شعار قسم ميدان

مورينيو وكونتي.. صراع الهوية

midan - كونتي ومورينيو

 القليل من الكرة، المزيد من الانتهازية، الاستماتة في الدفاع، العقم في الهجوم، تشيلسي بطلاً لكأس الإتحاد الإنجليزي 2018 بالفوز على مانشستر يونايتد بهدف نظيف، ليعنون الخسارة الأولى لجوزيه مورينيو في النهائيات الإنجليزية ويُخرجه من الموسم خالي الوفاض، بينما ظفر الإيطالي أنتونيو كونتي ببطولة، أنهى بها عمله مع البلوز قبل إقالة متوقعة.

   

(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين - هوسكورد)
(تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين – هوسكورد)

   

وجهي عملة الانتهازية

اللافت للنظر ليس نوع المباراة التي لعبها تشيلسي كونتي، بل حقيقة أنها لُعبت أمام مانشستر مورينيو، بعد عامين من تفنن الأخير في لعبها أمام بقية كبار الإنجليز. هو حكم القدر نظراً لركلة الجزاء التي أهداها فيل جونز لإيدين هازارد مبكراً، وهي أول فرصة انتهزها البلوز وبنوا عليها بقية مباراتهم، من أصل 3 كرات وصلت إلى مرمى الإسباني ديفيد دي خيا.

 

ما حدث هو ما تمناه واستعد له كونتي جيداً بـ3-5-2 تضم 7 لاعبين دفاعيين يجاورهم سيسك فابريغاس ويتقدمهم هازارد وأوليفييه جيرو، ليترك الملعب كاملاً لمانشستر يونايتد طالما أنه ليس مضطراً للعب، ليس من الواضح ما الذي كان بمقدوره فعله حال انعكاس السيناريو وتقدم الخصم الأحمر، كانت دكة بدلائه مليئة بالخيارات الهجومية، ولكن العلاقة بين عدد وجودة الأفراد ونوع الكرة التي تُقدَّم هي علاقة لا وجود لها هنا، على طاولة من يضعوا الأمان الظاهري منهجاً رئيسياً لأفكارهم.

   

(متوسط تمركز لاعبي الفريقين: تشيلسي بالبرتقالي يساراً ويونايتد بالأزرق يميناً - هوسكورد)
(متوسط تمركز لاعبي الفريقين: تشيلسي بالبرتقالي يساراً ويونايتد بالأزرق يميناً – هوسكورد)

    

مانشستر يونايتد لعب وحده تقريباً، 66% هي نسبة الاستحواذ، 18 محاولة مقابل 6، بضعف عدد تمريرات تشيلسي تقريباً (624 مقابل 318)، وبقرابة ثلثي الكرات الطويلة التي لعبها الأخير (40 مقابل 62). متوسط تمركز لاعبي الشياطين الحمر اجتاز نصف ملعبه بـ8 لاعبين، فقط قلبي الدفاع جونز وكريس سمولينغ والحارس دي خيا كانوا وراء هذا الخط، الذي لم يجتازه من الخصم سوى جيرو وهازارد. في النهاية قضت الكرة 40% من الوقت في ثلث تشيلسي الدفاعي ومثلهم في الثلث الأوسط، مقابل نصف هذا الرقم في ثلث يونايتد.

 

رُبما قدَّم جوزيه ما كان يملك نظرياً بمحاولة اللجوء للمثلث المقلوب في 4-3-1-2 لخلخلة عمق الدفاع الثلاثي، ولكنه في النهاية لم يستطع تسديد ولو كرة واحدة من أصل 7 طوال الشوط الأول على مرمى تيبو كورتوا. قدَّم جيسي لينغارد 70 دقيقة من اللا شيء، يقابلها تفنن من ماركوس راشفورد في إضاعة ما أتيح له. بالمناسبة، وقبل أن نطرح تساؤلاً منطقياً عن سر اختيار راشفورد على حساب مارسيال، كان مورينيو قد استغل أداء الثنائي كمرجعية لسر إشراكه الدائم لمهاجمه البلجيكي روميلو لوكاكو، في معرض انتقاده العلني للاعبيه عقب الخسارة من برايتون(1)، لا يتسع المجال للحديث عن مدى جودة تحضير جوزيه النفسي للاعبيه، ولكن كانت تلك هي النتيجة في غياب لوكاكو عن التشكيل الأساسي إثر نقص اللياقة(2).

