شعار قسم ميدان

هجوم فيدرر الخاطف.. كيف عاد المايسترو إلى عرش التنس؟

ميدان - فيدرر

سقط على الأرض لتسود حالة من الذهول بين الحاضرين أو المتابعين عبر شاشات التلفاز، وولدت فجوة شعورية لحظية في نفوس محبيه، أوجدت المساحة اللازمة حتى لإحباطاتهم الشخصية لكي تطفو على السطح.

 

كان الجميع موقنا بأن النهاية باتت وشيكة، وربما أكثر من أي وقت مضى، ولكن لا يمكن أن تكون بهذا الشكل للاعب بحجم السويسري "روجر فيدرر" الثلاثيني، منبطحا على أرضية ويمبلدون العشبية؛ مهد مسيرة فيدرر التي بدأت بين جنبات ذات الملعب في 2003. (1)

   

 بعدما كانت جماهيره تمني النفس باللقب الثامن عشر في بطولات الغراند سلام الأربع الكبرى، الذي طال انتظاره لمدة أربع سنوات عجاف، باتت أقصى آمال الكثير من مشجعيه ألا تكون هذه اللقطة الأخيرة في مسيرة فيدرر، وهو ما بدا بالنسبة لقطاع واسع منهم أمرا واقعا نظرا لتواتر الأحداث.

    

فقد أعلن "فيدرر" أن موسم 2016 قد انتهى بالنسبة له بعد الخسارة المؤلمة أمام الكندي "ميلوش راونيتش" في نصف نهائي ثالث البطولات الأربع الكبرى، معللا قراره بحاجة جسده لبعض الوقت للتعافي بالصورة المثالية التي تسمح بإطالة مسيرته في عالم الكرة الصفراء. (2)

  

    

"عن أي مسيرة يتحدث هذا الرجل، لقد بدا للعيان أنها قد انتهت".. ربما جالت هذه العبارة بصورة أو بأخرى في أذهان متابعي التنس بعدما أصدر اللاعب السويسري هذا البيان. الأمر لم يتوقف عند المشجعين بل امتد للصحفيين الرياضيين؛ وأبرزهم تشارلي إكليشير الذي استبعد اعتلاء "فيدرر" منصات التتويج بالبطولات الأربع الكبرى حتى قبل "واقعة" ويمبلدون، بل وأفرد الأسباب في مقال مطول. (3)

 

التركيبة السحرية

ستة أشهر كانت كافية كي تدب الحياة من جديد في أوصال مسيرة "فيدرر" التي بدا أنها تحتضر، لجأ خلالها إلى سلسلة من الإجراءات الطارئة لإنقاذها من الموت الإكلينيكي، خاصة مع تحرره من مشكلات الظهر والركبة التي كان يعاني منها في الفترة السابقة.

 

الجزء الرئيسي من هذه التدابير تمثل في استغلال العلاقة العكسية بين المدة التي يمضيها اللاعب داخل الملعب وطول مسيرته الاحترافية، أو بعبارة أخرى، فقد سعى لإنهاء النقاط سريعا بوضع منافسه تحت ضغط مستمر، ليدخر مجهوده بما يساعده في اللعب لفترة أطول.

 

خير دليل على ذلك هو اللعبة التي أحياها "فيدرر"، إن لم يكن قد ابتدعها، والمعروفة في وسائل الإعلام الأجنبية بالهجوم الخاطف لروجر فيدرر، والمتمثلة في استغلال ضعف الإرسال الثاني للمنافس، بل وفي بعض الأحيان الإرسال الأول، للتقدم نحو مربع الإرسال ومباغتة المنافس.

