شعار قسم ميدان

هل الدوري الإيطالي ممل حقا؟

midan - الدوري الإيطالي

قبل هذا الموسم، لم يكن أحد ليظن أن فريقًا بالدوريات الأوروبية الكبرى قادر على حسم المنافسة بتلك السرعة. كان الإعلان عن بطل تلك الدوريات ينتظر حتى الأسابيع الأخيرة من عمر المسابقة، لكن الأمر تبدل رأسًا على عقب هذا الموسم!، فإذا كنت أحد جمهور برشلونة، بايرن ميونخ، باريس وبالتأكيد مانشستر سيتي؛ فهنيئًا لك الفوز باللقب المحلي، ولابد أن ما يشغلك الأن، وربما منذ أسابيع خلت، هو وضعية فريقك بالتشامبيونزليغ.

 

يري "أرسين فينغر" أن ثمة عامل جديد دفعنا إلى نقطة اللا منافسة تلك. والعامل كما يراه الفرنسي يتمثل في القوة الشرائية المهولة التي تمتلكها بعض الأندية دون الأخرى، وبالتالي قدرة أكبر على اجتذاب أفضل العناصر من داخل وخارج الدوري الواحد، لا ينكر "فينغر" على مدربي تلك الأندية خياراتهم التكتيكية الناجحة، ولا حجم الجهد المبذول في تطوير أداء اللاعبين، ولكنه يؤكد بأنه لولا تفوق ميزانياتهم المالية لما تمكنوا من حسم الدوريات بتلك السهولة. (1)

 

على الرغم مما أحدثه حسم أربعة دوريات من حالة نقاش وجدل واسع، إلا أن جانبًا أخر من تلك القصة لم يأخذ القدر الكافي من تسليط الضوء، والجانب المقصود يتعلق بالضلع الخامس من الدوريات الكبرى: الدوري الإيطالي. ذلك أن الكالتشيو في نسخته الحالية لم يُحسم بعد، بل على العكس، فالمنافسة مشتعلة للغاية، ليس بين نابولي واليوفنتوس وحسب، بل وبين الثلاثي: إنتر ميلان، روما كما لاتسيو على المقاعد المؤهلة لدوري الأبطال. (2)

   

عن الصورة النمطية

بمجرد ذكر اسمه، يستدعي الكالتشيو صورة نمطية في مخيلة قطاع لا بأس به من الجماهير، صورة عن التحفظ الدفاعي الشديد، وندرة الفرص الهجومية، والنزوع لخطف هدف واحد ثم التراجع في انتظار صافرة النهاية، كما انحسار المنافسة بين ناديين لا أكثر، بالإضافة لالتحامات بدنية قوية تنتهي بطبيعة الحال لمعركة اشتباك بالأيدي!

    undefined

   

وكأي صورة نمطية، فإنها تحمل كل حالات التطرف التي تقع في الكالتشيو. كما أنها تستدعي مشاهد من مباريات مر عليها سنوات بعيدة لتسقط تفاصيلها عنوة على واقع مباريات اليوم، مهما بدا ذلك الواقع مختلفًا عن سابقه، وحتى إذا حظي بمشاهد جديدة تستحق الالتفات إليها.

 

ما يعز على الفهم هو سيطرة تلك الصورة على ذلك القطاع الجماهيري بالرغم من دخول متغيرات عدّة عليها، فمثلًا نجح نابولي واليوفنتوس بتسجيل 134 هدف خلال 26 جولة فقط هذا الموسم،(2) إلا أن الكالشيو ظل في أعين البعض يعيبه ندرة الفرص الهجومية، وحتي عندما صار الفارق بين روما محتل المركز الخامس ولاتسيو صاحب المركز الثالث نقطتين فقط،(2) لايزال يراه قطاع جماهيري أنه دوري يفتقر للمنافسة، بل وحتي عندما قدم مدربو أندية عديدة في مقدمة وآخر الجدول أفكارًا هجومية خالصة، فالبعض لا ينفك عن وصفه بدوري يخلو من التجديد والمتعة!