     

(الخريطة الحرارية للفريقين تظهر تراجع تشيلسي إزاء تقدم يونايتد، وميل الأول لمحاولة الضرب من الجانب الأيسر مع الثبات الدفاعي في الأيمن - هوسكورد)
(الخريطة الحرارية للفريقين تظهر تراجع تشيلسي إزاء تقدم يونايتد، وميل الأول لمحاولة الضرب من الجانب الأيسر مع الثبات الدفاعي في الأيمن – هوسكورد)

     

بينما وزع الشياطين الحمر هجومهم على الأطراف بنسب متساوية (40% لكلا الجانبين و20% للعمق)، حصل يسار تشيلسي على غالبية كاسحة تجتاز النصف (53%) مقابل 22% للعمق و25% للطرف الأيمن. لتواجه جبهة فالنسيا المتقدم -إجبارياً- شرور الثنائي ماركوس ألونسو وإيدين هازارد بالإضافة لدعم سيسك فابريغاس في عملية الخروج بالكرة عبر كل فرصة ارتداد لتشيلسي. قد يستحق مورينيو الإشادة على كونه الطرف الذي حاول، ولكن فقط دعنا نتساءل عما كان ليحدث لو انعكست الجهة الحاصلة على ضربة الجزاء في الدقيقة الثانية والعشرين..

 

الثبات على المبدأ

لم يواجه كونتي أي مشكلة في مواصلة تسيير المباراة بنفس النسق لصبيحة اليوم التالي، فلم يكن مورينيو يملك أسلحته المعتادة لتغيير الأوضاع، أو بكلمات أخرى "الحضور البدني لفيلايني ولوكاكو"(3) كما وصفه بلسانه في المؤتمر الصحفي التالي للمباراة. مورينيو لم يكن يرغب في اللعب على الأرض في حالتي التقدم والتأخر بأي حال، هو شيء نسيه على ما يبدو وكل ما حدث أنه أجبر عليه وفقاً لسيناريو المباراة.

 

قدّم يونايتد خطورة شحيحة، ظهر خلالها أليكسيس سانشيز بصدارة صناعة اللعب (4 تمريرات مفتاحية)، ولكنها فشلت في اجتياز الحارس تيبو كورتوا، رجل المباراة وفقاً لهوسكورد بتقييم 8.0 و5 تصديات، بينما استثمر تشيلسي 3 إسهامات رئيسية: إسهامات هازارد الهجومية وقدرته على الاحتفاظ بالكرة وإرهاق دفاع الخصم، رغم تكبيل قدراته في تلك النوعية من طرق اللعب – وحشية نغولو كانتي في خط الوسط بـ6 تدخلات ناجحة بالعلامة الكاملة و4 اعتراضات للكرة، وأخيراً دور أوليفييه جيرو كمحطة لتقصير طريق المرتدة، حيث فاز الفرنسي بـ7 صراعات هوائية من أصل 17 في المباراة، في مواجهة الثنائي فيل جونز الذي فاز بـ4 من 9، وكريس سمولينغ الأفضل نسبياً الذي فاز بـ8 من 11.

 

قياساً على نجاح طريقته في الإتيان بأكلها، أبقى كونتي على جميع أوراقه بجواره في مقاعد الاحتياط، والتي كانت تفتقر لعناصر دفاعية إضافية باستثناء الظهير الأيمن دافيدي زاباكوستا. ارتأى المدرب الإيطالي أن خير ما يمكن أن يفعله الآن هو الحفاظ على الشكل الحالي، فحل ألفارو موراتا على حساب جيرو في الدقيقة 89، تلاه ويليان بدلاً من هازارد في الدقيقة 91. ولكن صدقاً، لماذا يؤجل الطرف الخاسر تبديلاته رغم وضوح العيوب إلى الدقيقة 73؟

