شعار قسم ميدان

إنتر وبرشلونة.. تسديدة ثمنها 160 مليون يورو

ميدان - برشلونة إنتر كوتينيو

التوتر يسيطر على قاعة المؤتمر الصحفي قبل المباراة، الجميع يسأل عن ميسي سواء كانوا إسبان أو طليان، سباليتّي يترقب، ثم يدخل فالفيردي ويلقي بالقنبلة المدوية؛ بعد بضعة أيام من التدريبات مع الفريق لم يعد أمام ميسي سوى 4 خيارات لا خامس لها؛ إما سيشترك من البداية، أو سيبدأ على الدكة ثم يشترك، أو سيبدأ على الدكة ثم لا يشترك، أو يُستبعد من قائمة المباراة، وربنا يولي من يصلح. (1)

 

كل شيء يتغير الآن ويمكنك أن ترى شتى أنواع التعبيرات على وجوه الصحفيين ومشجعي الفريقين على حد السواء، من كان يخشى مشاركة تياغو ميسي بدلًا من أبيه يتنفس الصعداء، وهؤلاء الذين توقعوا أن يقوم ميسي بتحكيم المباراة يعيدون حساباتهم من جديد، وطبعًا لا مجال لعودة رونالدينيو في مباراة كهذه لأنه ممنوع من السفر خارج البرازيل، حمدًا لله. (2)

      

     

قنابل الدخان

بغض النظر عن مراوغات فالفيردي الصحفية، كان سباليتّي قد توقع مشاركة ميسي، وهذا دعاه لإجراء عدة تغييرات عن المواجهة السابقة؛ أولها أن سكرينيار سينتقل من يمين الدفاع إلى يساره لمواجهة توغلات الأرجنتيني القُطرية، ويمينًا سيحل فيرساليكو بدلًا من دامبروزيو، ولسبب ما قرر إراحة سواريز من رقابة ميراندا اللصيقة والدفع بدي فري لكنس الفوضى المتخلفة عن كل ذلك ما تبين أنه قرار خاطئ لاحقًا، لم يعفه من نتائجه سوى إهدار الأوروغواياني لتسع تسديدات كاملة.

  

 تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)
 تشكيل الفريقين وخطة اللعب والتقييم الرقمي (هوسكورد)

   

الباقي كله معلوم بالبديهة، وعلى عكس خصمه الإسباني كانت خيارات سباليتّي فيما يخص ناينغولان محدودة نوعًا ما؛ البلجيكي سيُقحم أساسيًا من البداية لأن أي خيار آخر يعني اللجوء لفاليرو، واللجوء لفاليرو يعني أن صانع ألعابه سيُقصى من اللعب تمامًا بسبب سرعة الإيقاع وجودة الضغط الذي يطبقه الكتلان مؤخرًا، وهو نفس ما ينطبق على كاندريفا الذي كان اشتراكه في مواجهة الكامب نو لغز غير مفهوم.

 

المهم أن الإيطالي توقع الأسوأ ولكنه حصل على مفاجأة سارة بخروج ميسي من القائمة وتواجد ديمبيليه على الجناح في الـ 4-3-2-1 المفضلة لفالفيردي في الفترة الأخيرة، الفارق الوحيد فقط أن الـ 2-1 كانت 1-2 في تعديل بديهي طال انتظاره، بمقتضاه يصبح كوتينيو رأس المثلث دافعًا الأوروغواياني والفرنسي إلى عمق دفاعات النيراتزوري كثنائي هجومي في كثير من الحالات.

  

لمسات كوتينيو (هوسكورد)
لمسات كوتينيو (هوسكورد)

    

عادة يهجم برشلونة من الأطراف أكثر من العمق ولكن تواجد كوتينيو كصانع لعب رئيس عادل الكفة تقريبًا (هوسكورد)
عادة يهجم برشلونة من الأطراف أكثر من العمق ولكن تواجد كوتينيو كصانع لعب رئيس عادل الكفة تقريبًا (هوسكورد)

  

فالفيرديولوجي

القنبلة الثانية التي ألقاها فالفيردي في وجه الصحفيين كانت تأكيده على أن فريقه يجب أن يسجل أولًا. (3) بالطبع اندهش الموجودون لأن أغلب المدربين عادة ما يؤكدون على أنهم سينتظرون حتى يتلقون الهدف الأول ثم يحاولون التسجيل، ولكن من بين كل مراوغات فالفيردي الصحفية كانت تلك الوحيدة التي حملت شيئًا بين السطور، لأن "سنحاول التسجيل أولًا" في قاموس فالفيردي لا تعني إلا شيئًا واحدًا يعلمه الجميع؛ "سنسجل مبكرًا ثم نركن الباص".

