شعار قسم ميدان

السمعة السيئة لأوقات فيرغسون الأخيرة

midan - فيرغسون
اضغط للاستماع
    

تعود الأعوام إلى قرابة 20 سنة من الآن، وإلى ملعب "كامب نو" في برشلونة، وأمام ما يزيد عن 90 ألفا من الجماهير المتحمسة. ويعود الوقت إلى الدقيقة 90، وكان فيها بايرن ميونخ  لا يزال متقدما على مانشستر يونايتد بهدف نظيف في نهائي[1] دوري الأبطال 1999.

 

ورغم ضيق الفارق، كان التفوق البافاري واضحا، ووصل الحال بلاعبي اليونايتد إلى اليأس. فعندما احتسب الحكم ركنية لصالحهم، تقدم بيتر شمايكل من مرماه لإضافة الزيادة العددية في منطقة جزاء الخصم. ولكنه هذه المرة لم يكن التقدم المتهور الذي تحبه الجماهير، ولكنه كان تقدم حراس المرمى المعتاد عندما تتأزم الأمور.

 

في الدقيقة 90 و36 ثانية وصلت الكرة إلى أقدام رايان غيغز ناحية اليسار، وسدد تصويبة ضعيفة إلى مرمى أوليفر كان. في معظم الأحيان الأخرى كانت لتصبح علامة انتهاء محاولات الفريق الخاسر في مباراة لها هذه الظروف. ولكن شيئا ما وضع شيرنغهام بين الكرة الضعيفة والمرمى المحصن. وحوّلها إلى فرصة تسجيل جاء منها هدف التعادل لليونايتد.

 

انفجر الملعب بالطبع. ولم تغادر الأذهانَ صورةُ الانفجار هذا حتى الآن. فالمباراة الميتة قد امتدت إلى وقت إضافي. لكن الأمر لم يتوقف هنا. فبعد 30 ثانية أخرى من انتهاء احتفال الهدف، وفي الدقيقة 92 و17 ثانية، وبعد ركنية أرسلها ديفيد بيكهام إلى داخل الـ 18، وجدت الكرة أقدام سولسشاير، وحدثت المعجزة وتقدم[2] اليونايتد نحو الكأس ذات الأذنين.

   

   

الفيرغي تايم

أين هو سير أليكس فيرغسون من كل هذا؟ .. إنه هناك على الخط، يقف ناظرا إلى ساعته، يحسب الثواني. وهناك في 26 مايو 1999 كانت بداية شهرة فيرغسون واللحظات الأخيرة، أو ما تعرفه الجماهير بالـ «فيرغي تايم».

  

«ماذا سنفعل في الدقائق الـ 15 النهائية من المباراة إن كُنّا متأخرين بنتيجة 2-1؟ .. سوف ندفع بالمزيد من اللاعبين في الهجوم، ونقلل من الاهتمام بالدفاع. إن خرجنا فائزين بنتيجة 3-2، فهذا شعور رائع. وإن خرجنا خاسرين بنتيجة 3-1، حسنا..، لقد كنا خاسرين على أية حال!»

(أليكس فيرغسون)

      

أليكس فيرغسون منتصر دوما، وتلك الكلمات[3] تصف طريقة تفكيره بدقة. والفوز في اللحظات الأخيرة كان علامته المميزة التي قدّسته لأجلها جماهير اليونايتد طيلة أعوام. وتحولت الـ "فيرغي تايم" إلى ما يمكن وصفه بالأسطورة الشعبية لدى جماهير الفريق حول العالم. وأصبح لديهم شيء يشبه ما نقوله بالعربية الدارجة عن «روح القميص الأحمر». فاز اليونايتد باللقب عام 1993 بعد أن حسم[4] مباراة شيفيلد وينزداي بهدف لستيفن بروس في الدقيقة 96، وتُوّج بالدوري المحلي لأول مرة منذ عام 1967، ولأول مرة في عهد فيرغسون. وفاز في ديربي مانشستر بهدف لمايكل أوين في الدقيقة 96 أيضًا موسم 2010. وفي موسم 2009 الذي انتزع اليونايتد لقبه من ليفربول، استطاع أن يحرز هدف الفوز على أستون فيلا في المباراة التي كان يحتاج الفوز فيها للصدارة، وأيضا في ما بعد الدقيقة 90.

