شعار قسم ميدان

السر الخفي وراء ألكسندر لاكازيت

ميدان - لاكازيت أرسينال
خلال السنوات القليلة الماضية سادت آلاف التحليلات عن أسباب فشل أرسنال في العودة للتتويج بالبريميرليغ وفقدانه لكرته الممتعة المعهودة، حتى رغم إضافات قوية بحجم "سانشيز" و"أوزيل" و"مصطفي"، ولكن المثير كان أن تلك التحليلات لم تشهد أي إثارة، لسبب بسيط هو أن أغلبها انتهى لنفس النتيجة التي يمكن لأي متابع عمره عشر سنوات أن يدركها وحده بعد مشاهدة مباراتين للمدفعجية؛ أرسنال يحتاج إلى مهاجم.

 

وهي نفس التحليلات التي توصلت بسهولة لأن أرسنال يحتاج إلى بديل لكل من "أرتيتا" و"ميرتساكر" كذلك، كلها مشاكل واضحة يمكن علاجها بقليل من الجهد والتدبير، وتلك كانت المشكلة الحقيقية.

 

الشمس التي لا تغيب

أزمة أرسنال كانت واضحة لدرجة أن أغلب المحللين ظنوا أن هناك سببًا خفيًا لبقائها قائمة موسمًا تلو الآخر، سببًا سريًا يدور في الكواليس ولا نعلم عنه شيئًا، سببًا لكي يبقى "جيرو" مهاجم أرسنال الأساسي، وسببًا لكيلا يخرج "ميرتساكر" من التشكيل إلا بعد تجاوزه الثلاثين، وسببًا لكي يبقى "أرتيتا" و"ديابي" و"فلاميني" على قائمة الفريق، وسببًا للخروج من المنافسة بسبب كل هذه الأسباب.

 

ربما لنفس السبب لم يلتفت جمهور أرسنال إلى الحقيقة الساطعة في تصريحات "فينغر" ومالك ناديه "كرونكي" من قبله واستمروا في البحث عن الأسباب الخفية، لأن حديث الثنائي كان أكثر صراحة ووضوح مما يمكن احتماله، فعندما يخرج مالك النادي ليعلن أنه لم يبتاعه من أجل المنافسة على البطولات فهو لا يترك مجالًا للجدل أو المناورة(1)،  وعندما يرى مدرب الفريق أن المقعد الأوروبي بطولة في حد ذاته(2)، ثم يفتخر بكونه لم ينهي موسمه أبدًا خلف توتنهام(3)، فهو يرسم خطا مستقيما لطموح النادي يصعب إنكاره، خاصة عندما يخسر نقطة بدايته ونهايته بمجرد الانتهاء من رسمه.

 

أرسين فينغر يحتفل بفوزه بكأس الاتحاد (رويترز)
أرسين فينغر يحتفل بفوزه بكأس الاتحاد (رويترز)

 

كل ذلك كان مقبولًا بطريقة ما لأن إمكانيات أرسنال لا تسعفه لمجاراة منافسيه في السوق، أو ربما هي ليست أكثر من كذبة كبيرة رددها الجميع في شمال لندن حتى أصبحت حقيقة(4)، لأن الحقيقة الفعلية تقول أن أرسنال أنفق 250 مليون يورو على التعاقدات في السنوات الخمس الماضية بعد خصم مبالغ بيع الراحلين(5)، مقابل 160 فقط لغريمه تشلسي(6)، والخمس سنوات هنا ليست مجرد رقم صحيح مجتزأ من سياقه، بل هي أكثر الأرقام السابقة تعبيرًا عن الوضع، لأن تشكيل البلوز الأساسي الذي فاز بالبريميرليغ في الموسم الماضي تم جلبه كاملًا خلال نفس السنوات الخمس(7)،  ولأن تشلسي كان النادي الأكثر تحقيقًا للبطولة في نفس الفترة.

 

مشكلة أرسنال الرئيسية لم تعد مع تشلسي أو الستي أو السوق أو الأموال، مشكلة أرسنال الرئيسية صارت مع الحقيقة، ومشكلة الحقيقة أنها تحرق كل شيء فلا يتبقى غيرها.

 

دخول مفاجئ

الآن يقف أرسنال أمام نفس الحقيقة بعد مجيء "لاكازيت"؛ المهاجم القادر على احتلال الموقع الأساسي بلا منازع والذي طالما انتظره المدفعجية، نفس المهاجم الذي فشل أرسنال في ضمه طيلة العامين الماضيين لأنه رفض دفع نفس المبلغ الذي دفعه الآن، والذي رآه "فينغر" مبالغًا فيه للاعب بالنسبة للاعب بإمكانيات الفرنسي(8).

 

تبددت فجأة كل الأوهام عن الأسباب الخفية وأسرار الكواليس في أرسنال، كل هذا التعقيد المُتخيل المفتعل لم يكن له أساس من الصحة، الأمر كان بهذه البساطة والسبب الخفي خلف تسامح أرسنال و"فينغر" مع الفشل هو كونهم متسامحين مع الفشل فعلًا، وكل هذا الكلام عن الجودة والنوعية لم يكن أكثر من مجرد هراء، والمبالغة الوحيدة في الأمر لم تكن سعر "لاكازيت"، بل في الحجم الذي اكتسبه أرسنال و"فينغر" عبر الأعوام الماضية بفعل الغموض والأوهام التي بررت العجز عن ضمه.

