شعار قسم ميدان

روما وإنتر.. فريق اسمه إيكاردي

ميدان - إيكاردي إنتر
يُقال إن الطريقة الأمثل للتعامل مع أي حدث كبير هي الامتناع عن توقع نهايته، فالتوقع يعني الأمل. ومن ثم، هناك فرصة لا تقل عن 50% أن ينتهي هذا الأمل بإحباط. وفي إيطاليا تُعد مباراة روما وإنتر من القمم، حتى لو لم توحي بذلك مؤخرًا. ولأنها كذلك فعلًا، فقد فشلت التوقعات بجدارة في بدايتها، ثم فشلت التوقعات بفشل التوقعات في نهايتها، لأن سباليتّي حقق فوزه الرابع على دي فرانشيسكو من أربعة لقاءات بين الثنائي.

 

روما افتتح موسمه بفوز هزيل أمام أتالانتا جعل الجميع يتجه إلى التفسير الوحيد الجاهز الذي لا يحتاج إلى الصبر، وهو تواضع الإدارة الفنية للميركاتو، والتي كانت ضد التوقعات بدورها بعد التعاقد مع أسطورة الأندلس مونشي رودريغيز، والذي أتى لنقلِ فريق العاصمة إلى مستوى آخر في المنافسات الأوروبية بصفقاته الذكية التي منحت إشبيلية عقدًا من النجاح لا يتناسب مع إمكانياته المادية إطلاقًا، بينما حظي إنتر ببداية مكوكية على مستوى الأداء والنتيجة، منحته فوزًا عريضًا على الفيولا بثلاثة أهداف، والأفضلية النفسية في لقاء الأولمبيكو، حتى لو مرت 10 سنوات تقريبًا منذ آخر مرة حقق الفوز هناك.

 

تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)

 

أعماق سباليتّي

خطة دي فرانشيسكو كانت بسيطة للغاية، فالجميع داخل إيطاليا وخارجها يعلم أن أَظهرة الإنتر معطلة منذ سنوات، وهو ما يلقي بعبء الجبهتين كاملًا على بيريسيتش وكاندريفا جاعلًا محاصرتهم أسهل باستخدام مدافعي الطرف وبمساندة محدودة من الأجنحة، وهو ما يعني أن المدرب الشاب كان عليه مواجهة مشكلة واحدة، هي عمق النيراتزوري المنتعش بانضمام فاليرو، لذا لجأ لتقنية "مشكلة- رد فعل- حل" الشهيرة، بجعل ثغرة سباليتّي الأبرز هي متنفسه الوحيد؛ لأن غلق العمق في وجهه سيتحوّل إلى مشكلة يصبح حلها الوحيد هو اللجوء لآخر ثنائي يريد اللجوء له في الملعب؛ ناغاتومو ودامبروزيو.

 

ظهيري طرف إنتر اكتفيا بعرضيتين طيلة المباراة ونالا أقل تقييم في المباراة رفقة غاليارديني وفاليرو ثنائي عمق سباليتي (سكاوكا)
ظهيري طرف إنتر اكتفيا بعرضيتين طيلة المباراة ونالا أقل تقييم في المباراة رفقة غاليارديني وفاليرو ثنائي عمق سباليتي (سكاوكا)

 

بالطبع لم يكن سباليتّي غافلًا عن كل ذلك، بل إن لائحة أولويات الرجل تضمنت التعاقد مع بديلين في كانسيلو ودالبرت، ولكن الجميع في إيطاليا وخارجها يعلم كذلك أن الصفقات الجديدة تحتاج وقتًا للتأقلم، بالإضافة لأن خطة دي فرانشيسكو انطلقت من قاعدة مهمة هي المساحات، فتحصين العمق لن يتم إلا بحرمان وسط إنتر منها، لذا كان روما يدافع حتى لو جرت المباراة على أرضه، وكان إنتر مضطرًا للاندفاع لأن دجيكو نجح في التسجيل في مرماه وسط ثلاثة من مدافعيه اكتفوا بمشاهدة تمريرة ناينغولان في إعجاب.

 

وعلى الرغم من بدء دي فرانشيسكو بـ(4-2-3-1) وسباليتّي بـ(4-3-3) إلا أن الخطتين تشابها في التنفيذ، فالأول اعتمد على ثنائي محور يحرران ثالثهما لصناعة اللعب، وكذلك الثاني، والفارق الوحيد كان وضع البلجيكي على الطرف الأيمن في الوقت الذي انحصرت فيه لمسات فاليرو في القلب.

