شعار قسم ميدان

بين البانينكا وروليت زيدان.. خمس حركات كروية ارتبطت بمخترعيها

midan - زيدان
يميل الناس منذ القدم إلى تسمية الأشياء بأسماء أشخاص؛ أسماء الأطعمة مثلا أو أسماء الجوائز أو الميادين والمكتبات أو الشوارع. وتزداد الفرصة عندما يكون الشخص هو مخترع الشيء محل التسمية. وفي كرة القدم لا يختلف الأمر كثيرا. حيث نستعرض خلال هذا التقرير خمس حركات يرجعها المشجعون إلى أسماء من اخترعوها!

   

ضربة جزاء بانينكا

الـ "بانينكا" هي إحدى أشهر تقنيات تسديد ضربات الجزاء. وتعتمد على حقيقة أن حراس المرمى في الغالب يختارون الارتماء إلى أحد ركنيّ المرمى، وتخمين الزاوية التي سوف تُسدد فيها الكرة، بدلا من انتظار لحظة التصويب. فلِم لا يستغل المُسدد فراغ منتصف المرمى، ويصوب كرة مقوسة فيه؟! هذه هي تقنية الملعقة "Il cucchiaio"، والتي تعتبر، رغم ذكائها، مقامرة حقيقية في معظم الظروف. فربما ينتظر الحارس في منتصف المرمى، فتتهادى إليه الكرة. وربما تطيح فوق العارضة إن كانت أقوى من اللازم. وربما تكون ضعيفة، فتنطلق ببطء يمنح الحارس الوقت الكافي للرجوع من ركن المرمى والتقاطها.

  

يُقال إن البانينكا تحتاج إلى جرأة تحمل العواقب أكثر من احتياجها لمهارة منفذ ضربة الجزاء. ففي حالة النجاح، سوف يصفق الجميع، وفي حالة الفشل ستنهال على اللاعب كل اتهامات الاستهتار بالخصم والتعالي على الكرة. لذلك تراجع[1] مهاجم أسطوري مثل العاجي ديديه دروغبا عنها في ضربات ترجيح نهائي الأبطال 2012 أمام بايرن ميونخ. ولذلك أيضًا حسم أندريا بيرلو أمره، وسدد الملعقة[2] في مرمى جو هارت حارس إنجلترا، وصعد بمنتخب إيطاليا إلى نصف نهائي يورو 2012. وبذات التقنية أيضا كاد زين الدين زيدان أن يضيع ضربة الجزاء الشهيرة في مرمى بوفون بنهائي مونديال 2006.

   

   

يعود أصل[3] التسمية إلى اللاعب التشيكوسلوفاكي أنطونين بانينكا. وكان ذلك في مباراة منتخب بلاده أمام ألمانيا الغربية في نهائي أمم أوروبا 1976. إذ خرج المنتخبان بتعادل إيجابي 2-2 استمر حتى نهاية الوقت الإضافي. وتم الاحتكام لضربات الترجيح للمرة الأولى في تاريخ نهائي البطولة. وجاءت ضربة الجزاء الأخيرة والحاسمة لبانينكا. فنفذها بطريقته الشهيرة. وخدع بها الحارس الألماني الأسطوري سيب ماير. ليبدأ منذ ذلك الحين تاريخ الخدعة التي كانت السبب الأهم في صيت صاحبها، اللاعب متوسط الشهرة والنجاح.

     

لفّة كرويف

في كرة القدم يكفي للمهاجم إحراز هدف وحيد من أجل الشعور بأداء مباراة جيدة. بينما يتطلب الأمر خطأ واحدا من المدافع لوصمه بسوء الأداء. في كرة القدم يحتاج المدافع إلى ثبات طويل في المستوى كي يحوز التقدير والنجومية. وتكفي لقطة واحدة أخطأ فيها، كي يصبح محل السخرية. ولكن .. ماذا لو أن هذا المدافع لم يرتكب خطأ؟

  