 

من هنا أتت تلك المباشرة التي لاحظناها في بداية المباراة؛ إنتر حاول الضغط على دفاع برشلونة في البدايات لأن سباليتّي كان يحاول التسجيل أولًا بدوره، وبعدها عاد إلى قواعده سالمًا ليتراكم في نصف ملعبه، ولكن المختلف كان محاولات الكتلان لإنهاء عملية التحضير في أقصر وقت ممكن، والسبب البديهي طبعًا هو تجنب مرتدات يقودها بيريسيتش وبوليتانو.

  

في وجود الكرواتي والإيطالي كان منطقيًا أن يلعب سباليتّي على التحولات، خاصة مع مفاجأة سارة أخرى هي روبرتو في مواجهة بيريسيتش، المواجهة التي أثبتت للمرة الألف أن متوسط الميدان الإسباني قد يكتسب كل مهارات اللعبة باستثناء أهم ما تحتاجه مباراة كتلك؛ الدفاع في موقف 1 على 1.

  

من أصل 28 تمريرة في المجمل نجح بيريسيتش في إرسال 5 عرضيات بلا مضايقة تذكر من روبرتو (هوسكورد)
من أصل 28 تمريرة في المجمل نجح بيريسيتش في إرسال 5 عرضيات بلا مضايقة تذكر من روبرتو (هوسكورد)

    

اقتصرت حصيلة روبرتو الدفاعية على تدخل وحيد ناجح دون تشتيت أو اعتراض أو تصدي أو ثنائيات هوائية، مجرد حراسة للكرواتي أثناء إرساله العرضيات المتوقعة  (هوسكورد)
اقتصرت حصيلة روبرتو الدفاعية على تدخل وحيد ناجح دون تشتيت أو اعتراض أو تصدي أو ثنائيات هوائية، مجرد حراسة للكرواتي أثناء إرساله العرضيات المتوقعة  (هوسكورد)

  

أهم من بوسكيتس

المهم أن مشكلة تحولات سباليتي كانت عويصة لسببين رئيسين؛ أولهما الارتجالية الشديدة في الخروج بالكرة لحظة التحول، وعدم وجود خيارات كافية للتمرير في الثلثين الأول والثاني بسبب اندفاع فيسّينو الدائم للأمام كرجل ثالث -ثاني في هذه الحالة- في العملية الهجومية تاركًا بروزوفيتش وحده في وجه الإعصار، وبالطبع ناينغولان الذي زادته الإصابة بطئًا على بطئه، وكل ذلك مهد الساحة تمامًا لنجاح ضغط فالفيردي العكسي بكفاءة غير مسبوقة، كفاءة وصلت لأن إنتر قد فقد الكرة في نصف ملعبه 11 مرة مقابل 3 مرات فقط في نصف ملعب البرسا، وعلى الرغم من جهد بروزوفيتش الخرافي المعتاد في الاسترجاع.

  

أماكن فقد الكرة للفريقين  (هوسكورد)
أماكن فقد الكرة للفريقين  (هوسكورد)

    

 كالعادة كان بروزوفيتش الأكثر استرجاعًا للكرة في الملعب بسبع محاولات صحيحة من أصل 10 (هوسكورد)
 كالعادة كان بروزوفيتش الأكثر استرجاعًا للكرة في الملعب بسبع محاولات صحيحة من أصل 10 (هوسكورد)

   

السبب الثاني هو راكيتيتش، لو لم يكن فالفيردي يخشى غضب الجماهير وسخرية العالم لصرح بوجهة نظره في الكرواتي بلا خوف، لقال إنه يعتبره أهم لاعب في برشلونة، أهم من بوسكيتس وألبا وأحيانًا أهم من ميسي نفسه، ولذلك سيشارك في كل المباريات حتى لو بُترت ساقه وبغض النظر عن حالته الفنية والبدنية، ولنفس السبب أصبح يستخدم بوسكيتس في أدوار مغايرة للمعتاد، كأن يدفع به للضغط على حامل الكرة في نصف ملعب الخصم مع الإبقاء على راكيتيتش كليبرو وسط؛ يراقب من بعيد ثم يتدخل لتعطيل اللعب أو استخلاص الكرة حال خروج الهجمة عن السيطرة.

