شعار قسم ميدان

مظاليم التنس.. بين مطرقة الكبار وسندان الصاعدين

midan - تنس
قد تكون خسارة الأرجنتيني خوان مارتن ديل بوترو أمام الإسباني رفائيل نادال في الدور نصف النهائي ببطولة أميركا المفتوحة للتنس أمرا اعتياديا، (1) فالهزيمة أمر وارد في عالم الرياضة، لكنها تحمل في طياتها ما يجعلها أكثر من مجرد خسارة مباراة.

لإدراك الصورة كاملة سيتعيّن العودة إلى دور الستة عشر، عندما كان اللاعب الأرجنتيني متأخرا بمجموعتين دون رد أمام النمساوي الشاب دومينيك تيم (24 عاما)، ليقاتل بقوة ويعود في النتيجة ويتقدم إلى الدور التالي، حيث كانت في انتظاره مواجهة صعبة أخرى.

كان اللاعب الذي تعرض لإصابات متعددة في معصم يده اليسرى تطلبت خضوعه لأكثر من عملية جراحية لمعالجة المشكلة قد اصطدم بالسويسري روجر فيدرير في الدور ربع النهائي، حيث خاض معركة أخرى ضروسا خرج منها منتصرا لكن مثخن بالجراح، وحينها اعترف ديل بوترو قبل مواجهة نادال بأنه مرهق بعد المباراتين الماراثونيتين السابقتين، وأنه سيحاول الاعتماد على استراتيجية تجنبه الركض كثيرا أمام الإسباني.(2)

نجحت خططه في المجموعة الأولى بمساعدة من الأخطاء السهلة التي ارتكبها نادال، ولكن حركته بدت بطيئة في المجموعة الثانية، وهو الأمر الذي أجاد الإسباني استغلاله مع تحوله للهجوم بصورة أكبر لينهار الديلبو ويسقط في الدور قبل النهائي.

خسارة ديل بوترو أمام نادال تعكس معضلة كبرى وربما مأزق يعاني منه قطاع من لاعبي التنس الذين كانوا ينتظرون أن ينال الزمن من كبار اللعبة الذين هيمنوا على مجرياتها خلال السنوات الماضية، ليحصلوا على فرصة التتويج بالبطولات الأربع الكبرى، ولكنهم تفاجأوا بالحديث عن تسليم الراية لجيل جديد.

هؤلاء اللاعبون الذين يمكن أن يطلق عليهم "مظاليم التنس" وجدوا أنفسهم بين مطرقة "الكبار" وسندان "الصاعدين" الذين باتوا يشكلون خطورة حقيقية، وألقاب آخر ثلاث بطولات أساتذة خير دليل على ذلك، إذ توج بها لاعبان شابان هما الألماني ألكسندر زفيريف والبلغاري جريجور ديميتروف، بعدما تقاسم نادال وفيدرير بطولات الأساتذة الأربع الأولى لهذا الموسم. (3)

وإن كان الديلبو أحد المحظوظين الذين أفلتوا بلقب أو اثنين في البطولات الأربع الكبرى خلال السنوات الماضية عندما فاز بلقب بطولة أميركا المفتوحة في 2009، فهناك آخرون أقل حظا ممن لم يتمكنوا من الصعود على منصة التتويج في البطولات الكبرى، وتتفاوت حظوظهم في خطف لقب عما قريب.

"الأرنوب"
الإسباني ديفيد فيرير الملقب بـ
الإسباني ديفيد فيرير الملقب بـ "الأرنوب" (الأوروبية)

قصير القامة نوعا ما بالنسبة للاعب تنس، ولكنه يعوض ذلك بالمجهود الوفير، إنه الإسباني ديفيد فيرير الملقب بـ "الأرنوب"، والذي حقق 145 فوزا في تاريخ مشاركاته في البطولات الأربع الكبرى، لكنها لم تكن كافية لتحقيق لقب واحد على الأقل، (4) حتى عندما وصل إلى النهائي الوحيد الذي نجح في بلوغه في بطولة فرنسا المفتوحة عام 2013. (5)

لم يسبق لـ فيرير أن تأهل إلى نهائي بطولة كبرى، ولكن الظروف ساعدته بعدما قدم أداء قويا في الأدوار الأولى، إذ تكفل الفرنسي جو ويلفريد تسونجا بالإطاحة بـ فيدرير من البطولة، وهو أبرز العوائق التي كانت تقف في طريق "الأرنوب" المجتهد نحو النهائي. (6)

وتخطى فيرير عقبة اللاعب الفرنسي ليتأهل لملاقاة نادال الذي خاض اختبارات صعبة بتغلبه على السويسري ستانيسلاس فافرينكا، ثم الصربي نوفاك ديوكوفيتش، فيما اعتبره البعض آنذاك مباراة حسم اللقب رغم أنها كانت في الدور نصف النهائي، وكانوا محقين، فرغم أن فيرير كان قد فاز على ثلاثة من مواطنيه -المتخصصين في الأراضي الرملية- في طريقه للنهائي فإن مواجهة "ملك الأراضي الترابية" أمر مختلف، إذ إن ثلاث مجموعات كانت أكثر من كافية لحصد اللقب على حساب منافس صرّح نادال قبل تلك المواجهة أنه يستحق لقبا كبيرا، قائلا إن "التنس رياضة عادلة، وإذا كان هناك من يستحق الفوز بالألقاب والتواجد في نهائي بطولة كبرى فهو ديفيد". (7)