يان أولسون مدافع سويدي بدأ مسيرته في الستينيات. وكان أحد اللاعبين الأساسيين لمنتخب بلاده في كأس العالم 74 في ألمانيا. وفي المباراة التي جمعت بينه وبين منتخب هولندا على الفيستيفالين ستايديون بمدينة دورتموند، كان المدفع المخضرم في أفضل أحواله طوال 22 دقيقة منذ ركلة البداية. في الدقيقة 23، كان اللعب الهولندي ناحية اليمين، وفجأة أرسل جناحهم الأيمن الكرة لعكس الملعب. لم يدخر أولسون جهدًا في الركض للاتجاه المعاكس، وسرعة الكرة لم تكن عائقا لأن ينجح السويدي في محاصرة اللاعب الذي روضها في مكان الجناح الأيسر. ونجح في دفعه ناحية خط التماس بعيدا عن حدود منطقة الجزاء. وعدَل من وضعية جسده، بحيث أصبح ملاصقا له من الخلف لمنع التمرير داخل الـ 18، وأصبحت إمكانية المراوغة مستحيلة. وصار الحل الوحيد هو تمرير الكرة للخلف، كي يبدأ الهولنديون الهجمة من جديد من منتصف الملعب.

      

    

لو أن أحد محللي الأداء شاهد اللقطة حتى الآن، فسوف يحصل المدافع على العلامة الكاملة. الثغرة الوحيدة هي أن الهولندي الأيقوني يوهان كرويف كان هو اللاعب الذي يشغل مكان الجناح الأيسر في هذه الهجمة. وتطلب الأمر منه ثانية واحدة، كي يوهم أولسون أنه سوف يمرر للخلف، وانتظر حتى أصبحت ساق المدافع اليمنى هي القدم الثابته التي يرتكز عليها، وعدّل الهولندي من اتجاه جسده 180 درجة، وراوغه متجها داخل منطقة الجزاء. وتركه في ذهول. وأصبحت الشهرة الوحيدة ليان أولسون هي أنه الرجل الذي خدعه كرويف بما عُرف لاحقا بـ "لفّة كرويف"[4] (Cruyff Turn).

  

لفّة مارسيليا

تسمى بروليت زيدان أو الاستدارة 360. إنها تلك الحركة التي يدور بها المهاجم بالكرة من حول المدافع متجاوزا إياه.

    

   

هذه الحركة تؤدَّى في ثلاث خطوات؛ الأولى يحرك المهاجم الكرة بقدمه اليمنى (أو اليسرى في حالة كان أعسر) في عكس اتجاه حركة جسده ومبتعدا بها عن مجال قدم المدافع، والثانية يستدير فيها المهاجم بكل جسمه في زاوية 360 درجة، والثالثة يستقبل فيها المهاجم الكرة التي مررتها يمناه بقدمه اليسرى وقد تجاوز بها المدافع.

    

تعود بداية[5] هذه الحركة إلى مارادونا الذي لا تنقصه الشهرة أبدا. فلماذا إذن أصبحت بمثابة توقيع زيدان على أعماله الفنية؟ الإجابة في نقطتين. الأولى هي السرعة، فبينما يحتاج المهاجم العادي أو الجيد إلى الإبطاء من سرعته من أجل تنفيذ هذه اللعبة، فإن الفرنسي الأسطوري كان ينفذها محافظا على سرعة ركضه. والثانية في الدوخة، فالشخص العادي يحتاج إلى جزء من الثانية بعد الدوران حول نفسه من أجل استعادة اتزانه، والتأكد من الوضعيات الجديدة التي فيها أطرافه. زيدان لم يكن في حاجة إلى هذا الجزء من الثانية.

   

يُقال إن زيدان لعب كرة القدم بعقله أولا قبل قدميه. ويُقال أيضا إنه كان يستطيع الاستمرار في الملاعب لموسمين على الأقل بعد وقت اعتزاله عقب مونديال 2006. لكن زيدان اعتزل في اللحظة ذاتها التي شعر فيها بأنه يحتاج إلى الإبطاء قليلا من سرعته قبل تأدية الروليت، واللحظة التي شعر فيها بالاحتياج إلى ذلك الجزء من الثانية المشار إليه سلفا. فضّل اختيار وقت المغادرة الآن قبل أن يُجبر عليها لاحقا.

    

المطاطي

تسمى الـ "فليب – فلاب" وفي أفريقيا يسمونها لدغة الثعبان. إنها حركة رونالدينيو الشهيرة. والتي يقوم فيها اللاعب بتوجيه جسده في أحد الاتجاهات وتكون الكرة في قدمه تلك الناحية، وفي اللحظة التي يتحرك فيها جسد المدافع إلى ذلك الاتجاه متجاوبا، يحرك المهاجم الكرة في الاتجاه المعاكس مستخدما القدم ذاتها.

