شعار قسم ميدان

غوارديولا يقتل "روبن هود".. عن كلافان وصلاح وأشياء أخرى

ميدان - ليفربول مانشستر ستي غوارديولا صلاح
في حدث نادر، سقط ليفربول برفقة مدربه يورغن كلوب بخماسية نظيفة على يد أحد كبار البريميرليغ، مانشستر سيتي تحديداً في رابع أسابيع المسابقة. تفاصيل صغيرة تغير كل شيء، وتفاصيل أكبر اختفت وراء بعض القناعات والأقنعة على رأسها الجثة اللندنية التي تركت إيحاءً زائفًا بأن كل شيء على ما يرام في الميرسيسايد.

 

تنقسم المباراة إلى 37 دقيقة من الندية وبقية تؤول لطرف واحد دانت له السيطرة بكاملها ليتلاعب بخصمه يمينًا ويسارًا، ولكن المباراة ذاتها تملك شوطاً أولًا سبق صافرة انطلاقها ليبدأ وينتهي في (أغسطس/آب) الماضي.

 

أتُرى، حين أفقأ عينيك، ثم أُثبِّت أرنولد وكلافان مكانهما..

تبدأ القصة عند "روبن هود" البطل المغوار الذي يسرق النقاط من الأغنياء ليمنحها للفقراء في مواجهة أثرياء البترول الذين يشترون كل شيء. فريقان جمعهما جودة العمل الهجومي وسوء المستوى الدفاعي، بينما أخلص الأول لمبادئه أنفق الثاني قرابة 200 مليون يورو لتدعيم دفاعه فقط، فكانت تلك هي النتيجة..

 

تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)

 

نعم، بينما ذهب السيتي ليصلح ما أفسده الزمن بخطوطه الخلفية متعاقدًا مع 3 أظهرة هم ووكر وميندي ودانيلو والحارس البرازيلي إيديرسون في سوق واحد، قضى ليفربول نفس الفترة في مطاردة فاشلة لمدافع وحيد من ساوثامبتون "بقالة" الريدز الذي قرر التمرد هذا الموسم، لينتهي سوقه بظهير أيسر لا يدخل القائمة أصلاً.

 

حين يكون لديك مدافعًا مثل ماتيب والخيارات المجاورة تتراوح بين لوفرين وكلافان، يجاورهما ظهير أيسر بقصور دفاعية أوصلتك لإشراك لاعب الوسط ميلنر في مركزه موسمًا كاملًا، تضع إلى جوار كل ذلك ألكساندر أرنولد، لاعب وسط آخر حولته لظهير أيمن وقررت أن تزج به في وجه مانشستر سيتي في ظروف كتلك رغم تجربتك لجو غوميز في المباراة السابقة، كل تلك العوامل إن جاورها تذبذب ولو طفيف في مستوى ماتيب، تحدث أشياء كتلك التي شاهدناها على ملعب الاتحاد بالضبط.

 

إن كان هناك درس مُستفاد من الخط الخلفي لليفربول، فهو كشف سر اعتبار اللاعب جيمي كاراغر بمثابة أسطورة الدفاع للنادي: ربما كان عاديًا ولكنه على الأقل كان مدافعًا!

 

هل ترى؟ هي أشياء -أحياناً- تُشترى

شوط أول على قدم المساواة، معركة تكتيكية خانقة يتبادل أطرافها الضغط الأمامي، فبينما أتى كلوب بخطته المعتادة (4-3-3) واصل بيب غوارديولا مواصلة تجربة (3-5-2) أو (3-1-4-2)، مطلقاً ووكر وميندي على الأطراف مع إغلاق مأساة عمق دفاع فريقه بثلاثي من دانيلو وستونز وأوتامندي.

 

يوفر ذلك الشكل مساندةً أكبر لثنائي صناعة اللعب كيفن دي بروين وديفيد سيلفا، كما يُساعد على تلافي القصور في واجباتهم الدفاعية الأمر الذي يكفل استقراراً أكبر لمنظومة اللعب الضاغطة أمام مرتدات الريدز العكسية، وهو ما نجم عنه انعدام الفرص الخطرة من الطرفين لأول 23 دقيقة.

 

طولية يلعبها مينيوليه تتخبط في الهواء وترتد صوب مناطق ليفربول، يحاول هندرسون ردها بالرأس فينتزعها فيرناندينيو ويسقطها أمام دي بروين، لمسة واحدة من البلجيكي ليصبح أغويرو فجأة في وضعية انفراد تام بحارس الريدز! مهما أعدت مشاهدة هذا الهدف ستجد نفسك تتفاجأ بوصول الكرة لأغويرو في هذا الموقع بتلك السلاسة، سواء من براعة تمريرة دي بروين أو من العمل الدفاعي المذهل على الجانب الآخر.

