شعار قسم ميدان

مراسم سحب السلطة من فينغر

midan - أرسنال

لنتفق أولا؛ الحديث عن أرسنال وتحديدا عن أرسين فينغر أصبح أمرا غير مُجد، مضيعة للوقت، يتسم بالكثير من الملل بالنسبة للجميع، وتحديدا للمساكين الذين قُدر لهم تشجيع هذا الفريق، بعدما عاصر معظمهم فريقا يفوز بلقب الدوري الإنجليزي من دون هزيمة (1)، ويمتلك بين لاعبيه العديد من نجوم الكرة الأوروبية كـ"تيري هنري" و"دينيس بيركامب" و"باتريك فييرا" تحت قيادة مدرب عبقري، ليتحول كل ذلك إلى صفحة ضمن صفحات الماضي وتنقلب الأمور رأسًا على عقب، ويصبح أقصى أحلامهم لا الألقاب ولا المنافسة، إنما فقط إقالة هذا الفرنسي أمر كاف وبعدها يبدأ الحديث عن كيفية العودة للبطولات.

 

لم يعد أرسنال إحدى الوجهات المفضلة لنجوم كرة القدم على عكس ما كان في بداية الألفية مثلًا، فريق يخسر نجومه لصالح منافسيه في كل موسم رغم تصريحات مدربه بأن النادي لم يعد في وضعية تسمح له بالتخلي عن أفضل لاعبيه (2)، وكأن النادي يبعث برسالة للجميع بأن المنافسة على البطولات ليست من أولوياتنا وأن إنهاء الموسم فوق توتنهام أمرا كافيا لنجاح الموسم مع المشاركة في دوري الأبطال والخروج من الدور الستة عشر أمام بايرن أو برشلونة، الأمر أشبه بالمسلسل التركي المتكرر الذي يزيد عدد حلقاته عن الألف.

 

صاحب النادي
أرسين فينغر مدرب نادي أرسنال (رويترز)
أرسين فينغر مدرب نادي أرسنال (رويترز)

 

ما كان للفريق الإنجليزي أن يصل إلى هذا الوضع السيء في السنوات الأخيرة إلا في ظل وجود إدارة تتسم بالبلادة كالإدارة الموجودة حاليًا، وتحديدا بسبب الإبقاء غير المبرر على الفرنسي أرسين فينغر على رأس الإدارة الفنية للفريق حتى الآن وكأنه هو مالك النادي الحقيقي الذي لا يمكن لأحد أن يقيله إلا إذا أراد هو الرحيل، إدارة تكافئ الرجل الذي عفا عنه الزمن ويبرهن موسما تلو الآخر أنه أفلس فنيًا وليس لديه ما يقدمه حتى لو استمر لسنوات تساوي المواسم التي قاد فيها الغانرز، فبالنسبة لكرونكي وأتباعه فإن عدم تحقيق لقب الدوري منذ موسم 2003-2004 والاكتفاء بالمركز الرابع، ناهيك عن الخروج من دوري الأبطال في دور الستة عشر في كل موسم هي أمور كافية لتجديد الثقة في الفرنسي كل هذه الفترة وحتى الآن.

 

ومع هذا السيناريو الذي أصبح معلوما للجميع، تتشبث جماهير الغانرز ببصيص من الأمل في كل موسم يسقط فيه فينغر مع الفريق ويقوده إلى فشل مدو، معتقدة أن هذه المرة قد تتحرك الإدارة نحو تغيير يراه الكل ضروريا للعودة إلى الواجهة من جديدة، إلا مسؤولي النادي الذين لم يتحرك لهم ساكن سوى بتقديم عقد جديد للفرنسي لقيادة الفريق لفترة جديدة. (3)

 