 

لاعب الأرسنال الجديد ألكسندر لاكازيت والذي كان لاعبا في نادي ليون(رويترز)
لاعب الأرسنال الجديد ألكسندر لاكازيت والذي كان لاعبا في نادي ليون(رويترز)

 

في النهاية فعل "فينغر" ما كان لينصحه به أي متابع عمره عشر سنوات، ولكن الفارق هنا أنه فعله وهو لن يشارك في النسخة القادمة من دوري الأبطال، وفعله وهو يوشك على فقدان أبرز نجومه وأفضل لاعبيه في العقد الأخير بعد ثلاث سنوات من الحرث في بحر متوسطي المواهب ومعدوميها، وفعله بعد ما فوّت على أرسنال فرصة تواجد "لاكازيت" أثناء موسم "سانشيز" الأسطوري في العام الماضي، أو موسم "أوزيل" الأسطوري في العام الذي سبقه.

 

الأهم من كل ذلك أن التعاقد مع "لاكازيت" يأتي بعد تقديم عرض مؤكد قيمته 87 مليون باوند من أجل "مبابي"(9)، وفي ظل مفاوضات جارية على قدم وساق لضم أحد اللاعبين "محرز" أو "ليمار"(10)، والصدفة وحدها هي ما يفسر حدوث كل ذلك بعد الخروج من دوري الأبطال والانهاء خلف توتنهام لأول مرة منذ عقود.

 

بالطبع ليست المشكلة أن أرسنال أدرك الطريق الصحيح أخيرًا، إن كان قد فعل، بل في كونه يدركه متأخرًا في كل مرة، والمجيء متأخرًا ليس دائمًا أفضل من عدم المجيء، بل أحيانًا يكون أشبه بإضافة الدقيق للكعك بعد نضوجه.

 

فينغر يعلم

المهم أن عداء الحقيقة امتد لمناصري النادي أنفسهم، وبدلًا من أن تُعتبر صفقة "لاكازيت" دليلًا قاطعًا على كذب ادعاءات المظلومية التي تصدرت عناوين أرسنال طيلة السنوات الماضية، أصبحت من دواعي التقدير للرجل الذي سيقود ثورة التصحيح مجددًا في أرسنال، وانهال المديح على "فينغر" لأنه أثبت لتوه أنه أضاع سنينًا من عمر ناديه ليفدي كبريائه وعناده فقط لا غير، لأنه لم يرد أن يكون المدرب الذي يعلم الجميع احتياجات فريقه إلا هو.

 

الأرجح أن
الأرجح أن "سانشيز" سيرحل مصحوبًا بحقد جماهير المدفعجية أو أغلبهم على الأقل، ربما يفوز بالبريميرليغ مع الستي أو غيره وربما لا، لكن رحيله سيضمن ألا يفوز به أرسنال على الأقل (رويترز)

 

كل ذلك هو في حقيقته جزء من الأساليب الدفاعية التي طورها جمهور النادي مع الوقت، فكلما تعالت الأصوات مطالبة بإقالة "فينغر" أو محاسبته في أقل تقدير، خرجت التيارات المضادة لتعلن تمسكها بالرجل للأبد، رافعة لافتات "فينغر يعلم" في فخر، وكلما علت وتيرة السخرية من لاعبيه خرج أحدهم بإحصائية تؤكد أنهم من الأفضل، والنتيجة انقسام في مدرجات الإمارات بين من يرى أن الدقيق لا يضاف للكعك إلا بعد نضوجه وبين من يرى العكس(14).

 

الأرجح أن "سانشيز" سيرحل مصحوبًا بحقد جماهير المدفعجية أو أغلبهم على الأقل(12)، ربما يفوز بالبريميرليغ مع الستي أو غيره وربما لا، لكن رحيله سيضمن ألا يفوز به أرسنال على الأقل، وسيضمن أن يظل أرسنال عالقًا في نفس الدائرة المفرغة، لأن "لاكازيت" انضم في نفس العمر الذي انضم فيه التشيلي تقريبًا، وتعويض الأخير إن رحل سيكون صعبًا للغاية في ظل سياسة التعاقدات والتخطيط الحالية للمدفعجية، ما يعني أن مناصريهم قد يضطرون لتوديع "لاكازيت" بنفس الطريقة خلال سنتين أو ثلاثة، ربما بعد أن يتحول لنجم آخر.

 

المشكلة ليست في مطالب "سانشيز" الخيالية التعجيزية(13)، فالجميع يعلم -بما فيهم سانشيز نفسه- أنه لن يتقاضى راتب مماثل في أي نادي في العالم بما فيهم الستي، لكن المشكلة أن التشيلي قد أدرك الحقيقة التي يرفض أرسنال الاعتراف بها، وهي أن صيفه لم يكن ليشهد هذا النشاط لولا الخروج من دوري الأبطال وانتقاله رسميًا للمرتبة الثالثة في لندن، وأن البقاء في نادي لا يتحرك إلا بعد وقوع الفشل لا يعني ببساطة إلا المزيد من الفشل.

 

قديمًا قيل إن أذكى اللاعبين هم من يدركون الوقت المناسب للرحيل، وهي عبارة صالحة للمدربين كذلك، ولكن الأكيد أن "فينغر" قد أضاع فرصته للأبد لأنه لم يكن أحد هؤلاء، وحتى لو بقي "سانشيز" وتمكن "فينغر" من إحراز اللقب قبل نفاذ عقده الجديد، فإن السبب الوحيد لذلك سيكون أنه أدرك أخيرًا نفس الحقيقة التي يدركها أي مشجع عمره عشر سنوات بعد مشاهدة مباراتين للفريق.

المصدر : الجزيرة