شعار قسم ميدان

كم أنفقتَ في صفقة لوكاكو؟

ميدان - لوكاكو
عكس الكثير من الرياضات الأخرى، فإن أندية كرة القدم هي واحدة من أقل المؤسسات الرياضية خضوعًا للرقابة، كون الملكيات الفردية تتحكم في عدد كبير منها، خاصة في إنجلترا التي يستحوذ فيها الأثرياء على الستة الكبار بالإضافة إلى عدد من أندية وسط وقاع الجدول، وبالطبع إيطاليا التي تمتلك باعًا طويلًا مع الحالات المشابهة.

 

في ظروف كتلك، وفي ظل ملاحقات قانون اللعب النظيف الذي تتغير قواعده من عام لآخر، يفضل الجميع المزيد من الضبابية في التعامل مع الشئون المالية، وهو ما يعني مزيدًا من الاستنتاج والاجتهاد في أمور لا يُفترض أن تحتمل أيًا منهما، وكما ترى فإن كل ذلك يمثل المناخ المثالي لانتشار الأساطير، ويصل بنا إلى نتيجة واحدة مهمة، هي أن كل ما تعلمه عن سوق الانتقالات تقريبًا خاطئ، ربما باستثناء حقيقة انتقال اللاعب من نادٍ إلى آخر.

 

المثال الأشهر هنا هو الأسطورة الدارجة عن "فلورنتينو بيريز" رئيس ريال مدريد المنتخب، الذي ظل العالم يعتقد لعقد كامل أنه كان يمول صفقاته المكوكية من عوائد بيع قمصان نفس الصفقات المكوكية، وهي نظرية تأكل نفسها بنفسها، فلو كان الأمر بهذه السهولة لكان كل ما يحتاجه أي نادي ليتحول لريال مدريد هو المئة مليون الأولى الكافية لابتياع أول "جالاكتيكو" لصفوفه، ومن ثم تتكفل مبيعات القمصان بالباقي، بما فيها المئة مليون الثانية التي ستبتاع النجم التالي.

 

كم بالضبط؟
undefined
 
مبدئيًا، فإن عملية تحديد سعر الصفقة أشبه بلعبة "الهمسات الصينية" الشهيرة؛ حيث يجلس مجموعة من الأفراد في دائرة مغلقة، ثم يهمس الأول بعبارة سريعة لتاليه في الترتيب، وهكذا حتى يصل الدور للأخير بعد أن تكون العبارة قد مرت بعدة تغييرات، ومصدر الطرافة في الأمر أنه رغم التلعثم وسرعة النطق المتعمدة، فإن قوة الايحاء تتكفل بتحويلها لأقرب عبارة مفهومة قد تحمل شبهًا بعيدًا بالعبارة الأولى.(6)

 

بداية ينبغي على الصحفي الراغب في معرفة سعر الصفقة الحقيقي أن يمتلك مصدرًا في أحد أطرافها الفعليين، وهو ما لا يتحقق في 90% من الحالات على الأقل، وإن كان يمتلكه بالفعل فهذا لا يعني إلا أنه قد اقترب خطوة واحدة فقط من المعلومة، لأن الطرف البائع سيخبره بالمبلغ الاجمالي متضمنًا البنود الفرعية، من نوعية 5 ملايين إضافية إن ترشح اللاعب للفوز بالبالون دور و3 أخرى إن فاز بالبريميرليغ إلخ، وبغض النظر عن قابلية تلك البنود للتحقق من عدمها، أما الطرف المشتري فسيتجاهلها من الأصل، وبالطبع يتكرر الأمر نفسه مع الرواتب.(5)

 

بعدها يأتي دور الناقلين وهم القطاع الأكبر من العملية الصحفية، وفي ظل هيستيريا الانتقالات بكل ما تحمله من رغبة في اللحاق بالأحداث المتسارعة، تقع الأخطاء مع كل عملية نقل، والنتيجة أن الأمر كله يتحول لجولة تقليدية من "الهمسات الصينية"، وهو ما يسبب كل ما تلاحظه من تناقضات في سعر أي صفقة بين مصدر وآخر، لأن المعلومة التي تُعرض على الجمهور غالبًا ما تفتقد إلى الدقة حتى وإن كانت تحمل شبهًا بعيدًا بالمعلومة الأصلية.

 

من حكم في ماله؟
"لوكاكو" كلف اليونايتد 75 مليون باوند في أقل التقديرات،(1) بعد أن طلب ريال مدريد 90 مليون يورو في "موراتا"،(2) أما "بيلوتّي" فلن يقبل "كايرو" رئيس تورينو بأقل من 100 مليون أخرى لبيعه.(3) كل هذا ليس أكثر من هراء في نظر المشجع العادي الذي لا تهمه التفاصيل بقدر ما يهمه أن يضم فريقه النجوم التي يحتاجها لتحقيق الألقاب، ففي النهاية هو لا ينفق من جيبه، ومنطقية الصفقة من عدمها لن تؤثر على معيشته، خاصة إذا كان ناديه المفضل قادرًا على دفع مبالغ كتلك. تلك هي الأسطورة الأهم على الاطلاق، فسواءًا كنت مشجعًا لمانشستر يونايتد في الفلبين أو أردنيًا تعشق الريدز بجنون أو تشيليًا يتبع "سانشيز" أينما حل، فإن تلك الأسعار تؤثر على حياتك اليومية شئت أم أبيت.