   

مع عشوائية إنتر سباليتّي كان متوقعًا أن يتألق راكيتيتش في ضبط المرتدات مبكرًا، وتألقه أدخل النيراتزوري في متوالية لا تنتهي من التحولات والتحولات المضادة بنصف ملعبه، وكأنه ليبرو فعلًا، ولكن الدفاع الذي يقف خلفه هو هجوم البرسا، وهجوم البرسا يلعب في ثلث إنتر الأول، وهو بالمناسبة نفس السبب الذي لم يشعرنا بوجود آرثور؛ العشوائية الشديدة وسرعة الإيقاع والتسرع في بناء الهجمة والأهم؛ استئثار كوتينيو بكل الكرات الخارجة من جهة زميله البرازيلي.

  

سدّد يا إنتر

بانقضاء الساعة الأولى كانت الأمور قد اتضحت؛ سواريز عاد لجولة أخرى من جولات الرعونة التي لا يبدو أنه نجح في نسيانها بعد آخر مباراتين، وسكرينيار يأكل مهاجمي برشلونة في الثنائيات واحدًا تلو الآخر، وديمبيليه يمارس هواياته المفضلة، ثلاث منها للدقة؛ التمرير الخاطئ، واللعب الفردي، وطبعًا القاعدة التي يقف عليها كل ذلك، النزوع للفوضى.

    

سكرينيار أتم 7 استخلص الكرة في 6 منها في نسبة نجاح قياسية  (هوسكورد)
سكرينيار أتم 7 استخلص الكرة في 6 منها في نسبة نجاح قياسية  (هوسكورد)

    

فقط نقطة واحدة كانت في صالح إنتر سباليتّي بعد الساعة الأولى، تتلخص في قدرته على تكوين كثافة عددية كبيرة في منطقة جزاء الكتلان بمجرد تخلصه من الضغط العكسي ونجاحه في وضع بيريسيتش أو بوليتانو في موقف 1 على 1 بالقرب من الخط، حينها يواجه دفاع البرسا كل من فيسينو، والظهير المساند الذي خرجت من عنده الهجمة ثم اندفع في أنصاف المسافات، والجناح العكسي الذي لم تخرج من عنده الهجمة، وبالطبع إيكاردي، وأخيرًا ناينغولان على حدود المنطقة في انتظار الكرات المشتتة.

   

هي كثافة مقاربة لما حدث في لقطة هدف إيكاردي مع الفارق أن الكرة أتت من الجهة العكسية، ومن تواجد رفقة الأرجنتيني الرائع الذي سجل من ثاني فرصه في المباراة كان فيسّينو وبيريسيتش، وهو أمر مثير للدهشة في المطلق، لأنه وإن كان إيكاردي أهم لاعب في إنتر فعليًا، فأنت تتوقع من سباليتّي أن يمتلك خطة أكثر تعقيدًا من الاعتماد على تواجده داخل المنطقة وحسب، وحتى لو كان هذا هو ثالث أهدافه في أربع مباريات بدوري الأبطال، تأخر الإنتر في النتيجة بكل منها.

    

    

على لقلة لمسات إنتر عمومًا نجح أسامواه وبوليتانو وفيسّينو وناينغولان في الحصول على الكرة 10 مرات مجتمعين داخل منطقة جزاء برشلونة  (هوسكورد)
على لقلة لمسات إنتر عمومًا نجح أسامواه وبوليتانو وفيسّينو وناينغولان في الحصول على الكرة 10 مرات مجتمعين داخل منطقة جزاء برشلونة  (هوسكورد)

    

المشكلة أن هذا الموقف لم يتكرر كثيرًا، لأن ضغط ديمبيليه الدائم على أسامواه -واحدة من حسناته القليلة في المباراة- وتردي حالة ناينغولان قد قطع الإمداد عن بيريسيتش نسبيًا، وعندما تلقى الكرة لم يتصرف بشكل مثالي في حالات أخرى، باستثناء لقطة واحدة في الدقائق الأولى أساء فيها أسامواه التعامل مع عرضيته الأرضية الناجحة، وبيريسيتش كان أهم أسلحة سباليتّي في هذه المواجهة، ليس فقط لأنه بيريسيتش بل لأن قدرته على اللعب بكلتا القدمين كانت تمنح هجوم الإنتر ثواني ثمينة في التحولات، فبعد التخلص من روبرتو في خطوة روتينية يستطيع الكرواتي إرسال العرضية الأرضية أيًا كانت وضعيته، على عكس بوليتانو الذي كان يُجبر على التوغل لقلب الملعب لاستخدام يسراه في إرسال عرضية هوائية فرص نجاحها شبه معدومة مع لونغليه وبيكيه، خاصة مع عجز فيرساليكو عن تقديم أي عون هجومي يذكر على تلك الجبهة، واكتفائه بمتابعة ألبا عند صعوده.

