شعار قسم ميدان

حصاد الموسم.. هروب مورينيو الكبير!

midan - انفوجراف
انتهى الموسم الأوروبي وحان وقت الحساب، فاز من فاز وخسر من خسر، ولكن النتائج وحدها لا تصلح لأن تكون المعيار وإلا باتت المُحصلة ناجحا وحيدا وسط مجموعة من الفشلة في نهاية كل موسم. لذلك يقدم لكم "ميدان" سلسلة مقالات بعنوان "الفاتورة" لاستعراض ما قدمه أبرز مدربي الفرق الكبيرة عن مجمل إدارتهم للموسم الحالي.

بطل هذه الحلقة هو جوزيه مورينيو المدير الفني لمانشستر يونايتد الإنجليزي..

 

إشكالية الإنفاق

"هي ليست بطولة يريدها مانشستر يونايتد، ليست بطولة أريدها أنا أيضاً، وليست بطولة يريدها اللاعبين، ولكنها بطولة نتواجد بها وهذا هو الواقع… نحن بحاجة لإيجاد الحافز الذي وجدته بنفسي وأن ننقله للاعبين، لأني أعلم أن الدوري الأوروبي ليست حلماً كبيراً للاعبين الكبار. يجب أن نلعبها بشكل يليق بحجم نادينا".(1)

  

جوزيه مورينيو المدير الفني لمانشستر يونايتد في سبتمبر 2016، حين كان الدوري الأوروبي لا يرقى لحجم مانشستر يونايتد، قبل أن يتضح لاحقاً أن الخروج من ثمن نهائي دوري الأبطال على يد إشبيلية ما هو إلا جزء من "إرثه الكروي"..

 

مر موسم البرتغالي الأول في مدينة مانشستر بالعديد من المنعطفات، من بداية جيدة للدوري إلى عدد من المباريات المحبطة، سلسلة طويلة من المباريات بلا هزيمة، ولكن نصفها تعادلات، حولت تلك البطولة الأوروبية عديمة القيمة هي بوابة التأهل الوحيدة الباقية لدوري أبطال أوروبا، بعد أن أصبحت بقية مباريات البريميرليغ "مباريات لا نريد أن نلعبها"(2).

   undefined

  

في نهاية الموسم الماضي الذي اعتبرناه ناجحاً من منظور عملي بحت(3)، كان من الواضح وجود العديد من الثغرات التي تحتاج إلى التدعيم، في الأظهرة وقلب الدفاع ومركز لاعب الوسط المدافع، بالإضافة لمهاجم بعد إصابة زلاتان إبراهيموفيتش. بالفعل تحرك جوزيه لضم لاعب الوسط الصربي نيمانيا ماتيتش أهم صفقة لهذا الموسم، وروميلو لوكاكو الذي أثبت نجاحه على قلة حصيلته التهديفية (مقارنة بهدافي بقية المنافسين)، وعلى حساب ألفارو موراتا الذي بدأ بقوة مع تشيلسي قبل أن يهوي إلى مقاعد البدلاء.

 

في قلب الدفاع وقع اختيار مورينيو على السويدي فيكتور ليندلوف، والذي لم يثبت كفاءته بعد إثر بعض اللقطات السلبية، لكنه بوجه عام استثمار جيد للمستقبل يفتقر إلى الثقة حتى الآن، في فريق يعتمد على كفاءات مثل فيل جونز وكريس سمولينغ بأي حال. الأزمة الحقيقية استمرت على أطراف الدفاع، فلا هو دعَّمها ولا هو استثمر فيما يملك، استمر مسلسل قتل لوك شو كعرض مستمر، المحصلة كانت أن إنفاق يونايتد "غير كافٍ"(4) برأيه لأن مانشستر سيتي ينفق أكثر.