 

بالتالي سار الشوط الأول على منوال واحد؛ محاولات يائسة مملة من إنتر لاختراق العمق رافقها فرديات بيريسيتش وكاندريفا على الأطراف، وبالعكس كانت هجمات الذئاب الطموحة أشبه بومضات سريعة قادها بيروتّي وناينغولان، وزيّنتها حالة عامة من التناغم والانسجام بدت غريبة على المباراة الثانية في الموسم، حتى تحولت المباراة لحصة تدريبية لرفاق دي روسي في اللحظات الأخيرة من الشوط الأول بعد ارتطام تسديداتهم بالقائم أكثر من مرة.

 

عمق إنتر وأطراف روما في الشوط الأول (سكاوكا)
عمق إنتر وأطراف روما في الشوط الأول (سكاوكا)

 

دخول مفاجئ

قيام سباليتّي بإخراج غاليارديني، أسوأ لاعبي المباراة بلا منازع، لم يكن مفاجأة. فبغض النظر عن أن مشاكل النيراتزوري وقعت على الأطراف إلا أن أداء الإيطالي كان أسوأ مما يمكن احتماله، وبالطبع كان جواو ماريو هو الخيار الأمثل، بينما لم يجد سباليتّي بُدًا من المخاطرة والدفع بدالبرت بدلًا من ناغاتومو لانتشال بيريسيتش من كماشة الثنائي جيسوس وديفريل الملتزم بالمساندة الدفاعية.

 

هنا تنص القاعدة التحليلية الدارجة على الثناء على تغييرات سباليتّي التي قلبت المباراة رأسًا على عقب، لسبب بسيط هو أن هدف إيكاردي الأول أتى بعد دقائق من دخول دالبرت وماريو، ولكنها تصطدم بقاعدة أخرى تنص على أن التوالي لا يعني التراتب في كل الحالات، فعلى الرغم من صحتها ومنطقيتها، فإن تغييرات سباليتّي لم تصنع الكثير فعليًا على الأرض، بل إن روما لم يحظ بفترة أفضل طيلة تسعين دقيقة من تلك التي حظي بها في العشرين دقيقة السابقة لهدف الأرجنتيني.

 

فرص الفريقين في الفترة ما بين تغييرات سباليتّي وهدف إيكاردي؛ 5-1 لروما (سكاوكا)
فرص الفريقين في الفترة ما بين تغييرات سباليتّي وهدف إيكاردي؛ 5-1 لروما (سكاوكا)

 

تسديدات الفريقين في الفترة ما بين تغييرات سباليتّي وهدف إيكاردي؛ 5-0 لروما (سكاوكا)
تسديدات الفريقين في الفترة ما بين تغييرات سباليتّي وهدف إيكاردي؛ 5-0 لروما (سكاوكا)

 

فرص أكثر (5-1) وتسديدات أكثر (5-0) وعرضيات أكثر (10-8) ومراوغات أنجح (4-0) ومرة ونصف نسبة النجاح في التدخلات الدفاعية (100%-67%)، وكلها لصالح روما وكلها في الفترة التي كان يحاول فيها سباليتّي استعادة توازنه والنسخة السابقة من فريقه التي سحقت الفيولا بسهولة، لتفشل التوقعات في توقع فشلها مرة أخرى. (1)

 

من هذا كله، تأتي قيمة إيكاردي التي قلبت المباراة شبه منفردة، فبينما سيُنسب الفضل الأكبر لمدربه كما جرت العادة، فالحقيقة أن هدف الأرجنتيني أتى في أصعب لحظات إنتر في المباراة، بل وهو ما أظهر تغييرات سباليتّي بالنجاح اللازم لاحقًا لا العكس، لأنه انتشلها أولًا من حالة التيه وانعدام الوزن بإعادة المباراة لنقطة الصفر، ثم رجح كفتها لاحقًا أثناء هياج روما الهجومي لاستعادة التقدم.

 

في المرتين سجل إيكاردي في مساحة منعدمة تقريبًا وتحت رقابة لصيقة، مانحًا فريقه حزمة من المكاسب لم يكن ليحلم بها؛ مثل انقلاب الوضع تكتيكيًا واندفاع الذئاب تاركين خلف خطوطهم المساحات نفسها التي عانى منها إنتر في الشوط الأول، وبالتالي منْح كل من بيريسيتش ودالبرت مزيدًا من الفرص، استثمر فيتشينو إحداها ببراعة ليشطب اسمه من قائمة أسوأ لاعبي المباراة جنبًا إلى جنب مع فاليرو وغاليارديني.

 

اللدغ هو التعبير الأنسب لوصف ما حدث، فبداية المباراة أظهرت فوارق كبيرة لصالح روما على مستوى الجماعية والفنيات، ولكن الأرجنتيني أفعى حقيقية تعيش في موطنها الأصلي، وما نعلمه عن الأفاعي هو قدرتها على قتل فيل بالغ بلدغة واحدة متقنة، ناهيك عن ذئب مفتقد اللياقة جاهد في اللحظات الأخيرة لالتقاط أنفاسه. 

المصدر : الجزيرة