شعار قسم ميدان

كوتينيو وليفربول وبرشلونة.. من يضحك أخيرا

midan - انفوجراف
انتهى الموسم أو كاد، للبعض على الأقل، ومن ضمن هؤلاء برشلونة الذي قرر الإعداد لانتقالات الصيف. بالطبع الحدث الأبرز هنا هو رحيل إنييستا، وبالطبع من المنطقي أن يكون تعويضه هو أول أهداف إدارة البلاوغرانا، ومن هنا بدأ الحديث عن الأهداف المحتملة.

 

صحافة إيطاليا تؤكد أن كشافي البرسا يتابعون لويس ألبرتو صانع ألعاب لاتسيو منذ فترة، ومن جهة أخرى لا تتوقف التقارير التي تربط تياغو بالعودة لكتالونيا مجددا بعد أن أصبح مكانه شاغرا، والحقيقة أنه لا خلاف على إمكانيات الثنائي في صناعة اللعب، ولكن.. لحظة واحدة.. تعويض إنييستا؟ ألا تبدو هذه العبارة مألوفة أكثر من اللازم؟ (1) (2) (3)

 

لأن بارتوميو يريد

منذ أيام، نشر الصحفي دييغو تورّيس مقالا في جريدة "El Pais" الإسبانية بعنوان "اليوم الذي قرر فيه كلوب تحرير ليفربول بالتخلص من كوتينيو". يتحدث فيه بشكل محدد عن قصة انتقال صانع الألعاب البرازيلي من إنجلترا إلى كتالونيا وما أحاط بها من ملابسات، كاشفا تفاصيل تُنشر لأول مرة. (4)

 

تبدأ القصة مع أول عرض تلقاه الريدز لانتقال كوتينيو إلى برشلونة. كان ذلك في العام الماضي والمبلغ المعروض بلغ 60 مليون يورو تقريبا. أول ما فعله كلوب حينما تلقى الخبر هو أنه ذهب للاطلاع على تشكيل آخر مباراة خاضها البرسا وتأكد من أن ثلاثي المقدمة نيمار وميسي وسواريز ما زال موجودا، ثم سأل أول سؤال بديهي خطر بباله: أين سيلعب كوتينيو؟

 

بالطبع أنت تعلم ما حدث بعدها، نجح ليفربول بقيادة الألماني في عرقلة الصفقة وإقناع البرازيلي بالبقاء لعام آخر، ثم رحل نيمار وتضاعفت رغبة كوتينيو في الرحيل بالتبعية، وصولا إلى اللحظة التي تلقى فيها الريدز العرض الثاني في مطلع الموسم الحالي، وعندها تحولت دهشة كلوب الأولى إلى نوبة من الضحك حسب تعبير تورّيس، ليس لأن كوتينيو هو نجم الفريق الأوحد، وليس لأن برشلونة يعتبره معوضا لنيمار رغم اختلاف أساليب اللعب كليا، ولكن لأن من حمل له الخبر قال إن بارتوميو يرى فيه خليفة إنييستا، ويمكنك أن تضع ما تشاء من خطوط أسفل كلمة بارتوميو. بارتوميو هو من يرى، ليس روبرت فيرنانديز مدير التعاقدات ولا راؤول سانليهي مدير الكرة ولا فالفيردي المدرب، بارتوميو وبارتوميو فقط.

   

(الصحفي رافائيل هيرنانديز يرى أن إشراك كوتينيو على اليمين عديم الفائدة)

  

عند تلك اللحظة لم يكن شيء قد تغير؛ كوتينيو ما زال نجم ليفربول ولا غنى عنه، وكلوب سيبذل كل ما في وسعه للإبقاء عليه، ولكن على مسار موازٍ كان كل شيء على وشك التغير، للدرجة التي تحول صفقة كوتينيو من نجاح لإدارة البرسا باعتباره أحد أهم أهدافها منذ زمن، إلى نجاح لإدارة ليفربول وفي مقدمتها كلوب، وعلى الرغم من كونه أهم نجومها منذ زمن أيضا.

