شعار قسم ميدان

أربع أكاذيب أغرقت الإنترنت بعد تدخل راموس

midan - ramus

كان هناك زمن يُقتل فيه الناس لأنهم يقولون بعدم مركزية الأرض في الكون. غاليليو قُتل بعد اتهامه بالهرطقة لأنه قالها. التسلسل الطبيعي هو أن أحدهم يأتي بفكرة جديدة يخشاها الناس لسبب أو لآخر، في هذه الحالة كان السبب هو الحفاظ على سطوة الكنيسة العلمية، لذا كان العلاج بسيطا جدا؛ أنت مهرطق وسوف تُعدم الآن.

       

بالطبع أصبح هناك زمن تصدق فيه الناس أن الأرض مسطحة. للأسف هذا لا يخدم قضية تطور العلم والإنسان عموما، ويقودنا إلى القول بأن التكنولوجيا أصبحت أداة أكثر فتكا في ترويج الأكاذيب، لا أداة لنفيها. الحقيقة غالبا ما تكون على بُعد صفحة إضافية تفتحها في متصفح الإنترنت ولكنك لا تفعل أبدا لسبب أو لآخر أيضا، هذه الحالة هي ما يُعرّفها علم النفس بمحاولة توكيد الانحياز (Confirmation Bias) أو التفكير المتمني (Wishful Thinking). (1)

   

المثال الأبسط هنا هو أن تحاول الاتصال بصديق تحظى معه بعلاقة مضطربة، وعندما لا تتلقى الرد تفترض تلقائيا أنه قد قرر تجنبك بدون محاولة للتيقن من ذلك، ومع الوقت يتحول ذلك إلى قناعة لا تتزعزع. الآن، تحتاج الحقيقة إلى ستة أضعاف الوقت لتصل إلى العدد نفسه من البشر الذين وصلت إليهم الأكذوبة، أو هذا ما تؤكده دراسة أُجريت على تويتر وفيسبوك في "Science Journal". (2)

  

ما علاقة كل ذلك بمدافع ريال مدريد؟ لا شيء في الواقع. الأهمية الوحيدة لما سبق في هذا السياق هي استبعاده من تحليل ما حدث بعد نهائي دوري الأبطال. نحن لسنا بصدد محاولة لتوكيد الانحياز أو تفكير متمنٍّ تلقائي النشأة، بل هي حالة واضحة من الكذب الصريح المتعمد الذي يحاول تبرير فعلة صريحة متعمدة. التعبيرات والألفاظ مهمة للغاية في هذا السياق لأن مجال الخلط منعدم تقريبا.

      

undefined    

1- تعمد خاطئ

بالطبع بدأت القصة كلها بالتسلسل الطبيعي المتوقع؛ الرجل لم يتعمد إصابة نجم الخصم الأوحد في مباراة نهائي بعد نصف ساعة ظهر فيها عجز فريقه، والأمر لا يتخطى لقطة عادية تتكرر في أكثر مباريات كرة القدم دون أن تحدث كل هذه الضجة، واعتمادا على صورة لذراع صلاح في بداية الالتحام بدأت تلك النظرية تبني شعبيتها وجمهورها.

  

المبدأ ذاته مفهوم طبعا. هناك صور أكثر تعبيرا من غيرها على ما حدث في لقطة كاملة، ولكن المشكلة أن تلك الصورة لم تكن واحدة منها. مرة أخرى نحن لم نكن بصدد محاولة لتوكيد انحياز سابق، بل عرض بائس مستمر من الإنكار، وأثناء هذا العرض لم يتساءل أحدهم لماذا تحتاج وجهة النظر هذه إلى صورة واحدة ثابتة من الفيديو الأكثر تداولا وانتشارا على الإنترنت، لماذا لا نستخدم الفيديو كاملا ببساطة؟ والإجابة ستكون أننا بحاجة إلى من يخبرنا عن طريقة فتح صفحة إضافية في متصفح الإنترنت، وتغيير العبارة الواردة في محرك البحث من "كيف تثبت عدم تعمد راموس" إلى "رابط لمشاهدة تدخل راموس"، ولا يسعنا هنا إلا أن نفعل ذلك بالضبط.

