شعار قسم ميدان

مانشستر يونايتد ويوفنتوس.. لأن مورينيو فاز بثلاثية مع إنتر

ميدان - مورينيو

حقيقةً، كان الأمر محيرا للغاية قبل المباراة، فنحن نتحدث عن مواجهة بين مورينيو وألليغري، والإيطالي يلعب خارج أرضه مع فريق كبير حتى وإن لم يبدُ كذلك، وهو لا يحتاج لأسباب إضافية لكي يدافع ويلعب على التحولات، أما الثاني فهو يواجه فريق كبير يبدو كفريق كبير فعلًا، بالتالي يمكنك أن تتوقع ما سيفعله الرجل الذي يدافع أمام ساوثامبتون على نفس الملعب.

    

   

ساسوولو يونايتد

ما سبق صحيح نظريًا، ولكن دعنا نضع أنفسنا في مكان ألليغري ولو على سبيل الجدل؛ الرجل يواجه فريقًا مسطحًا تمامًا، معدوم الحيَل إلى أقصى درجة، شبه عاجز عن المباغتة، وأغلب عناصره تعاني لسبب أو لآخر، إما سوء التوظيف، أو الإصابة، أو مشاكل شخصية وفنية مع المدرب.

  

المباراة ليست صعبة إذن رغم كل ما قيل في المؤتمرات الصحفية، ومع تجاهل هيبة الأولد ترافورد، وتنحية الاعتبارات التاريخية جانبًا، ونسيان اسم الخصم بكل ما يستدعيه من أمجاد سابقة، وجد ألليغري نفسه يواجه فريقًا أشبه بفرق وسط الجدول في السيري إيه. أحد هذه الفرق التي يتسلى الإيطالي بتعذيبها كل أسبوع بلا عناء يذكر، ببساطة لأن هيبة الأولد ترافورد تراجعت كثيرًا في الأعوام الأخيرة، ولأن الاعتبارات التاريخية لا تسجل أهدافًا، ولأن اسم الخصم أصبح يستدعي أشياءً أخرى ليس المجد منها.

   

بناءً عليه، ألليغري سيدير المباراة وكأنها أمام فيورنتينا أو ساسوولو أو تورينو؛ سيهاجم حتى يتقدم في النتيجة، ثم سيستمتع بمشاهدة مورينيو يحاول التسجيل في مرماه بلا جدوى. كيف سيهاجم؟ هذه التفصيلة تصبح شكلية للغاية بمجرد وضع الإستراتيجية العامة. لابد وأن اجتماع ألليغري بمساعديه لم يستغرق أكثر من 5 دقائق.

  

الوضع كالتالي؛ في أغلب الوقت، مانشستر يونايتد لا يمتلك سوى جبهة واحدة نشيطة وفعالة، هي الجبهة اليسرى التي يتزاحم فيها شو ومارسيال وبوغبا، وعند إيقافها لا يتبقى سوى انطلاقات راشفورد العشوائية جهة اليمين والمحاولات اليائسة المقروءة لتشتيت دفاع الخصم بتحركات لوكاكو خارج المنطقة، بالتالي سيلقي ألليغري بكل ثقله على هذه الناحية بإشراك جناحي خط متجاورين هم كانسيلو وكوادرادو اللذان ينضم لهما بنتانكور لاحقًا.

    

أليغري (يمين) ومورينيو (يسار) (رويترز)
أليغري (يمين) ومورينيو (يسار) (رويترز)

  

هذا يمنح ألليغري حزمة من المكاسب دفعة واحدة؛ فأولًا هو يتقي شر شو الذي لمع بشدة في بداية الموسم، وثانيًا فإن التحميل الزائد على تلك الجبهة يجبر واحدًا على الأقل من مارسيال أو بوغبا على الارتداد الدائم والمساندة الدفاعية، الأمر الذي يخضع لحالة الأول المزاجية، ولا يحبذه الثاني من الأساس، وهذا كله ينقل الاختبار الحقيقي إلى حيث أراده ألليغري من البداية، إلى مساحة لينديلوف وسمولينغ الكارثية التي لا تحتاج لاجتماع ما قبل المباراة أصلًا.

  

ألليغريولا

مورينيو سيبدأ بنفس تشكيل تشيلسي لسببين؛ أولهما أنه لا يملك العديد من الخيارات في ظل الإصابات، (1) خاصة الإصابة الغامضة التي لحقت بسانشيز بعد عدة تقارير أشارت إلى رغبته في الرحيل وتغيبه عن التدريب الأخير، (2) وثانيها أنه لا سبب يدعو لتغيير تشكيلة أدت مباراة جيدة أمام خصم صعب على أرضه.

 

التغيير كان من جانب الإيطالي الذي بدأ بديبالا كمهاجم مزيف يجاوره رونالدو يسارًا وينضم إليهما كواردرادو كلما صعد كانسيلو، والمفاجأة كانت تبديل مورينيو لمواقع ماتيتش وبوغبا، بحيث ينضم الأول إلى شو لمحاولة إيقاف جبهة اليوفي اليمنى المتوهجة دائمًا، ويحظى الثاني بمزيد من الحرية لإمداد راشفورد بالبينيات السريعة خلف ساندرو، وكأن مورينيو لم يحسب حسابًا لماتويدي الذي يحرث الملعب صعودًا وهبوطًا بمعدلات ركض خيالية في كل مباراة.