 

عمومًا لعبة الكراسي الموسيقية التي تمثلها المنافسة المثيرة بين نابولي واليوفي، والأداء الذي يقدمه محليًا عدد غير قليل من الأندية، بالإضافة لقائمة طويلة من المواهب التي بزغ نجمها بالكالشيو، تعد فرصة مناسبة لإعادة طرح السؤال: هل الكالشيو فعلًا دوري ممل؟ ألا يقدم الطليان أي جديد؟ أم أنها الصورة النمطية القديمة التي تحجب الناس عن ملاحظة ما يدور الآن في السيري أيه؟

 

حقيبة الأفكار الإيطالية

هناك ميزة رئيسية متاحة في الكالتشيو حاليًا، وهي قدرته على استيعاب عدد متنوع من الأفكار التكتيكية وأساليب اللعب. المثير هو أن تأمل حالة الفرق الثلاثة الأولي التي تتصدر الترتيب، أو الثلاثة الأخرى التي تتذيله، تكفيك لاستكشاف مقدار هذا التنوع!

فعلى غير المعتاد يتصدر ترتيب الدوري فريق كنابولي يعتمد أسلوب لعب هجومي من الدرجة الأولى، فيلعب الفريق الجنوبي على اقتناص الاستحواذ، وبناء الهجمة من الخلف، والتدرج بالكرة على الأرض، كما يمطر مرمي كل الخصوم بأكبر عدد من الهجمات المنظمة، وقد نال عمل المدرب "ماوريتسيو سارّي" مع لاعبيه استحسان أباطرة الكرة الهجومية مثل "أريغو ساكي" و"بيب غوارديولا"، (3)(4) وبدا أن فريقًا إيطاليًا يقدم نفس النموذج الذي يقدمه برشلونة أو توتنهام، حتى ولو بفاعلية وكفاءة أقل بالتأكيد.

undefined

   

المبادرة الهجومية ليست حكرّا على البارتينوبي في إيطاليا. فبمراجعة بسيطة ستكتشف أن أكبر حصيلة تهديفية بالدوري من نصيب لاتسيو الذي نجح في تسجيل 64 هدفًا عبر 26 جولة فقط، (5) أي بمعدل تهديفي يقترب من هدفين ونصف الهدف بالمباراة الواحدة!

وقد تمكن "سيموني إنزاغي" من الخروج منتصرًا أمام يوفنتونس، روما، وميلان هذا الموسم. ليثبت هذا المدرب، الذي فاز الفريق السماوي تحت ولايته العام الماضي بأول لقب منذ موسم 2012/2013، (6) أنه جدير بالثقة التي نالها من إدارة لاتسيو قبل أقل من عامين فقط، كما يدلل "إنزاغي" على قدرة الكالتشيو بإنتاج مدربين محليين أكفاء يمتلكون أدوات النجاح.

 

بين نابولي ولاتسيو، يقبع اليوفي الذي يطارد الأول بشراسة لأجل الحفاظ على عرشه محلي. البيانكونيري يحافظ على تقاليده التكتيكية مع المدرب "ماكس أليغري"، فتحاول كتيبة تورينو الوصول بأسرع الطرق وأكثرها مباشرة لمرمي الخصوم، وفي المقابل يسعي رفاق "بوفون" لغلق أي ثغرة دفاعية خصوصًا أمام الفرق المندفعة هجوميًا. اليوفي يحقق دومًا للتوازن مستفيدًا من جودة لاعبيه، التوازن الذي تعبر عنه أرقام أقوي خط دفاع بالكالتشيو مستقبلًا 15 هدف، وثاني أقوي خط هجوم مسجلًا 62 هدف خلال 25 مباراة فقط! (7)

 
 يمتاز يوفنتوس "أليغري" بأمر تكتيكي هام، وهو قدرة الفريق على التحوّل بين رسوم خططية مختلفة، ويجيد "ماكس" إعادة اكتشاف لاعبيه في مراكز جديدة، تمامًا كما حدث مع "ديبالا" و"مانذوكيتش".