رغم ذلك فإن نادال لم يمنحه فرصة الفوز باللقب الذي أقر فيرير بعدها بثلاث سنوات بأنه ربما لن يتمكن من تحقيقه، متوقعا السيناريو الذي يحدث الآن مع الأجيال الصاعدة التي تطالب بحقها في عرش التنس، بل وقال الإسباني في رده على سؤال بشأن فرصه في الفوز بلقب في البطولات الأربع الكبرى: "ربما ليس بالنسبة لي.. ربما يمكن للاعبين الأصغر سنا أمثال نيك كيريوس أو لاعبين أصغر سنا الفوز ببطولة كبرى… ليس بالنسبة لي. سأحاول بالطبع، ولكنني أعتقد أنها ليست لحظتي في تلك الحقبة". (8)

ويبدو أن فيرير كان واقعيا في توقعه، أو جزء منه على الأقل، فأسلوبه الذي يعتمد على الدفاع المستميت لم يعد يناسب لاعبا أكمل عامه الخامس والثلاثين قبل أشهر، وهو ما انعكس على مسيرته هذا العام، إذ إنه لم يتخط الدور الثالث كأفضل نتيجة يحققها في البطولات الأربع هذا الموسم.

"الصاروخ"
 الكندي ميلوس روانيتش الملقب بالصاروخ (الأوروبية)
 الكندي ميلوس روانيتش الملقب بالصاروخ (الأوروبية)

يحظى الكندي ميلوس روانيتش بملف مختلف، فهو طويل القامة يعتمد على سلاح الإرسالات القوية، ما دفع البعض لتلقيبه بـ "الصاروخ"، فضلا عن أنه بات على مشارف عامه السابع والعشرين، ولكنه يشترك مع فيرير في أنه لم يفز بأي لقب في البطولات الأربع الكبرى رغم وصوله إلى النهائي في بطولة ويمبلدون العام الماضي وبطريقة دراماتيكية، (9) فالكثيرون من متابعي التنس يتذكرون جيدا السقوط المدوي لـ فيدرير في الدور قبل النهائي للبطولة أمام راونيتش، والحديث هنا ليس مجازيا فحسب، بل إن اللاعب السويسري سقط على الأرض بالفعل أثناء المباراة لينبطح على وجهه لثوانٍ بدت وكأنها دهر. (10)

وبعيدا عن الإجهاد الذي نال من فيدرير بعد مباراة ماراثونية أخرى في دور الثمانية أمام الكرواتي مارين سيليتش -أحد المحظوظين الذين أفلتوا بلقب في البطولات الأربع الكبرى في حقبة الكبار- فإن راونيتش قدم أوراق اعتماده بقوة في هذه المباراة كأحد المرشحين بقوة للقب كبير. (11)

ربما لذلك اعتبر اللاعب الهولندي المعتزل ريتشارد كرايسك الفائز ببطولة ويمبلدون عام 1996 أن راونيتش لديه مؤهلات الفوز بلقب كبير، وتحديدا في نادي عموم إنجلترا، ولكنه توقع أنه لن يتمكن من تخطي عقبة البريطاني آندي موراي في المباراة النهائية.

وقال كرايسك في تصريحات قبل النهائي: "ستكون مباراة صعبة لأنها المرة الأولى له في نهائي ويمبلدون في البطولات الأربع الكبرى، وسيواجه بريطانيا فاز بألقاب بطولات كبرى، ولكن إذا لم يفز هذا العام فسيفوز باللقب في العامين المقبلين، سيكون أحد المرشحين للقب هنا في السنوات الأربع أو الخمس المقبلة". (12)

وكان كرايسك محقا في جزء من توقعه، إذ إن موراي تفوق في ثلاث مجموعات على اللاعب الكندي، لكنه تعثر في نسخة العام التالي أمام فيدرير في دور الثمانية وفي ثلاث مجموعات أيضا، (13) ولكن على عكس فيرير فإن الفرصة لا تزال سانحة أمام اللاعب الكندي للفوز بلقب كبير، وإن زادت المهمة صعوبة، فهو لن يواجه الكبار فقط، بل سيواجه لاعبين صاعدين طامحين.

ضربة حظ أم سوء حظ؟

فيرير ليس اللاعب الوحيد الذي تضاءلت فرصه في الفوز ببطولة كبرى في خضم هذا الحراك السريع الذي يشهده عالم الكرة الصفراء، فقائمة "المظاليم" طويلة وتضم لاعبين أمثال الفرنسي جو ويلفريد تسونجا، المولود لأب كونغولي وأم فرنسية.

اللاعب الفرنسي جو ويلفريد تسونجا (الأوروبية)
اللاعب الفرنسي جو ويلفريد تسونجا (الأوروبية)

تسونجا البالغ من العمر 32 عاما أذهل الجميع بالوصول إلى نهائي بطولة أستراليا المفتوحة في 2008 وبعد أربع سنوات فقط من احترافه اللعبة، خاصة بالنظر إلى مشواره في البطولة الذي استهله بفوز على موراي، وأطاح خلاله بـ نادال، لكنه اصطدم بـ ديوكوفيتش في النهائي الوحيد الذي نجح في الوصول إليه، (14) بالإضافة إلى الياباني كي نيشيكوري البالغ من العمر 27 عاما الذي اقترب كثيرا من الفوز بلقب كبير بدوره، في واحدة من المرات القليلة التي خرجت فيها الأمور من قبضة الكبار عندما بلغ نهائي بطولة أميركا المفتوحة 2014، لكنه خسر أمام سيليتش في النهائي. (15)

وفي نهائي أميركا المفتوحة قبل ساعات وضع نادال حدا لطموحات الجنوب أفريقي كيفين أندرسون (31 عاما) الذي أفلت من نصف الجدول المليء باللاعبين الصاعدين ليصطدم بأحد الكبار في المباراة النهائية، ربما ليؤكد نفس النظرية مجددا، ويضم أندرسون رغما عنه إلى جيل كامل أوقعه حظه بين مطرقة الكبار وسندان الصاعدين.