   

  

وباعتبار تلك الراحة "الإجبارية"، والتعديلات الخططية التي شملت تطوير الإرسال الأول والتقدم بصورة أكبر إلى الشبكة، لها فضل كبير في عودة "فيدرر" لمنصات التتويج؛ بفوزه بأستراليا المفتوحة أولى البطولات الأربع الكبرى وويمبلدون في العام الماضي، فإن الإنجاز الذي حققه بأن أصبح أكبر لاعب في التاريخ يتصدر التصنيف العالمي لرابطة لاعبي التنس المحترفين، وهو في السادسة والثلاثين من عمره، له شأن آخر بالتأكيد. (4)

 

الأراضي الترابية.. غائبة حاضرة

إن كانت ثوان معدودات أكثر من كافية بالنسبة للاعب تنس لاتخاذ قرار -ربما بصورة غريزية أو آلية- يمكنه من استعادة زمام الأمور في نقطة مهمة، أو قلب الطاولة على منافسه، فإن "فيدرر" كان أمامه متسع من الوقت لاتخاذ قراره بالغياب عن موسم الأراضي الترابية بأكمله في العام الماضي. (5)

 

تداعيات هذا القرار لم تتوقف فقط عند الفوز ببطولتي هاله للمرة العاشرة في مسيرته قبل أن يتوج بلقبه التاسع عشر في البطولات الأربع الكبرى في ويمبلدون، وإنما مهدت الطريق أمام استعادته صدارة التصنيف، (6) فنظرة واحدة على المشهد في ملاعب الأمراء في ذلك التوقيت كفيلة بأن تنبئ عن الأداء المبهر الذي قدمه الإسباني "رفائيل نادال" خلال موسم الأراضي الترابية، وهو الأمر الذي أقر به "فيدرر" خلال حفل تتويجه ببطولة ميامي المفتوحة، عندما تغلب على "رافا" للمرة الرابعة على التوالي، والثالثة في 2017، قبل أن يفوز مجددا على غريمه التقليدي في نهائي شنغهاي. (7)

  

ثلاثة انتصارات متتالية على اللاعب الإسباني في غضون عام واحد، هو إنجاز لم يحققه "فيدرر" منذ المباراة الأولى التي جمعت بينهما في عام 2004، والأمر لا يحتاج سوى لإجراء مقارنة بسيطة بين الجهد الكبير الذي تتطلبه الملاعب الرملية والمردود الضئيل الذي سيتحصل عليه في ظل تألق "نادال" المتوقع، والأهم من ذلك خسارة الأفضلية النفسية التي اكتسبها على حساب منافسه الأبرز في الموسم حال تواجها في الملاعب المفضلة للاعب الإسباني.

    undefined

   

أعطى هذا القرار دفعة أخرى لمسيرة "فيدرر" الذي واصل حصد النجاحات، لينهي الموسم في التصنيف الثاني عالميا بعدما توج ببطولتي شنغهاي لتنس الأساتذة وبازل المفتوحة، على أرضه ووسط جماهيره، وبعدما تقاسم البطولات الأربع الكبرى مع نادال مناصفة، إذ فاز الأخير بفرنسا المفتوحة للمرة العاشرة بعد أداء قوي خلال موسم الملاعب الرملية وأميركا المفتوحة. (8)

 

لم يكن هذا كل شيء، فاللاعب السويسري قد استفاد من تراجع مستوى الصربي "نوفاك ديوكوفيتش" الذي دفع "فاتورة" الهيمنة شبه المطلقة على مجريات عالم التنس منذ 2011، قبل أن يقرر الانسحاب بسبب مشكلات المرفق، وكذلك الحال بالنسبة للبريطاني "آندي موراي" الذي عانى من مشكلات في الفخذ، ولكن هذا يبدو أشبه بالدوران في حلقة مفرغة. (9) (10)

 

فقد غاب "فيدرر" هو الآخر عن المنافسات لفترة بسبب الإصابة، فضلا عن أنه أعاد تنظيم روزنامة مشاركاته بصورة تتناسب مع سنه، ليتفوق على لاعبين يصغرونه في السن.

 

بفضل قرار الغياب عن موسم الأراضي الترابية، تمكن "فيدرر" من استعادة صدارة التصنيف للمرة الأولى منذ 2012، بعدما فاز في أستراليا بلقبه العشرين في البطولات الكبرى، ليدفع الجميع لرفع القبعة، وعلى رأسهم إكليشير الذي نشر اعتذارا رسميا لـ"فيدرر" عن مقاله السابق. (11)