شعار قسم ميدان

الفاتورة.. كشف حساب بيب غوارديولا

Britain Football Soccer - Arsenal v Manchester City - FA Cup Semi Final - Wembley Stadium - 23/4/17 Manchester City manager Pep Guardiola looks dejected Action Images via Reuters / Carl Recine Livepic EDITORIAL USE ONLY. No use with unauthorized audio, video, data, fixture lists, club/league logos or
بالطبع لن يكون من الصعب تخمين الخاسر الأكبر بعد موسم ذهب فيه البريميرليغ لـ"كونتي" والكأس لـ"فينغر" وثلاثية الظل لـ"مورينيو"، خاصة أن الثلاثي المتبقي من الستة الكبار قد تأهل جميعهم إلى دوري الأبطال، ولكن واحدًا منهم فقط أنفق 200 مليون يورو ليفعلها. (1)

 

لذا لم يكن مفاجئًا أن تطفو نظرية الفرق الجاهزة إلى السطح مرة أخرى، بل لعلها لم تغب أبدًا منذ خرجت في المرة الأولى بعد تلقي "بيب" هزيمته المذلة الأولى على يد ريال "أنشيلوتي" في 2014، وبقي الرجل حبيسًا لها منذ تلك اللحظة وحتى خرج من ألمانيا تصحبه لعنات أغلب مشجعي العملاق البافاري.
 

على الجاهز

undefined

 

الحقيقة أن تلك النظرية لم تنل حظها من التدقيق أبدًا، لأن أغلب من رددوها لم يتابعوا بدايات الرجل مع البلاوغرانا بقدر ما فوجئوا بنتائجه في نهاية الموسم الأول، والذي جاء عقب موسمين صفريين للكتلان شهد آخرهما صراعًا مريرًا من أجل التأهل لدوري الأبطال، انتهى بحلولهم ثالثًا بعد الميرينغي بطل هذه النسخة وغواصات "بيلّيغريني" الصفراء، ناهيك عن أن أول ما فعله "بيب" كان التخلص من مجموعة من أبرز ركائز "الفريق الجاهز" كـ"رونالدينيو" و"ديكو" و"زامبروتا" و"تورام"، كان أولهم هو أقلهم مشاركة (2) بستة وعشرين مباراة كاملة.
 

وحتى وقتها لم يكن "ميسي" نصف اللاعب الذي تعرفه الآن، لأن الأرجنتيني الذي سجل 43 هدفًا في 102 مباراة عبر مواسمه الثلاث الأولى، لم يكن يعلم أنه سيعادل نفس الحصيلة تقريبًا في موسمه الأول فقط مع "بيب" (3)، قبل أن يضاعفها مرة أخرى في موسم 2011-2012 الخوارقي (4) الذي شهد تسجيله لـ73 هدفًا وصناعته لـ37 آخرين  ليشارك في 60% تقريبًا من أهداف فريقه في جميع بطولات الموسم.
 

عَقب ذلك تجربة مع بايرن ميونخ أضفت مزيدًا من الصلابة الاعلامية على نفس النظرية، بعد اختياره تدريب بطل أوروبا المتوج بدلًا من مانشستر يونايتد، رغم أن المنطق يقول أن تقديم الإضافة مع فريق حائز على الثلاثية هو أمر مستحيل عمليًا، لأن أفضل ما يمكن الوصول إليه قد حدث بالفعل، وأقصى طموحات أي فريق صارت بمثابة المتوقع والبديهي في بافاريا، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار انحسار الدوافع المعتادة التي تصيب فرق كرة القدم عقب النجاحات المدوية، وحقيقة أن القارة لم تشهد مدربًا أو ناديًا نجح في إحراز البطولة مرتين متتاليتين بنسختها الجديدة، بما في ذلك "بيب" نفسه مع برشلونة.
 

