شعار قسم ميدان

هل ينجح المغرب في استضافة كأس العالم 2026؟

midan - المغرب

لا تكاد علاقة المغرب بكأس العالم تفتر إلا لتتجدد، وتفتح صفحات جديدة في مُجلدها الحافل بالأحداث؛ فقد سجلت سنة 2017 تطابقا من حيث الأرقام، لقد شاءت الأقدار أن يتزامن تأهل المنتخب المغربي إلى المونديال لخامس مرة في تاريخه مع إيداعه لملف ترشحه لاحتضان المنافسة، في محاولته الخامسة للقبض على حلم أبى إلا أن يتبدد في مناسبات أربع.

  

العرس الكروي العالمي يحتل مكانة هامة في قلوب المغاربة، ويوقظ ذاكرة أجيال عدة، بل يشكل مصدر اعتزاز بالنسبة إليهم؛ وهم أول منتخب أفريقي يحجز بطاقة العبور إلى ثمن نهائي المسابقة سنة 1986 بالمكسيك (1)، ويرفع سقف طموحات منتخبات القارة السمراء نحو حصد إنجازات أكبر.

  

أما على مستوى تنظيم أكبر حدث في عالم المستديرة، فلم يكن الإخفاق سنوات (1994، 1998، 2006 و2010) ليزرع اليأس في نفوس المسؤولين المغاربة، ويبث الإحباط في أوصالهم؛ وإنما حثهم على خوض غمار السباق لاستضافة نسخة 2026، في صدام مع الملف الثلاثي للولايات المتحدة الأميركية والمكسيك ثم كندا. (2)

  

 المغرب يترشح لاستضافة كأس العالم

   

فن الجذب والاستمالة

في مجمل الأحوال، فإن وجود الولايات المتحدة وكندا والمكسيك في الكفة المقابلة للمغرب من حيث مؤشرات التنمية، قد يحمل جانبا من جوانب فرص المغرب، لكن، يبدو أن المصير لن يتحدد بناء على مؤشر التنمية البشرية والقوة الاقتصادية وجاهزية البنية التحتية فقط، بل هناك جوانب تكتسي أهمية بالغة لا يمكن تجاهلها، تُبقي الحلم المونديالي المغربي حيا، ومنتعشا، وتجعله مكتسِبا الشرعية وغير معدم في مهده.

 

لا وصول إلى العالمية دون الانطلاق من الرقعة القارية؛ ذلك ما يبدو أن المغرب قد استوعبه جيدا؛ إذ اعتمد الاتحاد المحلي لكرة القدم، في الأشهر الماضية، سياسة تستند إلى الانفتاح على المحيط القاري، تجلت في توقيع اتفاقيات شراكة مع مختلف الاتحادات الأفريقية (3)، بالموازاة مع العودة القوية التي سجلها إلى الاتحاد الأفريقي للعبة، بواسطة رئيسه فوزي لقجع، الذي انتخب نائبا لأحمد أحمد، رئيس "الكاف". (4)

 

هي خطوة  قد تساعد المغرب على استمالة أصوات 53 بلدا أفريقيا، ضمن التصويت على البلد الفائز من قبل الاتحادات المنضوية تحت لواء "الفيفا"، بعدما كان ذلك يتم من خلال تصويت أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي، مما أفضى إلى تفجير فضائح مرتبطة بالرشوة والفساد في تحديد البلدان المُحتضنة لبعض النسخ. (5)

 

رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم - فوزي لقجع (مواقع التواصل الإجتماعي)
رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم – فوزي لقجع (مواقع التواصل الإجتماعي)

    

المسألة إذن لا تنحصر في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي فقط؛ هناك "القدرة على التأثير" و"فن الجذب"، تماما مثل أي انتخابات، تضطلع مهارات مثل التسويق والتواصل والإقناع  بأدوار أساسية في حشد الدعم، ومراكمة الأصوات، والتي يجب أن تصل إلى 104 على الأقل من أصل 207 اتحاد قاري.

 

مباشرة بعد إعلان المغرب ترشحه رسميا، بدأت رسائل المساندة تتقاطر عليه، وعبارات التأييد تحيط به، على غرار رئيس "الفيفا"، جياني إنفانتينو الذي أكد قدرة البلد الشمال أفريقي على احتضان الحدث (6)، وكذلك رئيس "الكاف"، أحمد أحمد (7)، وحتى دولة قطر من خلال حسن الذوادي، الأمين العام للجنة العليا للمشاريع والإرث، غير أن ذلك لن تظهر نجاعته من عدمها إلا يوم الانتخابات، خاصة أن مثل هذه التصريحات تغلف بمقدار كبير من الدبلوماسية. (8)

  

تفاؤل رغم المطبات

يجد حامل آمال القارة الأفريقية في احتضان العرس العالمي للمرة الثانية في تاريخها نفسه أمام ملف ثلاثي تسِمه الجاهزية؛ بتقديمه لـ49 ملعبا مهيئا لاستقبال مباريات 48 منتخبا، في الوقت الذي لم يدفع فيه المغرب سوى بتسعة ملاعب، ستة منها جاهزة وثلاثة قيد التشييد، من أجل أن تكون مسرحا لمجريات المنافسة. (9)

