هل يفسد الهوس بميسي فرصة الأرجنتين في المنافسة؟
الخيار الثاني هو أن نبدأ تلك القصة من نهايتها، والنهاية تؤكد أنه رغم كون ميسي برشلونة مختلف عن ميسي الأرجنتين، إلا أنه لم يوجد لاعب في تاريخ بلاد الفضة كان غيابه عن التشكيل مؤثرًا لهذه الدرجة، لدرجة 7 نقاط من 8 مباريات بدونه و21 نقطة من 10 مباريات معه. في الواقع لا نعتقد أنه يوجد لاعب في أي فريق ممن تأهلوا إلى كأس العالم له هذا التأثير على منتخب بلاده. (1)
|
إحصائية "مع ميسي – بدون ميسي" مغرية للغاية. أحيانًا يمكن للأرقام أن تمنحك الانطباع بأنك قد اقتربت من الحقيقة المطلقة، ولكن قليل من المنطق يؤكد أن روميرو وأوتامندي وموري وروخو وميركادو وماتشيرانو وبيليا وبانيغا ودي ماريا وديبالا وهيغوايين قادرون على الفوز في كل المباريات التي خسروها وتعادلوها في التصفيات ربما باستثناء مباراة البرازيل، وحتى لو كانت مستويات بعضهم لا ترقى للعب في أي منتخب لاتيني من الكبار.
|
دعنا نذهب إلى الحقائق المطلقة إذن؛ منتخب الأرجنتين كان مخيبًا للآمال عبر تاريخه ورغم كل ما ضمه من أسماء مرعبة، وهذا هو بالضبط ما يمنح مونديال 1986 هذه القيمة، والحقيقة أيضًا أن نجومية ميسي المبالغ فيها قد ظلمت زملاءه وعرضتهم للتجاهل والتهميش منذ 2009 وبداية خروج مقارنة ميسي – مارادونا إلى النور.
الأسطورة تقول أن دييغو فاز للأرجنتين بمونديال المكسيك منفردًا، وسواء كانت حقيقية أو لا فإن هذا ما حاول الإعلام العالمي تصديره للمنتخب الحالي؛ أن ميسي يجب أن يفوز بكأس العالم منفردًا بدوره، وأن الفائدة الوحيدة لزملائه هي استكمال الأحد عشر لاعبًا المطلوبين للعب أي مباراة، مجرد ألواح من الخشب هدفها الطفو بالبرغوث حتى يحقق حلمه – أو حلم جمهوره لا نعلم بالضبط – ويعادل إنجاز مارادونا.
ليس مهمًا هنا إن كنت تؤمن بأن ميسي في نفس مستوى مارادونا أو أفضل أو العكس، لأن الإعلام وجمهور البرغوث لم ينتظروا نتيجة هذه المقارنات حتى يبدأوا في التعامل مع الأرجنتين على أنه منتخب ميسي، بالضبط مثلما أخبرهم الآباء أنها كانت منتخب مارادونا في يوم من الأيام، والنتيجة هي عملية مستمرة لتفريغ باقي نجوم الألبي سيليستي ولاعبيه من الدوافع على مدار السنوات الثمان الماضية. (4)
معضلة نفسية بالأساس، لأنك من الممكن أن تجمع اللاعبين على كيان مطلق مقدس مثل "الوطن" أو "الكأس" ولكن من المستحيل استبدال كل ذلك باسم ميسي أو غيره، ببساطة لأنه بشري تنتهي صلاحيته عند لحظة معينة مثل باقي البشر، ومطالبة باقي اللاعبين باللعب من أجله هو أمر يعزز إحساسهم بالدونية تجاهه ويسلط الضوء على الفوارق بينه وبينهم، أي آخر ما يحتاجه أي فريق في أي لعبة جماعية.
