تشيلسي وأرسنال.. حوار على الحافة
المهم أن اللقاء قد تجدد بين الثنائي، ومرة أخرى وقع في وقت مبكر من الموسم، ومرة أخرى جرى اللقاء تحت عنوان كبير هو التشبث بالحافة، حتى لو لم تكن تعني نفس الشيء لكل من الإيطالي والفرنسي العجوز، ففي الموسم الماضي كانت هزيمة كونتي من أرسنال هي نقطة الانطلاق نحو اللقب، وفي نفس الوقت كانت فرصة ليتعافي المدفعجية من هزيمة ليفربول الكارثية في الافتتاحية، وتكررت نفس الدوافع في الموسم الحالي، فدخل كونتي المباراة وهو على الحافة؛ حافة الانهيار بعد صيف مثير للأعصاب، وحافة المنافسة مع قطبي مانشستر، وحافة الجودة مع تشكيل غاب عنه نجمه الأبرز، وبالطبع حافة الشكوك في 3-4-3 التي لم تعد تكتسح الخصوم كما سبق.
لذا فإن هناك كمًا معينًا من الفشل مسموح به في أرسنال، وهذا الكم لا يسمح بالخسارة في ثلاث مباريات من أول ست؛ لأن هذا يعني أن الفريق قد حقق أسوأ بداية له في تاريخ البريميرليغ، بالتالي بدأت الانتفاضة عقب رباعية الريدز مباشرة واستمرت بصعوبة أمام كولن وحان موعد تأكيدها في أصعب ملعب ممكن لذلك؛ الملعب الذي خسر فيه أرسنال كل مبارياته منذ 2011.
كان هولدينغ قد احترق تمامًا أثناء تلك الانتفاضة بعد عرض الهواة الذي قدمه ضد كولن، لذا كان من المنطقي أن يستمر فينغر في تنازلاته ويشرك مصطفى مرة أخرى، فمشكلة الألماني أنه قد أثبت – رغم عيوبه – أنه الشريك الأمثل لكوشيلني في محور الدفاع، وهذا يعني أن الحل بسيط وسهل، وفينغر لا يحب الحلول البسيطة السهلة لأنها توحي بأن قدرته على الإبداع لم تعد كما كانت، لذا كانت خطته البديلة هي محاولة شحنه إلى إيطاليا في آخر أيام الميركاتو ثم استبداله بظهير أيسر يلعب في غير مركزه أو مدافع شاب لم يكتمل نضوجه بعد، بل واللجوء لميرتساكر إن لزم الأمر، فالمسألة مسألة مبدأ ولن يغيرها تفاصيل بسيطة مثل قبول الفريق 7 أهداف في مباراتين بغيابه مقابل هدف وحيد في ثلاث مباريات بحضوره.
كانت هذه الخطوة الأولى في رحلة تسلق جبل البريدج، لأن المدافع الألماني نجح في إطفاء وهج موراتّا في الأسابيع الأخيرة، وبتشتيت الكرة 8 مرات، واعتراضها مرتين، والفوز بها في 6 ثنائيات أرضية وهوائية، كان مصطفى أكثر لاعبي فريقه إفسادًا لهجمات البلوز وبفارق كبير عن تاليه في الترتيب، ليواجه المباراة الدفاعية الرائعة التي قدمها ديفيد لويز على الجهة الأخرى، والتي لم يفسدها سوى تدخله الأهوج على كولازيناك في نهايتها.
بدأت معاناة كونتي من الوسط صعودًا، فغياب هازار أفقده مُنظم الفوضى الوحيد في الثلث الأخير، فوجود البلجيكي يُملي على البلوز نقطة بداية لهجماتهم المرتدة ومحطة مهمة أثناء الاستحواذ، ومنها ينطلق هازار ليشتبك بشكل مباشر مع مدافعي الخصم صانعًا الفوضى والفراغات لرفيقيه في الهجوم، لذا يتألق ويليان وبيدرو في حضوره، وبالمثل لا يتبقى إلا الفوضى في غيابه، ويتحول خط هجوم البلوز لمجموعة من العدائين بلا نقطة بداية أو خط نهاية؛ سرعات رهيبة توحي بالخطورة في كل مرة ولكن دون إنتاج حقيقي يُعتمد عليه، خاصة مع مهاجم ما زال يتحسس الخط الرفيع بين ما هو مخالفة وما ليس كذلك في إنجلترا.
كل هذا بديهي ولا يمكن التخيل بأنه كان غائبًا عن ذهن كونتي، ولكنه لم يمنع الإيطالي من ارتكاب خطأ بديهي آخر لم يكن ينبغي أن يغيب عن ذهنه كذلك، وهو الاعتماد على الحل الذي لا ينجح أبدًا بإقحام فابريجاس إلى جوار كانتي في المحور، فبرغم قرب الإسباني من صناعة هدف الافتتاح لبيدرو إلا أن وجوده في مواجهة بهذا الحجم يعني أن كانتي سيواجه طوفان الخصم منفردًا، ويعني كذلك أن البلوز سيفقدون السيطرة على وسط الملعب ومن ثم الأطراف، وهو ما حدث في الشوط الأول بالضبط.
بالطبع ليس ذلك جديدًا على الإيطالي، فقد علمتنا التجربة أنه يدخل مواجهات الستة الكبار بخيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تحضر تشكيلته الأساسية وتعمل 3-4-3 بلا مشاكل أو يقضي الشوط الأول على الأقل في تجربة واحدة من أقل ميزاته توهجًا؛ الابتكار.
لذا كانت المفارقة أن فينغر ظهر أكثر واقعية من خصمه الايطالي، واعتمد في غياب سانشيز وأوزيل على تحركات ويلبيك وأيوبي على الأطراف لمساندة كولازيناك وبييرين، بحيث ينضم أحدهما لمنطقة الجزاء كمهاجم ثان كلما أتت العرضية من الجهة العكسية، والمفاجأة السارة كانت أن كل ذلك توافق مع الحالة المزاجية لرامزي، فأضاف الويلزي عمقًا لكل ذلك العمل على الجنبين بانطلاقاته المتكررة التي وفر لها أيوبي وويلبيك التغطية الكافية بدورهما، في حالة من التكامل لم يكن ينقصها سوى مزيدٍ من التوفيق لتنتج عددًا من الكرات في شباك كورتوا.
|
النتيجة أن المباراة انتهت بتعادل مثير حتى بعد تحسن وضع تشيلسي الهجومي، لسبب واضح هو كثرة التحولات السريعة التي أرهقت الجميع وامتلأت بها الساعة الأولى، والتي أجبرت كل فريق على الارتداد من الدفاع للهجوم والعكس 15 مرة على الأقل ومن ثم دعته للتحفظ في الدقائق الأخيرة، فأي مباراة تجري على الحافة قد يُقبل فيها أي شيء إلا الهزيمة.
مرة أخرى انتهى حوار المدربين على الحافة، ومرة أخرى تسلق فينغر على كونتي ليتجنب السقوط المبكر، والأهم أن المؤشرات تؤكد أنه لا جديد هنالك؛ مرة أخرى سينتقل كونتي من تلك الحافة للمنافسة على اللقب، ومرة أخرى سينطلق فينغر نحو غايته الأهم؛ الحافة نفسها.