 

بالطبع صافي إنفاق السيتي أعلى فقد وصل إلى قرابة 200 مليون جنيه استرليني(5) مقابل 137 مليون ليونايتد(6)، ولكن الأمور لا تقاس بتلك الطريقة الخام. إن كان يُعاب على سيتي استبداله لجميع أظهرته بثلاثة جدد، فلماذا اضطر هو أن يقضي موسمه كاملاً بثنائية فالنسيا ويونغ سوى بسبب قناعاته الشخصية؟ هو لم يثق في المتاح لديه غيرهما، ولا يمكن لأحد أن يقع تحت وهم أن الإدارة التي دفعت كل هذا الراتب لأليكسيس سانشيز في الشتاء(7)، قد تكون أفقر من أن توفر احتياجات مدربها.

 

إن كانت الأمور يمكن قياسها بالآلة الحاسبة وانتهى الأمر على ذلك، فماذا عن ليفربول الذي حقق 1.32 مليون جنيه استرليني ربحاً من صافي البيع والشراء(8) وهو الآن في نهائي دوري الأبطال على حساب مانشستر سيتي المرعب نفسه؟ ماذا عن توتنهام الذي بلغ صافي إنفاقه حوالي 16 مليوناً(9) لينهي الدوري وراء يونايتد بأربع نقاط ويخرج من الدور ذاته في الأبطال وإن كان على يد يوفنتوس وليس إشبيلية في نهاية المطاف؟ حتى تشيلسي الذي انتزع كأس الاتحاد من بين يديه(10)، صافي إنفاقه حوالي 52 مليون أي أقل من خُمسي صافي الشياطين الحمر.

   

(مانشستر يونايتد تعادل بنتيجة 0-0 في 19 مباراة منذ 2013-2014، تسعة منهم مع مورينيو)

  

الميزان المحلي

قدم مانشستر سيتي موسماً استثنائياً في الدوري الإنجليزي بلا شك، وهو واحد من تلك المواسم التي تعفي كافة الخصوم من السؤال عن سر عدم فوزهم باللقب، ولكن الأمر لا علاقة له بأن موسم مانشستر يونايتد كان قابلاً لأن يصبح أفضل ولو بدرجة بسيطة. الحديث ليس عن الترتيب فلا يوجد ما هو أفضل من المركز الثاني في تلك الظروف قطعاً، بل عن الأداء وبعض النتائج.

 

فقط لا أحد يضم بوغبا وماتيتش وسانشيز ولوكاكو، ليضيفهم إلى هيريرا ومارسيال ويلعب بهم مثل تلك الكرة أمام صغار البريميرليغ. الأمر ليس كرهاً في الدفاع ولا في الكرة العقيمة بحد ذاتها وإن كانت مؤذية للعين، بل تضرراً من نتائجها خاصةً وأن يونايتد يثبت في كل مرة يقدم بها كرة قدم جيدة أنه قادر على ما هو أكثر من هذا العقم، وأن تلك المجموعة الحالية من اللاعبين لم تُخلق لتقف بهذا العجز أمام أشباه وست بروميتش وبرايتون وغيرهم.

 

الجانب الإيجابي الأبرز هو في تغيُّر المعادلة أمام الكبار ومدى كفاءة الأساليب الدفاعية في مواجهتهم، حيث فاز يونايتد بأربعة مواجهات من أصل 5 في الدور الثاني ولم يخسر سوى أمام توتنهام، بعد دور أول أكثر توازناً فاز فيه على توتنهام وآرسنال وتعادل مع ليفربول وخسر أمام مانشستر سيتي وتشيلسي، لتصبح الحصيلة 19 نقطة من أصل 30 بـ6 انتصارات وتعادل واحد و3 هزائم، وهي بالطبع أفضل بمسافة من الموسم الماضي الذي سجل 13 نقطة فقط بـ3 انتصارات و4 تعادلات و3 هزائم.

