شعار قسم ميدان

هل اقترب رونالدو من الظفر بالكرة الذهبية السادسة؟

midan - ronaldo
في بعض الأحيان يفرض قانون كرة القدم أشياء غير اعتيادية، حينها تتنحى الإحصائيات والأرقام جانبًا، لا يكون هناك مجال لسرد الوقائع والتسلسلات الماضية، تتنحى حتى تلك الأمور التي تتعلق بالحب والكره، لا يصبح هناك مجالًا لأي شيء إلا التصفيق، والتقاط الصور التي توثق تلك اللحظات، والانتظار بأن يعود الأدرينالين إلى معدله الطبيعي، ومن ثم العودة مرة أخرى للمنطق وتسلسلاته.

       

هُنا يظهر كرستيانو رونالدو وأمثاله، هؤلاء من يحبون أن تبدو الأشياء غير المنطقية منطقية، من يقررون إيقاف الزمن قليلًا عند لحظات معينة، ويجعلون البعض يتمنى أن يتوقف الزمن أكثر من ذلك؛ حتى لا تمر حقبتهم سريعًا.

        

إعادة تعريف كرستيانو رونالدو

في عمر الثالثة والثلاثين وصل رونالدو إلى خريفه تزامنًا مع ربيع ريال مدريد،(1) مهما بلغت قيمة اللاعب فإنه يخضع لعوامل السن وقوانينه، بدنيًا وفنيًا يصبح غير قادر على العطاء كما كان يفعل في منتصف العشرينات، هنا يصبح اللاعب أمام خيارين، إما البحث عن تحدٍ أقل بعيدًا عن ضغوطات أوروبا، وإما تعديل بعض أدواره لتصبح أكثر ملائمة لقدراته البدنية.

       

undefined

  

الخيار الثاني هو ما حدث مع رونالدو، وبرؤية ثاقبة من زيدان، لجأ إلى إراحة رونالدو في المباريات الهامشية من أجل توفير طاقته لتلك الحاسمة،(2) مع تعديل بسيط في أدواره التكتيكية بتحويله من جناح أيسر إلى مهاجم صريح من أجل تخفيف العمل البدني المطلوب منه.(3)

      

هذا التحول أحدث انقسامًا بين مشجعي كرة القدم، انقسامٌ من الممكن أن تكون الأهواء هي المتحكم الأول فيه، ذلك الذي يرى فيه البعض أن هذا التحول يعني انتهاء رونالدو، وأنه فقط يعيش على لمسات يستطيع أي لاعب القيام بها ومع ذلك يحصد بها الإشادات، وفئة أخرى ترى بأن رونالدو أصبح مهاجمًا، ومهمة المهاجم فقط هي تسجيل الأهداف ليس إلا، أما كيفية تسجيلها فليست موضعًا للحديث من الأساس.

               

undefined

     

وأمام يوفنتوس، وفي ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، تكفل رونالدو بحسم الليلة بتسجيله هدفين وصناعة هدف(4)، بل وتقديم أحد أفضل مبارياته على الإطلاق خلال هذا الموسم من حيث كل تفاصيل الأداء من تسجيل وصناعة وتحركات وغيرها، ما تسبب في الكثير من الإشادات، وفي نفس الوقت، أثار الكثير من التساؤلات التي ستستمر حتى نهاية العام على الأغلب.

  
نحو الكرة الذهبية

التساؤلات المعتادة تدور حول أشهر الحسم، تلك التي أصبحت موعد ظهور النسخة المرعبة من كرستيانو رونالدو في السنوات الأخيرة، والتي تلعب دورًا كبيرًا في حسمه لسباق الكرة الذهبية كل عام، وبضربته الخلفية المزدوجة أمام يوفنتوس، سيتصدر رونالدو الأحاديث الكروية لمدة ليست بالقصيرة، وستبدأ المطالبات بكرة ذهبية سادسة كلما اقترب ريال مدريد أكثر من الظفر بالثالثة عشر.

