شعار قسم ميدان

أسئلة يطرحها فوز أتلتيكو على الريال في السوبر الأوروبي

midan - football

لدى جماهير الميرينغي عادة محببة في كل مباراة ديربي مدريدية، وهي رفع شعار[1] «كل ليلة ديربي هي أسوأ كوابيسك». شعار مرفوع دومًا في وجه خصومهم الأتلتيين، وشعار كاد أن يتحقق بعد أن استطاع الريال تحويل تقدم أتلتيكو في الدقائق الأولى إلى تقدم أبيض في منتصف الشوط الثاني. لكن النهاية جاءت بفوز الأخير، ليصنع أتلتيكو كابوسًا للريال، للمرة الأولى في أوروبا!

    

هل فقد ريال مدريد تميمة الحظ؟

يمثل ديربي مدريد بين الريال وأتلتيكو نقطة تفوق تاريخي للميرينغي، فعبر 219 مباراة[2] قبل مباراة الأمس، عرف الريال الفوز في 109 مرة، ولم يخسر إلا 54 مرة. لذلك فإن شعار الكابوس الشهير لا يخلو من صواب. لكن التاريخ الأوروبي بين الفريقين ضئيل جدًا. فعبر 9 مباريات تواجها فيها، كان الفوز 5 مرات من نصيب ريال مدريد. وفي كل مرة من هذه المرات التسعة كان ريال مدريد هو البطل في النهاية. حتى أن فوزه بديربي العاصمة عندما يكون أوروبيًا، أصبح كتميمة حظ تشير إلى أن الريال يعيش حالة من التفوق. في نهائي أبطال 2014 و2016 فاز الريال بذات الأذنين منتزعًا إياها من بين مخالب التشولو سيميوني. وفي نصف نهائي 2017 لم يتغير الأمر؛ فاز الريال بالديربي في نصف نهائي الأبطال وتوِّج بلقبها في النهائي. حتى في موسم 1959 تواجه الفريقان في نصف النهائي خلال حقبة الجلاكتيكوس الأول للريال، وخسر الروخيبلانكوس.

     

لذلك فإن فوز أتلتيكو مدريد بلقب السوبر الأوروبي في مباراة 15 أغسطس 2018، تمثل حدثًا أوروبيًا فريدًا في تاريخ هذا الديربي. فهي المرة الأولى التي ينجح فيها الأتلتي بأن يحرم الملكي في لقب قاريّ. فهل يخبرنا هذا الفوز بأن الريال على أعتاب مرحلة أوروبية صعبة بعد أن فقد تميمة حظ تخطي أتلتيكو للمرة الأولى؟

       

undefined

    

هل يهاجم سيميوني؟

منذ قدوم الأرجنتيني دييغو سيميوني إلى أتلتيكو وطريقة 4-4-2 هي السر المقدس الذي لا يمكن المساس به. الطابع الدفاعي المنظم الذي يغلق على الخصم كل ثغرات العبور هو علامة الجودة التي لا يخطئها أي مشاهد للأتليتي. والهجوم المرتد شديد السرعة والذي يعتمد على اللاعب تحت المهاجم هو سر الفوز في أغلب الأحيان. ولكن في مطلع العام الماضي تغير الشكل، وأصبحت الـ 4-4-2 أكثر تحريرًا للأطراف، وأصبح المهاجم وظله أكثر تحررًا من الواجبات الدفاعية. وشاهدنا خرائط حرارية للفريق تختلف كثيرًا عن تلك التي اعتدنا. اعتمد سيميوني على ثنائية أطراف فيها ساؤول وكاراسكو، وهجوم ثنائي فيه غريزمان وتوريس في دور المجموعات في تشامبيونزليغ. ورغم نجاح هذا التحرر الهجومي محليًا إلا أنه انتهى أوروبيًا بالخروج من دوري الأبطال مبكرًا والمشاركة في يوروبا ليغ. وهناك عاد سيميوني إلى طريقته الدفاعية القديمة المحببة، وفاز باللقب الذي أهله لمباراة سوبر أوروبا.

