن تراتبية النجومية التقليدية التي عادة ما تنتشر في فرق المقدمة؛ مثل اصراره على تناولهم الطعام على مائدة واحدة كبيرة بدلًا عن عدة موائد منفصلة، وامتداد النشاط المشترك لبعد مواعيد التدريبات، وبالطبع تصريحاته الحماسية الملتهبة، التي تروج للفحولة التي تميز مجموعته عن غيرها.

 

نسيج واحد
وهو ما يؤكده عالِم آخر في الاجتماع هو الأمريكي "تشارلز كولي"؛ الذي يعتبر العلاقات بين أفراد مجتمع ما أهم من الأفراد أنفسهم، بمعنى أن علاقة "جريزمان" بـ"جابي" على سبيل المثال يمكن تعريفها بانطباعه عنه، وانطباع الأخير عنه وعن انطباعه عنه، وهكذا؛ وكأنه نسيج متماسك بين لاعبي الفريق يتبادلون عبره الآراء والأفكار، وايجابية تلك الأفكار وتوازنها هو أهم أسباب النجاح، لذا يمكنك أن تستنتج أن نجومية الفرنسي المتزايدة ليست في مصلحة فريق كالأتليتي، ليس لأنها تعني حتمية رحيله لنادي أكبر، بل لأنها تعني أن النسيج عليه أن يتمدد بما يفوق قدرته ليستوعبها.

 

بالطبع يؤيد ذلك العديد من الدراسات العلمية؛ مثل تلك التي أثبتت أن فرق كرة السلة التي يقوم لاعبيها بحركات تدل على الانسجام والتناغم؛ كضرب كفوفهم ببعضها البعض أو تأدية رقصة مميزة عند التسجيل أو حتى الصدام البدائي بالصدور، هي الأكثر نجاحًا، لذا، وبدمج نظريتي الـ"تشولو" معًا، نكتشف أن الحلقة الأضعف في أي فريق قد لا تكون اللاعب الأقل موهبة، وقد لا تكون لاعبًا بعينه من الأصل، بل قطع في النسيج بين قلبي دفاعه، أو ثنائي ارتكازه أو هجومه.
 

undefined

النظريات لا تنتهي، وفكرة تأثير تفاصيل بهذا الحجم على كل المجهودات والوقت والأموال التي تنفق على فريق واحد مرعبة فعلًا، لذا لم ينطفئ الظمأ أبدًا للاستكشاف ومعرفة المزيد، وأكثر تلك المحاولات إثارة كانت مع ثنائي ليفربول الكهربائي في السبعينات "كيفن كيجان" و"جون توشاك"؛ الثنائي الذي قيل أنه يتواصل عبر الأثير ودون الحاجة للنظر لبعضهما البعض.

 

التجربة بسيطة؛ سيجلس كل منهما وظهره للآخر، ثم يعرض عليه مجموعة من البطاقات تحمل رموزًا معينة، ويُسأل عن الرموز التي تحملها بطاقة قرينه، في محاولة لتحديد ما إذا كانت قدرة الثنائي على التواصل تندرج تحت تصنيف الإدراك الفائق للحس (ESP: Extra Sensory Perception) أم لا، وبالطبع تدلت الكثير من الأفواه بينما شاهدهما العالم يجيبان بدقة على كل الأسئلة، قبل أن ينفجر "كيجان" في الضحك معلنًا أنه كان يرى انعكاس البطاقات في عدسة الكاميرا.

 

الحقيقة أن التجربة لم تكن أكثر من محاولة أخرى للاختصار؛ محاولة أخرى للبحث عن تفسير خوارقي مريح وسهل بدلًا من إدراك الحقيقة الصعبة؛ وهي أن الشراكات المماثلة تمثل جزءًا لا يمكن السيطرة عليه من اللعبة، يأتي بالصبر والعمل والرغبة في النجاح، وأن تغيير عنصر واحد في معادلة "كيجان – توشاك" كان ليفسدها على الأغلب، لأنها نفس المعادلة السهلة الصعبة التي وصفها "داني درينكووتر" بتصريحه العبقري؛ "الأمر ليس معقدًا، نحن مجموعة من الشباب المتفاهمين ليس أكثر".
 

توشاك وكيجان أو باتمان وروبن
توشاك وكيجان أو باتمان وروبن

 
 

حلقات رانييري
الآن حان الوقت للسر الأعظم؛ الحالة المحيرة لليستر سيتي التي عانت من اختزال مشين بدورها؛ فهو إما ليستر العزيمة، أو ليستر الروح، أو ليستر "رانييري".. ليستر "فاردي" و"محرز"؟ فكر مرة أخرى.