النتيجة كانت تجربة محبطة للجميع فشلت في الإيفاء بوعودها وطموحات الألمان، بدأت بقرار سيء من إدارة البافاري أُجبروا عليه لاختيار "هاينكس" بالتقاعد، واستجاب لها اختيار سيء آخر من "بيب" ولكن بكامل إرادته، وهو الذي كان يعلم يقينًا أن أفضل ما يمكن تحقيقه هو معادلة إنجاز الألماني المعتزل، وهي لا تخلو من مفارقة لأن البديل كان قبول عرض "فيرغسون" في مانشستر وتولي تدريب الشياطين الذين كانوا سيعتبرون فريقًا جاهزًا بدورهم، لأنهم حازوا للتو على آخر بطولة دوري مع الأسكتلندي العظيم، في وقت لم يكن أحد يظن أنه ترك الفريق خاليًا على عروشه وبلا خطة مستقبلية للإحلال، وكان سيتعين على "بيب" قبول تلك الحقيقة مرغمًا لأن الشيطان يكمن في التفاصيل، ولو قضى نفس السنوات الثلاث محققًا لقب بريميرليغ واحد مع مانشستر يونايتد لاعتبره الجميع فشلًا ذريعًا، ولربما طالبوا بإقالته وتعيين "مويس" أو "فان خال".
 

كتالونيا سيتي
في الفترة ما بين 2012 و2016 أنفق السيتي ما يقارب 220 مليون يورو لإضافة أربعة لاعبين فقط للتشكيل الأساسي هم:
في الفترة ما بين 2012 و2016 أنفق السيتي ما يقارب 220 مليون يورو لإضافة أربعة لاعبين فقط للتشكيل الأساسي هم: "دي بروين" و"ستيرلنغ" و"أوتامندي" و"فيرناندينيو"  (رويترز)


كل ذلك لم يعد مهمًا منذ أعلن مانشستر سيتي عن توليه قيادة الفريق في (فبراير/شباط) من العام الماضي، لأن "بيب" لم يكن الرجل الوحيد القادر على ارتكاب "الحماقات الكروية"، بل بدا أن لمديرين السيتي الرياضي والمالي "تشيكي برجستين" و"فران سوريانو" باعًا طويلًا  في ذلك، ولم تكن اللقطة التي أنهيا فيها موسم "بيلّيغريني" مبكرًا (5) في مزيج مُنفر من الاستسهال وعدم الاحترافية أكثر من مجرد تتويج لأعوام من الفشل المالي والرياضي في إدارة أموال الإماراتيين في مانشستر، حيث شهدت إنفاق ما يقارب 500 مليون يورو في الفترة ما بين 2012 و2016 لإضافة أربعة لاعبين فقط للتشكيل الأساسي بقيمة 220 مليونًا هم "دي بروين" و"ستيرلنغ" و"أوتامندي" و"فيرناندينيو".

وبعد عامين فقط من انضمامهم كسر أخيرهم حاجز الثلاثين بالفعل وصار أولهم الجدير الوحيد بالاستمرار، وأُنفقت 280 مليونًا أخرى على تعاقدات من طراز "بوني" و"مانغالا" و"خافي غارسيا" وغيرهم، بالإضافة لجيش من الناشئين المعارين الذين يعلم الجميع أنهم لن يطأوا عشب الاتحاد أبدًا، لأن الحصيلة لكل ذلك كانت واحد من أعلى معدلات أعمار البريميرليغ وتشكيلة أساسية يتجاوز عمر سبعة من لاعبيها 30 عامًا.
 

في ظل ظروف مشابهة تخيل الجميع أن التعاقد مع "بيب" سيضع حدًا لهذا الخلل المالي والإداري، فقط ليكتشفوا أن الرجل أتى ليكمل المسيرة، وأن صفقات كـ"ستيرلنغ" لم تعد أكبر مشاكلهم بعد انضمام "ستونز" بنفس الرقم تقريبًا، واكتملت الصورة بعدة رهانات فاشلة بدأت بـ"برافو" الذي انحصرت مهمته في تنظيم المرور لمهاجمي الخصوم، ومرت بـ"نوليتو" الذي أغرقته أزماته العائلية المتكررة، وانتهت بتوزيع الفرص على من لا يستحق، فرص أجهزت على ما تبقى من الموسم بعد أن تأخرت عملية التجديد التي بدأت في الأيام الماضية، وكأن الكتالوني توقع أن "سانيا" سيكتشف "ألفيش" الصغير بداخله بعد أن أتم الثلاثين، وأن "كليشي" هو "ألابا" متخفي ينتظر لمسته السحرية ليكشف النقاب عن مواهبه.
 
