شعار قسم ميدان

الفاتورة.. كشف حساب لويس إنريكي

ميدان - لويس إنريكي
كان الخروج بالكأس المحلية ليُعد نجاحًا مقبولًا في أي نادٍ آخر لا يمتلك "ليونيل ميسي"، خاصة إذا كان فريقه يعاني من انخفاض حاد في المستوى ومدربه من حالة متقدمة من الهلوسات البصرية، ولكن حالة الأرجنتيني الاستثنائية المعتادة أغرت الكثيرين بالطمع، وشعروا بأن بإمكان البرسا الخروج بما هو أكثر، حتى لو كان الفريق يمر بأحد أسوأ مواسمه في العقد الأخير، لأن الدنو من الكمال يُذهب العقل ويقلب المنطق على عقبيه، وتصبح الـ1% المتبقية هي القضية ولا شيء سواها، فالـ99 رقم مستفز يخرج على الثوابت والقوانين، ويشعر الجميع أن الأمر ليس بالصعوبة التي يتخيلونها.

 

ربما لهذا السبب ينتظر الجميع من "ليو" قطع المسافة المتبقية بصبر نافذ بدلًا من أن ينظروا لما تم إنجازه بالفعل، ولنفس السبب يختصر منتقدوه موسمه فيما لم يفعله لا ما فعله، وتفتخر الفرق والأندية بأنه لم يسجل في شباكها أو تعطل سحره أمام دفاعاتها، ففي حالة "ليو" تصبح الـ1% هي الأهم لأنها الوحيدة التي نجت من الطوفان.

 

بالطبع لا يمكننا اعتبار الكأس 99% بأي حال من الأحوال، ولكنها أصبحت كذلك في وجود "ليو"، لأن التتويج بها لم يعني أن برشلونة قد أحرز لقبًا جديدًا بقدر ما ذكر الجميع بفشله في البطولتين الأهم، وهذه المرة كان الفشل غير مسبوق، رغم أنها لم تكن المرة الأولى التي يخرج فيها البرسا من دور الثمانية في دوري الأبطال، أو حتى أول مرة يخسر فيها لقب الليغا في آخر جولة، ولكنها كانت أول مرة يخرج فيها البرسا من جلده.

 

ميكانيكا

رغم كون "إنريكي" أحد الأسباب الرئيسية فيما وصل إليه حال البلاوغرانا من تدهور، فإن أغلب التحليلات التي تعرضت لعمله ارتكبت خطأً بديهيًا ساذجًا، هو إغفال ما تم سلبه من الرجل أثناء سنواته الثلاث مع الفريق والاكتفاء بالحديث عن إضافاته عديمة الجدوى أو فلسفته التدريبية المعيوبة، وهو أمر لا يمكن فصله عن إدارة الكتلان الحالية بقيادة "بارتوميو"؛ آخر ما تبقى من المجلس المشبوه بقيادة "روسيل" الذي تمت إدانته مؤخرًا بعدة جرائم لم يكن التهرب الضريبي أخفها(1).

 

undefined

 

على رأس قائمة المفقودين يقع "زوبيزاريتّا" المدير الرياضي الأسطوري الذي لم يدرك أحد أهميته حتى رحل، ثم تليه أسماء بثقل "تشافي" و"بويول" و"ألفيش" و"سانشيز" و"فابريغاس" و"تياغو"، وبالطبع ليست صدفة أن تواجد تلك الأسماء في الفريق الحالي كان كفيلًا بحل كل مشاكله.

 

لذا لم يكن مفهومًا أن يتجاهل البعض أثر غياب هؤلاء في خضم حماسهم الشديد لنسف الرجل تمامًا، غير عالمين أنهم بذلك يقللون من استثنائية تلك الأسماء وأهميتها في نفس الوقت، وكأن رحيلها أمرًا يسهل على أي مدرب تعويضه حتى لو توافرت الامكانيات، فما بالك مع إدارة لا تفهم إلا لغة الأرقام وتتعامل مع المواهب بمبدأ الكم، فترصد 40 مليون يورو لجلب "ماركينيوس" من باريس، وعندما تفشل في مسعاها يكون الحل هو استبداله بثنائية "ماتيو" و"فيرمايلين" بنفس المبلغ، وإذا لم ينجح "إنريكي" في خلطهما معًا واستنساخ "ماركينيوس" جديد فهذه مشكلته.