استفاقة متأخرة

وعلى الرغم من كل ما تم ذِكره، استفاقت إدارة نادي الشمال اللندني مؤخرا وبعد سنوات عجاف بإجراء بعض التغيرات البسيطة نظريا لكن تأثيرها سيكون حاسما في مستقبل النادي في الفترة المقبلة، أمر يثير الشكوك حول إمكانية سحب البساط من المدرب الفرنسي في الفترة المقبلة وخاصة في الأمور الخاصة بالتعاقدات والمفاوضات، وهنا يأتي محور حديثنا وهو استقدام راؤول سانليهي، المدير السابق لبرشلونة، ليتولى منصب مدير الكرة في الفريق الإنجليزي والذي من المفترض أن يباشر عمله بداية من فبراير المقبل(4)، ومن قبله الاستعانة بالألماني سفين ميسلينتات، مدير التعاقدات السابق في بوروسيا دورتموند. (5)

   

   

"حتى هذه اللحظة العمل مع ميسلنتات وفريقه يبدو جديدا وغير اعتيادي، نحن لم نعتد العمل معا". (6)

"نحن نعرف جميع اللاعبين، نعرف كل لاعب في أوروبا قبل أن يصل سفين ميسلنتات إلى هنا".

(تصريحات أرسين فينغر عن تعيين ميسلنتات رئيسا للتعاقدات في أرسنال.) (6)

  

عند قراءة هذه التصريحات للمدرب الفرنسي تشعر وأنه قد تم فرضه على العمل رفقة ميسلنتات، وخاصة مع بعض التقارير التي أشارت إلى أن فينغر لم يكن راضيا على التعيينات التي قام بها النادي وخاصة سانليهي وميسلنتات، (10) على الرغم من أن البعض يرى أن هذا الأمر هو بداية التخطيط الجيد للنادي، وذلك بإبعاد فينغر عن ملف التفاوض مع اللاعبين ونقله لحوزة الإسباني والألماني، حيث ترك الثنائي سجلا حافلا في كل من برشلونة ودورتموند.

 

يتحدث كريستوف بيرمان، الكاتب الألماني عن ميسلنتات قائلا: عندما تنظر إلى التحول الهائل الذي شهده دورتموند، من نادي يوشك على الإفلاس إلى الوصول لنهائي دوري أبطال أوروبا عام 2013 سيتضح لك أن ثمة أربعة أعمدة محورية قام عليها هذا التحول. شكل هانز يواكيم فاتسكه المدير الإداري لنادي بوروسيا دورتموند القوة التنظيمية التي قادت عملية إعادة البناء المالي، بينما نجح المدرب السابق يورغن كلوب في إحداث تحول في أسلوب لعب الفريق، ومايكل زورك المدير الرياضي والعامل الرابع كان سفين ميسلنتات الذي امتلك قوة كبيرة ككشاف، وقدرة على تقييم حجم التطور الذي يمكن أن يحققه لاعب ما مستقبلاً.  (11)

 

جماهير الغانرز تمني النفس بمستقبل قوي بعد انضمام الرجل الألماني والذي لا يقل أهمية عن ضم لاعب كبير لصفوف الفريق، حيث كان لـ"سفين" الفضل في استقطاب أسماء الياباني شينجي كاغاوا من الدوري الياباني، والمهاجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي والغابوني بيير أوباميانغ، وعلى الرغم أن هؤلاء اللاعبين كانوا معروفين بالفعل، إلا أن عبقرية ميسلنتات كما وصفه "بيرمان" تجلت في قدرته على توقع أي منهم سيتحول يوما ما إلى عضو بأندية الصفوة، لا نتحدث هنا عن اكتشاف موهبة لم يسمع أحد عنها من قبل، وإنما التعرف على قدرة لاعب ما على التحول إلى لاعب عالمي والتنبؤ بمسار حياته المهنية، وهو أمر عسير بالطبع. ويملك ميسلنتات براعة خاصة على هذا الصعيد.

  

سفين ميسلنتات - رئيس التعاقدات الجديد لنادي أرسنال (غيتي إيميجز)
سفين ميسلنتات – رئيس التعاقدات الجديد لنادي أرسنال (غيتي إيميجز)

 

سريعا ما استهل الألماني عمله مع أرسنال، بعدما نجح في ضم النادي المدافع اليوناني كونستانتينوس مافرابانوس من فريق جيانينا، (7) والذي أشارت التقارير إلى أن سفين هو من رشحه للانضمام للفريق بعد متابعة عن كثب، كما أن الألماني هو من يتولى ملف التفاوض مع دورتموند من أجل ضم الغابوني بيير إيمريك أوباميانغ رفقة الثنائي إيفان جازيديس، المدير التنفيذي للنادي وحسين فهمي الخبير القانوني. (8)

