شعار قسم ميدان

هل يحصل بوتشيتينو على البالون دور يوما ما؟

midan - Mauricio Pochettino

منذ عام واحد تقريبًا كان بوتشيتينو يحلق بتوتنهام فوق السحاب؛ أفضل مركز لتوتنهام منذ عقود، وفريق رائع، ومواهب شابة مصنعة محليًا، وأقوى هجوم ودفاع في البريميرليغ، ومركز ثانٍ في نهاية ما قيل إنه سيكون أكثر مواسم الكرة الإنجليزية تنافسية. كل الإجراءات الروتينية البيروقراطية لتشييد الملعب الجديد قد انتهت وتم الإعلان عن تصميمه الذي سيجعله أحدث ملعب في أوروبا. (1)

 

بعد عام واحد تقريبًا من تلك اللحظة بدأت الشقوق تظهر في صورة توتنهام بوتشيتينو المثالية التي استغرق رسمها ثلاث سنوات؛ أفضل مدافعيه رحل بالفعل وثاني أفضل مدافعيه سيتبعه بلا مقابل تقريبًا، ورائحة الدم قد تسربت لأنوف قروش أوروبا وبدأت في التحرش بنجوم فريق، والملعب الجديد يتكلف أكثر مما كان مخططًا له بكثير، مقتطعًا من ميزانيات أخرى كانت مخصصة للإبقاء على هذا الجيل في الوايت هارت لين الجديد، وكأن المشروع – بطريقة ما – صار يأكل نفسه بنفسه. (2) (3) (4) (5)

 

اسمه ماوريسيو

أن تكون ماوريسيو بوتشيتينو لهو أمر شاق للغاية. بداية أنت تمتلك قناعات تحاول تطبيقها مثلك كمثل باقي المدربين، صحيح أنك لا تمتلك نفس العُقد التي يعاني منها غوارديولا ومورينيو ولكن طريقة لعبك لكرة القدم باهظة التكلفة فعلًا. الكثير من الركض والجهد والتعب والضغط لكل عناصر الفريق بلا استثناء طيلة الموسم تقريبًا. في البداية لم تكن الكرة العمودية المباشرة بهذه الصعوبة، الجميع كان يعامل توتنهام معاملة توتنهام، يتجرأ عليه ويهاجمه ويترك المساحات، ومع الوقت أصبحت تدفع ضريبة نجاحك وصار الجميع يعاملك معاملة السيتي، فقط بدون أموال السيتي.

 

 (الفارق بين حقبة ريدناب وحقبة بوتشيتينو مع توتنهام)

 

كل هذا هو جانب يسير من القصة، فماوريسيو مدرب مبدع وذكي للغاية ولن يستحيل عليه التأقلم مع الأوضاع الجديدة، وبالطبع يمكننا أن نقص عشرات الحكايات المشابهة من التاريخ عن مدربين طموحين أرادوا الملاكمة في أوزان أثقل من أوزانهم، ولكنك إن أضفت لكل ذلك الجهد الخارق المطلوب لإقناع أمثال إيريكسين وكين وآلي وروز برفض برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد، والجهد الخارق المطلوب لمتابعة فرق الناشئين والاستثمار في عناصرها، والجهد الخارق المطلوب لتكوين دكة بدلاء جيدة بإمكانيات محدودة، والجهد الخارق المطلوب لكي تحقق كل ذلك في لندن، العاصمة التي تمتلك أكبر عدد من النوادي بين الستة الكبار، فإن المهمة تكاد تقترب من الاستحالة.

 

على سبيل المثال، وعلى العكس من وضوحه ومباشرته البالغة داخل وخارج الملعب، فإن ماوريسيو وفريق عمله مهووسون بما يطلق عليه الأرباح الهامشية في اللعبة. من اسمها يتضح طبعًا أنها ليست بهذه الأهمية وهذا هو بالضبط مكمن قوتها، قوة المناطق الغير مُستكشفة في اللعبة، أو التي عادت إلى الظل مع سيطرة البذخ والإنفاق بلا حساب على اللاعبين. الجميع يتجاهل الأرباح الهامشية لأنها هامشية، ولكن توتنهام بوتشيتينو وجد طريقة لمراكمتها دون أن يثيروا الكثير من الجلبة. (6)

 

على الهامش

هناك فيلم شهير يحكي عن موظف بنك وجد خطأ في نظام تصريف الكسور المالية، ومن ثم استعان بأحد خبراء الكمبيوتر لينشىء حسابًا وهميًا يتم تحويل كل هذه الأرباع والأخماس والأسداس إليه، كل البنسات التي لا ينتبه إليها أحد ويعاملها الجميع على أنها كم مهمل، وفي النهاية اكتشف أن بجمعها أصبح يمتلك عدة مئات من الملايين. (7)

 

هذا هو ما يفعله ماوريسيو وفريقه بالضبط، في بداية الموسم استثمر توتنهام ببناء فندق للاعبين بجوار ملعب التدريب. الأمر كله تكلف 35 مليون باوند  تقريبًا ولكنه منح لاعبيه عدة ساعات من الراحة عقب كل جولة، خاصة تلك الجولات التي يعود فيها الفريق من سفر شاق داخل أو خارج إنجلترا، وتلك الساعات القليلة منحتهم معدل تعافٍ أفضل من الإجهاد المتراكم بسبب طريقة لعب الأرجنتيني المتطلبة، وجعلتهم أكثر جاهزية لكل جولة تالية، لأن طريقة لعب الأرجنتيني المتطلبة – والممتعة في نفس الوقت – هي أحد أهم ركائز الدعاية للنادي في آسيا وشعبيته المتزايدة في العالم يومًا بعد يوم. (6)

  undefined

  