 

ما زاد الوضع سوءًا هو تعاقدات "إنريكي" نفسه، والتي يصعب تحديدها في ظل تلك العلاقة عديمة الملامح مع الإدارة الرياضية، فمن المستحيل تخيل أن "فيرنانديز" هو من أجبره على دخول الموسم بلا ظهير أيمن أساسي، حتى في ظل إشارة "ألفيش" لكون الإدارة هي السبب الرئيسي في رحيله عن الفريق(2)، ولكن في نفس الوقت لا يصعب استنتاج أن "غوميش" كان واحدًا منها، والبرتغالي الشاب لم يقدم ما يشفع لقيمة انتقاله الكبيرة، والتي كان من الممكن استغلالها بشكل أفضل في سد ثغرات الفريق الباقية، خاصة أن "دنيس سواريز" يتفوق عليه في كل أوجه اللعبة بما فيها النضج التكتيكي وسرعة الارتداد والتأقلم، كونه واحد من أبناء المدرسة بالفعل.

 

رغم كل ذلك كان بالإمكان أفضل مما كان، فحتى ولو لم يستفد الفريق من التعاقدات الأخيرة بالقدر المأمول فهو لم يتضرر كذلك، ولكن أتت مراهنات "إنريكي" الفاشلة على المداورة لتجهز على ما تبقى من الموسم، وكأن الظروف التي حفظت له قائمته المحدودة بلا إصابات مؤثرة في الموسم الأول قد عادت لتنتقم منه في الأخير، ونفس مراهنات التدوير التي نجحت بامتياز في البدايات كانت هي سبب الفشل في النهاية، حتى أصبحت إراحة الأساسيين لا تعني إلا مزيدًا من النقاط المفقودة، حتى لو كان الغريم يمنحه الفرص واحدة تلو الأخرى للحاق به وتصدر الجدول.

 

مجرد نادي

كل ما سبق عنى أن البرسا يفقد جزءًا من هويته مع بداية كل موسم، وقائمة الأسباب طويلة لا يمكن حصرها، فإن لم يتأثر الفريق برحيل أحد محركيه في "تشافي" فإنه سيتأثر بعجز المدير الرياضي المتواضع عن تعويضه، وإن كان "نيمار" يمتلك من الإمكانيات ما يفوق "سانشيز" فهو سيقضي أغلب موسمه في استعراض مهاراته لأن مدربه لا يملك الإمكانيات لتطويره أو الجرأة لتبديله.

 

فريق برشلونة موسم 2016 (رويترز)
فريق برشلونة موسم 2016 (رويترز)

 

المهم أن المشاكل تزداد يومًا بعد يوم، وكذلك الشعور العام بأن هناك خطبًا ما يطل برأسه من حين لآخر، ولكن أحدًا لا يدرك المشكلة بالتحديد، ربما لأن الانحدار كان تدريجيًا ولأن النجاحات التي حققها الفريق قد أغرت "بارتوميو" ورفاقه باختبار قوته، وهذا لم يعني إلا مزيدًا من التعاقدات الإعلامية ومزيدًا من الفشل الإداري ومزيدًا من إهمال لاماسيا وتوزيع مواهبها بالمجان على كل عابر سبيل، مع عجز تام عن التخطيط لأي شيء سوى عقود الرعاية.

