شعار قسم ميدان

توتنهام وتشلسي.. حرب استنزاف كونتي

ميدان - تشلسي توتنهام
هدف مبكّر للبلوز يعقبه تراجع دفاعي يصل إلى حد السلبية أحيانا، مع محاولات كثيفة للسبيرز تجعل المباراة من طرف واحد في أحيان أخرى، والنتيجة لا تتغير في كل مرة؛ كونتي يَغتال بوتشيتينو مجددا في ويمبلي بأقل عدد من الرصاصات.

 

دخل الإيطالي المباراة بخيار واضح هو الدفاع، أُجبر عليه بعد تَكالب الغيابات وصيف البلوز السيئ على نجاحه المدوي في الموسم الماضي، محولا الـ(3-4-2-1) المعتادة لـ(3-5-1-1) بإقحام كريستيانسن بدلا من لويز في الخط الخلفي، على أن يخرج البرازيلي لعمق الوسط خلف ثنائية من بكايوكو وكانتي وعلى حساب بيدرو في المقدمة، ليقتصر هجوم البلوز على ويليان وموراتا وما يمكن لألونسو وموزيس تقديمه في الثلث الأخير.

 

تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)

 

عادات وتقاليد

لحسن الحظ، فإن ما قدمه ألونسو كان أكثر مما يحلم به مدربه؛ هدف آخر من ركلة حرة حافظ للبلوز على مزية معتادة في مواجهاتهم مع الجيران المزعجين وهي القدرة على قلب المباراة تكتيكيًا، ليس فقط لأنه أجبر السبيرز على الاندفاع للهجوم، فهو خيار كان بوتشيتينو قد اتخذه من الأسبوع الماضي، ولكن لأنه منح فريقه فرصة التقهقر وتنظيم صفوفه لرد هجماتهم المتتالية، في مباراة جرت بسرعة هستيرية لم يكن دفاع البلوز ليتحمل معها مزيدا من المساحات لكين وآلي.

 

على الجهة الأخرى، كان بوتشيتينو يحافظ على واحدة من عاداته الأثيرة بدوره، وهي استنساخ رسم خصمه التكتيكي، ومن ثم ترك الباقي لفنيات لاعبيه وقدرتهم الخارقة على الركض والضغط بلا توقف طيلة التسعين دقيقة، فبدأ بـ(3-4-2-1) مجددا وبتركيبة الوسط نفسها من ديمبلي ووانياما اللذان تقدمهما إيريكسين وآلي.

 

فقط عنصر واحد لم يجري على عادته، وشكل نقطة ضعف واضحة في منظومة الأرجنتيني، هو وانياما. فبغض النظر عن فشله في التعامل مع الضغط لثلاث مرات نتج عنها ثلاثة تحولات سريعة من العمق للبلوز، فإن الكيني كان أحد أقل لاعبي الفريقين نجاحا في التدخلات الدفاعية -مكمن قوته- بنسبة لم تتجاوز 17% فقط، ربما للمرة الأولى خلال مسيرته، مع العلم أن ديمبلي لم يكن أفضل حالا إذ فقد الكرة 5 مرات بدوره.

 

ثنائي وسط السبيرز فقد الكرة 8 مرات في معركة الوسط أي أكثر من ثلاثي وسط البلوز (7) (هوسكورد)
ثنائي وسط السبيرز فقد الكرة 8 مرات في معركة الوسط أي أكثر من ثلاثي وسط البلوز (7) (هوسكورد)

 

ضَعف الضِعف

من هنا بدأت أُولى مشاكل أصحاب الأرض، فمحاولات الثنائي المتعثرة للخروج بالكرة، وإن نجحت، لم تكن تفضي لهجمة حقيقية منظمة، ما اضطر آلي وإريكسين للتراجع للثلث الأوسط أكثر مما ينبغي للمساهمة في إخراج الكرة، حارمين بوتشيتينو من الانسيابية العمودية التي يفضلها عادة لكسر خطوط الخصم، لتتسع المساحات بين الثنائي وكين الذي اكتفى بلمس الكرة 44 مرة وهو رقم هزيل مقارنة بموراتا 33 مرة الذي قضى فريقه 80% من الوقت في أول ثلثين من الملعب، حتى وإن جعله كين يبدو أكثر من حقيقته بمحاولاته الخطيرة على المرمى، والتي فشلت كلها لتؤكد العلاقة المريبة بين الهداف الإنجليزي وشهر (أغسطس/آب) الذي لعب فيه 11 مباراة سدد خلالها 21 مرة على المرمى وفشل في التسجيل من أيٍ منها(1).