      

   
2- مؤامرة

نظرية المؤامرة لها ثلاثة أغراض محددة وواضحة في هذا العالم؛ إما اختلاق مؤامرة لا وجود لها، وإما إثبات مؤامرة موجودة بالفعل، وإما الأكثر استخداما على الإطلاق وهو إسكات المتحدثين عن مؤامرة موجودة بالفعل. من يفعل الأخيرة؟ المتآمرون طبعا. كيف يفعلونها؟ أعرنا انتباهك من فضلك لأن العملية معقدة للغاية؛ فقط عليك أن تردد أن أيا كان ما يُقال هو "نظرية مؤامرة"، هذا أكثر من كافٍ.

    

تقول الأسطورة إن العرب، وفي مقدمتهم المصريون، هم قوم مهووسون بنظرية المؤامرة، ومنعزلون عن العالم الذي يبكي ضحكا عليهم كلما خرجوا بواحدة منها، والأسطورة للأسف صحيحة في كثير من الحالات، ولكن مرة أخرى، تلك الحالة لم تكن منها. هي فقط محاولة يائسة للعب على وتر ضُرِب مرارا وأثبت نجاحا منقطع النظير، والمفارقة أنها تتجاهل وترا آخر أكثر وضوحا في اللحظة نفسها؛ وتر راموس نفسه ومحاولاته السابقة في هذا الصدد. المفارقة الأخرى أن العالم لم يضحك هذه المرة، ومكمن الصعوبة هنا أنك ستحتاج إلى فتح أكثر من صفحة إضافية على متصفح الإنترنت لتعلم ذلك.

      

    

           

       

      

     

     

        

     

      

    

    

     

   

بالطبع، وحتى لا نقع في فخ توكيد الانحياز بدورنا، فإن هناك الآلاف من المراسلين والصحفيين الذين جزموا بعدم تعمد المدافع الإسباني -من وجهة نظرهم-، وحتى من اعترفوا باحتمالية ذلك دافعوا عن الرجل بأكثر الطرق إثارة للجدل. ميغيل ديليني كبير مراسلي الإندبندنت أكد ضمنيا أن راموس قد تعمد إصابة صلاح، ثم عاد بعدها وبرر الأمر في مقال بعنوان "الغاية تبرر الوسيلة"، مؤكدا أن لكي تفوز بدوري الأبطال الرابعة في خمس سنوات، فإن هذا ما يجب عليك فعله. (3)

     

  

الأمر كله أنتج العديد من ردود الأفعال المحيرة المغرقة في التناقض، حجج لا يمكنها الصمود للحظة أمام أي تدقيق منطقي. ميدو، النجم المصري السابق في البريميرليغ، كان أحد الأمثلة الواضحة على ذلك. من وجهة نظره كانت إصابة صلاح متعمدة من راموس، ومن وجهة نظره أن الأمر محزن للغاية والأهم أنه كان متوقعا من قبل اللقاء، ولكنه في الوقت نفسه، وباعتباره أحد كبار مشجعي ريال مدريد على حد تعبيره، يتمنى لاعبا كراموس في صفوف فريقه، وكأن مشكلته مع اللقطة أن اللاعب الذي تضرر من راموس كان مصريا فقط لا غير. (سوشيال ميديا) (4) (5)

      

   

لكن الأهم في هذا السياق كان رأي اثنين من محللي "ESPN" اللذين سبق لهما اللعب في إنجلترا، ستيفي نيكول أحد مدافعي ليفربول في حقبة الثمانينيات الذهبية، وشاكا هيسلوب حارس مرمى نيوكاسل السابق، لقد أكدا أن ما فعله راموس كان "احترافيا تماما"، ولكن عرض لقطة المرفق في وجه حارس ليفربول لوريس كاريوس التي وقعت قبل هدف بنزيما بدقيقة وضعهم في خانة الشك، لأن على حد تعبير الأول فإن أقل ما يُوصف به فعل كهذا هو الغباء، ولو كان راموس قد نال ما يستحقه وخرج مطرودا لتغيرت المباراة تماما. الخلاصة أن العالم لم يضحك كما أخبروك، وبالطبع لا نحتاج إلى إخبارك بأن كلوب قال إن تدخل راموس كان أشبه بالمصارعة. (5)