 

على الجانب الآخر كان "إنريكي" يحاول إيجاد حل لورطة "تشافي"، ولأن المصائب لا تأتي فرادى فلقد صاحبها تراجع مردود "ألفيش" البدني في موسم "تاتا" الوحيد، وبدا وكأن الجبهة اليمنى تفقد أوراقها تباعًا، وفي ظل رحيل الحلول الجاهزة "فابريغاس" و"تياغو" كان الحل الوحيد هو التعاقد مع لاعب بإمكانه أداء نفس المهام حتى لو لم تكن بنفس الجودة، ربما لأن "إنريكي" ليس الرجل المناسب للقيام بثورة في الفريق، وربما لأن الـ(4-3-3) ظلت من المقدسات في كتالونيا حتى وقت قريب.

 

المهم أن "راكيتيتش" أدى موسم أول ممتاز استفاد فيه الفريق من حركيته الشديدة وشمولية إمكانياته، خاصة مع تعافي ألفيش بدنيًا بشكل كبير، ثم عادت نفس المشكلة بشراسة في الموسم الثاني وانحصر دور الكرواتي في التغطية خلف الظهير البرازيلي، واضطر "ليو" للنزوع للعمق لتعويض دور "تشافي" المفقود في الثلث الأخير، والباقي معلوم بالبديهة.

 

يمامة في اليد

حتى الآن تبدو الأمور وكأنها تطورت في مسار حتمي لا مناص منه، وفي هذه الفكرة تحديدًا تقع الخدعة كلها؛ الخدعة التي ستتكرر كلما رحل أحد أعضاء برسا "بيب"، والتي تغري الجميع بأن استبدال الترس المعطوب بآخر جديد سيضمن استمرار الماكينة في الدوران، وكأنهم يحاولون تأجيل اللحظة التي سيضطرون فيها لتفكيك الماكينة بأكملها وإعادة تجميعها من جديد، وهي نفس الخدعة التي يستثمرها "نيمار" الآن بمحاولاته المضنية لإعادة تجسيد "رونالدينيو"، ونفس الخدعة التي تعبث بخيال جمهور البرسا وتصور له أن التعاقد مع "ديبالا" سيضمن بديلًا مستقبليًا لـ"ميسي"، بينما الأرجح أن تعويض الملك الأرجنتيني قد يحتاج لنسف الخطة بأكملها.

 

المزيد من التروس الجديدة اللامعة التي تفتقد لأهم ما ميز ماكينة "بيب" وهو الانسيابية، والحل الوحيد في ظل تراجع الأكاديمية عن إنتاج المواهب اللائقة هو التعامل مع المتاح، وهو ما فعله "إنريكي" ببراغماتية شديدة سيقف التاريخ حائرًا في تقييمها، لأنها لم تفعل إلا تأجيل المواجهة مع المشاكل الحقيقية، وفازت بتسعة ألقاب أثناء ذلك.

 

من المدهش كيف يمكن لترس واحد أن يوقف الماكينة بأكملها عن العمل، ولكن الأزمة لم تكن في غياب الترس فحسب، بل في تأثير الدومينو الذي تسببت فيه التغييرات التالية (رويترز)
من المدهش كيف يمكن لترس واحد أن يوقف الماكينة بأكملها عن العمل، ولكن الأزمة لم تكن في غياب الترس فحسب، بل في تأثير الدومينو الذي تسببت فيه التغييرات التالية (رويترز)

 

المتاح هو ثلاثي هجومي فتاك، وخط وسط فقد أحد محركيه وعلى وشك فقد الثاني، من هنا بدأت رحلة تدمير الهوية التي يحمل الجميع مسئوليتها كاملة لـ"لوتشو"، وهو نفس الجميع الذي يظن أن الإتيان بـ"فيراتي" و"كوتينيو" و"ديبالا" واستبدال "إنريكي" سيحل كل المشاكل.

 

النتيجة خط وسط مهمش يقابله خط دفاع يحاول إيصال الكرة للمقدمة بأقصر الطرق، ومن هنا تعاظم دور "ألفيش" و"ألبا" تدريجيًا في التخلص من الضغط وإطلاق الكرة للأمام، مزية استفاد منها برسا 2015 للحد الأقصى، ثم تراجعت في الموسم التالي قبل أن تنعدم تمامًا في الأخير ويتحمل ثنائي قلب الدفاع ما لا طاقة لهما به من مسؤوليات بدء الهجمة.