    

تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)

    

متوسط التمركز للاعبي الفريقين  (هوسكورد)
متوسط التمركز للاعبي الفريقين  (هوسكورد)

    

في تحليل سابق، ذكرنا أنه مع الوقت سيتعين على ألليغري تعديل خطة لعبه لتناسب رونالدو، وقد يضطر للتضحية ببعض الأسماء لأسباب تكتيكية لا فنية، مثل الرغبة في تحرير الأظهرة وإغراق مناطق الخصم بالعرضيات على أنواعها، وبالتالي صناعة عدد كافي من الفرص لنجمه البرتغالي على غرار ريال زيدان، مع إلزام واحد من المهاجمين بتوفير الإلهاء اللازم على القائم القريب لكي يتمكن رونالدو من ملاقاة الكرة بلا رقابة على البعيد. (3)

  

مع اختلاف التفاصيل، كان هذا هو ما حاول الإيطالي فعله طيلة الشوط الأول، في منظومة أشبه بتلك التي يعتمد عليها غوارديولا أحيانًا عندما يشرك ميندي وساني سويًا على الطرف، فيتكون خط هجومي رباعي مع كل عرضية للفرنسي، يبدأ من ميندي في أقصى اليسار وينتهي بستيرلينغ أمام المرمى الخالي وبينهما ساني وأغويرو على الترتيب، ما جعل المفارقة أكبر من أن يتم تجاهلها هو أن اليوفي قدم أداءً هجوميًا مثاليًا في الشوط الأول؛ تمريرات من لمسة واحدة وسرعة كبيرة في نقل الهجمة واكتساح تام وشامل للشياطين على أرض الملعب في كل مفردات كرة القدم، بمساندة خط وسط تفرغ كليًا لمهام التغطية على صعود الأظهرة، وطيلة الـ45 دقيقة الأولى بدا وكأن الإيطالي قد تخلى عن تقاليده الراسخة وقرر اصطحاب مورينيو إلى السيرك في رحلة بلا عودة.

  

  

تراكمات

في الشوط الأول فقط، نجح كانسيلو في التسلل خلف خطوط اليونايتد حوالي 87653 مرة، واتضح مع الوقت أن الخمس دقائق التي استغرقها اجتماع ما قبل المباراة كان من الممكن تقليصها إلى دقيقتين على الأكثر، لأن كانسيلو يصبح في مواجهة المرمى كلما تقدم بيانيتش أو بنتانكور بضع خطوات للأمام، عندها ينعكس الوضع ويلتزم كوادرادو الخط ويدخل كانسيلو إلى منتصف المسافة بين شو ولينديلوف، ثم تنطلق الطولية التي يتسلمها الظهير البرتغالي بأريحية لا تتناسب مع حجم المباراة إطلاقًا، لأن المنوط برقابته حينها يكون مارسيال، وعلى الرغم من أنه قدم مباراة دفاعية جيدة أمام البلوز منذ عدة أيام، إلا أنه فشل تمامًا في مساعدة ظهير جبهته كلما احتاج المساعدة، وفي المرة الوحيدة التي انتقل فيها رونالدو من اليسار لليمين نجح في إرسال العرضية التي قابلها كوادرادو أولًا ثم تلقاها ديبالا أمام الشباك الخالية.

    

 لمسات رونالدو في المباراة، موضح المرة الوحيدة التي انتقل فيها من اليسار لليمين وصنع العرضية التي أتى منها الهدف لاحقًا  (هوسكورد)
 لمسات رونالدو في المباراة، موضح المرة الوحيدة التي انتقل فيها من اليسار لليمين وصنع العرضية التي أتى منها الهدف لاحقًا  (هوسكورد)

    

عند هذه اللحظة كان بإمكان أي مشاهد تحديد مشاكل اليونايتد بدقة؛ مورينيو لعب بخماسي وسط يضم مهاجمين هما راشفورد ومارسيال، ورغم ذلك كان الوحيد الذي حرره نسبيًا لينضم للوكاكو في المقدمة هو ماتا، مجبرًا ثنائي الأجنحة على الانصياع لطريقته الدفاعية بدلًا من تعديلها، وانتظار هجوم الخصم بدلًا من اختبار صلابة دفاعه، وهو الأمر الذي أثبت فشله مليار مرة منذ تولى مسئولية الفريق، أو على الأقل، أثبت أنه لا يُعتمد عليه أمام صغار المنافسين ناهيك عن كبارهم، وإن نجح في مباراة فقد لا ينجح في التالية، وإن التزمت به جبهة فقد لا تلتزم به الأخرى، وكـأنه مقامر عنيد يرفض الاعتراف بالهزيمة، ويصمم على الاستمرار في المراهنة مع كل مباراة جديدة ليعوض خسارته.