 

فلنجمع الحقائق أولًا؛ هناك "كانتي"، وهناك تفاهم رائع بين "فاردي" و"محرز" نتج عنه العديد من الفرص والأهداف، وهناك انسجامًا مشابهًا بين "درينكووتر" و"فاردي" كذلك، نتج عنه الكثير من الطوليات خلف المدافعين التي تحولت لاحقًا لأهداف، وهناك استغلالًا منطقيًا لكل ذلك من رانييري الذي قال أن الجميع كان يعلم أن "فاردي" سيحاول اختراق الدفاع راكضًا، ولكن فقط "درينكووتر" كان يعلم من أين سيخترقه دون أن ينظر، وبالطبع هناك مباراة أرسنال التي انتهت بخماسية محبطة، انطلق بعدها الثعالب في سلسلة لا هزيمة امتدت لعشر مباريات، كانت الحجر الرئيسي في تتويجهم باللقب لاحقًا.

 

كل هذا يؤكد على نظريات "كولي" وفكرة النسيج والوحدة المتماسكة لسيميوني وغيرها من المبادئ الرائعة، ولكن هناك مجموعة أخرى من الحقائق تثبت أن كل ذلك لم يلعب دورًا رئيسيًا في فوزهم باللقب، بما في ذلك كانتي نفسه.
 

عصبة الأبطال وفي رواية أخرى ليستر سيتي
عصبة الأبطال وفي رواية أخرى ليستر سيتي

هناك سببًا منطقيًا لتقسيم موسم الثعالب لما قبل مباراة أرسنال وما بعدها؛ ليس لأن مواهب "محرز" و"فاردي" و"كانتي" و"درينكووتر" انفجرت عقب الهزيمة من المدفعجية، بل ربما العكس هو ما حدث، فالمهاجم الانجليزي شارك في 8 أهداف بين التسجيل والصناعة حتى مباراة الـ"جانرز" في الجولة السابعة، مقابل 24 في ما عقبها، أي أن مساهماته انخفضت بمقدار الثلث تقريبًا (من 1.1 هدف في المباراة إلى 0.8)، نفس الأمر تكرر بالضبط بنفس النسبة مع الجناح الجزائري (من هدف في المباراة إلى 0.6)، وأخيرًا "درينكووتر" (من 0.4 هدف في المباراة إلى 0.26).

 

صدفة؟ إذن لتنتظر حتى تعلم أن معدل الأهداف التي تلقتها شباكهم تراجع بعد نفس المباراة لنسبة أخرى مفاجئة لن تتوقعها؛ من 2.1 هدف في المباراة إلى 0.7؛ الثُلث أيضًا.

 

تحدي التشالنجر
الأمر ببساطة أن تمريرات أوزيل واختراقات سانشيز أظهرت للايطالي نقطة الضعف في دفاعاته، وهي المساحات الكبيرة بين ظهيري طرفه "شلوب" و"دي لايت" والقلبين "مورجان" و"هوث"، والناتجة عن تقدم الظهيرين المتزامن بلا حساب، والذي جعل مهمة هجوم الثعالب المتناغم أشبه بمحاولة لحرث البحر، فكلما سجلوا هدفًا انفتحت الثغرات أمام المدفعجية لتسجيل اثنين، وكأنها مأساة الـ"تشالنجر" تعيد نفسها من جديد، ونفس العيب يتضاعف أثره منتجًا أثقل نتيجة في الموسم.

 

لذا كان الحل المنطقي الوحيد هو استبدال الـ(O-Ring) المعيوبة، بدخول الثنائي الدفاعي "داني سيمبسون" و"كريستيان فوكس" للتشكيل، مكونين خط ظهر رباعي من قلوب الدفاع لغلق تلك المساحات، ومَنْح رانييري الدفاع الصلب الذي أكمل به موسمه، والذي تلقى ثُلث معدل الأهداف التي تلقاها سلفه.
 

الخرائط الحرارية لشلوب ودي لايت في مباراة أرسنال (أعلى) مقابل سيمبسون وفوكس في مباراة نورويتش التالية (أسفل) - سكواوكا
الخرائط الحرارية لشلوب ودي لايت في مباراة أرسنال (أعلى) مقابل سيمبسون وفوكس في مباراة نورويتش التالية (أسفل) – سكواوكا


النتيجة أن الثنائي الوافد على التشكيل
سجل أعلى معدل لاعتراض الكرة في الفريق (3.1 لكل منهما)، بعد "كانتي" بالطبع (4.2)،  مقابل أقل معدل لـ"دي لايت" و"شلوب" بين لاعبي الوسط والدفاع عمومًا (1.8 و1.3 على الترتيب)، وبالطبع لا تحتاج أن تخمن النسبة بين الثنائي الأخير والأول؛ (6.2 مقابل 2.1)؛ الثُلث مرة أخرى.