 

تشافيستا

من المدهش كيف يمكن لترس واحد أن يوقف الماكينة بأكملها عن العمل، ولكن الأزمة لم تكن في غياب الترس فحسب، بل في تأثير الدومينو الذي تسببت فيه التغييرات التالية. ففي تحليل مفصل لـ"ثور هوجشتاد"(3) شرح محلل "فور فور تو" (FourFourTwo) كيف تسببت براغماتية "إنريكي" في إهمال دور لاعبي الوسط، واعتبار الثلث الأوسط من الملعب مجرد مسافة تقطعها الكرة للوصول لثلاثي الهجوم، مستخدمًا في ذلك مثالًا صارخًا على التناقض بين مباراة إسبانيول في (كانون الثاني/يناير) 2013 تحت قيادة "فيانوفا" وبين المباراة الأخيرة أمام نفس الخصم تحت قيادة "لوتشو".

 

المباراتان انتهيتا بفوز مريح ونتيجة عريضة (4-0) و(4-1)، لهذا يمكن استخدامهما لتثبيت العوامل الأخرى باستثناء طريقة بناء الهجمة، ومن هنا تجلى الفارق الرئيسي في تناقض واحد مهم بين دور قلبي الدفاع؛ ففي المباراة الأولى كان "بويول" قد مرر 30 تمريرة، و"بيكيه" 72، وهما الأقل تمريرًا للكرة بين زملائهم باستثناء وحيد هو "بيدرو" 58، لأن ثلاثي الوسط المتكون من "بوسكيتس" و"تشافي" و"إنييستا" كان الأكثر تمريرًا للكرة بمعدل 141 و100 و114 على الترتيب.

 

توزيع التمريرات على أعضاء الفريق يظهر مدى مشاركة خط الوسط في اللعب تحت قيادة فيانوفا (هوسكورد)
توزيع التمريرات على أعضاء الفريق يظهر مدى مشاركة خط الوسط في اللعب تحت قيادة فيانوفا (هوسكورد)

 

العكس بالضبط حدث بعد أربعة أعوام تقريبًا، أمام نفس الخصم وعلى نفس الملعب كان "بيكيه" و"ماتشيرانو" يسجلان أعلى معدل لتمرير الكرة بين صفوف الكتلان، والبائس أن أغلب تلك التمريرات كانت بين بعضهما البعض أو مع ظهيري الطرف، ولا شيء يعبر عن الفارق بين الحالتين سوى أن "بوسكيتس" 2016 مرر 35 تمريرة فقط طيلة المباراة بالتساوي مع "تير شتيغن"، مقابل 141 تمريرة في 2013.

 

ربع تمريرات البرسا أمام اسبانيول في 2016 كانت لثنائي الدفاع: 151 من أصل 608 (هوسكورد)
ربع تمريرات البرسا أمام اسبانيول في 2016 كانت لثنائي الدفاع: 151 من أصل 608 (هوسكورد)

  

ثم تتضح الرؤية تمامًا مع بضعة إحصائيات تقص علينا الحكاية بأكملها؛ مثل حقيقة أن قائمة أكثر تمريرات مباراة في موسم 2013 تصدرها سبعة من لاعبي الوسط، وبعدهم حل ظهيري الطرف في المركز الثامن والتاسع، بينما تراجع "بوسكيتس" تحديدًا في الأعوام التالية، لينتقل مـن 93 تمريرة في المباراة إبان حقبة "فيانوفا" إلى 80 في الموسم الأول مع "إنريكي" ثم 75 في الثاني و72 في الأخير، مصطحبًا استحواذ الفريق بأكمله في رحلة الانحدار من 65% إلى 63% وأخيرًا 62%(3).