 

جريمة كاملة

قبل كل شيء هناك عدة أمور يجب أن تعلمها عن كلوب، أنت تعلم بالطبع أنه يقدس الضغط لحد الجنون، وتعلم أيضا أنه يجبر لاعبيه على معدلات ركض جنونية وإيقاع بدني مرهق للغاية، ولكن ما لا تعلمه أنه يرى القدرة على الالتزام بكل ذلك طوال الموسم كأمر بيولوجي تماما، صارم تماما، لا مجال فيه للتحسن إلا بهامش ضئيل. ببساطة إما أنك تستطيع تنفيذ "الركض" بالعدد الكافي من المرات في المباراة الواحدة، وإما أنك لا تستطيع، إما أن قلبك مؤهل لضخ الدم بهذه الكفاءة، وإما لا، لا توجد حلول وسط هنا.

 

المقصود بـ "الركض" هنا هو المسافة بين منطقتي الجزاء، كل لاعبي كلوب عليهم أن يكونوا قادرين على قطع تلك المسافة بلا توقف طوال المباراة، وهذا هو ما يحدد نظام الانتخاب الطبيعي في ليفربول ويحجز لأي منهم موقعه في التشكيل، لأن هذه المعايير مُقدَّمة على المهارة والقدرة على الإبداع وكل ما يندرج تحت هذا التصنيف، بل إن هذه الأمور لا تحل حتى في المرتبة الثانية من حيث الأهمية؛ عليك أولا أن تثبت قدرتك البدنية، وعليك ثانيا أن تتحلى بالاستمرارية الكافية طوال الموسم. أي تفاصيل أخرى هي ثانوية مهما كانت قيمتها لمدربين آخرين، ببساطة لأن هذه القدرات هي ما يرتكز عليه نظام كلوب برمته.

 

كوتينيو كان يعاني بشدة في هذا الصدد، التدريبات البدنية أظهرت أن الرجل يحتاج إلى نصف دقيقة كاملة من الراحة كلما أتم الركض مرتين، وفي غيغن بريسينغ كلوب تمر نصف دقيقة وكأنها مباراة أخرى. مرة أخرى الأمر بيولوجي تماما؛ ببساطة قلب كوتينيو لا يسعفه لإتمام الجهد البدني المطلوب.

       undefined

   

على مسار موازٍ للمسار الموازي كانت إدارة ليفربول تبلغ كلوب بإمكانية التعاقد مع صلاح، وكان رد فعله أنه لاعب جيد ولكن يتعين عليه أن يفهم أنه سينافس ماني وفيرمينو للحصول على موقع أساسي في التشكيل، وأن الثنائي له الأفضلية، ومع قدوم المصري وتألقه بدأت أزمة من نوع خاص؛ كلوب حصل على الثلاثي الهجومي الذي يؤدي كل ما يطلبه ولكن كوتينيو ما زال يعاني في التأقلم، حتى إشراكه كصانع لعب صريح في 4-2-3-1 -حيث دائرة حركته هي الأصغر على الإطلاق- لم يفلح، وفي أي مباراة كان هناك تغيير محجوز لكوتينيو لأنه لا يستطيع إكمال 90 دقيقة بالنسق نفسه، في الواقع هو لم يكن يستطيع إكمال 60 دقيقة حتى بالنسق نفسه. النتيجة؛ ليفربول يمتلك أغلى بديل في العالم، ويتقاضى أعلى راتب في الفريق.

 

جريمة أكمل

عندما أتى بارتوميو طالبا كوتينيو للمرة الثانية، لم تكن أي من هذه الأمور جديدة على كلوب. في الواقع يحكي تورّيس أن تجارب الألماني كانت قد انتهت بانقضاء موسم 2016-2017، وبعدها عرض على إدارة ليفربول ما توصل إليه من نتائج:

  

1- ليفربول سيستهدف البطولات الكبرى في الموسم القادم (الحالي)، أي الدوري ودوري الأبطال.

2- الخطة الأنسب للاستمرار هي 4-3-3.

3- كوتينيو ليس لاعب وسط، بالتالي سيكون ضلع الهجوم الثالث رفقة ماني وفيرمينو.

   

ما حدث بعدها هو أن صلاح قد حدث، وبالتالي احتاج كلوب إلى فترة اختبار جديدة لموازنة اختياراته؛ النظام أم كوتينيو؟ كوتينيو أم صلاح؟ وبعد أربعة أشهر كانت النتيجة قد اتضحت؛ كوتينيو لاعب رائع جدا، مبدع جدا، لكنه يفتقد إلى عنصرين من ثلاثة تقوم عليها طريقة اللعب، أولهما البدنيات وثانيهما الاستمرارية، وحتى بغض النظر عن الأولى فإن إبداع كوتينيو لم يكن منتظما بما يكفي للتضحية بالمنظومة.