    

 

أول[6] من نعرفه في أداء هذه الحركة كان لاعب برازيلي ياباني اسمه سيرجيو إيكيجو. ثم أجادها البرازيلي ريفيلينو نجم جيل السبعينيات في كأس العالم 1970. ثم وصل بها رونالدينيو إلى أفق آخر.

   

ربما يحلم كل لاعب لكرة القدم لو أن الكرة ملتصقة بقدمه. وتمدح الجماهير اللاعب الذي يجيد السيطرة على كرته بأنه يحركها كما لو كانت مرتبطة بحذائه. دينيو هو اللاعب الذي أوشك على تحقيق هذا المديح حقيقة لا مجازا. فالراقص الذي قامت مسيرته بالكامل على الارتجال، يمتلك سرعة غير طبيعية في حركة عضلات القدم. وكأنه يمتلك عددا أكبر من الأعصاب التي تغذى هذه العضلات. وكأن تلك العضلات تمتلك إرادة خاصة وعقلا صغيرا فيها هي وحدها. يحرك قدمه يمينا ويسارا ثم يمينا في أجزاء من الثانية تفوق قدرة المدافع على تغيير وضعية جسده. ولذلك لم يكن من النادر أبدا أن نرى ذات المدافع يسقط أمام دينيو على الأرض في أكثر من موقف خلال ذات المباراة.

   

لو أن اللاعب العظيم يستطيع أداء الـ"فليب فلاب" في جزء من الثانية، فالمطاطي (الإيلاستيكو باللغة البرتغالية) يستطيع تأديتها في جزء من ذلك الجزء. وكأنه يمتلك وحدات من الزمن خاصة به هو وحده.

   

المقصات والمقصات العكسية

المقصات أو ما يعرف أيضا بالـ "Step Over" هو واحد من أقدم تقنيات[7] المرواغة المعروفة لنا. إذ بدأها لاعب أرجنتيني في أوائل القرن الماضي اسمه «بيدرو كالامينو». وفي أوروبا ظهرت لأول مرة في أداء لاعب دنماركي اسمه «لو أدم». وعُرفت بـ "مقصات أدم". وهي من الحركات التي اشتّهِر بها رونالدو الظاهرة البرازيلية.

   

   

المراوغة عموما هي حركة يقصد بها المهاجم إرباك مدافع الخصم، بحيث لا يعرف الاتجاه الذي سيختاره. ومن ثم فإن المقصات في تعريفها تكاد تكون هي المراوغة في ذاتها. إذ يحرك المهاجم كلتا ساقيه حول الكرة في اتجاهين متضادين دون أن يلمسها. وفجأة يختار الاتجاه. ثم جاء على الحركة تعديل آخر. وهو المقص العكسي، الذي يموه المهاجم فيه بالاندفاع بالكرة بالأمام في ناحية باستخدام إحدى القدمين. وبدلا من لمس الكرة، يهبط بقدمه على الأرض، ثم يحرك الكرة بكعب ذات القدم في الاتجاه العكسي.

      

  

وبعد ذلك هناك تعديل أخير على هذه الحركة وهو الـ "Chop". وفي هذه الحركة يندفع اللاعب بالكرة إلى الأمام بسرعة كبيرة، ويندفع معه المدافع. ثم يموّه بلمس الكرة للأمام من أجل استمرار الجري. وفي إحدى اللمسات يعكس الكرة بكعب قدمه في اتجاه عرضي من خلف ساقي المدافع الذي يستمر بالاندفاع في خط مستقيم.

    

هذه الحركات الثلاث تخصص فيها مؤخرا كريستيانو رونالدو. وربما يكون ذلك لأن الجامع بينها هو إغراء المدافع بمجاراة المهاجم بدنيا، قبل أن يقوم ذلك الأخير بتغيير اتجاهه تاركا المدافع متحركا بالقصور الذاتي في االاتجاه الأصلي. ومما يحسب للدون ها هنا أنه استطاع تطويع قدراته البدنية من أجل الحصول على بعض الأفضلية في مواقف المراوغات خاصة واحد ضد واحد.