 

مقابل ذلك، وإذا ما نظرنا من زاوية تملؤها الإيجابية إلى الملف المغربي، فسنبصر حتما عددا من نقاط القوة التي ربما تحدث الفارق، وترجح الكفة؛ فالبلد يتميز بموقع إستراتيجي يربط بين القارتين الأفريقية والأوروبية، ناهيك عن توقيته الزمني الملائم للقارة العجوز، والتي سيشارك أكبر عدد منها في النهائيات، وستنحدر بالتالي منها فئة عريضة من المشاهدين.

 

في هذا الصدد، تقول صحيفة "thenational.ae" الإلكترونية: "ثمة أسلحة أخرى تجعل المغرب جديرا بالإيمان بحلمه، من قبيل ذهابه ضحية انتخابات سابقة بِفعل عمليات الفساد والرشوة التي عرفتها"، معتبرة أن الدولة المغربية تحوز خبرة واسعة وتجربة كبرى في خوض غمار الصراع على تنظيم المونديال، بناء على النسخ السابقة التي ترشحت لها. (10)

 

على هامش "مؤتمر دبي الرياضي"، صدر جياني إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، رسائل بعثت بعض التوجس في الوسط الرياضي المغربي، حينما قال إن ترشح الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك إنما هو "رسالة إيجابية"؛ ذلك أنه "ملف مشترك"، ويملك بذلك القدرة على استضافة منافسة سيؤثثها 48 منتخبا. (11)

  

رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم فوزي لقجع مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم
رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم فوزي لقجع مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم
   

بالقطع، يبدو تصريح أعلى جهاز كروي زائغا بعض الشيء عن الحياد المطلوب، لكنه يظل مجرد "رأي" أو "انطباع" لن يغير منحى الأصوات، فالكرة في ملعب المُرشحين حتى يتحركوا من أجل الإثبات والبرهنة على إمكانية الارتقاء إلى حجم التحدي والرهان.

 

وفي هذا الإطار، تُوجد بين يدي المغرب فرصة ذهبية لتقديم أوراق الاعتماد، حين يستضيف نهائيات كأس أمم أفريقيا 2018 للمحليين، على امتداد ثلاثة أسابيع، مما سيضع جاهزيته تحت المجهر، ويخضعها للاختبار، سيؤدي النجاح فيه إلى نيل ثقة الكثيرين لا محالة يوم 13 شهر يونيو/حزيران بموسكو، موعد التصويت على البلد المنظم لنسخة 2026.

  

حذر أميركا من الملف المغربي

بعدما وضع البلد العربي ملف ترشيحه في آخر يوم داخل الآجال المحددة لذلك، أخذ الشك يتسرب إلى الرأي العام الأميركي والكندي والمكسيكي بشأن إمكانية احتضان العرس العالمي.

 

وسائل الإعلام الأميركية على الخصوص أطلت على متابعيها بعناوين مثل؛ "حضروا أنفسكم لإمكانية عدم فوز الملف المشترك بمهمة استضافة المونديال" (12) ، في إشارة منها إلى أن دخول الملف المغربي على الخط سيقسم الحظوظ بين الطرفين، ولن يجعل مسألة احتضان الدول الثلاثة للمحفل العالمي في المتناول.

 

أي تفاؤل يمكن أن يراود المغاربة بإمكانية تحقيق المراد المونديالي على مستوى الاستضافة، ليس وهما أو خيالا قصيا عن الواقع، بل حتى صحيفة "واشنطن بوست" الذائعة الصيت، قالت في مادة عنونتها كالآتي: "لماذا على أميركا الشمالية أن تتعامل مع الملف المغربي بجدية" (13)، فيما يلتقط منبر "thecomeback" من الجريدة المذكورة، ليسير في ذات المنحى ويعتبر أن المغرب بوسعه جذب أصوات القارة الأوروبية، بالنظر إلى تقارب الفاصل الزمني، ثم أن البلد الأفريقي بحسبه له بدوره بنيات تحتية محترمة، متمثلة في الفنادق والمرافق الأخرى، في حين أن سمعة الولايات المتحدة الأميركية تضررت وشعبيتها تقلصت في المخيال الفردي للشعوب بسبب تولي دونالد ترمب لرئاستها، وسياساته غير الشعبية.

 

مهمة الطرف المغربي لن تكون سهلة، في ظل الأسلحة التي تملكها البلدان الثلاثة إلى جانبها، بيد أن التواصل والتسويق وأدوات مشروعة أخرى بإمكانها قلب الموازين، وترجيح كفة دون أخرى، وهو ما يبدو البلد العربي ومسؤولوه في حاجة إلى الانتباه إليه، حتى لا يرسب في الاختبار الخامس وتذهب طموحاته أدراج الرياح.