شعار قسم ميدان

كتب كرة القدم..هل تحتاج الرياضة للأدب؟

midan - stadium
اضغط للاستماع
   

 في البداية وقبل الاف السنين، كان الاعتماد على القوة البدنية ضرورية حياتية من خلال مزاحمة أقرانه سواء سعيا وراء الطعام أو هربا من كائن اخر يفوقه قوة، أو بعبارة أخرى بحثا عما يملأ به المرء بطنه وهربا من أن ينتهي به المطاف وجبة لمفترس آخر، وهو المبدأ الذي ترسخ في "اللاوعي الجماعي" للذكور.

 

بمرور السنين وبحكم تطور ملامح الحياة إلى صورة أكثر عصرية لا تعتمد بصورة أساسية على القوة البدنية، تعذر على الرجال الشعور بزخات الأدرينالين التي استشعرها ذلك الانسان البدائي الناجمة عن هذه المنافسة الضارية وكانت الساحات الرياضية البديل المثالي العصري الذي يلبي تعطش اللاوعي لهذه المشاعر.

 

تعددت صور هذا البديل، ما بين ألعاب قوى ورغبي وسلة وغيرها العشرات وربما المئات من الرياضات، ولكن كان لكرة القدم سحر خاص، أسر قلوب ملايين المشجعين، على أقل تقدير، في جميع أنحاء العالم لتتربع على عرش الرياضة الأكثر شعبية على سطح البسيطة.. الكروية.

 

يمكنك مطالعة عشرات المقالات التي تسوق أدلة على ذلك، بينها أن اثنين ضمن أكثر خمسة رياضيين شعبية، في القائمة التي أعدتها شبكة اي اس بي ان لعام 2017، لاعبا كرة قدم، هما البرتغالي "كريستيانو رونالدو" المتصدر وغريمه الأرجنتيني "ليونيل ميسي" الذي يحتل المركز الثالث في القائمة التي يكملها الأمريكي "ليبرون جيمس" لاعب كرة السلة ثانيا ولاعب التنس السويسري "روجر فيدرر" رابعا مباشرة أمام لاعب الجولف الأمريكي "فيل ميكلسون". (1)

   undefined

  

أو ببساطة يمكنك أن تلقي نظرة على مقاهي العاصمة المصرية، على سبيل المثال، خلال مباراة قمة بين الأهلي والزمالك، أو عندما يلعب ليفربول بقيادة نجمه وهداف الدوري الإنجليزي الممتاز محمد صلاح، وحتى العواصم الأوروبية، التي تترقب مواجهات الكبار، ناهيك عن ذكر التأييد الجارف الذي تحظى به أندية المدن من قاطنيها.

 

فبمجرد تأييدك لناد بعينه يكون ذلك بمثابة مبايعة أو تفويض لهذا الفريق بممارسة تلك القاعدة التي حفرها الانسان البدائي في اللاوعي الجماعي نيابة عنك، متمثلة في الفرار من أنياب المفترسات الأخرى، وهي في هذه الحالة لاعبو الفريق المنافس، والسعي وراء الفوز، ولا شيء سواه. يصل الأمر لحد التماهي مع من يمثلك في هذا المعترك فهو قادر ادخال البهجة على نفسك أو استدرار الدموع أو اثارة حماسك، وربما كل ذلك في غضون دقائق معدودات تماما كرواية أدبية محكمة الحبكة ومتقنة التفاصيل.

 

بين الشمس والظل

ربما يبدو التشبيه غريبا للحظة الأولى، ولكن بعد اعادة النظر سيتضح أن هناك قواسم مشتركة بين كرة القدم والأدب – بخلاف بعض العبارات المتداولة في الصحف الرياضية وأبرزها "فوز ملحمي" – في العالم الغربي على الأقل حتى الان، فهناك يلتقي الأدب وكرة القدم في اصدارات تميل كفتها تارة نحو الجانب الرياضي، وتارة أخرى تنجرف بقوة إلى عالم الخيال الخصب الذي تربطه بالواقع الساحرة المستديرة.

 

ينتمي للفصيلة الأولى بامتياز كتاب "الهرم المقلوب: تاريخ تكتيكات كرة القدم" أو "Inverting The Pyramid: The History of Soccer Tactics" للكاتب جوناثان ويلسون، الذي أصبح أشبه بكتاب مقدس للباحثين عن الهداية في العالم الخططي الذي يكمن ما وراء العشوائية التي قد تبدو عليها بعض المباريات. (2)

  

undefined 

   

أما على الجانب الاخر، فكان لأمريكا الجنوبية فضل كبير في تطورأدب كرة القدم، ولم لا فهي موطن لاثنين من أقوى المنتخبات تاريخيا، البرازيل والأرجنتين، ومهد للواقعية السحرية. عندما تزاوج هذان الشغفان، تمخضت قريحة الأديب الأوروجوائي ماريو بيندينتي عن قصة "مهاجم الجبهة اليسرى"، ضمن مجموعة  "أهالي مونتفيديو" الصادرة عام 1959.