 

وُجِدت الكرة في ثلثي الملعب جهة البلوز أكثر من 80% من الوقت (هوسكورد)
وُجِدت الكرة في ثلثي الملعب جهة البلوز أكثر من 80% من الوقت (هوسكورد)

 

أكثر من نصف لمسات آلي وإيريكسين أتت بعيدة عن مناطق الخطورة حتى في ظل فتراجع البلوز لمناطقهم (هوسكورد)
أكثر من نصف لمسات آلي وإيريكسين أتت بعيدة عن مناطق الخطورة حتى في ظل فتراجع البلوز لمناطقهم (هوسكورد)

 

ما سبق لم يحدث بالصدفة طبعا، بل عاد الفضل فيه لكونتي بالمقام الأول، لأن منظومة الإيطالي الدفاعية نجحت في أغلب مهامها وأوجدت الكثير من المساحات غير المعتادة بين ثلاثي هجوم السبيرز، ومثلما كانت الـ(3-4-3) تمنح البلوز تفوقا عدديا في حالتي الدفاع والهجوم، اعتمادًا على طاقة ظهيري الطرف التي لا تنفذ في الموسم الماضي، لم يختلف الأمر كثيرا أمام توتنهام بوتشتينو في الحالي، وبإخراج ويليان وموراتا من المعادلة، حظي تشلسي بثمانية لاعبين في كل مرة واجه فيها سباعي بوتشيتينو الهجومي.

 

بالمثل، عَمِد كونتي لخلق المشكلة أولا في العمق باستخدام خطي دفاع ثلاثيين متواليين، ومن ثم إجبار الأرجنتيني على اللجوء للأطراف، ببساطة لأن هذا يمنحه الحرية في إطلاق أحد ظهيريه على الطرف العكسي في المرتدات صانعا الثلاثي المطلوب مع ويليان وموراتا، والباقي متروك لأفضلية المساحات التي منحها له هدف ألونسو المبكر.

 

خريطة تمريرات الفريقين توضح ميل البلوز لإخراج الكرة على الأطراف بدلا من العمق (هوسكورد)
خريطة تمريرات الفريقين توضح ميل البلوز لإخراج الكرة على الأطراف بدلا من العمق (هوسكورد)

 

النتيجة أن بوتشيتينو حظي بضعف الاستحواذ (68%-32%)، وضعف التمريرات (591-283)، بل وأكثر من ثلاثة أضعاف التسديدات على المرمى (7-2) ولم ينجح في تسجيل أي هدف، بينما نجح البلوز في تسجيل ضعف مرات اعتراض الكرة (9-4)، وضعف عدد التدخلات تقريبا (45-26)، وضعف التصديات (22-11) وعدد مرات تشتيت الكرة (39-14) وسجلوا كل أهداف المباراة الثلاثة.

 

حرب كونتي

لا شيء يصوغ تفوق كونتي وتشلسي مثل الفقرة السابقة، ناهيك عن كونها تضفي لمحة ساخرة تفضلها المدارس الدفاعية في اللعبة، ولكن الحقيقة أن جاذبيتها الرقمية تُخفي جانبًا لا يمكن لإدارة البلوز تجاهله أكثر من ذلك، وهو حاجة الفريق لتدعيم صفه الثاني وبسرعة، رغم أن ألونسو قد أثبت أن أداءه المُزرِي أمام أرسنال لم يكن أكثر من حالة عابرة، وأن إنفاق 65 مليون باوند لإخراجه من التشكيل أو توفير البديل -أيهما أقرب- سيظل لُغزًا عصيًّا على الفهم.

 

توتنهام فشل في التسجيل من 7 محاولات على المرمى وهو أمر نادر الحدوث، وألونسو نجح في التسجيل مرتين ومغالطة لوريس في كلاهما وهو أمر أكثر ندرة، وهو ما يوضح هامش النجاح الضيق الذي منح البلوز نقاط المباراة، ما لم تكن إدارتهم تنوي الاعتماد على رعونة مهاجمي الخصوم وبراعة كورتوا فيما تبقى من الموسم.

 

محدودية قائمة كونتي اضطرته لخوض المباراة بخيار إجباري هو الصبر واستنزاف خصمه، وهو أمر مفهوم يُحسب للإيطالي الذي تعامل مع إمكانياته الحالية بواقعية شديدة تميزه عن غيره، ولكن ما تعجز إنجلترا بأكملها عن فهمه هو حرب الاستنزاف الموازية التي تخوضها إدارة البلوز مع الرجل، ورفضها تلبية مطالبه المنطقية للانتقال بالفريق للمرحلة التالية من المنافسة، خاصة مع قوة التدعيمات التي نالها منافسيه هذا الصيف بدرجات مختلفة، وهي الحرب التي يعني استمرارها انتهاء الموسم مبكرا في واحدة من البطولات الكبرى على الأقل.

المصدر : الجزيرة