شعار قسم ميدان

ما هو سر تطور "الأخضر" السعودي مقارنة بمنتخبات الخليج؟

ميدان - المنتخب السعودي 2017
رغم الأموال الكبيرة التي لا يزال يتم ضخها في قطاع الرياضة من قبل دول الخليج فإن الرياضة بشكل عام ولعبة كرة القدم بشكل خاص لا تزال دون المستوى المطلوب في المنطقة، سواء تعلّق الأمر بالأندية أو المنتخبات.

 

على صعيد المنتخبات، لم ينجح أي منتخب خليجي في التأهل للنسختين الماضيتين من نهائيات كأس العالم، الأخيرة في البرازيل 2014 وقبل الأخيرة في جنوب أفريقيا 2010، ليبقى الأخضر هو آخر منتخب خليجي شارك في نهائيات كأس العالم، وكان ذلك عام 2006 في ألمانيا بقيادة المدرب البرازيلي ماركوس باكيتا.

 

كما أن المنتخب السعودي هو المنتخب الخليجي الوحيد الذي يملك حظا في التأهل لنهائيات كأس العالم المقبلة التي ستقام في روسيا بعد عام من الآن تقريبا، فـقطر خرجت من المنافسة رغم فوزها الأخير على كوريا الجنوبية في الدوحة، وفي المجموعة الثانية خرجت الإمارات حسابيا من المنافسة، إذ تقبع في المركز الرابع بـ 6 نقاط خلف أستراليا صاحبة المركز الثالث مناصفة مع السعودية بواقع 16 نقطة خلف اليابان المتصدرة بفارق نقطة واحدة(1). وفي المجموعة نفسها فقدت العراق فرص التأهل في الجولات الأولى بعد بداية ضعيفة للغاية، ويمكن القول إن المنتخب السعودي هو الأقرب إلى التأهل من بين كل المنتخبات العربية رغم الوضعيات الجيدة لكل من مصر وتونس، وبكل تأكيد الأمر ليس من باب الصدفة، فالقائمون على الكُرة في السعودية عملوا كثيرا في السنوات الماضية من أجل الوصول إلى هذا المستوى.

 

وإذا فتّشنا عن سر تطور الكُرة السعودية مقارنة مع نظيراتها الإماراتية والقطرية وبقية المنتخبات الخليجية سنجد أنّ سر التطور يكمن في الاهتمام بالفئات السنية الصغرى، ورعاية الشبّاب والعمل على صقل مواهبهم حتى يتم تأهيلهم للمشاركة مع الفريق الأول.

 

الأخضر وحده في الطريق الصحيح
المنتخب السعودي الذي شارك في كأس آسيا في أستراليا 2015 (رويترز)
المنتخب السعودي الذي شارك في كأس آسيا في أستراليا 2015 (رويترز)

 

بعد سنوات طويلة من التراجع والسقوط استطاع المنتخب السعودي الأول العودة بشكل تدريجي إلى الطريق الصحيح، والفضل كل الفضل يعود إلى القائمين على الكُرة واتحاد الكرة هناك، فعندما قاموا بالتخطيط للنهوض بالكرة عادوا إلى الجذور، واستحضروا تجارب الأمس وأمجاد تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة.

 

في ثمانينيات القرن الماضي عاشت الكُرة السعودية فترتها الذهبية، حيث فاز المنتخب الأول بكأس آسيا مرتين في ظرف 4 سنوات، وفي الفترة نفسها قاموا باستنساخ التجارب الأوروبية الناجحة لتطوير الكرة التي تتمثل في الاهتمام بمختلف الفئات العمرية والعمل على صقل المواهب، لتأتي النتائج بشكل سريع، ففي عام 1989 تمكن منتخب الناشئين من التتويج بكأس العالم في إسكتلندا، وهو بالمناسبة المنتخب العربي الوحيد الذي سبق له التتويج بهذه الكأس.

 

في تلك الفترة ظهرت مواهب عديدة من مختلف الفئات العمرية، مثل فهد الهريفي، وعبد الرحمن الرومي، وأحمد الجميل، وسعود السمار، وفهد المهلل، إضافة إلى المرحوم خالد الرويحي(2). استمر بعدها الاهتمام بالفئات العمرية المختلفة، واستمر أيضا الاستثمار في الشباب والعمل على تطويرهم من كافة الجوانب الذهنية والبدنية والفنية، حتى برزت مواهب أخرى مثل عبيد الدوسري، وخميس العويران، والحارس مبروك زايد الذي برز في كأس العالم الشباب 1999 في نيجيريا(3).

 

تطوير الشباب وصقل المواهب هو سر نجاح المنتخب السعودي في كل العصور من جانب، ومن جانب آخر هو سر فشل المنتخبات الخليجية، إنها العقبة التي طالما فشلت في اجتيازها منتخبات الخليج عامة ومنتخب الإمارات خاصة، وبالذات في السنوات الأخيرة مع المدرب المحلي مهدي علي الذي أخفق مع المنتخب الأول بعد تحقيقه نجاحات باهرة مع منتخب الشباب والمنتخب الأولمبي.

 

مهدي علي وإخفاق جيل عموري!
 المنتخب الإماراتي (رويترز)
 المنتخب الإماراتي (رويترز)

  

خلال السنوات الماضية قاد المدرب الإماراتي مهدي علي منتخب بلاده إلى الفوز بكأس الخليج وكأس آسيا للشباب، ثم قدّم مردودا طيبا مع المنتخب الأولمبي في أولمبياد لندن 2012، ليصعد مع المنتخب الأول ويتوج معه بكأس الخليج ويقوده إلى نصف نهائي كأس آسيا. لكن بعد تلك النجاحات جاءت الإخفاقات التي قادته إلى الاستقالة فيما بعد، ففي آخر سنتين فشل مهدي علي بشكل ذريع مع المنتخب الأول، والحديث عن فشله يعني الحديث عن فشل أفضل مدرب محلي خليجي خلال السنوات الماضية.