 

أغويرو لحظة تمريرة دي بروين في ثقب أسود بين دفاعات ليفربول.. من يغطي التسلل هو كلافان بالتأكيد
أغويرو لحظة تمريرة دي بروين في ثقب أسود بين دفاعات ليفربول.. من يغطي التسلل هو كلافان بالتأكيد

 

بالتفكير في تمركز كهذا بطله راغنار كلافان، وكون اللاعب نفسه هو العنوان الرئيسي لأغلب لقطات تفوق السيتي القليلة هجوميًا في الشوط الأول، تضطر للتساؤل حقاً عما كان يفكر فيه كلوب لحظة إبرامه لتلك الصفقة، ما الذي قد يضيفه مدافع إستوني يبلغ من العمر 31 عامًا ويلعب في أوغسبورغ سوى أنه لن يكلف النادي أكثر من 5 ملايين يورو؟ ما الذي يجعلك مطمئناً لخوض موسمك به كواحد من 3 قلوب دفاع -بعد بيع ساكو أيضًا- فقط لأنك أرقى من أن تُجاري عبث الرأسمالية وتدفع الرقم المطلوب في فان دايك؟

 

لا يزال روبن هود يعيش حلمًا قد ولت أيامه، حين صنع فريقًا يصل لنهائي دوري أبطال أوروبا بـ35 مليون يورو فقط، متناسيًا حتى أنَّ قصته الجميلة تلك مع بوروسيا دورتموند قد لقت نهاية محزنة، لأن هذا العالم لا يسير بتلك الطريقة، ولأنك لا تملك آليات لعكس مساره، ولأن ليستر سيتي استثناء يؤكد القاعدة، ولأن هذا الدوري لم يعُد يرحم من به نقص.

 

صافرة النهاية

تلقى ليفربول هدفًا ولكن المباراة لم تنتهي بعد، واصل الضيوف تواجدهم وظلّوا على قدم المساواة من ناحية الخطورة المتوسطة المتبادلة والتي لم يكسرها سوى هذا الهدف، ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد في بعض الأحيان، انطلق ماني ليُجبر فيرناندينيو على إسقاطه بتدخل عنيف على حدود المنطقة نال عليه إنذاراً، ولكنه حمى به زميله نيكولاس أوتامندي الذي كان مندفعاً للإطاحة بالسنغالي وهو يحمل إنذاره الأول بالفعل منذ الدقيقة السادسة.

 

أخيراً وكما كسر سيتي صمت خطورته نجح ليفربول في مبادلته ذلك أيضًا عن طريق صلاح من انفراد أتى عبر اليمين وساهمت فيه سرعة المصري الخرافية، ولكن هنا قفز عيبه الأزلي في التعامل مع مثل تلك الانفرادات ليضع الكرة في يد إيديرسون. كان هذا آخر ما كسره ليفربول قبل أن يكسر ماني فك الحارس نفسه ويتلقى البطاقة الحمراء لتنتهي المباراة هنا بلا رجعة!

 

ربما أمضى يورغن كلوب دقائق علاج إيديرسون ونقله في صراخه المليء بالاعتراضات حيال القرار، ربما طال التحكيم كله الكثير من سباب جماهير ليفربول، ولكن الحكم جوناثان موس لم يُفكر مرتين قبل إشهار البطاقة الحمراء في وجه ماني، بل لم يُفكّر أصلًا! صراحةً لا تستحق تلك الكرة أي نوع من أنواع الجدل، تصرف أرعن في قمة التهور كلف ليفربول أفضل لاعبيه قبل نهاية الشوط الأول.

 

لحظات أخرى تمر ومعها هدف ملغي لغابرييل خيسوس تلاه هدف صحيح بعرضية من دي بروين، ليواصل دفاع الريدز ملحمته المهزلية مع نهاية الشوط بتقدم السيتي على خصمه المنقوص بهدفين دون رد، موقف لا مخرج منه تقريبًا، ولكن إن كان هناك أمل ما فقد قضى عليه كلوب لتوه بسحب محمد صلاح وإقحام أليكس أوكسليد تشامبرلين بدلًا منه.

 

موقع خيسوس لحظة تلقيه عرضية دي بروين.. للتأمل فقط
موقع خيسوس لحظة تلقيه عرضية دي بروين.. للتأمل فقط

 

الموقف تمامًا كالتالي: لديك لاعبين هما مصدر الخطورة، أحدهما طُرد فقمت بإخراج الآخر وإشراك لاعب انضم إليك قبل 9 أيام قادماً من أرسنال الذي لعب معه آخر مباراة بصفة أساسية وهي نفس المباراة التي هزمته خلالها برباعية نظيفة! ليس فقط من الناحية النفسية ولا كون تشامبرلين قد بات أول لاعب يخسر مباراتين على التوالي بفارق أكثر من أربعة أهداف مع فريقين مختلفين، ويا له من إنجاز يطول شرحه، ولكن ما الذي كنت تنتظر أن يضيفه؟ متى اعتاد على أسلوب لعبك حتى يكون جاهزاً لتغيير وجه مباراة كتلك؟ هذا التغيير ظهر إعلانًا للاستسلام أكثر منه محاولة لقلب المباراة، ليتحول الشوط الثاني إلى حصة تدريبية لا بأس من تجربة سولانكي بها أيضًا.