بالطبع ليس هذا إلا هامش من الأرباح الهامشية. كين وآلي ووكر وروز وإيريكسين وغيرهم هم أحد أكبر تجليات تلك الظاهرة، لأن الخماسي لم يكلف توتنهام إلا 20 مليون باوند تقريبًا، بينما تتجاوز قيمتهم الحالية عشرة أضعاف هذا الرقم على الأقل، ولابد أن إحساس دانييل ليفي رئيس النادي الآن هو نفسه إحساس موظف البنك عندما اكتشف أن تلك الفكّة التي لا يعيرها أحد انتباها قد تجمعت مكونة مئات الملايين. (8)

 

بالطبع سيظل هناك من يعامل الأرجنتيني على أنه قد وجد حقيبة من المال في الشارع، وهناك من سيعتبر البطولات والألقاب هي المقياس الوحيد لنجاحه أو فشله، رغم أن تعريف النجاح الحرفي والتقني والعملي هو تحسين الأوضاع ببساطة، أن تستلم فريق منتصف جدول وتقحمه عنوة بين صفوف النخبة على حساب كبار المدينة، وهو ما فعله الأرجنتيني – بدرجات مختلفة – في كل تجاربه التدريبية بلا استثناء، وفي إسبانيول وساوثامبتون وتوتنهام ستظل صورته معلقة وبأسفلها عبارة تقول أنه المدرب الذي حقق أفضل مركز للفريق منذ عدد لا بأس به من السنين، بل وفي تاريخ النادي أحيانًا. (9) (10) (11)

 

بين شقي الرُحى

أنت تعلم العبارة الكريهة عن أن مشكلة اللاعب الفلاني أنه أتى في زمن اللاعب العلاني. تلك هي أكبر مشاكل بوتشيتينو فعلًا حتى اللحظة رغم ما اكتسبته العبارة من ابتذال عبر السنين. في الملعب هناك ميسي ورونالدو، وخارجه هناك مورينيو وغوارديولا، والصراع بين ثنائي المدربين حرم الباقين من الأضواء حتى عندما استحقوها. في الموسم الماضي تفوق الأرجنتيني على الاثنين ولم ينل حظه من الإشادة، وفي الموسم الحالي أصبح الفارق بينه وبين تشيلسي 7 نقاط لصالحه رغم فارق الإنفاق الضخم، و4 نقاط مع مانشستر يونايتد رغم فارق الإنفاق الأضخم.

 

يمكنك أن تستبدل اسم بوتشيتينو بكلوب مع اختلاف التفاصيل. بالطبع لا يمكن اعتبار ليفربول – ولا حتى توتنهام – فرقًا "صغيرة"، ولكن أيضًا ليس هناك ما يضمن أن يكرر الألماني والأرجنتيني نجاحهم إذا توفرت لهم نفس الموارد التي تتوفر لغوارديولا ومورينيو. بالضبط مثل اللاعبين الذين لا يعني تألقهم مع الفرق الصغيرة أنهم سيلمعون في الكبيرة، ولكن بعضهم على الأقل يمنحك الشعور بأنه لاعب كبير منذ تقع عليه عيناك، وكل المؤشرات تقول إن بوتشيتينو واحد من هؤلاء.

 

 (بوتشيتينو تسلم تلك التشكيلة وحولها إلى ما هي عليه الآن.. سحر!)

   

في الموسم الماضي وعقب تصريحه بأنه يتمنى تدريب ريال مدريد يومًا ما، عاد مارويسيو وأكد على التزامه بمشروع السبيرز، وتحدث عن اتفاقه مع ليفي على معاملة مشروع توتنهام بما يستحق، وعدم استغلاله للترويج لنفسه، (12) ولكن كل ذلك يبدو في طريقه للتفكك، إن لم يكن في الموسم القادم فغالبًا في الموسم الذي يليه بحد أقصى، لأن الريال لن يصبر كثيرًا على كين، وإيريكسين سيرغب في الفوز بالبطولات حتمًا، وآلي وروز لن يبقوا بعد أن يرحل كل هؤلاء، وحتى لو جلب كل ذلك مئات الملايين لخزائن توتنهام فإن ليفي سيفقد أهم ما في المشروع عاجلًا أو آجلًا؛ خبير الكمبيوتر القادر على تحويلها لحساب وهمي.

 

  الجانب المضيء من القصة هو أن نهاية مشروع توتنهام، أو تراجعه عدة خطوات إلى الخلف بانتظار بوتشيتينو جديد، قد لا يعني بالضرورة نهاية مشروع ماوريسيو المدرب، بل العكس على الأرجح، ومع تصدره قائمة المدربين المطلوبين في الفرق "الكبيرة" بأنحاء أوروبا، قد يكون ماوريسيو هو الوجه الجديد الذي ينتظره الجميع ليكسر هيمنة الثنائي الإعلامية على الأقل، وقد لا يكون مفاجئًا أن يصعد يومًا ما على المنصة ليتسلم البالون دور.