 

أما أسفل ترتيب الدوري، فيتنافس ثلاثة أخرون على الهروب من شبح الهبوط. بالتأكيد النادي الصاعد حديثًا سبال أكثرهم لفتًا للنظر، وهذا لأن فريق مدينة فيرارا ينتهج أسلوبًا هجوميًا لا يحيد عنه مهما كانت قوة الخصم، فيطلب المدرب "ليوناردو سيمبليتشي" من لاعبيه التقدم في وسط ملعب منافسيهم لاستخلاص الكرة مبكرًا، ثم تهديد المرمى عن طريق إرسال عرضيات وتسديدات كثيفة بدلًا من التمترس في مناطقهم ومحاولة الخروج بأقل الخسائر، وقد نجح سبال بالفعل في هز شباك مرمي كبار الدوري مثل نابولي، يوفنتوس، لاتسيو، انتر ميلان، وروما.(8) المثير للتأمل هو إصرار كتيبة "ليوناردو" على هذه الطريقة الشجاعة بل والمتهورة طوال الوقت، حتى ولو كلفتهم الهبوط للدرجة الأدنى!

 

ليوناردو سيمبليتشي مدرب نادي سبال
ليوناردو سيمبليتشي مدرب نادي سبال
  

الشاهد من استعراض كل تلك التجارب في مقدمة وذيل الجدول، هو التأكيد على تنوع الأفكار التكتيكية في الكالتشيو، وهو ما يتنافى مع الصورة النمطية القديمة التي تخيّل للبعض أن كل فرق الدوري الإيطالي تلعب بطريقة واحدة هي الكاتيناتشو وتتراجع بمجرد تسجيل هدف وحيد، بل أن العكس هو الأقرب للحقيقة!

 

أرقام وأسماء

قد يظن البعض أن الأرقام التهديفية المذكورة سابقًا للفرق المتصدرة كنابولي، يوفنتوس، ولاتسيو، إنما جاءت نتيجة مواجهة فرق منتصف وذيل الدوري فقط، لكن المواجهات الكبيرة لا تشهد غزارة تهديفية، وهي مغالطة أخري معتمدة على تعميم حالة ما على كل الحالات الأخرى. فبالنظر لمواجهتي لاتسيو ونابولي خلال الدور الأول والثاني، سنكتشف أن المباراتين شهدتا تسجيل عشرة أهداف كاملة، وقد فاز لاتسيو على اليوفي ذهابًا 2/1، بعد أن هزم ميلان بنتيجة 4/1، ثم كان لرفاق "بونوتشي" أن يردوا لهم الخسارة بنتيجة 2/1 إيابًا. (9)

وبذكر الروسونيري ينبغي الإشارة لمباراة الدور الأول من ديربي ميلانو، حيث كانت أحد أفضل مواجهات الموسم على مستوي الإثارة والندية، وأنتهت لصالح الغريم إنتر ميلان 3/2 بعد هاتريك "إيكاردي" الرائع، المهاجم الأرجنتيني قاد النيراتزوري لفوز كبير آخر على ملعب الأوليمبيكو أمام روما بنتيجة 3/1! (9)

 

كل هذه الأرقام التهديفية تنفي الجزم بأن المباريات الكبيرة في الكالتشيو لا تشهد سوي التحفظ، والتراجع، والخوف من الخصم. صحيح أن بعضها على الجانب الآخر يتسم بنمط دفاعي حذر، إلا أن كثيرًا منها خرجت بحصيلة تهديفية كبيرة من فرص مصنوعة، وشهدت على ندية وإثارة ورغبة كبيرة في الفوز والتسجيل

  

(أهداف مباراة لاتسيو ونابولي الدور الأول)

  

هناك أمر أخير يتعلق بالأرقام التهديفية ينفي أن الكالتشيو لايزال يشهد ندرة في صناعة الفرص التهديفية، فقد نجح الرباعي المتصدر: نابولي، يوفنتوس، لاتسيو، بالإضافة إلي الإنتر في تسجيل 228 هدفًا خلال 26 جولة فقط،(10) غير أن البيانكونيري يمتلك مباراة مؤجلة أيضًا. هذه الحصيلة التهديفية، قياسًا بعدد الجولات، تعد رقمًا كبيرًا لا يعكس سوي عمل وإهتمام المدربين بالتهديف وصناعة الفرص المحققة حتي ولو بطرق وآليات تكتيكية مختلفة.