تلك هي المفارقة الساخرة هنا، أن الإيمان بأسطورية مارادونا كبطل وحيد أوحد للأرجنتين في 1986 هي ما أطاح بباقي أعضاء منتخبها في 2010 و2014. الجميع يريد أسطورة خارقة جديدة لينسحق الفريق كله أمامها، ولو كان الإعلام العالمي قد مارس نفس الأمر مع جيل 1986 لانتزع حوافز كل رفاق دييغو من قبل البطولة، لما رأينا براون وإنريكي وفالدانو وبوروتشاغا يتقدمون على ألمانيا الغربية الرهيبة 2-0 في النهائي دون مساعدة من مارادونا أو غيره، ولكن لحسن حظهم أن كل ذلك أتى لاحقًا، بعد التتويج. (5)
هناك نظرية نفسية رياضية شهيرة تصف هذه الحالة. "نظرية إيوينغ" التي وثقت حالة النيويورك نيكس المحيرة كلما غاب نجمهم الأبرز وأفضل لاعبيهم باتريك إيوينغ، عندها يفوزون بتألق واضح من باقي أعضاء الفريق ثم يعودون للمعاناة بعودته للعب. السبب هو أن تسليط الأضواء عليه وتهميش أدوار باقي زملائه يستفزهم، فتتحول كل مباراة جديدة له إلى امتحان من رفاقه، يختبرون من خلاله استحقاقه وجدارته بكل هذا المجد الإعلامي، ومن لا يفعلون ذلك ينطلقون في محاولات فردية لإثبات حضورهم. الخلاصة أن الفريق يتحول لساحة حرب غير معلنة تغلفها نفس الديباجات المملة التقليدية الحذرة التي تقال في هذه المناسبات. (6)
زملاء إيوينغ يعلمون جيدًا أنه أفضل منهم ولكنهم لا يجدون في أنفسهم الدوافع الكافية ليحاولوا الإجادة في حضوره، وكأنهم يحاولون تأكيد الأكذوبة التي رددها الإعلام حتى صدقها الجميع؛ مادام فريق إيوينغ فليكن فريق إيوينغ إذًا، لا داعي لبذل الجهد ولنمنح الصحافة ما تريد، وما دامت كأس ميسي فليجلبها ميسي إذن.
الفارق الوحيد هنا أن هذه النظرية ترددت كثيرًا وعلى مدار سنين طويلة من 2010 حتى صدقها أعضاء المنتخب الأرجنتيني بدورهم، وعندما لاحت لهم الفرصة لإثبات أنهم أكثر من مجرد فريق ميسي فإن أقصى ما فعلوه هو التأكيد للجميع بأنهم مجرد فريق ميسي، وبأسوأ صورة ممكنة على الإطلاق. صورة لن تسعد ميسي نفسه رغم ما فيها من إطراء لحجم تأثيره الحالي، لأن أرجنتين 1986 التي كانت تحتاج دييغو ليعبر بها المباريات الصعبة كإيطاليا والأوروغواي وإنجلترا، أصبحت أرجنتين أخرى في 2014، أرجنتين تحتاج ميسي لتفوز بصعوبة على نيجيريا وإيران والبوسنة.
في الواقع، كانت هناك "بوادر فريق" قد بدأت في الظهور على الألبي سيليستي في المباريات الودية الأخيرة؛ بافون لاعب واعد جائع يريد الانتقال إلى أوروبا والمنتخب هو سبيله إلى ذلك، دي ماريا يعمل على الخط بجد كعادته، وثنائية لانزيني ولو سيلسو بدت مفيدة للغاية في تخفيف العبء على البرغوث، ومع عروض مبشرة من تاليافيكو يمينًا وموسم خرافي من أوتامندي مع السيتي بدأت الصورة تتكون، بالطبع قبل أن تضربها الإصابات في مراكز حساسة مثل روميرو وبانيغا ولانزيني نفسه، وكأن القدر يعاقب الأرجنتين على التأخر في التعاقد مع مدرب جيد.
الخلاصة أن الأرجنتين بحاجة إلى معجزة لكي تصبح مرشحة للمنافسة على المونديال، ناهيك عن الفوز به أصلًا. سامباولي يدرك ذلك وميسي نفسه يدرك ذلك، بل إن كان هناك سبيلًا لتحقق الأرجنتين شيئًا يذكر في هذه البطولة فسيبدأ بنسف الحلم الإعلامي الذي سحق أمة ومنتخبها ولاعبيها لسنوات تحت العنوان الأكثر قراءة على الإطلاق، عنوان ميسي والخشب وكأس العالم. ميسي الذي لن يستفيد شيئًا إن تحول المنتخب إلى خشب، والخشب الذي لن يقدم شيئًا إن تحول المنتخب إلى ميسي، وكأس العالم الذي لن يفوز به أي منهم منفردًا، حتى لو انضم لهم مارادونا نفسه.