 

بينما عانى لوكاكو من نقص اللياقة بوضوح، قدم مارسيال تسديدتين منهم واحدة على المرمى وتمريرة مفتاحية ومراوغة وحيدة ناجحة، مقابل 4 تسديدات (2 على المرمى) لراشفورد وتمريرة مفتاحية أيضاً و3 محاولات فاشلة للمراوغة، قرار جوزيه باستعادة المثلث إلى وضعيته الطبيعية كان محاولة هامة ولكن متأخرة، إذ أنها بحاجة للوقت الذي يحاول كونتي بكل الطرق والوسائل الممكنة جعله يمر دون خسائر.

   

(أنتونيو كونتي أول مدرب يهزم مورينيو في نهائي مسابقة إنجليزية.. الضحكة الأخيرة)

  

كم تشتكي؟

"أعتقد أننا كنا الفريق الأفضل ولكن هذه هي الكرة، أنا فضولي للغاية لأعرف ما كنتم لتقولونه أو ما كان الناس ليكتبون إذا لعب فريقي كما لعب تشيلسي، يمكنني تخيل ما ستقولوه.. أعتقد أننا كنا نستحق الفوز، فقد كان من الصعب اللعب بدون لوكاكو أمام فريق يدافع بـ9 لاعبين. تشيلسي ليس غبياً، هم يعلمون أن فريقاً بدون لوكاكو أو مروان فيلايني لا يملك الحضور، لذلك حين يضعون 8 أو 9 لاعبين أمام الصندوق فهم يعلمون أنهم سيكونون المسيطرين في تلك الكرة المباشرة."(3)

(جوزيه مورينيو عقب المباراة مباشرةً)

  

بصرف النظر تماماً عن هذا الاعتراف الضمني من البرتغالي بعدم استحقاقه للعديد من المباريات والألقاب التي فاز بها في مسيرته على نفس القياس، وبصرف النظر عن "جمال أن تحرم خصمك مما يريد"(4) تماماً كما قال الرجل نفسه بلسانه عقب الفوز على أياكس أمستردام في نهائي الدوري الأوروبي بطريقة دفاعية، وأيضاً إن تخطينا اختزال المدرب لحضور فريقه في الأطوال والأجسام القوية بدنياً وكأننا نمارس إحدى الألعاب القتالية هنا، سنضطر للتوقف أمام إدراك مورينيو لنوعية الكرة التي لعبها الخصم..

  

حين تواجه موقفاً مشابهاً أمامك خيارين في المعتاد، إما الكور العالية والرهان على البدنيات اختصاراً للوقت والجهد الذهني، وهو ما لم يكن متوفراً للأسباب التي أوضحها الرجل أعلاه، ليبقى خيار واحد هو ضرب تلك التكتلات بجودة التمرير والرؤية والمهارة الفردية، ربما كان هذا سر إشراكه لخوان ماتا، ربما أراده أن يصنع هذا الفارق، لكن أي لاعب هذا الذي سيصنع مثل هذا الفارق لدى نزوله في الدقيقة السابعة والثمانين؟!

  

طريقة جوزيه الأزلية في نقل اللوم من كتفيه إلى كل شيء يتنفس -أو لا يتنفس أحياناً- حوله هي أول ما يقوده إلى الهاوية كل مرة على مر الأعوام الأخيرة، أكثر حتى من طريقة لعبه نفسها. أن توجد لنفسك مبررات قد يسعفك في بعض الأوقات، ولكن أن تلوم الحكم واللاعبين والخصوم وتعامد الشمس على المدرج الشمالي لملعب ويمبلي في كل مرة لن ينقذك للأبد، لن يمنع إدارة ريال مدريد عن التضحية بك إنقاذاً لغرفة ملابسها، لن يوقف إدارة تشيلسي عن قرار إقالتك قبل أن تقود الفريق إلى التشامبيونشيب، وبالتالي ليس من الواضح كيف تنتظر من إدارة ولاعبي مانشستر يونايتد نتيجة مختلفة في نهاية الموسم التالي، إن استمرت الأمور على شاكلتها الحالية.