 

هذا لم يعني فقط دفاعًا أصلب للثعالب، بل أن افساد هجمات الخصم بثلاثة أضعاف المعدل السابق عَنَى المزيد من التحولات السريعة المرتدة التي عادة ما تعقب تلك الاعتراضات، وفي الوقت الذي تراجعت فيه مساهمات "فاردي" و"محرز" و"درينكووتر"، أضيفت مساهمات أخرى لـ"أولوا" و"أوكازاكي" و"كينج"، وبمعدل يفوق ما سبق مباراة أرسنال كذلك، لأن استبدال الـحلقة الأضعف كان أهم من تلميع الحلقة الأقوى، ولأن نظريات "كولي" عن النسيج كانت موجودة طيلة الوقت، ولم تكن تحتاج إلا قليلًا من الـ(O-Ring Theory) والـ(Weakest Link Theory) لتوفر لها القاعدة الدفاعية اللازمة للانطلاق، لذا منح دخول "سيمبسون" و"فوكس" مدربه الايطالي فريقًا أشرس في المجمل، بدلًا من الاكتفاء بانتظار الثنائي الهجومي لينهي المباراة في الثلث الأخير، فقط حينما يقرر ذلك.

 

في غياب إيوينج
القصة الأخيرة عن لاعب فريق "نيويورك نيكس" لكرة السلة "باتريك إيوينج"، والأمريكي كان يعاني من حالة مألوفة نوعًا ما؛ هي أن فريقه يبدع ويتألق ويفوز كلما غاب، رغم كونه أفضل أعضائه بفارق واضح.
 

undefined

تلك الحالة العجيبة دعت المحرر الرياضي الأمريكي "بيل سيمونز" لإطلاق نظرية أخرى هي الـ(Ewing Theory)؛ يفترض فيها أن النجوم الخارقة غالبًا ما تتلقى اهتمامًا مضاعفًا من الصحافة والاعلام تضر بفرقها، وتصنع حالة من التواكل بين أعضائه كاستجابة لحرمانهم من الأضواء لحسابه، أو لاختبار مدى جدارته بها.

 

ولأن تلك النظرية ليست إلا تنويع على فكرة الحلقة الأقوى والأضعف، فإن هذا الثقب في نسيج "كولي" يلتئم بمجرد غياب النجم الخارق، لأن الأضواء الإعلامية تعمل حينها بطريقة عكسية؛ فتستفز الشكوك والمخاوف زملاءه ليحاولوا اثبات أحقيتهم بنصيب من الكعكة.

 

بالطبع هناك احتمالات أخرى قائمة في كل حالة؛ كأن يحتم وجود "إيوينج" تعديلًا خططيًا لا يتناسب مع إمكانيات فريقه الأقل، وربما هو ما حدث مع رونالدو في نهائي اليورو الأخير؛ بعد أن تخلص فريقه من الإغراء الذي مثلته قدراته الخارقة على التسجيل، ولم يعد مطالبًا بترك المساحات في ظهره لتغذيته بالفرص، وتراجع لخطة 4141 الدفاعية والأكثر مناسبة لامكانياته، والتي كان سيتعين عليه تنفيذها بتسعة لاعبين فقط في وجود رونالدو، والنتيجة أنه أدى أفضل شوط له في البطولة، تحرك فيه القطيع بسرعته الطبيعية بدلًا من اللهاث المعتاد خلف أسرع أعضائه.

 

بالمثل كان خروج النجم الأوحد دافعًا للقطيع الفرنسي للتوقف عن الركض، وانخفضت دوافعهم باعتبار المباراة قد انتهت بالفعل، وبينما لا يفسر كل ذلك هدف "إيدير" الذي أتى من مجهود فردي، لكنه وفر له قاعدة من التكافؤ مع أصحاب الأرض تخطت الوقت الأصلي للمباراة، ونقلت الأضواء والضغط للجهة المقابلة، مانحة البرتغاليين فرصة الحلم من الأصل.
 

undefined

كل تلك الأبحاث والدراسات والنظريات التي لا تنتهي تغريك بوجود تفسير منطقي لظاهرة ميسي مع الأرجنتين، ولكنها لن تفعل لسبب بسيط جدًا هو أن الأرجنتين تخسر في غيابه أمام أي خصم تقريبًا، وتفوز عليه بصعوبة في حضوره، والحقيقة الثابتة في كل ذلك أن فريقًا لا يفوز بأي شيء ويضم "دي ماريا" و"هيجوايين" و"أجويرو" و"ماتشيرانو" و"أوتامندي" و"بانيجا" و"ميسي" نفسه، لا يحتاج لنظريات "كريمر" و"كولي" و"سيمونز" ليعلم أن حلقته الأضعف تجلس في مقعد المدرب، ولكن يبدو أن الاتحاد الأرجنتيني لم يسمع عن مأساة الـ"تشالنجر" بعد، ربما لأنه كان مشغولًا بالاحتفال بمونديال مارادونا في نفس العام.

المصدر : الجزيرة