خريطة فيرساليكو الحرارية  (هوسكورد)
خريطة فيرساليكو الحرارية  (هوسكورد)

      

المهم أن سباليتّي قد أدرك أن فريقه لم يسدد على مرمى شتيغن ولو لمرة، وأن الدفع بناينغولان لم يغير كثيرًا لأن بطأه أقصاه من اللعب بدوره، مثل فاليرو بالضبط. الحل؟ الدفع بفاليرو طبعًا، لأنه إن كان صانع لعبك سيقصى من اللعب فعلى الأقل ينبغي أن يكون قادرًا على الركض، وهو ما لم يقنعنا به البلجيكي العائد من الإصابة، ولم يقنعنا به فاليرو بعد نزوله أيضًا، ولا داعي للقول بأن أية خيارات تكتيكية أخرى مثل تغيير الخطة أو الرسم لم تكن متاحة. إذا أردت أن تُطاع فاجلب لسباليتّي دكة بدلاء مقنعة، أو على الأقل اقنعه بأن هناك استغلالًا أفضل لكيتا بالدي من دكة البدلاء، وأن الحالة الوحيدة التي قد ينجح فيها كاندريفا في التفوق على ألبا في سباق سرعة هي أن يكون الأخير على دكة البدلاء بدوره.

  

قهر البردعة

أحد الأسباب القليلة التي تدعوك للتعاطف مع فالفيردي في برشلونة هي أن يديه مقيدتين طيلة الوقت، ولو كان الأمر بيده لجلس بوسكيتس على دكة البدلاء رفقة بيكيه، ولما تم التعاقد مع كوتينيو من الأصل، وأحد الأسباب القليلة التي تدعوك للتخلص من هذا التعاطف فورًا هي أن يديه مقيدتين طيلة الوقت، ولو كان الأمر بيده لبقي باولينيو، ولما حصل فيدال ومالكوم على أية فرصة للعب، ولتم بيع سيميدو في الصيف.

      

فالفيردي (رويترز)
فالفيردي (رويترز)

   

نصف الحماس الذي يناله الجناح البرازيلي تحديدًا من جماهير برشلونة يعود سببه لهذا الأمر بشكل أساسي، والنصف الثاني تتكفل به هوايات ديمبيليه المفضلة، والمشكلة أن الرجل لم يجد سوى مالكوم ليمارس عليه سيطرته، وبغض النظر عن قدرته على تقديم الإضافة، والتي تنال حجمًا أكبر من حجمها في ظروف كتلك، والسبب في كل ذلك هو أن الرجل يمكنه احتمال بيكيه وبوسكيتس ورحيل باولينيو، ولكنه استنفذ كل حيله للإبقاء على كوتينيو في التشكيل.

   

الرجل صاحب الـ160 مليون يورو حصل على أعلى تقييم في المباراة من قِبل هوسكورد بـ8.5، واختاره محللو سكاوكا كنجم المباراة، وبغض النظر عن نجاحه في صناعة هدف الفوز، فالجميع تقريبًا يجزم بأن هذه هي أفضل مبارياته منذ حل على برشلونة. (4) في المطلق، قدم كوتينيو مباراة جيدة فعلًا. نسبيًا وبالنظر للسياق، فإن هذه المباراة الجيدة تطلبت غياب ميسي أولًا، غياب رافينيا ثانيًا، ولنفس السبب في الحالتين؛ تفريغ العمق تمامًا لأجل صانع الألعاب البرازيلي، ثم اللعب على التحولات أكثر وقت المباراة ثالثًا، وبالتبعية تحجيم آرثور رابعًا، وخامسًا منح كوتينيو نفسه الفرصة الكاملة عبر 90 دقيقة رغم انخفاض لياقته بشكل مرعب.