 

ظاهرة أخري يشهدها الكالتشيو لا يتم الإلتفات لها كثيرًا رغم وضوحها بشدة، وهي قدرة إيطاليا على إنتاج عدد لا بأس به من المدربين الأكفاء الذين خاضوا تجاربهم الخاصة في الدوري المحلي، قبل أن يُظهروا إمكانياتهم التدريبية وتسعي كُبري الأندية داخل وخارج الكالتشيو للتعاقد معهم. على رأس هؤلاء يأتي "أنطونيو كونتي" الذي تدرج في تدريب الأندية مثل باري في الدرجة الثانية، ثم أتالانتا، وعاد ليقود اليوفي فحقق معه الدوري لثلاثة مواسم متتالية، انتقل بعد ذلك لقيادة البلوز ليفوز بالبريمرليغ خلال موسمه الأول.(11)

  

سلفه في يوفنتوس "ماكس أليغري" لم يكن سوي لاعب عادي ولم ينل أي شعبية جماهيرية، وعندما توجه للتدريب لفت الأنظار له خصوصًا أثناء حقبته مع ساسولو وكالياري، لتلتقطه أعيُن مسئولي ميلان الذي فاز رفقته بالدوري في موسمه الأول، ثم صنع طفرة أوربية لا بأس بها مع البيانكونيري بصعوده لأثنين من أخر ثلاث نهائيات لدوري أبطال أوروبا.(12)

 

لكن "سارّي" الذي يقود قمة الكالتشيو حاليًا تبدو تجربته أكثر اختلافا، فالمدرب صاحب ال59 عامًا قضي حياته المهنية كموظف بنك قبل أن يتجه لقيادة فرق صغيرة بدوريات الهواة،(13) حيث بني هناك قناعاته التكتيكية، وراكم خبرات أهلته لقيادة إمبولي، ثم خوض تجربة مع نابولي يسعي خلالها لاقتناص البطولة الغائبة منذ غربت شمس "مارادونا" عن الجنوب الإيطالي، ينضم إلي تلك الكتيبة المدرب الواعد "سيموني إنزاغي" إلي جانب "إيزيبيو دي فرانشيسكو" لقيادة قطبي العاصمة الإيطالية، ويبدو أن الثنائي عازم على تحقيق شئ جديد للناديين. والأن يبدو أن "جينارو غاتوزو" يكتب أول سطر في تاريخه كمدرب، فقد نجح في إعادة التوازن للعملاق ميلان بعد صعوده لنهائي كأس إيطاليا، إلى جانب وصوله للمباراة رقم 13 بلا هزيمة! (14)

 

أسماء المدربين الطليان التي لمعت خلال المواسم الثلاث الأخيرة، ودفعت عدد من الأندية للاهتمام بالحصول على خدماتها، بعد أن خاضوا تجاربهم الخاصة وتدرجوا بين أندية عديدة، فبنوا قناعاتهم التدريبية المختلفة، وأثبتوا أنهم يمتلكون ما يمكنهم من النجاح، هذه الأسماء تدفعنا لسؤال من يعتقد بافتقار الكالتشيو إلى التجديد، عن مفهومه الدقيق لمعني كلمة التجديد في عالم كرة القدم؟

   

الصحفي الإيطالي
الصحفي الإيطالي "ستيفن مور" عبر تويتر: المدرب سيموني إنزاغي هو صاحب الفضل الأول لجماعية وأداء لاعبي لاتسيو هذا الموسم

     

المنافسة والموهبة

كثيرًا ما لاحقت الكالتشيو اتهامات بانعدام المنافسة خلال المواسم الأخيرة حين سيطر اليوفي على العرش المحلي، والحقيقة أن الأندية الأخرى كانت بحالة شديدة السوء مما سهل بالفعل المهمة على السيدة العجوز، لكن الأمور تبدو مختلفة كثيرًا هذا الموسم حتى أصبح الدوري الإيطالي هو الوحيد تقريبًا بين الدوريات الكبرى الذي يعيش أجواء تنافسية مشتعلة.