  

   

تكررت الانتصارات عبر الأعوام. وتكوّنت سمعة لـ"الفيرغي تايم" قائمة على الإيمان والتصديق والجهد والحسم في اللحظات الأخيرة. حتى أنه في عام 2017 ظهر فيلم قصير عن زوجة استطاعت أخيرا أن تعترف لزوجها بفشل علاقتهما التي استمرت 30 عاما، أي في الوقت بدل الضائع من الحياة. وكان عنوان الفيلم(Fergie Time)، لقد انفصل المصطلح عن صاحبه وامتلك معناه الخاص. فمن أين إذن تأتي السمعة السيئة؟

 

السمعة السيئة للحكاية الرومانسية

ثمة تعريف[6] لـ"لفيرغي تايم" حسب (urban dictionary) وهو: «أيّ مدة من الوقت، في أي مباراة كرة قدم، تضاف إلى اللعب بعد نهاية الوقت المحتسب بدلا من الضائع». فلو أن الحكم مثلا احتسب 3 دقائق وقت بدل ضائع، وجاء الهدف في الدقيقة 93 و50 ثانية، فهذا هدف في "الفيرغي تايم!" وذلك التعريف مثير للريبة، إذ لِمَ يستمر اللعب لوقت يزيد عمّا احتسبه الحكم؟. لكن جماهير الخصوم ضد اليونايتد لديهم تعريف[7] آخر للمصطلح، يأخذ هذه الريبة إلى درجة الاتهام المباشر، وهو: أي عدد من الدقائق يحتاجه اليونايتد من أجل إحراز هدف الفوز أو التعادل!

 

وهنا التساؤل: هل تعوّد اليونايتد على إحراز الأهداف وتعديل النتيجة في الدقائق الأخيرة، أم أنه كان يُمنَح المزيد من الوقت غير القانونيّ من أجل تعديل النتيجة؟

 

من المتعارف عليه ضمنيا في عالم كرة القدم أن الحكم يحتسب 30 ثانية لكل هدف و30 ثانية لكل تبديل، ويقدر وقت توقف اللعب للإصابة، والمجموع هو الوقت الضائع. لكن هذه القاعدة ليست لها معايير ثابتة. وهو ما دفع "Opta" إلى محاولة تحليل[8] الاتهام ضد "الفيرغي تايم". وذلك باحتساب متوسط الوقت لمبارايات اليونايتد وهو في وضعية الفوز، ومقارنتها بمتوسط الوقت في وضعية التعادل أو الهزيمة في مواسم 2011 و2012 والنصف الأول من 2013، لنجد أن اليونايتد عندما يفوز يلعب مباريات مدتها في المتوسط 93 دقيقة و18 ثانية، وعندما يخسر يلعب مباريات متوسطها 94 و37 ثانية، والفارق 79 ثانية لصالح اليونايتد!

    undefined

   

وعند مقارنة الأمر مع الفرق الخمسة الكُبرى الأخرى في البريمييرليغ بذات المواسم، سنجد أن ليفربول يحصل على فارق 56 ثانية، ويحصل السيتي على 50 ثانية، وتوتنهام يحصل على 25 ثانية، بينما يحصل أرسنال على 18 ثانية.

 

الطرف الآخر من الملعب

الإحصائية السابقة لا يمكن أن تشير إلى أن اليونايتد تحديدا يحصل على وقت أكبر في حال احتياجه للتسجيل، ولكنها تعمم الأمر على الفرق الكُبرى ككل. وبما أن اليونايتد كان على قمة الجدول في هذه المواسم الثلاثة (بما فيها موسم 2012 الذي خسر لقبه بفارق الأهداف مع السيتي)، فمن المنطقي أن يحصل على العدد الأكبر من الثواني بين الفرق الكبرى.

 

وقبل تصديق الإحصائية السابقة، يجب الانتباه إلى أوجه القصور فيها؛ وهي حقيقة أن الفرق الأضعف تميل إلى إضاعة الوقت عند تقدمها على الفرق الأكبر، وهو ما يتم تعويضه عند تقدير الوقت بدل من الضائع. والحقيقة الأخرى هي أن هذه الإحصائية قامت على تحليل 78 مباراة فقط لكل فريق، بينما تعود أسطورة "الفيرغي تايم" إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، وهو ما دفع إلى البحث عن نظام تحليل أفضل.