   

(كلوب: إن كنتم تظنون صلاح أفضل لاعب في العالم فعليكم أن تكتبوا ذلك وتقولوه، لا تنتظروني لأفعلها نيابة عنكم)

  

المشكلة أن كوتينيو نجم جماهيري والتضحية به ستكون مستحيلة التفسير. مشكلة عويصة ولكن بارتوميو وفر باب الهروب السحري عندما طرق الباب للمرة الثانية ولكن بعرض أضخم. المثير للضحك هذه المرة أن البرسا كان يتعاقد مع كوتينيو لأداء الأدوار نفسها التي فشل فيها مرارا وتكرارا في ليفربول، لأن من وجهة نظر كلوب فالبرازيلي لا يستطيع معادلة الجهد الذي يبذله إنييستا حتى وهو في الثالثة والثلاثين من عمره، كوتينيو لا يستطيع الركض لمسافات طويلة مثل الإسباني، ومحاولة فالفيردي تجربته كطرف في 4-4-2 ستكون جديرة بالمشاهدة، لأن في 4-4-2 تقوم الأجنحة بالعمل الأكبر. (5)

 

إذا أردت شيئا بشدة

ليفربول فاز بدون كوتينيو أكثر مما فاز معه في النصف الأول من الموسم، وبعد رحيله بثلاثة أشهر كان كلوب يتحدث للإندبندنت عن أن الفريق صار أقل قابلية للتوقع في غيابه. صحيح أنه كان يستطيع تفكيك عدة مباريات كل موسم بمفرده، ولكن تحول ذلك إلى نقمة في النهايات، وأصبح زملاؤه يبحثون عنه كلما وقع الفريق في مأزق دون أن يحاولوا البحث عن الحلول بأنفسهم، وهو عكس ما حدث في النصف الثاني، وكأن باقي الفريق قد تحرر من اتكاليته على النجم الأوحد وبدأ يعتمد على نفسه، لأن غياب البرازيلي أجبره على تقديم أقصى ما عنده. (6)

 

على الجانب الآخر من تجارب كلوب واختباراته القاسية وطرقه العلمية في التعرف على إمكانيات لاعبيه، كان هناك ما هو أشبه بإدارة التسويق في كتالونيا. مجموعة من الإداريين لا يعلمون حرفا عن اللعبة وينحصر دورهم في ركوب الموجات الجماهيرية السائدة وكأنهم يديرون صفحة فيسبوك لا ناديا لكرة القدم. فإذا كان أهل فيسبوك وتويتر يؤمنون أن بوغبا هو البديل الأنسب لإنييستا فسيحاولون التعاقد معه، وإذا تحولت الدفة جهة كوتينيو فالنتيجة واحدة، حتى العمل الروتيني الذي يجريه أي محلل هاوٍ لم يكن حاضرا. لا إحصاءات ولا معلومات موثوقة ولا حتى مشاورة مع المدرب قبل فرض هكذا خيارات، لا أكثر من الرغبة في حفظ ماء الوجه بعد الفشل المتكرر.

   

(تم تبديل كوتينيو في 35 من 47 مباراة لعبها حتى 15 أبريل/نيسان الحالي)

   

رغم ما تم تصديره للعالم كله في يناير/كانون الثاني الماضي فإن كلوب قد حظي بالضحكة الأخيرة، والمصيبة أن العجلة لا تتوقف، برشلونة ما زال يبحث عن بديل لإنييستا لأن من أنفق 160 مليون يورو لتعويضه في الموسم الماضي لم يجد من يحاسبه، بل إن بعض المصادر القريبة من إدارة بارتوميو خرجت لتطرح احتمالية إعارة ديمبيليه -الرجل ذي الـ100 مليون يورو- لإفساح المجال لقدوم غريزمان في الصيف المقبل، ولا بد أن بارتوميو يضحك بدوره لأنه أفلت بجريمته بعد أن أهدر ربع مليار يورو كاملة في اللاشيء. (7)

 

الجميع يضحك فيما يبدو، ولكن الأمر الوحيد المضحك حقا في هذه القصة أن برشلونة سيستمر في البحث عن البدائل رغم كل شيء، بديل لإنييستا وبديل لبوسكيتس وميسي أيضا، وفي رحلة البحث عنهم سيقوده الرجل الوحيد الذي كان ينبغي استبداله قبل كل هؤلاء.