  

المشكلة الثانية هي أن كل ذلك، بالإضافة إلى تعديلات البرتغالي الدائمة ومشاكله التي لا تنتهي، قد حرم مانشستر يونايتد من مراكمة خبراته والبناء على النتائج الإيجابية عندما تحدث. على سبيل المثال كان إيريك بايي هو أحد النقاط المضيئة النادرة في دفاع اليونايتد عبر موسمين، ولكنه أُقصي من التشكيل بعد عرض سيئ أمام برايتون، وهو أمر ممكن أن يكون منطقيًا لو لم تكن البدائل هي لينديلوف وسمولينغ وجونز المصاب دائمًا وأبدًا، لأنه عندما يُقصى بايي فإن لينديلوف يصبح أفضل مدافعي اليونايتد على الإطلاق مثلما حدث بمباراة أمس، ولا تحتاج لكثير من الخيال لتستنتج ما حدث في مباراة كان لينديلوف هو أفضل مدافعيها.

    

5 تصديات مهمة كانت حصيلة لينديلوف الدفاعية في المباراة  (هوسكورد)
5 تصديات مهمة كانت حصيلة لينديلوف الدفاعية في المباراة  (هوسكورد)

   

النتيجة أنه عندما قرر ألليغري أنه قد نال كفايته، وأنه سيقضي باقي الوقت في التباهي بصلابة دفاعه، اقتصرت حصيلة اليونايتد الهجومية طيلة الشوط الثاني على تسديدتين من خارج المنطقة؛ واحدة لمارسيال الذي كان أكثر لاعبي الفريقين فقدًا للكرة، والثانية لبوغبا الذي قدم كل ما عنده طوال التسعين دقيقة، وكأنه كان يدافع عن قرار رحيله من تورينو إلى مانشستر، وكاد أن ينجح فعلًا لولا بضعة سنتيمترات وحسن حظ تشيزني.

    

 تسديدات الفريقين على المرمى  (هوسكورد)
 تسديدات الفريقين على المرمى  (هوسكورد)

    

ثلاثة

النتيجة هي صفر كبير ليونايتد مورينيو وكل شيء ليوفنتوس ألليغري، وعدة أرقام سلبية صارت معتادة في الفترة الأخيرة؛ مثل حقيقة أن هذا هو أول فوز للبيانكونيري في أولد ترافورد منذ 22 سنة، وأنها المرة الأولى التي يفشل فيها اليونايتد في التسجيل على أرضه في مباراتين متتاليتين بدوري الأبطال منذ 13 عامًا، وأنها أقل حصيلة ليونايتد على أرضه من التسديدات على المرمى منذ واجه بايرن ميونيخ في 2014. (4)

 

اللافت كذلك أنها كانت المرة الأولى التي لا يجري فيها فريق أي تبديلات في دوري الأبطال منذ أرسنال أمام برشلونة في 2016. ليست إحصائية مهمة في حد ذاتها لأن بعض المباريات قد لا تتطلب تغييرات فعلًا، ولكن هذه لم تكن واحدة منها بالقطع، وإما أن مورينيو لم يعد راغبًا في القتال، أو أنه لم يعد قادرًا عليه.

  

هذا لا يُقارن بتصريحات الرجل بعد المباراة، والتي لن تنال حقها من النقد لأنها أصبحت تعبر عن واقع استطاع مورينيو – بطريقة ما – إقراره وترسيخه في مانشستر، وملخصها أنه لم يكن في الإمكان أفضل مما كان، وأن كفاءة كيلّيني وبونوتشي تغلبت على فنيات المهاجمين، وأن الصراع سيكون كبيرًا مع فالنسيا على المركز الثاني في المجموعة، وكأنه يؤكد على أنها كانت مباراة من طرف واحد أمام تورينو فعلًا، وكأن الفوارق بين يوفنتوس ومانشستر يونايتد، إن وُجدت، ستكون أكبر من الفوارق بين اليونايتد وفالنسيا.

  

الأهم من كل ذلك أن جماهير البيانكونيري الحاضرة لم تتمكن من قصف جبهة مورينيو، وعندما هاجمته بهتافات عدائية رد عليها بإشارة الثلاثة الشهيرة التي تحولت إلى أكثر أخبار مانشستر يونايتد إثارة في الفترة الأخيرة. طبعًا لم يكن يشير لهم بتحقيقه لثلاثة ألقاب بريميرليغ أكثر من جميع مدربي المسابقة الحاليين وريسبكت ريسبكت إلخ، بل كان يذكرهم بثلاثية إنتر. (5)

  

هذا عن مشجعي اليوفي، أما مشجعي اليونايتد فأمامهم خيار من اثنين؛ إما اليأس، على اعتبار أن الرجل لا يستطيع تقديم نسخة أفضل من الشياطين رغم فوزه بدوري الأبطال مع النيراتزوري وتتويجه بثلاثة ألقاب بريميرليغ سابقة وإقصائه لليونايتد مرتين في أوروبا من قبل، وإما أن يشجعوا إنتر ميلان.

المصدر : الجزيرة