 

 الغريب أن يوفنتوس عندما تعرض لخسارة هذا الموسم، لم يكن الطرف الأخر هو نابولي، بل كان ذلك هو لاتسيو في تارة، وسامبدوريا في تارة أخري، وهي أندية تقبع في مراكز أقل ولا تمتلك نفس إمكانيات البيانكونيري. الأمر ذاته تكرر مع لاتسيو حين خسر أمام جنوي، وأمام تورينو، فيما انهزم الأنتر أمام ساسولو، وأمام أودينيزي. بل والأغرب من كل ذلك هو ما تعرض له ميلان أمام بنفينتو الذي يقبع في المركز الأخير عندما اقتنص لاعبوه التعادل في اللحظة الأخيرة من عمر المباراة أمام رفاق "رومانيولي"، لم يكن ذلك هو أكبر مفاجأت بنفينتو، بل لعل إنتصارهم المستحق على سامبدوريا الذي يحتل المركز السادس بنتيجة 3/2 هو المفاجأة الأبرز! (15)

   

(بنفينتو يتعادل مع ميلان في الدقيقة الأخيرة)

 

الشاهد من تلك النتائج، أن أغلب فرق الكالتشيو لا تستسلم منذ البداية أمام الكبار، بل أظهروا في أكثر من مناسبة رغبة في الوقوف كنِد وخصم شرس أمام المنافسين الأصعب. ولعل ذلك الأمر هو ما تسبب في تعقيد المنافسة بين الثلاثي: لاتسيو، الإنتر، وروما وجعل الفارق بينهم ينحصر إلى نقطتين فقط في سبيل حجز مقعد مؤهل للتشامبيونزليغ؛ عمومًا المنافسة بين الثلاثي تستحق المتابعة خاصة فيما تبقي من عمر الدوري.

 

صحيح أن نابولي قد يخسر السباق لصالح خبرة وصلابة اليوفي، وصحيح أن سبال كما بنفينتو قد يهبطا إلى الدرجة الأدني، وصحيح أيضًا أن لاتسيو قد يستغل تركيزه على الدوري فقط ويبتعد بالمركز المؤهل لدوري الأبطال عن غريمه روما، لكن كل ذلك لا يعني أبدًا أن الكالتشيو لم يشهد منافسة حامية ومثيرة هذا الموسم.

 

في التسعينات، أُطلِق على الكالتشيو "جنة كرة القدم". كان ذلك لقدرته على استقطاب أفضل لاعبي العالم بين صفوف أنديته، عاش حينها الدوري الإيطالي فترة مالية مستقرة للغاية، كما تمكنت أنديته من عقد صفقات كبري. لكن الأمر تبدل تمامًا بعد أزمة الكالتشوبولي، وبدا أن كل الأندية ستدخل في أزمات طاحنة، لم ينجو منها يوفنتوس نفسه إلا بعد سنوات.

 

كان لذلك أثر على تصعيد اللاعبين الناشئين، والاعتماد عليهم بالفرق الأولي بدلًا من اللجوء لإنهاك خزائن الأندية بالسوق. واليوم يعد الدوري الإيطالي أحد أفضل المسابقات التي تشهد بروز المواهب الناشئة، وتحوّل لبيئة مثالية تعمل على تطوير إمكانيات اللاعبين، وتعيد استكشاف مسيرة بعضهم من البداية.