 

الكثير من الأرقام يجعل كل شيء معقدًا، لذا يمكننا اختصار الأمر ببساطة في أن برشلونة امتلك فيما سبق خمسة عناصر أساسية يمكنها كسر ضغط المنافس، ممثلة في ثلاثي الوسط وظهيري الطرف بالإضافة لثنائي الدكة "فابريغاس" و"تياغو"، فقد البلاوغرانا واحدًا منها فقط في موسم "إنريكي" الأول هو "تشافي"، ثم صاروا اثنين بتراجع "إنييستا" في الثاني، وأخيرًا انكسر ظهر الفريق برحيل "ألفيش" وبداية "بوسكيتس" الكارثية وقلة مشاركات "ألبا" في الثالث، ورحل البدلاء بدورهم وتم استبدالهم ببدلاء آخرين وصفقات جديدة لا تستطيع القيام بدور اللاعب رقم 6 و8، لأنها تفتقد لأولى أبجديات المركز في أسلوب لعب الكتلان؛ الصبر واللعب التموضعي.

 

تكتيكي تاكا

بالطبع يبدو سؤال الضغط العكسي هو الأكثر إلحاحًا مع النسخة الحالية من البلاوغرانا التي افتقدت لفاعليته الخارقة المعهودة، سؤال مشروع قطعًا ولكنه يرتطم بإحصائيات صادمة تقول أن برسا "إنريكي" 2017 قد استخلص عددًا مكافئًا من الكرات مقارنة ببرسا "بيب" 2011، وتتضاعف الصدمة إذا علمت أن أكثر ما استخلصه برسا "إنريكي" كان في نصف ملعب الخصم.

 

رغم أن حقبة إنريكي شهدت تطورًا ملحوظًا في كفاءة الضغط العكسي إلا أن منظومته انهارت تمامًا في المواعيد الكبرى بسبب عجزه عن التعامل مع ضغط الخصوم
رغم أن حقبة إنريكي شهدت تطورًا ملحوظًا في كفاءة الضغط العكسي إلا أن منظومته انهارت تمامًا في المواعيد الكبرى بسبب عجزه عن التعامل مع ضغط الخصوم

 

لذا وللوهلة الأولى تقف الإحصائيات الدفاعية في صف النسخة الحالية، وبما أن هذا يبدو خاطئًا بطريقةٍ ما، فبمزيد من التدقيق يتضح أن السبب الوحيد هو كون برسا "إنريكي" يتعرض لعدد أكبر من الاختبارات الدفاعية، والفارق كبير لدرجة أنه يستطيع منحه كمًا أكبر من التدخلات الدفاعية ولكن بمعدل نجاح أقل.

 

فمن المعلوم بداهة أن أبرز ما ميز الكتلان في حقبة "غوارديولا" كان قدرتهم الخارقة على الحسم المبكر، وهو ما يؤدي بالتبعية لتخفيف الحمل على دفاع الفريق وخط وسطه فيما يتبقى من المباراة، بمزيد من الأريحية في تدوير الكرة والاطمئنان للنتيجة ويأس الخصم منها، وهو الأمر الذي شهد تراجعًا نسبيًا مع "لوتشو"، ليس للدرجة المخيفة التي قد تسبب أزمة في العادة، ولكن بدرجة كافية لتفسير التفوق الدفاعي الكمي لنسخة الأخير من البلاوغرانا، وتراجع معدل النجاح في نفس الوقت.

 

تظهر الإحصائيات تفوق برسا بيب في الحسم المبكر مقارنة بنسخة الكتلان مع إنريكي (ترانزفير ماركت)
تظهر الإحصائيات تفوق برسا بيب في الحسم المبكر مقارنة بنسخة الكتلان مع إنريكي (ترانزفير ماركت)

 

الخلاصة أن الفارق بين النسختين كان في قدرة البرسا على الردع أكثر من كونه في قدرته على الدفاع بشكل عام، لأن هيبة الكتلان تراجعت مع "لوتشو" للحد الذي أغرى الخصوم بتنفيذ نفس الضغط العكسي لمنعهم من الصعود بالكرة، والفارق هنا أن مع "غوارديولا" كانت نتائج تلك المقامرة معروفة مسبقًا، لنفس السبب الذي تصب فيه كل روافد الأزمة؛ امتلاك العناصر القادرة على التعامل مع الضغط والخروج بالكرة.

