شعار قسم ميدان

الفاتورة.. كشف حساب أنطونيو كونتي

ميدان - كونتي تشلسي
انتهى الموسم الأوروبي وحان وقت الحساب، فاز من فاز وخسر من خسر، ولكن النتائج وحدها لا تصلح لأن تكون المعيار وإلا باتت المُحصلة ناجح وحيد وسط مجموعة من الفشلة في نهاية كل موسم. لذلك يقدم لكم "ميدان" سلسلة مقالات بعنوان "الفاتورة" لاستعراض ما قدمه أبرز مدربي الفرق الكبيرة عن مجمل فترة توليهم لمناصبهم الحالية. بطل هذه الحلقة هو أنطونيو كونتي المدير الفني لتشلسي.

 

ما بعد "الخيانة"

4 أشهر فقط حولت بطل البريميرليغ إلى منافس لتفادي الهبوط، شرارة أولى تندلع أمام سوانزي سيتي بشجار جوزيه مورينيو المدير الفني الأسبق للبلوز وإيفا كارنيرو طبيبة الفريق(1)، تليها سلسلة مهزلية من النتائج السلبية. قارن المدرب البرتغالي بكل فخر نجمه البلجيكي إيدين هازارد بكريستيانو رونالدو، لينتهي به الحال بإجلاسه لحساب لوفتس تشيك تارةً وكينيدي تارةً أخرى.

 

هنا وجد رومان أبراموفيتش مالك النادي نفسه أمام قرار لا بد منه بإقالة المدرب الذي اتهم لاعبيه بخيانة عمله(2) ليحل الهولندي غوس هيدينك بدلاً منه بشكل مؤقت، وينطلق تشلسي معه معوضاً بعض ما فاته وكأنه يريد إثبات كلام مورينيو، وإن كنا نعلم أن تغيير المدرب أحياناً يمنح دفعة وروحاً أفضل للفريق.

 

في أثناء تلك الرحلة من المركز السادس عشر للعاشر والخروج من دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا ما يعني الغياب عن نسخة العام التالي، أعلن النادي اللندني عن تعيين أنطونيو كونتي المدير الفني للمنتخب الإيطالي مدرباً جديداً للفريق، ووقف الجانب الأزرق من العاصمة البريطانية بأكمله يُشاهد الرجل وهو يودع ربع نهائي يورو 2016 عن طريق ركلات الترجيح بجيل لا يملك قوة الطليان المعهودة ومثخن بالإصابات أيضاً.

 

فرحة فريق تشلسي بالانتصار (رويترز)
فرحة فريق تشلسي بالانتصار (رويترز)

 

سر نجاح إيطاليا النسبي والذي برز في مباراة إسبانيا على وجه التحديد حين اكتسح الأزوري الميدان ضاغطاً أقوى فرق القارة الهجومية بشكل مثالي يكمن في التنظيم ووحدة الكتلة، وهي السمة التي رافقت تشلسي طويلاً وظهرت دائماً كأبرز شركاء نجاحه، وإن كان عادةً ما يجنح للمدربين الدفاعيين، إلا أن كونتي قدم نفسه خلال المباراة سالفة الذكر على أنه أكثر من مجرد ناسخ لكتيب التكتيك الإيطالي.

 

"أثبتنا أن إيطاليا ليست كاتيناتشيو فقط"

(أنطونيو كونتي عقب الفوز على إسبانيا(3) في يورو 2016)

 

حرارة الصيف

في سوق انتقالات مميز، نجح تشلسي في ضم ماركوس ألونسو وميشي باتشواي وأهم صفقة في الموسم الإنجليزي بأكمله نغولو كانتي، بالإضافة إلى استعادة ديفيد لويز في اللحظات الأخيرة، رغم أنه لم يكن خياره الأول(4) إلا أنه كان إشارة انتهاء زمن جون تيري في التشكيل الأساسي.

 

في البداية حاول كونتي نقل أفكاره للفريق بشكل تدريجي مع الحفاظ على الهيكل الذي لطالما لعبوا به (4-2-3-1)، وبعد نتائج غير سيئة في البداية استيقظ الرجل على ثلاثية نظيفة من أرسنال غيَّرت كل شيء، وكانت إيذاناً بإعلان (3-4-3) التي حكمت إنجلترا، وانتقلت عدواها لاحقاً إلى فرق عدة على فترات متباعدة بما فيهم أرسنال نفسه، إضافةً إلى برشلونة وتوتنهام هوتسبر وغيرهم.

 

تلك النقلة الخططية قادت كونتي لـ13 انتصار متتالي أنهى بهم المنافسة قبل أن تبدأ، فقط بعض آمال بتقريب الفارق ساندتها بعض السقطات في النهاية، ولكن منذ (شباط/فبراير) كان الكل يعلم أن تشلسي بطل البريميرليغ وأن حدوث أي شيء غير ذلك سيكون أشبه بمعجزة حتى في الدوري الشهير بتنافسيته ومعجزاتها.