 

1+1
في موسم
في موسم "بيب" الأول في إنجلترا، كانت المرة الأولى التي يتلقى فيها 5 هزائم أو أكثر، والمرة الأولى التي يودع فيها دوري الأبطال من ثُمن النهائي (الأوروبية)


فجأة اكتشف الجميع قيمة "زوبيزاريتا" و"زامر" و"رومينيغه"، وحقيقة أن "بيب" لم يحظى أبدًا بهذا القدر من التحكم في مسيرته من قبل، وأنه مازال يعبث بالأدوات ويكتشفها للمرة الأولى، والعبث مكلف، خاصة أنها لم تكن المرة الأولى لـ"بيب" وحده، بل المرة الأولى التي يجد فيها "ستونز" نفسه مطالبًا بتغطية نصف ملعب كامل، والمرة الأولى التي يكتشف فيها "أغويرو" أن للمهاجم دورًا في الضغط وغلق زوايا التمرير واستخلاص الكرة، والمرة الأولى التي يواجه فيها "بيب" كل هذا الكم من الكرات الهوائية العالية التي لا يجيد التعامل معها ولا يضعها في اعتباره أثناء اختيار التشكيل والصفقات، حتى جمهور السيتي اكتشف للمرة الأولى أن "بيلليجريني" لم يكن بهذا السوء.
 

نتيجة لكل هذا الكم من الـ"مرة الأولى"، كان منطقيًا أن يكون ذلك هو عنوان موسم "بيب" الأول في إنجلترا، المرة الأولى التي يتلقى فيها 5 هزائم أو أكثر، والمرة الأولى التي يودع فيها دوري الأبطال من ثُمن النهائي، والمرة الأولى التي ينهزم فيها ذهابًا وإيابًا من نفس الفريق، بالإضافة لأثقل هزيمة محلية في مسيرته تكبدها أمام إيفرتون برباعية نظيفة.
 

بالطبع حالفه سوء حظ مريب في العديد من المباريات كمباراة إيفرتون نفسه في الدور الأول التي أهدر فيها نجومه ركلتي جزاء، ومباراة تشيلسي في نفس الدور التي تبارى فيها نفس النجوم في إهدار الكرات أمام المرمى الخالي، ولكن تضاءلت أهمية تلك المباريات أمام ظواهر أخرى أكثر ريبة لم نعهدها في فرق "بيب" ولا علاقة لها بإمكانيات لاعبيه أو قدراتهم على استغلال الفرص، بل تقع في صلب عمله وإمكانياته كمدرب، لأن سوء الحظ لم يحضر في هزيمته التكتيكية الساحقة أمام كل من "بوتشيتينو" و"رانييري" و"كومان" في ثلاث جولات تلقت فيها شباكه 10 أهداف ولم يسجل هجومه سوى اثنين، ولأن الانهزامية والتخاذل الذي أظهره السيتي هذا الموسم كلما تأخر في النتيجة لم يكن سوى انعكاسًا للفشل في إعداد الفريق لمواجهة المواقف المشابهة، وحتى إهدار الفرص المتكرر -مهما كانت سهولتها- لم يعد حجة مقبولة، بعد أن صاحبه في الموسم الأخير للبايرن كذلك، وودع بسببه دوري الأبطال أمام الأتليتي.
 

بيب الجديد
ما زال غوارديولا يدفع ضريبة نجاحه المدوي في كتالونيا، النجاح الذي  فشل في التعامل معه لاحقًا، فتحول إلى لعنة مقيمة تأبى أن تتركه
ما زال غوارديولا يدفع ضريبة نجاحه المدوي في كتالونيا، النجاح الذي  فشل في التعامل معه لاحقًا، فتحول إلى لعنة مقيمة تأبى أن تتركه
 

كل ما سبق صنع وجهًا جديدًا لـ"بيب"، وجهٌ فقد أهم ملامحه المعتادة من شراسة تهديفية وهيمنة على مجريات اللعب وجرأة في الدفع بالشباب والمغمورين، وتحولت رأس الكتالوني التي لا تتوقف عن العمل إلى مجرد قشرة جوفاء مفرغة من كل المعاني التي حملتها من قبل.