 

على هامش المباراة

بالفعل تحول الشوط الثاني إلى نزهة لمانشستر سيتي، فمن ندية الشوط الأول المتمثلة في عدد التسديدات (7 لكل منهما – 6 على المرمى للسيتي مقابل 3 لليفربول)، إلى صفر أحمر في الشوط الثاني. ارتفعت أيضاً نسبة استحواذ السيتي من 60% إلى 72%، اختفى ليفربول تمامًا بينما سجل خصمه 3 أهداف ملحقاً به هزيمة تاريخية. واتت كلاوديو برافو فرصة جديدة لاستعادة ثقته المفقودة حتى وإن لم يكُن غياب إيديرسون مطولاً، ولكن ليفربول لم يطلق تسديدة وحيدة على شباكه.

 

الكثير من لاعبي مانشستر سيتي يستحقون الإشادة سواءً دي بروين أو خيسوس أو أغويرو أو ليروي ساني بطل الشوط الثاني، ولكن بين كل تلك الأسماء قد يضيع حق العائد دانيلو. يواصل غوارديولا إعادة اكتشاف هذا اللاعب بعد موسمه الكارثي مع ريال مدريد، ليقدم مباراة جيدة سواءً كقلب دفاع ثالث في الشوط الأول أو حين تقدم للوسط في الثاني، وبنهايتها كان البرازيلي أكثر اللاعبين لمسًا للكرة.

 

الخريطة الحرارية لدانيلو: 120 لمسة كأكثر من لمس الكرة طوال المباراة (هوسكورد)
الخريطة الحرارية لدانيلو: 120 لمسة كأكثر من لمس الكرة طوال المباراة (هوسكورد)

 

غالبًا ما يقع محمد صلاح جماهيريًا بين طرفي العصا كونه مصريًا بوجه خاص وعربيًا بوجه أعم، فهو إما "أفضل شيء في المجرة" لأنه ابن جلدتنا، أو أسوأ ما في الوجود لأنه ابن جلدتنا! بعضنا يراه أقل كثيرًا مما وصل إليه "فنيًا" وأنه لا يميزه سوى السرعة والاجتهاد، والبعض الآخر يراه أعظم مما هو عليه حقًا، بين هذا وذاك قاسم مشترك وحيد: كلاهما لا يصدق أن عربيًا يلعب في هذا المستوى.

 

صلاح لاعب مميز وإلا ما أنفق ليفربول كل هذا المبلغ لضمّه من روما، صحيح أن الأندية ترتكب بعض الحماقات في سوق الانتقالات وأن المبلغ لا يحدد دائماً ما سيقدمه اللاعب، إلا أنه حين أتى كان بالفعل هداف فريقه في الدوري الإيطالي، إنه رهان مضمون بالنسبة للنادي وليس مجرد مغامرة مع موهبة شابة كما يعتبره البعض حتى الآن. بالتأكيد لديه مساحة للتطور وقد يكون بحاجة للعمل على قدرته على الإنهاء واستغلال الفرص، وربما لو سجل الفرصة التي أضاعها لتغير شكل المباراة تماماً، ولكن مَن هذا الذي لا يهدر أصلًا؟ وإن لم يكن جيداً فلماذا أتت نصف هجمات ليفربول من جهته؟

 

مناطق توزيع الهجمات: ليفربول باللون الأزرق يمينًا والسيتي بالبرتقالي يسارًا - 53% من هجمات ليفربول أتت من جهة صلاح، بينما ركز السيتي هجماته على الطرفين بميل قليل لليسار، ورغم هذا حصل على هدف فك شفرة المباراة من العمق (هوسكورد)
مناطق توزيع الهجمات: ليفربول باللون الأزرق يمينًا والسيتي بالبرتقالي يسارًا – 53% من هجمات ليفربول أتت من جهة صلاح، بينما ركز السيتي هجماته على الطرفين بميل قليل لليسار، ورغم هذا حصل على هدف فك شفرة المباراة من العمق (هوسكورد)

 

حصل كلافان على أسوأ تقييم وفقًا لموقع هوسكورد، أسوأ حتى من ماني المطرود، بينما كان صلاح هو أفضل لاعبي ليفربول تقييمًا، ربما لأن كلوب سحبه قبل أسوأ 45 دقيقة أدارها مع الفريق.

المصدر : الجزيرة