 

يقول "بلير نومان" محرر الغارديان، (16) بأن الكالتشيو بات واحد من أفضل الدوريات التي تنتج نجومًا في سماء كرة القدم باستمرار. وبالنظر لمسيرة عدد كبير من اللاعبين، سنكتشف بالفعل أنهم بدأوا في الكالتشيو مجرد مواهب واعدة، ثم تحول أداءهم ليصبحوا من أفضل العناصر في مراكزهم. قائمة كبيرة من اللاعبين تشمل "ماورو إيكاردي، باولو ديبالا، خوان كواردراو، ميراليم بيانيتش، محمد صلاح، درايس ميرتينز، كاليدو كوليبالي، أليكس ساندرو" وآخرين.

    undefined

   

وهناك أيضًا عدد غير قليل من اللاعبين الطليان الذين برزت مستوياتهم بشدة مع فرقهم خلال المواسم السابقة، رآكم هؤلاء الخبرات خلال التدريب تحت إشراف مدربين بالكالتشيو، من ضمنهم "دوناروما، ليوناردو بونوتشي، جورجيو كيلليني، لورينزو إنسيني، تشيرو إيموبيلي، جورجينيو".

 

ينضم إلى هاتين القائمتين، قائمة ثالثة من اللاعبين الذين أعادوا إكتشاف مسيرتهم من جديد بعد أن هبطت مستوياتهم مع أندية الدوريات الأخري، لكنهم عادوا للفت الانتباه مجددًا بالدوري الإيطالي، من بينهم "غونزالو هيغوايين، سامي خضيرة، تشيزني، كاييخون، لويس ألبيرتو، سوسو، إيدين دجيكو".

 

أمر المواهب اللامعة في الدوري الإيطالي ليس وليدًا للمصادفة. ولكنه على الأرجح نتيجة توجه عام ينتشر بين الأندية الإيطالية، وربما كان ذلك السبب الذي دفع أحد أبرز الأسماء في منصب المدير الرياضي كـ"مونشي" اختيار روما كوجهة قادمة له،(17) فبعد سنواته الرائعة مع إشبيلية التي نجح خلالها بإلتقاط أبرز المواهب حول أوروبا انضم الإسباني لينافس اسم لامع أيضًا هو "بيبي ماروتا" المدير الرياضي ليوفنتوس، و"ماركو فاسوني" الذي تنعقد عليه أمال جمهور ميلان بعد أن قام بعمل رائع الصيف الماضي، أضف لهؤلاء "كرستيانو جونتولي" الذي بدأ ناديه نابولي يجني ثمار تعاونه مع المدرب "ماوريتسيو سارّي".

 

أزمة المقارنة

عند الحديث عن الكالتشيو، ينبغي الالتفات إلي أمر شديد الأهمية، وهو أن أغلب الأندية الإيطالية مرت بكبوات إدارية عاصفة خلال العقد الأخير. هذا الإخفاق الإداري هو ما تسبب في التراجع الحاد في مستويات الأندية الكبيرة محليًا وأوروبيًا، ولعله كان السبب الأبرز في كارثة عدم تأهل منتخب الأتزوري لمونديال روسيا 2018.

 

لكنه يشهد حاليًا استفاقة كبيرة، ورغبة إدارية في تغيير الأوضاع إلى الأفضل، لذلك شرعت إدارات أندية روما كما نابولي في العمل الجاد على إنشاء ملاعبهم الخاصة. ومنحت كثيرًا من الأندية الإيطالية اهتماما كبيرًا بأكاديميات الناشئين، والحصول على كشافين متميزين حول ملاعب ومدن أوروبا.

  

الأزمة تبدأ حين يقارن أحدهم المستويات والحالة العامة في الكالتشيو بنظيرتها في البريمرليغ أو الليغا، فتكون النتيجة هو تفوق واضح للإنجليزي أو الإسباني على مستوي المتعة والإثارة والنجومية، وعندها قد يظن أن الدوري الإيطالي يخلو من تلك الصفات فقط عندما يقارنه بدوري يضم "غوارديولا، مورينهو، كلوب، بوكتينيو، فينغر"، أو بدوري أخري يكفيه أنه يضم "ميسي، ورونالدو"!