 

اعتمد فريق بحثي بكلية الاقتصاد في جامعة كورك على مباريات الأعوام الـ 20 الأخيرة للفرق الستة الكبيرة في إنجلترا. وأضاف إليها كذلك مباريات دوري الأبطال. ووضع الباحثون في الاعتبار أن بعض المباريات أهم من البعض الآخر. وأن المباريات التي يحتاج فيها الفريق (الكبير) إلى هدف واحد تختلف عن التي يحتاج فيها هدفين أو أكثر. ووضعوا كذلك متوسط للأوقات التي تضيعها البطاقات الحمراء والصفراء، والإصابات والتبديلات وأوقات الاحتفال بالأهداف. وخرجوا بنتائج[9] نهائية تشير إلى أن الفرق الكبيرة لا تحصل على وقت ضائع عند الاحتياج إليه كما يُشاع. وأن "الفيرغي تايم" حسب تعريف الـ (urban dictionary) المذكور سابقا لا يزيد عن 30 ثانية في أفضل الأحوال نادرا ما يستفيد منها الفريق الأقوى. بل جاءت نتائجهم بأن بعض الحكام يميلون إلى إطالة الوقت الضائع أمام الفرق الأضعف حال هزيمتها أمام فريق أكبر كأحد أشكال التعاطف!

    

اعترف فيرغسون لاحقا بأن حركة النظر في الساعة لم تكن إلا وسيلة ضغط على الخصم والحكم
اعترف فيرغسون لاحقا بأن حركة النظر في الساعة لم تكن إلا وسيلة ضغط على الخصم والحكم
   

إذا ما وُضِعت هذه الحقائق إلى جوار إحصائية أخيرة، يمكن الوصول إلى استنتاج جديد. فـ "الفيرغي تايم" المنشستراوي يعني بالضرورة أن اليونايتد هو أفضل المستفيدين في الأوقات الضائعة في الدوري الإنجليزي. لكن الإحصائيات[10] تقول إن ليفربول هو أكثر الفرق إحرازا للأهداف بعد الدقيقة 90 في تاريخ البريمييرليغ برصيد 29 هدفا. بينما يحل اليونايتد في المركز السادس برصيد 18 هدفا فقط بعد الدقيقة 90 .. "الفيرغي تايم"! فكيف إذن بدأت الأسطورة بمدلولها الجيد أو السيئ؟

 

خدعة السيد فيرغسون

"فيرغي تايم" هو مصطلح لمعنيين متضادين، لا وجود لأيٍّ منهما إلا في خيال أنصار اليونايتد وخصومه. وحالة الخصوم يَسهُل شرحُها؛ فالانتقاص من نزاهة فوز المنافس هو تقنية كلاسيكية. وكأن نجاحات ربع قرن حققها السير مع الشياطين يمكن تفسيرها بقدرته في الضغط على الحكام من أجل بضع ثوان إضافية.

 

أما حالة الأنصار فقد جاءت من وراء حكاية. يقف السيد فيرغسون على الخط وفريقه يحتاج هدف التعديل، فينظر الاسكتلندي في ساعته. ولكنه في الواقع لا ينظر ولا يعرف عدد الدقائق المتبقية. فقد اعترف[11] لاحقا بأن هذه الحركة لم تكن إلا وسيلة ضغط على الخصم والحكم. هذه الحركة عديمة المعنى كانت تشبه علامة باتمان في سماء جوثام مثلا. عندما يراها اللصوص، يتراجعون جميعا عن خططهم. والمنطق يقول إن باتمان لن ينجح في الوصول للجميع، لكن العبء النفسي للعلامة كان أكبر من طاقتهم. وكذلك حركة فيرغسون التي كررها مرات ومرات عبر الأعوام، فأصبح لها تأثير نفسيّ ثقيل على الخصم، فيشعر الجميع وكأن اليونايتد يمتلك شيئا ما ورائيا يمكِّنهم من تحقيق خططه.

ثمّة حكاية قديمة عن وصفة سحرية تجعل من يشربها خارقا غير قابل للهزيمة. ومكونات الوصفة معروفة باستثناء عنصر سريّ واحد لا يعرفه إلا صانعها. واستمرت الأسطورة لأجيال وأجيال، ثم تبيّن لاحقا أن العنصر السريّ كان لا شيء. فمن يؤمن بكونه غير قابل للهزيمة سوف يصبح خارقا، وهذا العنصر السريّ كان الـ "فيرغي تايم"!