        

    

هنا ندخل في معضلة أخرى، هل حسابات الشخصية والقيادة والروح وما شابه يمكن أن تتحكم في تقييم اللاعب الأفضل، أم أن الأمر قائم على الأداء الفني فقط، وهل الجائزة تحسم بالأرقام الفردية أم بالأداء الجماعي، وتحضر أضًا دوامة الأهداف والمراوغات، الإحصائيات الحقيقية والوهمية، وتظل الأزمة قائمة حتى تُسلم الكرة الذهبية لأحدهم بل وبعدها بشهور، قبل أن نخرج من حسابات الكرة الذهبية الماضية لحسابات الكرة الذهبية التالية.

   

على أية حال، رونالدو سجل 14 هدفًا في دوري الأبطال هذا الموسم، على بعد 3 أهداف فقط من كسر رقمه كهداف تاريخي للبطولة، والذي حققه عام 2014 برصيد 17 هدف،(5) وبنتيجة ثلاثة أهداف مقابل لا شيء في الذهاب قد يلجأ زيدان إلى إراحة بعض لاعبيه إيابًا، ولكن رونالدو سيلعب من أجل الرقم والثقة واستكمال فترة الرعب، وهو ما يجعله قريبًا جدًا من الاقتراب من الرقم أو معادلته حتى في مباراة سيلعبها اليوفي بلا روح وبلا رغبة نظرًا لنتيجة الذهاب.

   

المعطيات التي كانت تقول أن رونالدو بعيد عن الأضواء هذا الموسم أصبحت تقول غير ذلك، فأرقامه هذا الموسم معظمها تحقق في عام 2018، ما يجعل ترشيحه للقائمة النهائية لأفضل لاعب في العالم شبه مضمون، بل أنه في حال فاز ريال مدريد بدوري أبطال أوروبا فإن الجائزة ستقترب من متحف رونالدو، ورُبما معها جائزة بوشكاش لأفضل هدف في العام أيضًا بتلك الضربة الخلفية.

    

    

مستحقة وغير مستحقة

في قانون البشرية، دائمًا ما تُلتقط الصورة الأخيرة كدلالة على تفاصيل السيناريو بأكمله، فمثلًا حلبة الملاكمة ينتصر فيها من يستطع إسقاط خصمه بالقاضية، حتى وإن لم يكن الأفضل، وفي دنيا الفن، يتعاون الشاعر والملحن والعازفون، وفي النهاية المطرب هو من يحصد جميع التصفيقات وحده، لأنه هو من يظهر في الصورة، كرة القدم كذلك أيضًا، تعطي الإشادة لصاحب اللمسة الأخيرة، لأنها تخضع لما يخضع له غيرها.

   

قد يكون هذا القانون ظالمًا، وقد يكون اختزالاً لكثير من المقدمات في نتيجة واحدة، وقد يكون ثغرة تعطي البعض أكثر من حقهم وتحرم آخرين مما يستحقون، ولكنه قانون ساد في دنيا الناس، لا يستطيع أحد تغييره لأنه ليس قاصرًا على مجال واحد، بل أنه تأصل في كل شيء حتى أصبح طبيعة بشرية يتعامل بها الجميع.

    

أشهر الحسم هي الأهم، حتى وإن كان المنطق يقول غير ذلك، تقديم أداء جيد طوال الموسم يدخل ضمن حسابات الأفضل، ولكن حين يتعلق الأمر باللمعان في أشهر الحسم الأخيرة من الموسم فإن أهمية الأشهر الأولى تتلاشى، وتصبح اللقطة الأخيرة هي اللقطة التي يُقيم السباق من خلالها، وغالبًا ما يفلح فيها رونالدو، لهذا يحصد الكرة الذهبية.

    

على كل حال حدة الانتقادات ستخفت حتى تنتهي تمامًا، والحديث عن إبعاد رونالدو عن صراع الأفضل في العالم أخذ وقته حتى ظهر كرستيانو وأثبت عكس ذلك، وقوف رونالدو على منصة الثلاثي الأفضل أصبح مؤكدًا، وإمساكه بالكرة الذهبية أصبح قريبًا أكثر من أي وقت مضى، وفي حال حدث هذا أو ذاك، فإن الخيارين سيندرجا تحت خانة المنطقي، حتى وإن كان وصفهما بالعدل محل شك حسب بعض الآراء.