 

ميسلنتات يمتلك ما كان يمتلكه فينغر حين جاء كمدرب لأرسنال عام 1996، حيث وصف ديفيد دين نائب رئيس أرسنال السابق فينغر بأنه كان معرفة موسوعية بالأسواق في أواخر تسعينيات القرن الماضي وحتى العقد الأول من الألفية الجديدة، حتى ظهرت عوامل جديدة على الساحة وزادت من صعوبة استمرار الفرنسي في استكشاف الذهب داخل الملاعب وأهمها ازدهار جهود استكشاف المواهب الكروية وضخ الملايين، وهو ما مكن أندية أخرى من التفوق على أرسنال وليس اللحاق بالركب فقط.

 

بداية النهاية؟

التحركات التي قامت بها إدارة الغانرز، مؤخرًا، توحي أن ثمة شيء مفاجئ قد يحدث في نهاية الموسم الجاري، بالطبع لا يستطيع أحد الجزم حاليا بهذا الأمر إلا أن تعيينات كهذه تثير التساؤلات على الأقل حول تحجيم دور فينغر في مسألة التعاقدات والمفاوضات وانشغاله بالجوانب الفنية فقط، (9) فبعد أن زادت مؤخرًا أصوات الجماهير المطالبة بإقالة المدير الفني بعد سنوات من الفشل وإبعاد الفريق عن الواجهة، فإن تعيين الثنائي سانليهي وميسلنتات قد يكون بداية المشروع الجديد للنادي باستقدام مدير فني جديد في الموسم المقبل، ومع التعديلات التي طرأت على الهيكل الفني في النادي فإن هذا الأمر قد يحمل في طياته ملامح تغيرات هيكلية في هرم اتخاذ القرار داخل الفريق، وخاصة أن سانليهي وميسلنتات معروف عنهم قوة الشخصية، وهو ما سيتعارض حتما مع سيطرة فينغر المعتادة على مقاليد الأمور.

 

تحدث "إيد ماليون" صحافي "الإندبندنت" البريطانية، في حوار مطول مع المدونة الصوتية الخاصة بجماهير أرسنال Arsecast قائلا: إدارة الغانرز كانت تخطط لـ"انقلاب ناعم" على الفرنسي على الرغم من تجديد عقده الصيف الماضي، وأن فينغر لم يكن يعلم بتعيين سفين ميسلنتات وراؤول سانليهي، مضيفًا أن إدارة النادي وضعت كامل الثقة في هذا الثنائي وسيتم إعطاؤهما كامل الصلاحيات لاتخاذ كل القرارات في المرحلة القادمة. (10)

  

  

ظهر جليا أن أرسين فينغر ليس لديه ما يقدمه للفريق في الفترة المقبلة، عشرون عاما على رأس القيادة الفنية للغانرز كانت بدايتها قمة النجاح قبل أن يتحول الأمر إلى فشل مدوِ في السنوات الأخيرة استنفد كل ما تبقى من رصيد الفرنسي لدى جماهير الفريق، فلا التأهل لدوري الأبطال أصبح كافيًا، ولا الحصول على مركز أفضل من توتنهام بات مرضيا للجماهير، وحتى هذا الأمر صار صعب المنال بعدما فشل الفريق في التأهل الموسم الماضي، وأنهى موسمه خلف الغريم التقليدي، فالأوضاع أصبحت لا تحتمل أي ذرة تعاطف مع أفكار متهالكة لم تعد تسمن ولا تغني من جوع.

 

الفريق بات مثارا للسخرية والسخط في آنٍ واحد بين جماهير كرة القدم خاصة في المواسم الأخيرة، فلا أعذار باتت كافية لهذا الوضع ولا مسكنات يمكنها تهدئة الجماهير التي ملت خيبات الأمل المتكررة، لكن مع قدوم سانليهي وميسلنتات قد تتغير الأمور جزئيًا -وربما كليًا برحيل فينغر- حينها قد يعود أرسنال للطريق الصحيح من جديد.