شعار قسم ميدان

المتخاذل الحقيقي.. ميسي ورونالدو ضد سامباولي والبرتغال!

ميدان - تصميم

إن كنت أحد هؤلاء الحالمين بلا منطق حيال فوز الأرجنتين بكأس العالم 2018، فإن الألبيسيليستي قد أجهز على آمال لم يمنحها لك أبداً، وإن كنت من هؤلاء الطامحين -سراً- في تكرار البرتغال لإنجاز يورو 2016، فإنك تعلم مسبقاً أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة.. ميسي ورونالدو خارج مونديال روسيا في ليلة واحدة، فلماذا؟

     

    

أمريكا اللاتينية لتوريد الأخشاب

لن نخوض هراء "المنتخب المرشح" مجدداً فقد كان الأمر أوضح من اللازم في هذا المونديال، ولنكن منصفين فقد كان واضحاً بالفعل منذ التصفيات، ولكن الآمال تظل معقودة بشكل مستمر على اللاعب الذي لم يكتفِ بهؤلاء الذين يلقون الضغط عليه، بل تبرع هو بحمله طواعية حين قال أنه "لن يعتزل قبل أن يحقق كأس العالم".. حسناً، حظ أفضل في تحقيقه قبل وفاتك إن أردت الجد..(1)

    

أزمة الأرجنتين أكثر عمقاً من ميسي بكثير، فقط تخيل لو كان هذا اللاعب قد وافق على تمثيل منتخب إسبانيا.. المشكلة أن إسبانيا قد فازت بكل شيء في فترة تألقها الأخيرة فلا يمكن تقريباً ما يمكن افتراضه بشكل إضافي، ولكن فقط فكر بشأن وجوده وسط المجموعة الحالية التي فقدت مدربها قبل انطلاق البطولة بـ24 ساعة. الأمر ليس في جودة اللاعبين فقط، أو بالأحرى فقر الجودة في بعض المراكز المحورية، بل يمتد ليشمل منظومة متهالكة بأكملها. قد يأتيك البلاء على صورة زملاء أقل جودة وأكثر اتكالية، أو على هيئة مدرب ضعيف وعنيد يحرمك من عناصر وخطط أفضل، أو على شكل هبوط في مستواك نفسه.. بلاء ليونيل هنا كان أكثر انتقائية، فاشتمل على جميع ما سبق.

    

كلنا نعلم مسبقاً أن ميسي ديكتاتور في الأرجنتين، حتى وإن نما إلى علمنا أن هذا الديكتاتور أبلغ خورخي سامباولي بعدم راحته في طريقة 3-4-3، تلك التي طبقها الرجل في مهزلة كرواتيا حرفياً، على واحد من 15 تشكيلاً أقحمهم في 15 مباراة.(2) وللأمانة، كان لتلك المباراة دروس مستفادة بالغة الأهمية، مثل أن الخصوم يفكرون دائماً بحصار ميسي سواء عن طريق منع الكرة من الوصول إليه أو إجباره على تسلمها في مناطق بعيدة عن مربع الخطر قبل مهاجمته بما لا يقل عن لاعبين في كل مرة تقريباً، وأن تلك الوضعية الشاذة الناتجة عن امتلاكك للاعب استثنائي تضعك -كفريق- في وضعية 9 ضد 8 أو ضد 7 أحياناً، ما يعني أن هذا الضغط على ليونيل دائماً ما يوفر لك مساحة وأفضلية عددية معاً في جزء آخر من الملعب..

     

الأمر بسيط للغاية، ولكنه كان أعمق من أن يستوعبه عقل رجل كل ما يفعله حقاً هو إلقاء العراقيل بوجه ميسي ثم الدعاء له على الخط! لسبب ما، هذا الواهم قد صدق أن لديه فريق أفضل من فرنسا، أو على الأقل منظومة جماعية أفضل، والمتابع الجيد لمباريات الأرجنتين الأربع بكأس العالم لن يجد صعوبة في اكتشاف أنهم يلعبون كما لو كانوا لا يعرفون بعضهم البعض أصلاً. لماذا نعتقد ذلك؟ لأنه لا مبرر آخر لمهاجمة الديوك وفتح الملعب على مصراعيه منذ الدقيقة الأولى في مواجهة سرعات غريزمان ومبابي، لينطلق الأخير في فدادين من العشب الأخضر فلا يجد من يوقفه، سوى مخالفة ساذجة من روخو تُكلفك الهدف الأول قبل أن تقف قدماك على الأرض. هذا ليس خطأ ما في قراءة المباراة بل هي حماقة متكاملة الأركان.