 

فريق تشلسي (رويترز)
فريق تشلسي (رويترز)

 

ليسوا ممن يخلقون مئات الفرص ولكنهم يستغلونها، وبالتأكيد ليسوا ممن يتلقى مرماهم الكثير من التهديدات فإضاعة الفرصة السانحة أمامهم بمثابة خسارة المباراة، بالطبع موفقون ولكنهم الأكثر تنظيماً.

 

أدرك المدرب الإيطالي سريعاً أن ألونسو ليس جيداً في الرباعي الدفاعي لينطلق ويصبح واحداً من نجوم الموسم، أعاد اكتشاف فيكتور موسيس بالمعنى الحرفي على الطرف الأيمن، أجاد استغلال مميزات أزبيليكويتا الدفاعية كأحد أفراد الثلاثي الخلفي، ناهيك عن كانتي الذي ليس بحاجة لأي كلمات تصف ما قدمه في خط الوسط على كافة الأصعدة.

 

عاب تلك الطريقة إهمال تام لسيسك فابريغاس وأوسكار رغم حاجة الفريق أحياناً للمزيد من صناعة اللعب، إلا أن هناك سبب لبقاء نيمانيا ماتيتش على حسابهم مهما ظهر سيئاً، ومهما كان سبباً في إبطاء الإيقاع من حين لآخر هو أن كونتي يفضل وسطه قادراً على افتكاك الكرة بسرعة على أن يكون خلاقاً، وهو نفس السر وراء اختياراته لتشكيل إيطاليا بتقديم الالتزام على الإبداع.

 

برودة الشتاء

بعكس الصيف المثالي حمل سوق الانتقالات الشتوية بعض السلبيات، فقد كان إيذاناً بتفريغ الفريق من بدلائه، حتى ولو ظهر ذلك في صورة تخفيف أعباء مالية أو إزاحة بعض الضغط وقايةً لشر خلافات واردة، فإن ذلك لا يبرر سوء التعويض.

 

كان الفريق قد تخلى عن خوان كوادرادو ومحمد صلاح بالفعل، ليتبعهم بكل من أوسكار وجون أوبي ميكيل وبرانيسلاف إيفانوفيتش دفعة واحدة، حتى التعويض الوحيد بقطع إعارة ناثان أكي لبورنموث جاء في مركز يملك به زوما وتيري، وبالطبع لم يستفد منه على الإطلاق حتى باعه بنهاية الموسم لنفس الفريق، الخاسر الوحيد هو اللاعب نفسه الذي تكبَّد 6 أشهر على دكة بدلاء البطل بعد تألقه مع الفريق الواعد.

 

مدريب تشلسي كونتي والاعب كانتي الفائز بأفضل لاعب في الدوري (رويترز)
مدريب تشلسي كونتي والاعب كانتي الفائز بأفضل لاعب في الدوري (رويترز)

 

النتيجة هي كانتي وماتيتش وفابريغاس على مركزين، ويليان وبيدرو وهازارد على مركزين أيضاً، الطرفين موسيس وألونسو ببديل واحد من التشكيل الأساسي هو أزبيليكويتا، نجاة محققة لهذا الفريق من مصير كارثي إن انقضت عليه الإصابات كأي من منافسيه.

 

ظهر ذلك بقوة في مواجهة مانشستر يونايتد -(0-2) لصالح الأخير- حين غاب ألونسو فظل كونتي حائراً طيلة المباراة بين موسيس وأزبيليكويتا على الطرفين دون جدوى.

 

أضف إلى ما سبق مشكلة عصفت بشتاء الفريق بعد فشل باتشواي النسبي أو عدم نجاحه في حيازة ثقة مدربه، حين داهم عرضاً خرافياً من الصين مهاجم الفريق دييغو كوستا، بالتزامن مع استبعاده من مباراة وتقارير أكدت أن الإيطالي صرخ في وجه اللاعب بالذهاب إلى هناك(5)، قبل أن يقرر البقاء ولكنه لم يعد كما كان في غالبية النصف الثاني من الموسم.

 

عن التكتيك المُفترى عليه
في 10 مواجهات أمام الخمسة الكبار حقق كونتي 16 نقطة من أصل 30 ممكنة، بواقع انتصارين على مانشستر سيتي، فوز وخسارة أمام توتنهام هوتسبر ومانشستر يونايتد وأرسنال، وهزيمة وتعادل أمام ليفربول. حقيقة يمكن منها استخلاص تفوق المدرب الإيطالي تكتيكياً على أقرانه، ولكن هنا سنضطر للاصطدام بتلك المغالطة الشهيرة لنسأل: ما هو التفوق التكتيكي من الأصل؟

 

العبارات الرائجة عن تفوق كونتي تكتيكياً على بوكيتينو وغوارديولا عاريةً تماماً من الصحة، ففي انتصاراته الثلاثة على الثنائي كانت اليد العليا لكل منهما، أما غوارديولا الذي خسر أمام مدرب واحد ذهاباً وإياباً للمرة الأولى في تاريخه، فهذا عنوان كبير يستحق إغفال التفوق الإحصائي الواضح في المواجهتين

من أهم عناصر ذلك التفوق هو نجاحك في فرض النسق الذي تريده على خصمك لأطول فترات ممكنة سواء كانت طريقتك هجومية أو دفاعية، أي أنه يحدث في حال أجبرته على التراجع والدفاع أو نجحت في سحبه للأمام مبطلاً فاعليته ومُجبراً إياه على التعامل مع خطورة مرتداتك من وضعية صعبة.