لم يبق من"بيب" القديم سوى إدراكه لحقيقة أنه لا يدرب فريقًا كبيرًا في إنجلترا، وأن موسمًا شبيهًا في بايرن ميونخ أو حتى برشلونة كان سينتهي بإلقائه خارج أسوار النادي

  
فصار "بيب" هو المدرب الذي ينفق 200 مليون يورو في صيف واحد بكل أريحية، ثم يتأهب لإنفاق مثلها في الصيف التالي بلا تردد، بعد أن كان الرجل الذي يستطيع تحويل مدافع شاب كـ"بيكيه" ومغمور كـ"بوسكيتس" للأفضل بمراكزهم في العالم، والرجل الذي يستطيع إضافة الكثير لمواهب كبيرة كـ"ميسي" و"تشافي" و"إنييستا"، والرجل الذي بإمكانه استخراج الذهب من لاعب كـ"بيدرو" وإطالة عمر أسطورة كـ"لام" في الملاعب وتحويل "تياغو" لأحد أفضل صانعي اللعب في القارة، وكأنه يفقد قطعة أخرى من نفسه كلما رحل في تجربة جديدة، تحت وطأة الضغوط والمطالبات الدائمة بالثلاثيات واعتبار كل ما عداها فشلًا.
   
النتيجة أن الفشل الحقيقي أتى أخيرًا وبلا مواربة وفي أكمل صوره، حتى لو كان الفشل طبقًا لمقاييس استثنائية وضعها هو لنفسه بنفسه، والأسوأ أن "بيب" والسيتي لم يدركوا بعد أن المخرج الوحيد منه هو الصبر والعودة للأسباب التي وضعت الكتالوني بين مصاف الكبار، بل وجعلته الهدف الأول لأكبر أندية القارة، وبدلًا من ذلك يسير الفريق بقيادته نحو استنساخ الموسم المنصرم، وإضافة المزيد من الضغوط على الفريق بصفقات مثل "برناردو سيلفا" يصر فيها مسؤولو السيتي على دفع مبالغ قياسية تفسد قيمتها وتقتل طموحها مبكرًا.

 

"بيب" الجديد ليس مميزًا ولا شيء مثير حياله، "بيب" الجديد يتحصل على الراتب الأعلى في العالم ليعتبر التأهل لدوري الأبطال بمثابة بطولة في حد ذاتها (6)، و"بيب" الجديد يخسر بغرابة منقطعة النظير أمام فريق معدوم الخبرة كموناكو، ويفقد نقاطًا سهلة أمام آخرين معدمين كميدلزبرة وساوثامبتون وستوك، أما "بيب" القديم فلم يتبق منه سوى إدراكه لحقيقة أنه لا يدرب فريقًا كبيرًا في إنجلترا، وأن موسمًا شبيهًا في بايرن ميونخ أو حتى برشلونة كان سينتهي بإلقائه خارج أسوار النادي.
 

ما زال الرجل في السادسة والأربعين من عمره فقط، ومسيرته لم تصل بعد لموسمها التاسع، ولكنه يدفع ضريبة نجاحه المدوي في كتالونيا، النجاح الذي كان أكثر ما فشل في التعامل معه لاحقًا، فتحول إلى لعنة مقيمة تأبى أن تتركه، وبقي عالقًا في المربع رقم صفر ينتظر نجاحًا آخر بنفس البريق يثبت أن الأول لم يكن وليد الظروف، إما هذا أو مصير "بييلسا" المؤسف، عقل عظيم بلا تجارب تثبت أنه كذلك، أو تجربة واحدة يسهل اغتيالها بتجاهل التفاصيل.
 

تقييم المحرر.. 5 من 10

باستثناء التأهل لدوري الأبطال فلن يمتلك "بيب" ما يتذكره من الموسم، خروج أمام اليونايتد في كأس الرابطة بتشكيلة غلب عليها البدلاء، ثم خروج من كأس الاتحاد أمام أرسنال بتشكيلة أساسية، في موسم تفوقت انكساراته وإحباطاته على ما عداها.

المصدر : الجزيرة