      

     

بعيداً عن كل تلك التفاصيل، فإننا سنواجه صعوبة كبيرة في إقناع الأجيال القادمة، بأن مدرب ما وفي كامل قواه العقلية قرر اللعب بمهاجم وهمي يبلغ طوله 170 سم، ليُرسل إليه عرضيات عالية داخل الصندوق. أو أن نفس المدرب قد ارتأى أن بافون أفضل في هذا الرسم من باولو ديبالا، ثم حين قرر سحب بافون اكتشف أن ميزا أيضاً أفضل من ديبالا. كيف يُفترض أن نخبرهم بأن إنزو بيريز الذي شارك بصفة أساسية في آخر 3 مباريات بالمونديال، قد تم استدعاؤه قبل البطولة ببضعة أيام إثر إصابة لانزيني؟ المشكلة هنا ليست في الأداء الذي قدمه بيريز، بل فيما يشربون بغرفة الجهاز الفني لمنتخب الأرجنتين.

    

على ذكر ما يشربون.. رفض سامباولي الاستقالة بعد المباراة معتبراً أن الفريق لم يفشل، ولكن الأسوأ حقاً كان محاولته البائسة لإضفاء المنطق على إشراك ميزا.. من هو ماكسيميليانو ميزا أصلاً؟ هو جناح إندبندنتي الأرجنتيني البالغ من العمر 25 عاماً، هل أقنعك هذا بحصوله على مشاركتين أساسيتين وإقحامه كبديل لمرتين وقت الحاجة للفوز على نيجيريا وفرنسا؟ على الأرجح لا، جرب الاستماع لسامباولي إذاً:"لقد كنا نلعب بطريقة 4-4-2 لفتح الأطراف، وكان ماسكيرانو وبانيغا وحدهم، ولهذا أردت لاعب يمكنه مساندة الوسط والظهور عند المرمى في آن واحد".(3)

    

"وداوني بالتي كانت هي الداء"

بالانتقال إلى البرتغال وعلى النقيض الكامل تماماً، لجينا منظومة واضحة ومحددة في توزيع أدوارها، لا تعتمد على ارتجال لاعب واحد في تحريك الكرة أو صناعتها، بقدر اعتمادها على تواجد هذا اللاعب في المكان الصحيح للتسجيل، وحين يتعلق الأمر بالوقوف في تلك البقعة وسرقة المدافعين من حيث لا يحتسبوا، فهذا شيء يجب أن يفكر كريستيانو بتدريسه بعد الاعتزال، جدياً.

   

تعتمد 4-4-2 فيرناندو سانتوس الدائمة على إغلاق المساحات بالوراء وتأمين الخروج للامام دون ترك مساحات صارخة بالوراء طالما أن النتيجة لا تزال تشير للتعادل، فإن سجل البرتغال، ربح البيع، سيبقون في وضعيتهم الآمنة إلى الأبد، ومرتدة يقودها رونالدو أو يتواجد على آخرها انتظاراً للكرة من وراء المدافع، هي نظرياً الجحيم بعينه. ولكن في تلك الليلة تغيرت الصورة تماماً، فتلقى أبطال اليورو الهدف الأول مبكراً للغاية، ليضطروا للخروج من مساحتهم المرفهة إلى غمار معركة المبادرة والاستحواذ..

   

سقط منتخب البرتغال وبالتالي رونالدو نفسه في فخ أوسكار تاباريز مدرب أوروغواي لأطول وقت ممكن، فاستمر الإغلاق الدفاعي المُحكم لرجال السيليستي بالوقوف حائلاً بين رفاق الدون والشباك، واستمرت خطة إبعاد رونالدو عن المرمى قدر الإمكان بنجاح، فهو أغلب الوقت تحت الحصار داخل المنطقة، ليُجبر على الخروج إلى الطرف على أمل أن يفعل أحد الزملاء شيئاً بالداخل، ولكن الأمر كان شبه مستحيل بالفعل في ظل نوعية العناصر التي اختار سانتوس البدء بها..

       

   

الشيء الوحيد المُجدي الذي استطاع رونالدو فعله كان تحركه في كرة التعادل حين أخذ غودين معه لتخرج رأس بيبي للعرضية بمنتهى الأريحية، لكن حتى في تلك الفترة التي سيطر عليها البرتغاليون تماماً وأغلقوا كل المنافذ في وجه مرتدات أوروغواي، أتى خطأ دفاعي في منتهى الغرابة من جانب نفس المدافع الذي سجَّل للتو، ليسجل كافاني هدفاً ثانياً لا يقل روعة عن الأول، ولكن عكس سير المباراة تماماً، وهي نوعية الأهداف التي اعتاد منتخب سانتوس على تسجيلها وليس تلقيها.