 

وهو ما لم يجده برسا "إنريكي" أمام خصوم من طينة سيلتا فيغو وبيلباو وإشبيلية وسوسييداد في الليغا، بل وصل الأمر لمعاناة شوط كامل أمام أتلتي "سيميوني" الذي تجرأ بدوره على تغيير طريقة لعبه لاستغلال نفس نقطة الضعف، لذا فإن قيمة "إنريكي" الدفاعية لم تكن أكثر من مجرد تراجع هجومي سمح بمزيد من الضغط للخصوم.

 

الحل؟ تجاهل المشكلة من الأصل، لأن لاعبي البرسا لم يكونوا الوحيدين الذين قد نفذ صبرهم بعد موسم "تاتا" الصفري، بل كذلك الجماهير  نفسها التي أرادت الر د على عاشرة الغريم بثلاثية في الموسم التالي مباشرة، وكذلك "إنريكي" نفسه، ومن هنا بدأ بناء الحائط حول خط وسط البرسا القابع في قلب رسمه التكتيكي، فبعد أن يستنفذ "بيكيه" و"ماتشيرانو" وقتهما في المداولات تخرج الكرة غالبًا لواحد من الأطراف بدلًا من العمق، ومن هناك تنطلق مباشرة للأمام على نفس الخط لتصل إلى أي من "ميسي" أو "نيمار"، وبالطبع أنت تعلم ما يحدث عندها؛ ينطلق الثنائي للعمق بدورهم وكأنهم يغلقون الدائرة أمام لاعبي الوسط الطامحين في أدوار الثلث الأخير.

 

النمط واضح ولا يمكن تجاهله، وكذلك الفارق بين هجمة 2013 وهجمة 2016
النمط واضح ولا يمكن تجاهله، وكذلك الفارق بين هجمة 2013 وهجمة 2016

 

تمريرات قلبي الدفاع في المباراتين أمام اسبانيول 2013 (أعلى) ونفس الفريق في 2016 (أسفل) (سكاوكا)
تمريرات قلبي الدفاع في المباراتين أمام اسبانيول 2013 (أعلى) ونفس الفريق في 2016 (أسفل) (سكاوكا)

 

تمريرات ظهيري الطرف ألبا وألفيش في 2013 (أعلى) والتي شهدت الكثير من الثنائيات مع ثنائي الوسط من الجانبين والعكس في تمريرات ظهيري الطرف ألبا وروبرتو في 2016 (أسفل) (سكواكا)
تمريرات ظهيري الطرف ألبا وألفيش في 2013 (أعلى) والتي شهدت الكثير من الثنائيات مع ثنائي الوسط من الجانبين والعكس في تمريرات ظهيري الطرف ألبا وروبرتو في 2016 (أسفل) (سكواكا)

 

تمريرات الجناحين في المباراتين أمام اسبانيول في 2013 (أعلى) وفي 2016 (أسفل) (سكواكا)
تمريرات الجناحين في المباراتين أمام اسبانيول في 2013 (أعلى) وفي 2016 (أسفل) (سكواكا)

 

بوسكيتس قبل إنريكي (2013 أعلى) وبعده (2016 أسفل) (سكواكا)
بوسكيتس قبل إنريكي (2013 أعلى) وبعده (2016 أسفل) (سكواكا)

 

خلف الكرة

كل ما سبق اجتمع مع الصداع الذي يسببه اختيار الثنائي المجاور لـ"بوسكيتس" في كل مباراة، ليصبح الحل الوحيد المتبقي هو قيام "ميسي" و"نيمار" بتولي تلك الأدوار حتى إشعار آخر، وهو ما عنى المزيد من العبث بثوابت البرسا التكتيكية؛ فبغض النظر عن الاخلال بالتوازن في معادلة "خلف الكرة – أمام الكرة" وتراجع الثنائي من الثلث الأخير للأوسط، فإن تراجعهما أدى لعزل "سواريز" في كثير من المباريات، خاصة تلك التي شهدت تكتلًا دفاعيًا من الخصم كمباراتي يوفنتوس في دوري الأبطال، ليكتمل العجز التام في المباريات الكبيرة سواء كان الخصم يهاجم البرسا في مناطقه بالضغط العكسي كباريس أو يتحفظ أمام مرماه كبطل إيطاليا.