 

مباراة مانشستر سيتي الأخيرة على وجه التحديد أظهرت ذلك بوضوح، إن نحَّينا التفاصيل التحكيمية جانباً، فحينما حصل الشياطين الحمر على الحرية "اضطرارياً" اتضح أن بوغبا وسانشيز يمكنهم اللعب بشكل طبيعي، ربع ساعة كانت كفيلة بقلب الخسارة 2-0 إلى انتصار بثلاثة أهداف، ولكن السؤال: لماذا عليك دائماً أن تنتظر حتى يحكم الخصم شوط المباراة الأول بالكامل وتتأخر بهدفين لكي تتحرك؟

    

(هذه هي المرة الأولى التي ينهي فيها مورينيو موسمه الثاني بدون ألقاب)

  

على صعيد كأس الإتحاد لم يكن الأمر سيئاً حتى لحظاته الأخيرة، فقد مر يونايتد بشكل متوازن للغاية أمام الفرق التي ينبغي عليه اجتيازها: ديربي كاونتي ويوفيل وهادرسفيلد وبرايتون، الاختبار الحقيقي أتى في نصف النهائي ونجح باجتيازه على حساب توتنهام هوتسبر، قبل خسارة النهائي أمام تشيلسي، في مباراة تُعرِّف هوية جميع الأطراف: البلوز و مانشستر مورينيو وأنتونيو كونتي.

     

الإرث؟

"أنا لم أشاهد إرثاً كروياً يسجل هدفاً من قبل"

(وهان كرويف بتصرف) (11)

  

حظي مانشستر يونايتد بمجموعة أوروبية سهلة للغاية تضم بازل السويسري وسسكا موسكو الروسي وبنفيكا البرتغالي، حصد منها 15 نقطة بـ5 انتصارات وهزيمة وحيدة ليمر بصدارتها ويلاقي إشبيلية الإسباني في دور الـ16، في مواجهة توقعها الجميع امتداداً لطريق مانشستر المفروش بالورود، ولكنها أتت على النقيض الكامل لعباً ونتيجة. عاد الشياطين الحمر بتعادل سلبي من الأندلس، قبل سقوط مدوٍ في عقر الديار "أولد ترافورد" بهدفين مقابل هدف وحيد.

 

في مثل تلك المواقف لن يبحث أحد عن لاعب ما أخطأ في لقطة ما، أو لاعب ما فشل في تسجيل فرصة سهلة، كل الأسهم والأقلام والأصوات ستنهال فوق رأس المدرب، ولكنه لأنه الاستثنائي، كان يجب أن نعرف ونتوقع أن لديه مخرج ما: الإرث الكروي! بدلاً من محاولة تخفيف وطأة الحدث على جماهير النادي التي وثقت به، كان الخيار الأسهل هو التهرب من المسؤولية وإلقاء كل اللوم على التاريخ.

  

"آخر مرة فاز مانشستر يونايتد بدوري الأبطال وهو ما لم يحدث كثيراً، كانت عام 2008، آخر نهائي كان في عام 2011، ومنذ ذلك الوقت ودع يونايتد البطولة في 2012 من مجموعة شبيهة لتلك التي امتلكناها هذا الموسم: بنفيكا وبازل وغالاتي الروماني، في 2013 خرج من دور الـ16 في أولد ترافورد، وكنت أنا على الدكة الأخرى (ريال مدريد)، في 2014 خرج من ربع النهائي، في 2015 لم يشارك بأي بطولة أوروبية، في 2016 عاد وخرج من دور المجموعات، ذهب إلى الدوري الأوروبي وخرج من دور الـ16، في 2017 لعب الدوري الأوروبي وفاز به معي ليعود إلى دوري الأبطال… إذاً في 7 سنوات مع 4 مدربين مختلفين، مرة لم يتأهل لأوروبا، مرتين خارج دور المجموعات والأفضل كان ربع النهائي، هذا هو الإرث الكروي"(12)

  