 

فشل في منح شخصية للفريق، إذ لم يتمكن من مقارعة كبار القارة الصفراء -أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية- في مختلف المشاركات، سواء تعلق الأمر بنهائيات كأس آسيا أو بالتصفيات المؤهلة إلى كأس العالم. ففي التصفيات الجارية خسر الأبيض من الكانغارو مرتين ذهابا وإيابا، وخسر بسهولة من اليابان في أبوظبي، ليتضح فيما بعد أن الفوز على منتخب الساموراي في مستهل مشوار التصفيات لم يكن سوى محض صدفة.

 

وفيما يخص إخفاق الجيل الذهبي للإمارات في التأهل لنهائيات كأس العالم أو التتويج بكأس آسيا فإن ذلك يمكن إرجاعه إلى عدة أسباب أبرزها عدم تطور فريق الشباب بعد الوصول إلى الفريق الأول، فعلى سبيل المثال لا يوجد فرق كبير بين عمر عبد الرحمن 2017 وعمر عبد الرحمن 2012، لا يزال كما هو، ممتاز في التحكم بالكرة والتمريرات البينية والمراوغات، ضعيف في الالتحامات والمواجهات الثنائية وتحمل الخشونة، والأهم من ذلك أنه لم يعرف مع الوقت كيف يوزع جهوده على فترات المباريات كما يفعل ميسي على سبيل المثال. أما بقية المجموعة فلم ينضج أي منهم، لا لاعب الارتكاز عامر عبد الرحمن ولا مهاجم الفريق أحمد خليل، ناهيك عن هبوط مستويات غالبية لاعبي هذا الجيل الذهبي.

 

ويمكن القول إن للمدرب دورا بارزا على هذا الصعيد، فعلى سبيل المثال فشل المدرب مهدي علي في تطوير رفاق عموري ونقلهم إلى مستوى آخر عبر خلق الانسجام بينهم بالتوازن الخُططي والاستفادة من قدراتهم بأعلى قدر ممكن بالابتكار في خطط اللعب، رغم أن صاحبنا نفسه هو من يعود له فضل كبير في اكتشافهم مع مختلف منتخبات الفئات العمرية، لكن تدريب منتخب الشباب يختلف تماما عن تدريب المنتخب الأول.

 

امتداد نجاح الكُرة السعودية
المنتخب السعودي في فرنسا عام 1998 (رويترز)
المنتخب السعودي في فرنسا عام 1998 (رويترز)

  

كما أشرنا آنفا، الفضل يعود إلى الاهتمام بالمواهب، وصقلها، ثم تطوير فريق الشباب من جميع الجوانب الذهنية والبدنية والفنية حتى يكون قادرا على تمثيل المنتخب الأول. ذلك ما نجح فيه الأخضر في أواخر الثمانينيات، فبعد الفوز بكأس العالم للناشئين استمرت نجاحات الكُرة هناك، إذ نجح المنتخب الأول في التأهل لنهائيات كأس العالم في الولايات المتحدة 1994 والوصول إلى الدور الثاني، وبعد سنتين تقريبا توج المنتخب الأول بكأس آسيا 1996 في الإمارات للمرة الثالثة في تاريخه بقيادة البرتغالي نيلو فينغادا(4).

 

ولم تتوقف النجاحات عند ذلك الحد بل امتدت لسنوات طويلة، حيث واصل الأخضر حضوره المونديالي وتأهل إلى نهائيات كأس العالم ثلاث مرات متتالية، في فرنسا 1998، وفي كوريا واليابان 2002، وفي ألمانيا 2006، قبل أن يخفق في التأهل إلى مونديالي جنوب أفريقيا 2010 والبرازيل 2014، في فترة تراجع فيها أداء الأخضر بشكل كبير رغم وجود مواهب عديدة وأسماء لامعة، مثل ياسر القحطاني، ومحمد الشلهوب، ونايف هزازي، وأسامة المولد، وسعود كريري، وأحمد الفريدي، وتيسير الجاسم، إضافة إلى الشقيقين أحمد وعبده عطيف.

 

في الختام، عرفنا أن تطور الكُرة السعودية وعودة المنتخب إلى مستواه كان مرهونا بالعودة إلى الجذور وصقل المواهب ومنحهم الثقة، هذا ما خلص إليه القائمون على الكرة هناك وقام بتجسيده مدرب المنتخب الأول السيد مارفيك، إذ منح الثقة سريعا لمجموعة من الشباب مثل سلمان الفرج، ومنصور الحربي، ويحيى الشهري، وعبد الفتاح عسيري، وسالم الدوسري، وسلمان المؤشر، إضافة إلى أسماء أخرى برزت في مونديال كولومبيا للشباب 2011، مثل فهد المولد، ومعتز هوساوي، وعبد الله عطيف، ومحمد آل فتيل. هذا بالإضافة أيضا إلى مجموعة أخرى من المواهب تألقت بشكل لافت هذا الموسم مع أنديتها، مثل لاعب المحور جمال باجندوح الذي سبق اللعب لعدة أندية إنجليزية -فئة الشباب- مثل بورنموث قبل أن ينتقل اتحاد جدة(5) لاعب التعاون إبراهيم الطلحي. أسماء ستأخذ فرصتها كاملة مع المنتخب الأول في القريب العاجل في ظل استمرار سياسة الاعتماد على الشباب من قبل المدرب الهولندي فان مارفيك بالتعاون مع اتحاد الكُرة في السعودية.

المصدر : الجزيرة