 

تطور هذا المولود من مجرد رضيع يرقد بلا حول بين صفحات مجموعة قصصية إلى شاب قوي لا يخجل من اعلان وجوده صراحة، عندما أًصدر الكاتب الأرجنتيني روبرتو فونتاناروسا مجموعته "كرة قدم نقية" في عام 2000.

 

وبين قيظ كرة القدم وفنياتها، وصفحات الأدب الظليلة، أوجد الأديب والصحفي الأوروجوائي ادواردو جاليانو مساحة لكتابه "كرة القدم بين الشمس والظل"، والتي استعرض من خلالها أهم مباريات كأس العالم منذ البداية وحتى عام 1994، مسلطا الضوء بأسلوب أدبي على أهم الأهداف وأبرز اللاعبين على مدار تلك السنين، بينما ظهرت في هذه المنطقة الرمادية، ان جاز التعبير، في القارة العجوز سير ذاتية للاعبين ومدربين، أبرزهم ليونيل ميسي ولويس سواريز وبيب جوارديولا.

 

مشروع رائد

أخذ الكاتب الأرجنتيني لوثيانو بيرنيكي الراية من جاليانو واتخذ منحى جديدا إذ يقودك بأسلوب أدبي ذي لمسة كوميدية لاستكشاف ما يحدث في أروقة الحدث الرياضي الأهم في عالم كرة القدم، ولكن من زاوية مختلفة من خلال كتابه "أغرب الحكايات في تاريخ المونديال" (2).

  

undefined

  

ويقول بيرنيكي إن "الهدف من الكتاب يركز على القصص الانسانية المفاجئة والتي سقط الكثير منها طي النسيان أو الجهل. كما أن هذا الكتاب يرصد نسخ كأس العالم من منظور عالمي، بقصص تبدو مسلية في الأرجنتين أو مصر أو فنلندا أو الصين. سيتمكن القارئ من الاستمتاع بنوادر طريفة حدثت داخل الملعب أو في المعسكرات أو حتى على بعد مسافات بعيدة من البلد المنظم، دائما في اطار كأس العالم".

 

يروي الكاتب الأرجنتيني أن اعداد هذا الكتاب تطلب عاما ونصف من الاستقصاء ومطالعة عشرات الكتب والصحف التي تعود لتلك الحقبات، من خلال قادته عبر عواصم أوروبية ولاتينية وكذلك مختلف المواقع الالكترونية.

 

ربما تكون هذه النقطة تحديدا أحد الأسباب الرئيسية التي تكبل راغبي الخروج من حيز التقارير الصحفية الضيق إلى افاق هذا النوع من الأدب في عالمنا العربي، فنادرا ما يكون هناك سجلات موثقة يمكن الاعتماد عليها لبناء صرح هائل مثل "أغرب الحكايات في تاريخ المونديال"، الذي ترجمه إلى اللغة العربية الصحفي الرياضي محمد الفولي، كخطوة أولى ضمن مشروع ضخم أطلقته دار "مسعى" بهدف نقل هذه الكنوز إلى القارئ العربي.

 

  

 وعن تجربته يقول الفولي "هذا المشروع هو حلم يراودني منذ ثلاث سنوات وطرأت فكرته في رأسي بعدما واجهت شحًا غير مبرر في المراجع العربية  المطبوعة عن كرة القدم وبالأخص كأس العالم. لكن تأخرت طلقة البداية، نتيجة لوجود بعض المعوقات؛ أولها كون الفكرة جديدة على العالم العربي وثانيها تخوف البعض من التكلفة الكلية لإخراج مثل هذا الكتاب الضخم من ناحية الترجمة والطباعة وحقوق المؤلف. هكذا قررت تأجيله لبعض الوقت، لكن الحلم لم يفارقني. كحل بديل شرعت في تأليف عمل عن كرة القدم بعنوان (أوفسايد) لإزالة عقبتي تكلفة الترجمة والحقوق من أمام الناشرين، لكن تأجلت عملية نشره لظروف خارجة عن إرادة كل الأطراف".

 

وأضاف "بعدها تعرفت على السيد محمد النبهان صاحب دار مسعي وتحمس كثيرًا للفكرة وبدأنا في التواصل مع المؤلف الذي رحب كثيرًا بالفكرة وبدأنا المشروع الذي تزامن للصدفة مع اقتراب مونديال روسيا، لتخرج هذه الموسوعة المختلفة والمميزة للقارئ العربي. كنت قبلها بنحو عام قد تعرفت على الأدب الكروي الأرجنتيني وانغمست داخل هذا العالم. قرأت نحو 15 مجموعة تنتمي لهذا التصنيف، واخترت أفضل القصص منها نها لترجمتها وعرضت الفكرة على النبهان فرحب، وتمخض الأمرعن فكرة أكبر للقارئ العربي هي سلسلة (صافرة) التي ستعني بكرة القدم والأدب وعوالمهما المتلاقية".

 

وبجانب السلسلة، التي سيصدر من خلالها أيضا كتاب "11 ضد 11" لنفس الكاتب الأرجنتيني، يلتقي هذان العالمان في مجموعة قصصية أخرى تحت اسم "حكاية عامل غرف"، من ترجمة الفولي التي تصحب القارئ في دهاليز الرياضة الأكثر شعبية بحبكة أدبية متقنة.