 

وبينما امتلك البرغوث الأرجنتيني كل المقومات اللازمة لأداء هذا الدور، من قدرة على التمرير وصناعة اللعب والفرص المحققة للتسجيل أمام أعتى الدفاعات، فإن رفيقه البرازيلي لم يمتلك حلًا آخر غير المراوغة والمزيد منها، ليجهز على آخر وأهم قاعدة بُني عليها هذا الفريق وهي الالتزام بالمركز والثقة في الزملاء سواء امتلكوا الكرة أو لا.

 

النتيجة أن الـ(2-4-4) التي ينتهجها البرسا أما خصومه الدفاعيين تحولت إلى (2-6-2) وحتى (2-7-1) في بعض الأحيان، في ظل تحول ثنائي الوسط لعدد يستكمل التشكيل لا أكثر، وبلا دور حقيقي في صناعة اللعب أو الزيادة الهجومية، وحتى يأتي وقت يستطيع فيه "نيمار" أو ميسي" تمرير الكرة ثم الركض لالتقاطها بأنفسهم في منطقة الجزاء الخصم، لم يبدو أن هناك حلًا لموازنة المعادلة.

 

ففي العادة كان البرسا يلجأ لدفع ثنائي قلب دفاعه لدائرة المنتصف مكونًا الخط الأول في رسمه التكتيكي، ثم يتمركز أمامهما كل من "بوسكيتس" و"ميسي" على محور العمق، ليتكون مثلث آخر على كل جهة من الملعب يضم "ألبا" و"إنييستا" و"نيمار" على اليسار و"ألفيش" و"راكيتيتش" و"سواريز" على اليمين، وكل ثلاثي يتبادل مراكزه طبقًا لسير اللعب مع الالتزام ببقاء أحدهما على الأقل بجانب "بوسكيتس" من كل جهة.

 

كيف تفوق البرسا فيما مضى بقيادة خط وسطه
كيف تفوق البرسا فيما مضى بقيادة خط وسطه

 

الفارق بين الموسم الأول والأخير بسيط على أهميته، ضع نفس المعادلة السابقة ثم أخرج من الثلث الأخير "ميسي" ونيمار" و"ألبا"، واستبدل "ألفيش" بـ"روبرتو".

 

التحول للنظام الحالي مع ضعف الخيارات في الوسط
التحول للنظام الحالي مع ضعف الخيارات في الوسط

 

"سواريز" يصبح عمليًا اللاعب الوحيد الواقع أمام الكرة بينما يتمركز الباقون خلفها، ومن ثم امتلأت تشكيلة البرسا بصناع اللعب على اختلاف كفاءتهم ولم يعد هناك سوى هدف واحد لكل تلك التمريرات، والهدف الواحد لا يحتاج لأكثر من ثنائي دفاع لإيقافه، بينما يندفع ظهيري طرف الخصم وارتكازه لوأد الهجمات مبكرًا والاستفادة من هشاشة نظام البرسا في شن التحولات الهجومية السريعة انطلاقًا من منطقة افتكاك الكرة، والتي انتقلت للثلث الأوسط بحكم تراجع أخطر لاعبي البرسا "ميسي" و"نيمار".

 

نحو المزيد من إنريكي

الآن يبدو فخ الاستدلال الخاطىء معدًا ليقع فيه النادي الكتالوني وجمهوره؛ "إنريكي" دمر هوية البرسا، وأبرز ما يميز "إنريكي" هو طريقة اللعب المباشرة، إذن الحل هو مزيد من التمريرات عديمة الجدوى في وسط الملعب، ومدرب يقدس التمرير من أجل التمرير كـ"بيب".