  

الكثير من عوامل قوة البرتغال قد انقلبت عليها في تلك الليلة، فقدم ظهيرها الأيمن ريكاردو بيريرا مباراة سيئة للغاية، وفشلت شراكة غيديش مع رونالدو تماماً كما فشلت في مواجهة إسبانيا، فقط بيرناردو سيلفا كان الوحيد الذي يُعتمد عليه في هذا اللقاء، فحتى الحارس المتألق روي باتريسيو، قد خانه التقدير تماماً في خطوة إضافية كلفته فرصة اللحاق بكرة الهدف الثاني، فهل يتحمل رونالدو كل التبعات كما يحملها العالم لميسي؟ أم أنه لا يأخذ من البرتغال سوى المجد حتى وإن اقتصر دوره على الصراخ من الخارج؟

    

الإجابة

الإجابة الصحيحة هي الأخيرة، هو لا يأخذ من بلاده سوى المجد حتى وإن لم يفعل شيئاً، لماذا؟ لأن تعامل البرتغال معه شعباً وإعلاماً ورموزاً كروية هو الصحيح 100%، وليس ما يفعله الأرجنتينيون بميسي.. ببساطة هم لا يطالبون رونالدو بشيء، هم فقط ممتنون لامتلاكهم لاعباً بهذا الحجم والمستوى، فيُشيَّد له تمثالاً عند الفوز باليورو، وبالطبع لا يفكر أحد في قذف هذا التمثال بالبيض إثر الخروج من المونديال.

 

يُراعى هنا الفارق الكبير بين التاريخ الكروي المجيد للأرجنتين ونظيره البرتغالي المتواضع، ولكن خير الأمور أوسطها، فما نطلبه لميسي من جماهير وصحافة ورموز الأرجنتين الكروية ليس التمجيد بل الرحمة! لأنه حين تملك قوة بهذا الجبروت في الثلث الأخير، لا يصح أن تكون تلك هي خريطته الحرارية ثم تحاسبه لأنه لم يسجل من هناك!

           

لخريطة الحرارية لميسي أمام فرنسا - هوسكورد
لخريطة الحرارية لميسي أمام فرنسا – هوسكورد

رغم ذلك حصل ميسي -المُختفي طواعية بنظر البعض- على أعلى تقييم بين زملائه (8.0) وثاني أعلى تقييم في الفريقين بعد كيليان مبابي صاحب الهدفين الثالث والرابع والمتسبب بركلة جزاء الأول، إذ كان الأكثر صناعة للفرص في المباراة بـ3 تمريرات مفتاحية (حيث صنع الهدفين الثاني والثالث). بينما جاء رونالدو كخامس أعلى تقييم في البرتغال (7.0)، بالتالي لم يكن الأفضل أو الأسوأ، حيث نجح في 5 مراوغات من 7 كأعلى رقم في ملعب المباراة، وكان أكثر المسددين بـ6 محاولات، واحدة منهم فقط جاءت على المرمى بينما ارتطمت البقية بالمدافعين. رونالدو الذي صنع فرصة واحدة، كان ثاني الأقل لمساً للكرة (49 مرة) بعد غيديش (36). نستخلص من تلك المعطيات أن الأول متخاذل والثاني ظلمته جنسيته!(4) (5)

     

قد تكون الكلمات الآتية مملة للغاية مقارنةً بإغراء نعت ميسي بالمتخاذل، أو ردها لكريستيانو كون جماهيره هم أصحاب حقوق تدشين هذا المصطلح من الأساس.. ولكن للأسف سنضطر لمضايقة تلك الهيستيريا للحظات، نُخبركم فيها أن أي منهما لا يُلام على شيء. كريستيانو اضطر لمواجهة إغلاق محكم من أوروغواي أمام المرمى وعليه بشكل محدد، في ظل فشل شبه تام من صناع اللعب وممولي العرضيات في إرسال الكرة إليه بوضع جيد داخل المنطقة، وهو الشرط الموضوعي لإنجاح مهمته الأساسية في هذا الفريق.

  

حتى عرض الرجل الواحد الذي قدمه أمام إسبانيا لا يمكن استخدامه كذريعة ضده، لأنه أولاً أتى أمام فريق هجومي تتواجد المساحات بظهر دفاعه عكس الوضع ضد أوروغواي، ولأنها ببساطة كانت مباراة استثنائية في ظل مستواه الحالي وتقدمه في العمر، فإن كنت ترى أن مستوى كريستيانو الحالي هو القمة أو أي شيء كذلك، أو أنه نفس اللاعب الذي عاصرناه عام 2012 مثلاً، فأنت بحاجة لمراجعة قناعاتك الشخصية قبل أن تُلقي الآخرين بتهم التعصب.

      

    

منتخبي الأرجنتين والبرتغال أضعف بأميال من أن يضع أي منهما يده على كأس العالم، ولا يمكن لأي فرد مهما بلغت أسطوريته أن يحمل منتخبات كتلك إلى اللقب بدون تضافر بعض العوامل المساعدة على أقل تقدير لأننا لا نلعب تنس الطاولة هنا، تلك اللعبة جماعية وستظل جماعية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وبمنتهى الاختصار، فوز أي منهما بهذا اللقب ما كان ليُحتسب كإنجاز خارق لواحد منهما، بل إنجاز خارق لكل قوانين الطبيعة!