      

   

3- تاريخ وجغرافيا

طبعا أنت تعلم ما سنتحدث عنه؛ راموس لم يتعمد إيذاء لاعب واحد في الثلاثة عشر عاما التي مارس فيها كرة القدم كمحترف، والدليل على ذلك أن أحدا لم يخرج مصابا بعد تدخل من راموس، إن استثنينا صلاح نفسه. نحن في العام الثامن عشر بعد الألفية الثانية وهناك من يؤمن بذلك، والحل الوحيد أن يلعب أمام راموس وينال واحدة من تدخلاته ليدرك الحقيقة، بالضبط مثلما هو الحل لكل من يؤمنون أن الأرض مسطحة أن يخرجوا إلى الفضاء ليشاهدوا الأرض بأنفسهم، أو أن يلفوا الأرض مشيا للتأكد من كرويتها.

    

      

4- أنا آسف

راموس لم يعتذر عن تدخله على محمد صلاح، هذه حقيقة. في الواقع الشيء الوحيد الأكيد في الثلاثة عشر عاما التي مارس فيها راموس كرة القدم كمحترف أنه لم يعتذر عن أي تدخل قط، مجرد حديث مبهم عن "الجانب الجميل والقبيح من اللعبة" بلا لفظة واحدة تشير إلى الندم أو الأسف، عقبه تمنيات روتينية بعودة صلاح سريعا إلى الملاعب. بالطبع كان ذلك بعد أن شوهد يضحك أثناء حديثه مع حكم الراية أثناء خروج المصري الدولي. (6) (7)

  

الأهم من كل ذلك هو حقيقة اللقطة، بالطبع لن ينتهي الحديث حول قانونيتها وحجم العقوبة المناسبة، حتى على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي رفض عقاب راموس بعد تدخله على كاريوس بدون كرة، ولكن هناك ما يتخطى القانون في هذه اللقطة، هناك ما يتخطى صراع التصريحات والمشاهير الذين أدانوا سيرجيو أو دافعوا عنه، هناك اللقطة ذاتها التي ننساها أحيانا في خضم الصراعات الكلامية الافتراضية التي تتحول هي إلى مركز الحدث بدلا من حقيقة ما وقع، والتي يبدو الانتصار فيها قادرا على محو الواقع الحقيقي أحيانا. (8)

  

بالطبع كان هناك حديث في الصحف الأجنبية عن تهديدات القتل التي تلقاها الرجل من المصريين، وعرائض الاحتجاج التي تهدف إلى إيقاف قائد الميرينغي والتي وقّعها نحو نصف مليون شخص، وبالطبع استُخدم كل ذلك في محاولة مراوِغة لإثبات هشاشة القضية برمتها وعدم منطقيتها.(9)

     

هذا كله يعيدنا إلى نقطة الصفر؛ الفكرة التي أتى بها أحدهم وخشيها الناس فقرروا تجاهلها عمدا، ربما لأنها تُثبت ما لا يريدون تصديقه عن راموس، أو ربما لأنها تخدش استحقاق ريال مدريد للقب مهترئ، أو ربما لأنها أتت كرد فعل عكسي على مبالغات من الطرف الآخر تضمنت إقحام أجندة سياسية في الموضوع واتهامات بالخيانة والعمالة، لكن الحقيقة الثابتة مرة أخرى أن تلك لم تكن حالة من حالات الانحياز العاطفي، بل محاولة متعمدة للكذب وإخفاء الحقيقة، وما أسهل ذلك في مكان مثل الإنترنت، يصدق فيه الناس -بلا دليل- أن الكنيسة أعدمت غاليليو لأنه قال بعدم مركزية الأرض. (10)