 

ربما كانت مسيرة "إنريكي" لتختلف لو كان قد تولى الفريق في ظروف أفضل، يمتلك معها الخيار بين البناء والبطولات، فالعقبة الرئيسية أمام تقييمه تقييمًا موضوعيًا هي الحكمة التي أصابت الجميع في كتالونيا فجأة بعد أن أدركوا ما تكبده الفريق لقاء الألقاب التسعة

الحقيقة أن هذا أبعد ما يكون عن المنطق والواقع، لأن نظرة سريعة لموسم "بيب" الأول ستخبرك أن كرة البرسا الأسطورية تحت قيادته بدأت بشكل أشبه بما انتهى إليه "لوتشو"، لسبب بسيط أنه لا يوجد مدرب في العالم يفضل التسجيل عقب 55 تمريرة مادامت 5 كافية، ولأن الـ55 تمريرة أتت كرد فعل للتكتلات الدفاعية المغرقة في التحفظ التي واجهت الكتلان عقب موسم السداسية الساحق، ولسبب وحيد هو الوضعية الهشة التي أجبر عليها "بيب" وفريقه في حالة الهجوم، باضطرارهم لترك مساحات شاسعة خلف دفاعهم للاقتراب من مرمى الخصم، والتي تتطلب مزيدًا من الصبر قبل إطلاق التمريرة الأخيرة بانتظار الثغرة المناسبة التي تصنع فرصة تسجيل حقيقية، لأن أي احتمال آخر سيعني مرتدة خطيرة.

 

أما وقد خرج الخصوم من مناطقهم وأغرتهم حالة البرسا بمزيدًا من الندية، فلا مبرر للعودة لما انتهى إليه "بيب" لأن مبرراته لم تعد قائمة، ولا يبدو نبذ المباشرة هو الحل لأنها لم تكن المشكلة من الأصل، فالعيب كان في التطبيق ولم يكن في النظرية.

 

من هنا تبدو العودة مع "فالفيردي" ممكنة، الرجل عُرف عنه الاندفاع البدني والمباشرة في اللعب وتطبيق الضغط العكسي بأفضل الصور الممكنة بالإضافة لدفاع صلب إلى حد بعيد، وكلها أمور يمكن لفريق البرسا الحالي الاستفادة منها بشدة وتحديدًا أولها وآخرها، خاصة أن الرجل يقدر دور لاعبي الوسط، وشهدت فترته التركيز على لاعبين من طراز "هيريرا" و"بينيات" و"داماركوس" و"سان خوزيه" كانوا أهم محاور اللعب في مبارياته أمام الكتلان وغيرهم.

 

الأكيد أن الحكم على الرجل لن ينتظر حتى بداية الموسم، لأن تعاقداته هي ما سيحدد مدى إدراكه لمشاكل الفريق الحالية من عدمه، ولا يمتلك جمهور البرسا سوى الانتظار والأمل في أن مباشرة "فالفيردي" لن تكون من النوع الـ"إنريكي".

 

تقييم المحرر؛ 7.5 من 10

ربما كانت مسيرة "إنريكي" لتختلف لو كان قد تولى الفريق في ظروف أفضل، يمتلك معها الخيار بين البناء والبطولات، فالعقبة الرئيسية أمام تقييمه تقييمًا موضوعيًا هي الحكمة التي أصابت الجميع في كتالونيا فجأة بعد أن أدركوا ما تكبده الفريق لقاء الألقاب التسعة، وهي حكمة بأثر رجعي للأسف، لا تستطيع إخبارنا عن رد فعلها لو كان الخيار بهذا الوضوح في نهاية 2014، هل كانت لتفضل موسمًا صفريًا وربما اثنين في سبيل إعادة بناء الفريق؟

 

التقييم المذكور أعلاه عن مجمل مسيرة "لوتشو"، ويتراجع لـ5 من 10 إذا اختص بالموسم الحالي فقط.

المصدر : الجزيرة