 

هذا التفوق ليس مُقترناً بعدد التسديدات ونسبة الاستحواذ بشكل مُجرد، بل يشمل مدى خطورة الفرص التي تخلقها ومدى تقليصك لخطورة فرص الخصم، وهو ما لم يتوفر لكونتي في أي من هزائمه أمام الرباعي يونايتد وأرسنال وتوتنهام وليفربول ولا في تعادله مع الأخير، لم يخسر تشلسي وهو الطرف الأفضل إلا أمام الصغار وعلى وجه التحديد مثال كريستال بالاس الذي أسقطه بهدفين من 3 تسديدات على المرمى مقابل 11 أنتجوا هدفاً وحيداً.

 

بالانتقال إلى انتصارات البلوز الخمسة على الكبار، نجد أنه لم يحقق تلك الأفضلية التكتيكية إلا على حساب أرسنال (3-1)، بل حتى حين سحق مانشستر يونايتد (0-4) كان للأخير عدد المحاولات الأكبر في مباراة رجحتها كفة التسجيل المبكر وارتفاع نسبة الخطورة لصالح تشلسي.

 

عبارات كتلك الرائجة عن تفوق كونتي تكتيكياً على ماوريسيو بوكيتينو وبيب غوارديولا عاريةً تماماً من الصحة، ففي انتصاراته الثلاثة على الثنائي كانت اليد العليا لكل منهما، والقاسم المشترك بين فوز تشلسي على توتنهام وخسارته أمامه أن بوكيتينو تفوق في المواجهتين.

 

أما غوارديولا الذي خسر أمام مدرب واحد ذهاباً وإياباً للمرة الأولى في تاريخه، فهذا عنوان كبير يستحق إغفال التفوق الإحصائي الواضح في المواجهتين. إن أردت الحديث عن كرة ساهمت في حسم مصير دوري بأسبوعه الرابع عشر، لن تجد مثالاً أوضح من هذا..

 

    كرة ديبروين الضائعة أمام مرمى تشلسي

 

قدم مانشستر سيتي في المباراتين خاصةً الأولى عرضاً مثالياً في خلق الفرص وإهدارها، وكما أسلفنا أعلاه فإن الكم ليس معيار التفوق بل النجاح في خلق الخطورة لفريقك وتقليص خطورة الخصم، ولا يبدو من تلك المواجهتين أن كونتي نجح أبداً في تحييد خطورة الخصم إلا إذا كانت العارضة تدخل في حسابات التفوق التكتيكي.

 

تقييم المحرر: 8.5 من 10

لأنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان باستثناء مباراة وحيدة هي نهائي كأس الاتحاد، ولأنه -أياً كانت الظروف السابقة والمعاصرة- قاد فريقاً احتل المركز العاشر لإحراز اللقب، ولأنه أثبت نجاحه بموسمه الأول في إنجلترا مواصلاً هدم أسطورة "حتى نراه في البريميرليغ" الشهيرة.

 

موسم رائع ولكنه لا يعني أبداً نهاية المطاف، فالتحدي الحقيقي يبدأ الآن. كيف سيتمكن كونتي من مجاراة النسق البدني المرتفع الذي استراح منه الموسم الماضي بعدم مشاركته في أي بطولة أوروبية؟ وهل يمكنه محو تاريخه السيء مع دوري أبطال أوروبا؟

 

ذكريات مخيبة للآمال يملكها هذا الرجل مع ذات الأذنين، فليس الخروج المخيب رفقة يوفنتوس لصالح غالاتاسراي من دور المجموعات عنا ببعيد، والكل يذكر حين رحل وتسلم منه ماسيميليانو أليغري المهمة حين قيل إن هذا الأخير سيدمر فريق كونتي، فأخذه لنهائي دوري الأبطال مرتين.

 

حتى اللحظة تشلسي قد تخلى عن جون تيري وأسمير بيغوفيتش وناثان أكي وباع كوادرادو ليوفي رسمياً، كما أبلغ كونتي مهاجمه كوستا بأنه خارج خططه(6)، في حين أنه لم يبرم سوى صفقة وحيدة هو الحارس الأرجنتيني ويلي كاباييرو مجاناً، قبل خسارته لهدفه الأول في السوق مهاجمه السابق روميلو لوكاكو الذي فضل الانتقال من إيفرتون إلى مانشستر يونايتد. التدعيمات المقبلة ستكون مصيرية بلا شك، ولكن تدعيم الصف الثاني قد يكون أكثر أهمية وحسماً.

المصدر : الجزيرة