  

الفارق الوحيد بينك وبين غيرك هو نسبة مشاركتك في الـ75 مليون باوند التي أنفقها اليونايتد لجلب
الفارق الوحيد بينك وبين غيرك هو نسبة مشاركتك في الـ75 مليون باوند التي أنفقها اليونايتد لجلب "لوكاكو"، وهو أمر يجب عليك دراسته جيدًا قبل أن تدفع الاشتراك أو تجلس على المقهى أو تقرر رفع سرعة الانترنت
 

الأمر ببساطة أن مؤسستي "سكاي" و"بي تي سبورت" المالكتان للحقوق الحصرية لبث البريميرليغ ينفقان أموالًا طائلة للحصول عليها، وبما أن تلك المؤسسات تهدف إلى الربح بداهة، فإن تلك الحقوق يعاد توزيعها على كل شبكات البث الاقليمية والمحلية في العالم، ومن هنا تختلف مشاركتك في العملية سواءًا كنت تدفع اشتراكًا شهريًا لهذه الشركات لمشاهدة المباريات من المنزل، أو يُضاف على فاتورتك مبلغًا إضافيًا لمشاهدتها في المقهى، أو حتى ما يتقاضاه منك موفر خدمة الإنترنت الذي تتابع المباريات عبره.(5)

 

الحقيقة أنك لا تنفق من جيبك وحسب، بل أن السلسلة كلها تبدأ منه وتنتهي إليه، فلولا حالة السوق – باعتبارك أحد أفراده – لما أثبتت دراسات الجدوي أن "سكاي" بإمكانها تحقيق الربح المطلوب، ولولا دراسات الجدوى لما تم توقيع عقود البث الخيالية، ولولا عقود البث الخيالية لما كان بإمكان ويستهام تقديم عرض بـ50 مليون يورو لـ"لاكازيت"،(4) أي أن الصلة بينك وبين تلك العقود حتمية ولا مهرب منها مهما بدت بعيدة، واللحظة التي ستتوقف فيها تلك الأندية عن الانفاق من جيبك ستكون نفس اللحظة التي تتوقف فيها عن الانفاق عمومًا.

 

نظرية اقتصادية بديهية لا تحتاج لإثبات، ولكنها تلقت العديد من الضربات الموجعة في العالم الثالث نتيجة لنشاطات "غير مشروعة" تبدأ بانتاج نسخ مُقلدة من القمصان ولا تنتهي بمحاولات التهرب الدائمة من دفع مقابل المباريات الحصرية، ولكن كل ما غيرته تلك الأنشطة هو أنها أقحمت وسيطًا في العلاقة بينك وبين اقتصاد النادي، يؤدي دوره صاحب المقهى أو موفر خدمة الانترنت، ويضمن لك أن تقل نسبتك.

 

الخلاصة أن المال كالطاقة، لا يفنى ولا يستحدث من عدم، والفارق الوحيد بينك وبين غيرك هو نسبة مشاركتك في الـ75 مليون باوند التي أنفقها اليونايتد لجلب "لوكاكو"، وهو أمر يجب عليك دراسته جيدًا قبل أن تدفع الاشتراك أو تجلس على المقهى أو تقرر رفع سرعة الانترنت.

 

زلاتان يبيع!
إن عقود رعاية الشركات الرياضية كـ
إن عقود رعاية الشركات الرياضية كـ"نايكي" و"أديداس" للأندية هي أقرب لعقود الترخيص، بمعنى أن النادي يتقاضى مبلغًا سابق التحديد مقابل السماح لتلك الشركات بتصنيع قمصانه
  
انفجرت القصة بتقرير لـ"ستيف ميلار" في الديلي ستار الانجليزية يؤكد أن مبيعات قمصان "إبراهيموفيتش" قد تضمن ربحًا لليونايتد يعادل صفقة "بوغبا" تقريبًا، لكونها قد تجاوزت حاجز الـ76 مليون باوند بعد مرور أسبوع واحد من التوقيع مع النجم السويدي.(7) الحقيقة أن هذا هو ما حدث فعلًا، مع فارق وحيد هو أن قمصان "زلاتان" لم تجلب 76 مليون باوند، ولا حتى عُشر هذا الرقم، وإن فعلت فلم يكن اليونايتد ليستطيع استخدامها لتسديد مقابل انتقال أغلى لاعب في التاريخ.