            


الخريطة الحرارية لمباراة أتلتيكو وتشلسي في دوري أبطال 2018 (هوسكورد)
الخريطة الحرارية لمباراة أتلتيكو وتشلسي في دوري أبطال 2018 (هوسكورد)

     


الخريطة الحرارية لمباراة أتلتيكو ومارسيليا في نهائي الدوري الأوروبي 2018
الخريطة الحرارية لمباراة أتلتيكو ومارسيليا في نهائي الدوري الأوروبي 2018

    

ذهبت الكثير من التحليلات في الموسم الماضي إلى أن فشل الفريق في الظهور بشكل قوي عاد بالأساس إلى اعتماد سيميوني على أدوار الهجوم من الأطراف على لاعبي وسط مثل كوكي أو مهاجمين مثل كوريا وليس أجنحة. ولأن الفريق الذي ركن كثيرًا إلى الدفاع قد افتقد ذاكرة الهجوم. ويبدو أن تعاقد[3] التشولو مع أجنحة ذات قدرات هجومية مثل توماس ليمار وجيلسون ميرتينز هو أحد أشكال تنظيم هجومي جديد للفريق، بحيث يمكنه أن يهاجم حين يريد، بحيث يحافظ على 4-4-2 المقدسة ولكن بقدرات هجومية أعلى تأتي من الأطراف، وهو ما كان واضحًا في مباراة أمس. فهل نشاهد أتلتيكو مدريد بصورة أكثر تحررًا من ناحية الهجوم ونجاحًا في النتائج في موسم 2019؟

            


الخريطة الحرارية لمباراة أتلتيكو مدريد والريال في سوبر أوروبا 2019   
الخريطة الحرارية لمباراة أتلتيكو مدريد والريال في سوبر أوروبا 2019   
     
هل بدأ عصر الـ BBA؟

منذ سنوات قليلة عرفنا مصطلح الـ BBC الذي يشير إلى خط هجوم الريال في وجود كريستيانو، وأمس تم استبدال حرف C وشاهدنا أسينسيو A على الجبهة اليسرى للريال. وكان ذلك في ظل تساؤل واضح؛ هل تنجح هذه الشراكة الهجومية في سد غياب رونالدو أم أن الريال يحتاج إلى تعاقد جديد مع لاعب من آخر من النجوم؟

          

بالنظر إلى إحصائيات القاطرة الويليزية سنجد أنه سدد كرة واحدة على المرمى، وكانت تمريراته دقيقة بنسبة 79% ونجح في إتمام 3 مراوغات وفاز في التحام هوائي واحد وصنع هدف التعادل لكريم بن زيما. أما بنزيما فقد سدد مرتين وأحرز هدفًا، ودقة تمريراته كانت 78% وفاز في التحام هوائي ونجح في مراوغتين. أسينسيو قد سدد مرتين ومرر بنسبة دقة 86%. لقد ظهر خط هجوم الريال متماسكًا إلى حد كبير. والثلاثية الجديدة أظهرت نجاحًا، لكنه نجاح غير كاف لحسم مباراة أمس لريال مدريد. ورغم أن بيل وبنزيما كانا أصحاب الأهداف الثلاثة أمام ليفربول في نهائي أبطال 2018 بينما غاب رونالدو عن التهديف، إلا أننا في أول مباراة لقب أوروبي يخوضها الميرينغي من دون لاعبه التاريخي منذ ما يقارب العقد من الزمن. وهو ما يجعل السؤال قائمًا وبقوة. وهو ما يدفع للتساؤل أيضًا عن احتمالات تحرك إدارة بيريز لمزيد من الحسم في صفقة إيدين هازارد.

     

في تحليلات[4] [5] المباراة على سكوكا وموقع بي بي سي جاء الثناء على هجوم الريال وجاء التشكيك في إمكانية أن يحافظ كيلور نافاز عن مكانه في حراسة الفريق أساسيًا بينما كورتوا جالس في المدرجات. فالدفاع عن هذا المكان لا يبدأ إطلاقًا بتلقي رباعية أمام الأتلتي في ديربي أوروبيّ على لقب. والتساؤل الذي طرحته سكوكا أيضًا؛ هل كان على سرخيو راموس الانتظار حتى نهاية المباراة قبل أن يذكر كلوب بأنه يخسر النهائيات؟

       

      

هل يقدّم طبق الانتقامُ باردا؟

يُقال أن «الانتقام طبقُ لا يقدَّم إلا ساخنًا»، بينما انتظر دييغو سيميوني في مدرجات ملعب أ. لي كوك أرينا بالعاصمة تالين في أسيتونيا كي ينتقم من ريال مدريد الذي حرمه من لقب أبطال 2014 في لشبونة وفي 2016 في ميلانو. جلس سيميوني في المرة الأولى هو يشاهد فريقه يخسر برباعية في آخر اللحظات بعد أن قدّم 90 دقيقة في غاية الصمود الكروي. وشاهد فريقه يخسر في المرة الثانية بضربات الترجيح بعد أن أضاع خوانفران ضربته. الانتقام يقدم ساخنًا، وسيميوني قدمه باردًا ليلة أمس. ولكن .. هل انتقم سيميوني بالفعل، أم أن خسارة السوبر لا تُقارَن أبدًا بخسارة ذات الأذنين؟

