شعار قسم ميدان

لحظات الضحك في مؤتمرات كرة القدم الصحافية

ميدان - مورينيو

لا بد أنك تتذكر اللقاء الصحافي الشهير لمورينيو بعد الهزيمة أمام ليفربول في موسم 2016، والذي رد فيه على كل الأسئلة بجملة واحدة: "ليس لدي ما أقول" (I have nothing to say). ولا بد أنك تتذكر كذلك اللقاء الصحافي لغوارديولا الغاضب بعد الهزيمة أمام بيرنلي. في هذا التقرير نقدم لك عددا من اللحظات المضحكة التي شهدتها المؤتمرات الصحافية لكرة القدم.

  

رافا بينيتز

  

عقدت جماهير ليفربول المتطلعين للقب الدوري كثيرا من الآمال على المدرب الإسباني رافاييل بينيتز، خاصة بعد أن تُوّج ليفربول بطلا لدوري الأبطال عام 2005 بإسطنبول بعد العودة التاريخية أمام ميلان. ارتفعت طموحات المشجعين واعتقادهم بأن رافا هو رجلهم المنشود، ونجح ليفربول موسم 2008 – 2009 في أن يتصدر ترتيب جدول الدوري في شهر يناير/كانون الثاني، وارتفعت معه آمال الريدز أكثر. وهنا علّق[1] مدرب مانشيستر يونايتد آنذاك سير أليكس فيرغسون بأن الإسباني بينيتز سوف يختنق تحت ضغط المباريات القادمة، ولن يستطيع أن يحقق ما يسعى إليه. ثم عُقد بعدها مؤتمر صحافي قبل مباراة ليفربول مع ستوك سيتي كالمعتاد، وبدا على رافا الهدوء، إلى أن سأله أحد الصحافيين عن رأيه فيما صرح به سير ألكيس، وعلى الرغم من كونه سؤالا متوقعا فإن الإسباني خرج تماما عن ثباته وبدأ في ثورة غضب واتهامات تجاه الاسكتلندي العجوز؛ بدءا من أن فيرغسون متوتر لأن الريدز في الصدارة، وأن مانشيستر يعاني، وربما يتحدث فيرغسون عن مواعيد المباريات ويشكك في نزاهة الحكام لكن لا أحد يستطيع المساس بالـ(سير).

  

وذهب رافا إلى أبعد من ذلك فاتهم منافسه بأنه هو من يحدد مواعيد مبارياته وعلى أي أرض تقام ثم يرسل أوامره للاتحاد الإنجليزي، ففيرغسون يحرج الاتحاد ولا يحترمه، وبدأ في سرد مواقف كما يراها رافا تحيزا واضحا لصالح الاسكتنلدي. وتصريحات السير أليكس ربما يراها البعض بسيطة، لكنه كان يعرف كيف يُخرج بنيتز عن شعوره، فصرّح بأن الريدز سيفقدون تركيزهم ولن يحققوا اللقب الغائب من عام 90، وقد كان، فتخبط ليفربول في مبارياته التالية ما بين تعادلات كثيرة وهزائم آلت إلى حرمانهم من اللقب، وتوّج مانشيستر يونايتد بلقب دوري جديد، وخرج ليفربول بلا لقب ذلك الموسم. فكان الاسكتلندي المخضرم يعرف كيف يدير مبارياته داخل المستطيل الأخضر وخارجه، ولم يعرف الإسباني كيف يباريه، وكان تصريح فيرغسون عن خروج ليفربول عن تركيزهم سببا في أن يخرجوا عن تركيزهم. حتى بعد أن رحل بنيتز إلى تدريب تشيلسي علّق فيرغسون ساخرا بأنه -أي رافا- "محظوظ"، لأنه وجد من يتعاقد معه! وظل عداؤهما قائما إلى أن رحل بنيتز عن الدوري الإنجليزي الممتاز.