 

النتيجة؛ 8 مراوغات ناجحة من أصل 11 محاولة، 8 تسديدات -إنتر كاملًا سدد 10- نصفها في مؤخرات مدافعي سباليتّي المساكين، أكثر من فقد الكرة من الفريقين وهذا مفهوم نظرًا لطبيعة مركزه، وتمريرتين مفتاحيتين أرسل كل من سواريز وديمبيليه ضعفهما منفردين، وكان الشرط الرئيس لإتمامهما هو المساحات الهائلة غير المعتادة في مباريات كتلك، وهذا غير مفهوم إطلاقًا نظرًا لطبيعة مركزه.

 

160 مليون يورو
 كوتينيو  (غيتي)
 كوتينيو  (غيتي)

   

أول ما يُقال للاعب مثل كوتينيو عند حضوره لنادي مثل برشلونة هو أن ينسى الرقم الذي أنفق لإحضاره لنادي مثل برشلونة. هي حيلة بسيطة لرفع الضغط عن اللاعب وتوفير البيئة اللازمة لإتمام عملية التأقلم بشكل طبيعي وتدريجي، هذا أمر مفهوم طبعًا، ولكن الهدف الرئيس منها هو أن يصل اللاعب لقمة مستواه في أقصر فترة ممكنة، ثم يبقى هناك لأطول فترة ممكنة.

 

أول ما يمكننا أن نقوله عن كوتينيو هو أن هذا لم يحدث. لم يصل البرازيلي لقمة مستواه أساسًا حتى نحدد المدة التي قضاها هناك، والحقيقة أن الكثيرين لم يعودوا يعرفوا ما هي قمة مستواه أصلًا، وأكثر منهم قد اقتنع أن ما يقدمه حاليًا هو أقصى ما يستطيعه، وهذا هو ثاني ما يمكننا أن نقوله عن كوتينيو؛ أنه إن كانت مباراة الأمس هي أفضل مبارياته فعلًا، فهذه شهادة ضده لا لصالحه، ببساطة لأنها تطلبت ظروفا استثنائية غير قابلة للتكرار، وحتى غياب ميسي لم يكن كافيًا لوحده.

 

حتى لو نسينا تكلفة صفقته بدورنا، نحن أمام لاعب عمره 26 عامًا وبدنياته منعدمة تقريبًا، ونحن هنا نقصد البدنيات بعناصرها الأربعة؛ الطول والقوة والسرعة والتحمل. لاعب أثبت العام الأول له في كتالونيا أن هامش تطوره محدود للغاية. لاعب جرب مدربه إقحامه على اليمين مثلما لعب مع البرازيل أحيانًا، وكثالث وسط أحيانًا أخرى، وكصانع لعب في وجود ميسي وغيابه أحيانًا ثالثة، وبعد كل ذلك حصل على مردود مقبول يعيبه شيء واحد أنه مقبول، لا أكثر ولا أقل، لأن المركز الوحيد الذي يجيد فيه كوتينيو هو مركز صانع اللعب الوحيد الحر الذي يحتاج لمساعدة من زملائه أكثر من تلك التي يقدمها لهم؛ يحتاج لجناح خط يفرغ له العمق، ويحتاج لمنظومة تعفيه من الرقابة، ويحتاج لمساحات كبيرة نسبيًا ليمر من المدافعين ويمرر، وبعد كل ذلك يحتاج إلى زاوية خالية للتسديد، والذي يعد بدوره إجابة كوتينيو لأي موقف دفاعي وفي مواجهة أي تكتل، والمهارة الوحيدة التي تثق فعلًا أنه يتقنها بغض النظر عن ليلة أمس، إلى جانب المراوغة طبعًا.

 

باختصار، نحن أمام صانع لعب ليست صناعة اللعب من نقاط قوته أصلًا، ودرجة ذكائه التكتيكي تتضح في رغبته الشديدة في الانتقال لبرشلونة في المقام الأول، وتخيله أنه سيتمكن من أداء نفس أدوار ليفربول في وجود ميسي وسواريز، وكل هذا بالطبع ليس ذنب كوتينيو ولا يجعل المشكلة فيه لأن أغلب لاعبي كرة القدم ذكاءهم التكتيكي محدود، ولكن يجعل المشكلة فيمن تعاقد معه بداية، أما أزمة كوتينيو نفسه فهو كفيل بها، أو على الأقل يظن أن تسديدة واحدة صائبة في كل مباراة كفيلة بها، حتى لو كان ثمنها 160 مليون يورو.

المصدر : الجزيرة