    

الحقيقة أن التاريخ بالفعل يتذكر الألقاب الكبرى. ولكن إن أردنا الحديث عن المشاعر، فربما اختلف الأمر. في إنجلترا هناك ديربي شهير لا يهم أحد بين ويستهام وميلوول. فوز ويستهام بهذا الديربي هو متعة خاصة لن يفهما إلا مشجعو المطارق، ولا تهم غيرهم. لأن الشعور المجرد بالسعادة وبقهر الخصوم هنا لا يمكن حسابه بطريقة رقمية موضوعية، ولكنه شديد الخصوصية والذاتية. لحظة من السعادة تصل في نفوس أصحابها إلى سعادة الفوز بدوري الأبطال ذاته. ربما لم يفز أتلتي التشولو بالأبطال، لكن غريزمان وكوستا وغودين قد ناموا ليلة أمس وهم في سعادة وتشفّى لا يقل عن ما شعر به راموس مثلاً في ليالي 2014 و2016. وقبل كل هؤلاء فهناك سعادة خاصة لخوانفران.

        

     

بعد إضاعة ضربة الترجيح في 2016، تسبب خوانفران أمس في ضربة الجزاء التي جاء منها تقدم، والتي كان يمكن أن تصبح سببًا لهزيمة جديدة في الديربي. لكن القدر أهداه لحظة استماتة على كرة في الطرف الأيمن، استطاع فيها إحياء هجمة ميتة، وأهداها لأنخيل كوريا كي يصنع هدف التعادل لكوستا. لقد حفظ القدر خوانفران من ليلة ندم أخرى كانت وشكية. فهل شعر بانتصار الانتقام بعد مرور عامين، أم أن الانتقام طبق لا يُقدَّم إلا ساخنًا؟

   

البحث عن زمن زيدان المفقود

منذ قدوم مورينيو إلى السنتاغو برنابيو في 2011 وعرف الملكي أسلوب لعب قريب من التحفظ ودام الأمر مع أنشلوتي وزيدان وكان التعاقد القصير مع رافا بينيتز يمثل دليلاً على ميل إدارة الفريق الفنية إلى كرة تريد تحقيق الفوز كأولوية تسبق مسألة جماليات الكرة. وهو ما نجح في مورينيو عندما حسم الليغا الغائبة بعد احتكار برشلونة لها لسنوات، ثم مع أنشلوتي عندما حسم لقب الأبطال، ولا يحتاج أحد إلى التذكير بسنوات زيدان الثلاثة الأخيرة. ثم جاء التعاقد مع لوبيتيغي والذي يمثل مدرسة لعب مختلفة تمامًا تميل إلى الهجوم والاستحواذ وتسييل الأدوار في الثلث الأمامي من الملعب بين المهاجمين. ومن ثمّ يمكن القول بأن الريال على أعتاب مرحلة لها فلسفة مختلفة.

  

undefined    

مباراة السوبر بالطبع ليست المناسبة الأمثل لوضوح هذه الفلسفة ولا الحكم عليها. لكن السؤال الذي تتركه يدور حول الفترة التي يحتاجها الملكي كي يستطيع أن يحقق الفوز والانسجام مستخدمًا تلك الفلسفة. والتي لا علاقة لها بالكرة التي قدمها زيدان مع الفريق. فهل ينجح لوبتيغي؟ والأهم .. لو أن النجاح تأخر، فهل سيحصل على الوقت والدعم من الإدارة؟ أم أن الجماهير سوف تبدأ في البحث عن زمن زيدان المفقود؟

     

السؤال الأخير .. رغم كل ما قدمه زيدان مع ريال مدريد فنيًا، إلا أن قوة زيدان الحقيقية تتجسد في شخصية فريق كان صاحب السيادة النفسية في الملعب. إذ كان الريال قادرًا دومًا على إخضاع الخصم لحالة من الخوف أو الشعور بأن حظوظ الريال أفضل، وهو ما مكّن الريال من الفوز باستمرار حتى إن كان الطرف الآخر هو الأقوى. في مباراة نهائي دوري الأبطال 2017 قدم يوفنتوس شوطًا أول شديد القوة، وضغط على فريق زيدان في كل مناطق الملعب، لكن مشجع كرة القدم المتمرس كان يشعر بأن الريال هو الأقوى في الملعب والقادر على الحسم مهما تعرض للضغط. وأنه الأقرب للفوز حتى وإن كان متأخرًا. وهذه الحالة لم تظهر في مباراة سوبر أوروبا أمام أتلتيكو. فهل يستعيدها الملكي أم يبدأ في البحث عن زمن زيدان المفقود؟