 

جو كينيار

  

يعرف الكثيرون من متابعي كرة القدم الإنجليزية اسم الأيرلندي جو كينيار الذي تولى قيادة فريق نيوكاسل الإنجليزي لموسم واحد 2008 – 2009، وتلك المعرفة ليست لتحقيقه نتائج كبيرة، ولكن لإثارته للجدل على الدوام. فلو أن لكثرة ترديد الألفاظ النابية مكانا في موسوعة جينيس لنالها الأيرلندي بجدارة، حتى إنه في أحد تقارير جريدة الغارديان الإنجليزية كُتب لو أن المدربين يُحكم عليهم بنتائجهم وألقابهم وما أنفقوا في أسواق الانتقالات فالحكم في حالة كينيار مختلف تماما، ففي مؤتمر صحافي[2] واحد الذي يستمر لدقائق ردد خلاله الأيرلندي 53 لفظا نابيا، ولا أحد يفهم سر عدائية كينيار تجاه الصحافة منذ اللحظات الأولى مع فريقه الجديد.

  

تولى جو كينيار تدريب نيوكاسل في السادس والعشرين من سبتمبر/أيلول عام 2008 بعد انقطاع دام لأربع سنوات منذ توليه تدريب نوتنغهام فورست، وعُقد المؤتمر الصحافي الأول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول للعام نفسه لينادي في بدايته "من هو سيمون بيرد"؟، فيرد عليه الصحافي بجريدة ديلي ميرور، فينعته كينيار بأنه "جبان" (c**t)، واستخدم اللفظة النابية الدارجة في العامية الإنجليزية "C-word"، فرد الأخير: "شكرا". واستمر المدرب في ترديد الكثير من تلك الألفاظ النابية "F-words" و"C-words" و"B-words"، مصرحا بأنه لا يثق بأحد من هؤلاء الصحافيين، وأنه لن يتعامل مع الصحافة المحلية، وأن لديه ملايين الصفحات التي كتبت عنه بشكل سخيف وهو لا يفهم السبب، ثم انطلق مرة أخرى في سيل من الشتائم للصحافيين الحاضرين، وحينما حاول منظمو المؤتمر أن يجعلوا ذلك المؤتمر غير مسجل صرّح كينيار بأنه لا يخشى شيئا وليكتبوا ما يريدون.

  

ثم بدأ كينيار موسمه الأول والأخير كمدرب لنيوكاسل مع كثير من المشاكل مع بعض اللاعبين على رأسهم اللاعب الفرنسي تشارليز نزوغبيا، الذي فضّل الرحيل على اللعب تحت قيادة كينيار. قدم الأيرلندي موسما سيئا للغاية مع الفريق الإنجليزي أدى إلى هبوط نيوكاسل لمسابقة التشامبيونشيب، وفي منتصف موسمه تقريبا تعرض كينيار لأزمة صحية انتهت بخضوعه لعملية جراحية بالقلب[3]، وتولى آلان شيرار قيادة الفريق لكنه لم يستطع أن يُصلح ما أفسده كينيار.

  

أفرام غرانت

  

تولى المدرب الإسرائيلي أفرام غرانت صديق رومان أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي الإنجليزي قيادة الفريق في موسم 2007 – 2008 عقب رحيل جوزيه مورينيو. وجاء وسط عدم ترحيب من مشجعي النادي، فتعالت الأصوات بأن البلوز يستحقون مدربا أكبر من غرانت، وأنه لا يملك تلك الخبرة لتولي قيادة فريق بالدوري الإنجليزي الممتاز، حتى إن كثيرين من محبي الفريق اللندني رفعوا شعارات مطالبين بعودة مورينيو/سبيشال ون، ووصفه بعض من لاعبي الفريق بأن طريقه لعبه متأخرة عن ذلك العصر من كرة القدم بخمسة وعشرين عاما.

  

فكان من المتوقع أن يقدم أداء متواضعا مع فريقه الجديد، ولم يكن الوضع بحال أفضل مع الصحافة والإعلام، فلم يكن مرحِبا بتلك المؤتمرات الصحافية، فبعد أن جلدته الصحف عقب تعادله مع ويغان وحقق فوزا مهما بعدها على إيفرتون بملعبه جعلته في منافسة على اللقب، عُقد مؤتمر صحافي أثار جدلا آنذاك، فلم يبدُ أي فرح بفوزه واكتفى فقط بردود من قبيل "نعم" و"لا "و"لا أعرف" أو "ليس لدي ما أقوله"، هل أنت سعيد بالفوز؟ نعم، هل سعيد بالأداء؟ نعم، هل أنت سعيد بالأداء أم بالفوز؟ بكليهما، هل عدت للمنافسة على اللقب بعد تلك المباراة؟ لا أعرف، فوصفته الصحف بالبارد المتجهم، لكن على الرغم من أن غرانت استطاع أن يصل بالفريق إلى نهائي دوري الأبطال أمام مانشيستر يونايتد وإلى نهائي كأس الرابطة أمام تونتهام وخسر اللقبين، فإنه في مايو/أيار من عام 2008 تم إنهاء عقده مع الفريق، وبعد نهاية ذلك الموسم وصف مورينيو أفرام غرانت بالفاشل[4].