بطبيعة الحال، بعض المغالطات المنطقية -التي هي غذاء روح مورينيو طوال مسيرته التدريبية بالمناسبة- ستمر مرور الكرام، مثل أن أي من هؤلاء المدربين لم ينفق ما أنفقه هو في عاميه، وأن وظيفته -افتراضاً- هي إصلاح ذلك "الإرث" وليست استكماله، وأن فشل الفريق في التأهل لأي بطولة أوروبية كان سبب إقالة ديفيد مويس، وأن خروج 2016 المخيب أمام من هم على شاكلة فولفسبورغ وأيند هوفن كان أحد أهم الأسباب الرئيسية لإقالة سلفه لويس فان خال، الذي ودَّع الدوري الأوروبي على يد ليفربول.. نعرف مدرباً عانى الأمرين ليفوز بتلك البطولة أمام عمالقة بحجم روستوف وأندرلخت وسيلتا فيغو وأياكس.

   undefined

  

ببساطة هذا الإرث لا يسمح لك بإنفاق 314 مليون جنيه استرليني حتى الآن لتودع البطولة أمام إشبيلية، فقط لأنك لم تقم بالعمل الذي تتقاضى عليه راتبك بالشكل الصحيح. فمهما حاولت إلقاء اللوم على أي من عناصر الكرة الأرضية، من تسبب بخسارة مانشستر يونايتد وانسحاقه فنياً وتكتيكياً على يد فريق متواضع ومتخبط يحتل المركز السابع في الليغا ويتلقى الهزائم الخماسية ليس فقط من برشلونة وريال مدريد بل من ريال بيتيس وإيبار، هو أنت وليس أي شخص آخر. تتطلب مثل تلك الأمور الحد الأدنى من الشجاعة لمواجهتها وتحمل مسؤوليتها، ولكن الاعتراف بالخطأ لم يكن أبداً من شيم جوزيه..

 

حتى لو كان الفريق الذي سقط أمامه قد خسر مدربه الأول بسبب السرطان(13)، ثم أقال المدرب التالي له إثر إخفاقه في تحقيق أي شيء بمعنى الكلمة سوى إقصاء الشياطين الحمر(14).. "الاستثنائي" دائماً لديه ما يقوله، لم يكن تصريحه التالي للمباراة مباشرةً عن "خروج يونايتد من دور الـ16 ثلاث مرات في وجوده"(15) سوى فيض من غيث هذا المؤتمر البغيض، صدقاً كم مدرب تعرفونه قد اتهم تاريخ ناديه في خسارته الحالية؟ قد يحق له القول أن القادم سيكون أفضل، قد يحق للجماهير الأمل في هذا القادم، ولكن لا يحق لأحد التهرب من الحاضر، خاصةً إن كان منوطاً به أن يصنعه.

 

تقييم المحرر: 6.5 من 10

لأن المركز الثاني وراء موسم مانشستر سيتي القياسي ليس بالأمر السيء، ولأنه أفضل مركز للشياطين الحمر منذ اعتزال سير أليكس فيرغسون، ولأنه كان على وشك أن ينتهي ببطولة كأس الإتحاد الإنجليزي ومعادلة رقم آرسنال كأكثر الفرق تتويجاً باللقب، ولأنه كان هناك ما هو أفضل كثيراً من هذا الموسم "الصفري" لولا تفاصيل بسيطة للغاية، تنصب في المقام الأول حول عناد استثنائي من رجل استثنائي.

 

ما حدث قد حدث، الآن ما يجب النظر إليه هو كيف يمكن البناء على ما تم بالفعل. الفريق بحاجة لدعم الأظهرة والتقارير بالفعل تتحدث عن انطلاق جاد في صفقتي أليكس ساندرو(16) ودجيبريل سيديبيه(17). الفريق أيضاً بحاجة لاستخلاص الأداء الأفضل من لاعب بحجم بول بوغبا، المزيد من الحرية قد يكون كافياً. نحن الآن على أعتاب موسم موينيو الثالث، وما أدراك ما موسم مورينيو الثالث! مخاوف طبيعية للغاية من إعادة إنتاج الجانب السيء في تاريخه، ولكن لنرى، بأي حال إن صدق جوزيه في أي شيء قاله، فهو أنه سيترك فريقاً أفضل من الذي تسلَّمه دون أدنى شك(18).