 

كل ما تحتاج معرفته هو أن عقود رعاية الشركات الرياضية كـ"نايكي" و"أديداس" للأندية هي أقرب لعقود الترخيص، بمعنى أن النادي يتقاضى مبلغًا سابق التحديد مقابل السماح لتلك الشركات بتصنيع قمصانه، كون أغلب الأندية لا تستطيع انتاجها بنفسها ناهيك عن توفير الهيكل الاداري لترويجها وبيعها.(5) من ثم فعندما يتقاضى اليونايتد 75 مليون باوند سنويًا من أجل السماح لـ"أديداس" بانتاج قمصانه فهو قد تلقى أرباحه مقدمًا،(8) أما مبيعات القمصان نفسها فلا يصله منها إلا نسبة لا تتجاوز 10-15%، لأن أي احتمال آخر سيعني أن "أديداس" قد تحولت لمؤسسة خيرية.(5)

 

الأهم من كل ذلك أن اليونايتد لن يتحصل على تلك النسبة إلا بعد تجاوز المبيعات حد كبير نسبيًا نظرًا لكون المبلغ المدفوع مقدمًا هو الأعلى في انجلترا حاليًا، فإذا افترضنا أن "بوغبا" قد تكلف 89 مليون باوند فعليًا، فعملية حسابية بسيطة ستخبرنا أن "أديداس" بحاجة لتجاوز نسبة المبيعات المتوقعة بمقدار 8.5 مليون قميص تقريبًا لكي تمثل الـ15% التي سيحصل عليها اليونايتد حينها قيمة انتقال الفرنسي، علمًا بأن إجمالي ما باعته الشركة الألمانية من قمصان الشياطين في الموسم المنصرم لم يتجاوز ثلاثة ملايين قميص لنجوم الفريق مجتمعين بما فيهم "زلاتان" نفسه، وهو ما لا تمثل أرباحه نصف راتب السويدي منفردًا في عام واحد.(5)

 

صناديق الحرب
لابد وأنك قد قابلت هذا المصطلح مرارًا في مطالعتك للصحف الأجنبية، فصناديق الحرب أو (War Chests) هي المصطلح المستخدم لتحديد ميزانية أي نادٍ في الانتقالات، ومن ثم قدرته على تدعيم فريقه بالصفقات المطلوبة، وكل ما عليك هو حساب مقابل انتقال اللاعبين المرغوب في ضمهم والتأكد أنها لن تتجاوز الميزانية المحددة مسبقًا، ومن هنا ننطلق للحديث عن "صافي الانفاق" ومقارنته بالأندية الأخرى.(9)

  

إن الـ35 مليون باوند الخاصة بـ
إن الـ35 مليون باوند الخاصة بـ"مخيتاريان" ستتحول إلى 8.75 مليون باوند سنويًا بعد تقسيمها على مدة عقده البالغة أربع سنوات، ثم سيضاف لها راتبه السنوي البالغ 9 ملايين باوند لتقترب تكلفة الأرميني السنوية من 18 مليون باوند (الأوروبية)

 

ما لم تقابله أبدًا هو مصطلح "استهلاك الدَّيْن" (Amortization)، وهو الطريقة الحسابية التي يحدد بها كل نادي كم الانفاق المضاف لفاتورته السنوية.(5) فبافتراض أن مانشستر يونايتد قد تعاقد مع "مخيتاريان" مقابل 35 مليون باوند كما هو معلن، في نفس الصيف الذي أنفق فيه أرسنال 30 أخرى لضم "تشاكا" من جلادباخ، فإن هذا لا يعني أن الفارق بين الناديين 5 مليون باوند فقط لا غير، لأن كل منهما سيقوم بتقسيم مقابل الانتقال على مدة العقد كاملة ثم سيضيف عليها راتب اللاعب في العام الواحد ومن ثم يصبح هذا الرقم هو تكلفة اللاعب سنويًا.

 

لذا وبينما يبلغ الفارق بين الصفقتين 20% لا أكثر بمعايير "صافي الانفاق"، فإن الحقيقة أن الـ35 مليون باوند الخاصة بـ"مخيتاريان" ستتحول إلى 8.75 مليون باوند سنويًا بعد تقسيمها على مدة عقده البالغة أربع سنوات، ثم سيضاف لها راتبه السنوي البالغ 9 ملايين باوند لتقترب تكلفة الأرميني السنوية من 18 مليون باوند، بينما سيؤدي تكرار نفس العملية الحسابية مع "تشاكا" إلى حصيلة قدرها 12 مليون باوند فقط كون عقده ممتد لخمس كاملة، وبزيادة قدرها 50% لحساب صفقة صانع ألعاب الشياطين.(5)

 

أضف إلى ما سبق صفقة انضمام "زلاتان" كلاعب حر، ثم تخيل أن هذه الصفقات الثلاث هي كل ما أنجزه الناديين في الصيف الماضي، هنا ستكتفي حسابات صافي الانفاق بفارق الـ20% بين الناديين، بينما ستؤكد حسابات استهلاك الدين أن اليونايتد قد زادت فاتورته السنوية بمقدار 28 مليون باوند  بعد إضافة راتب "زلاتان" السنوي المقدر بعشرة ملايين باوند، مقابل 12 لأرسنال بزيادة تتجاوز الـ130%، أي أن صناديق الحرب التي تعلن عنها الصحف في مطلع كل صيف ليست أكثر  من همسة صينية أخرى بدورها.

المصدر : الجزيرة