   

جوفاني تراباتوني

  

بدأ الإيطالي جوفاني تراباتوني مسيرته[5] التدريبية مبكرا، فبعد اعتزاله عام 1972 تولى تدريب فريق الشباب بنادي آي سي ميلان الإيطالي من العام نفسه، ثم الفريق الأول، ثم انتقل لتدريب اليوفي الذي حصد معه كل الألقاب تقريبا، وظل بين فرق الدوري الإيطالي حتى انتقل إلى البوندزليغا عام 1994 ليتولى قيادة بايرن ميونخ لموسم واحد ثم يعود مرة أخرى لتدريب البافاري عام 1996. إلا أنه في المرة الثانية لم يكن غريبا على مشجعي الفرق الألمانية، إذ اشتهر عنه حماسته في الحديث بلغته الألمانية الركيكة، لكنها كانت مفعمة دوما بالحماس.

  

فبعد هزيمته لثلاث مباريات كاملة انتقده الكثيرون وعلى رأسهم بعض من لاعبيه؛ ميميت شول وتوماس شترونتس وماريو باسلر، الذين وصفوا أن الفريق يفتقد الانسجام مع مدربه، فخرج تراباتوني في مؤتمر صحافي مهاجما لاعبيه في حديث يوصف بالأسطوري من فرط حماسته، فبدأ حديثه بأنه يبدو أن بعض اللاعبين قد نسوا دورهم، وأن المدرب يعرف ما يحدث في فريقه، وهؤلاء الفئة من اللاعبين المعترضين تشتكي أكثر من كونها تلعب، فهم ضعفاء كزجاجة فارغة، فلا أحد يلعب بشكل هجومي في ألمانيا أفضل من البايرن، هل تعرفون لماذا لا تشتري الفرق الإيطالية أمثال هؤلاء اللاعبين؟ لأن مشاهدتهم مضيعة للوقت، ثم انتقل مهاجما لاعبه شترونتس الموجود في الفريق منذ عامين ولا تمر مباراة حتى يصبح مصابا، "كيف تجرؤ على الحديث يا شترونتس!؟"، ثم أنهى حديثه الغاضب بعبارة خاطئة في تكوينها فقال: "أنا مستعد" وغادر المؤتمر، وكان يقصد "لقد انتهيت من الحديث"، أنهى تراباتوني مسيرته مع العملاق البافاري محققا لقبا للدوري ولقبين للكأس، ويعتبره الكثيرون أبا روحيا لعديد من المدربين مثل أنتونيو كونتي.

 

مورينيو

   

المؤتمر الصحافي الأخير الذي نعرضه هنا ليس مرحا كوميديا، لكنه من قبيل الكوميديا السوداء. فبعد أن خرج مانشستر يونايتد في موسم 2018 أمام إشبيلية في دور الـ 16 لدوري الأبطال، خرج مورينيو ليعيد تعريف مكانة مانشستر يونايتد، فأخبرنا بداية أن مانشستر قد اعتاد على الخروج من دوري الأبطال في المواسم الأخيرة، هذا إن تأهل له أصلا، ثم أتبع ذلك بإخبارنا حقيقة مهمة؛ وهي أنه أخرج مانشستر يونايتد مرتين من دور الـ 16 مع بورتو ومع ريال مدريد.

  

المثير للضحك الأسود في هذه الكلمات هي محاولات تفنيدها، فيمكن أن يفكر أحدهم مثلا في أن مهمة المدير الفني هي الإضافة إلى تاريخ النادي، وليس الانتقاص منه للدفاع عن نفسه. لكن مؤتمرات مورينيو التي كانت تثير غضب البعض في الماضي أصبحت تثير ضحك الجميع في الحاضر؛ إما ضحك الشماتة وإما ضحك المرارة!

المصدر : الجزيرة