شعار قسم ميدان

تطبيق "آلو".. هل تنجح غوغل بمنافسة واتساب وماسنجر؟

ميدان - غوغل آلو

بعدما استحوذت فيسبوك على تطبيق "واتساب"، اعتقد البعض أن هناك عملية دمج ستجري بين ماسنجر والوافد الجديد. إلا أن فيسبوك حافظت على استقلالية كل تطبيق مُشيرة بشكل غير مُباشر لوجود سوق مُختلف لكل من التطبيقين.

 

خطوة فيسبوك قسّمت سوق المحادثات الفورية إلى قسمين، قسم فيه "واتساب" و"تيليغرام" (Telegram)، وآخر فيه منصّات مثل "ماسنجر" و"وي تشات" (WeChat)، انضمت إليه فيما بعد منصّة "آي مسج" (iMessage) من آبل بعدما بدأت رحلتها من التصنيف الأول. أما غوغل فمُستقبل المحادثات الفورية فيها ما يزال مجهولًا ويواجه عوائق قد تُعيق رحلة التحوّل.

 

بين تصنيفين

مرّت تجربة المحادثات الفورية على الإنترنت في عصر الحواسب مع بداية الألفية الجديدة بنفس المراحل التي تمر فيها التجربة على الأجهزة الذكية. فالبداية كانت مع برامج تسمح بتبادل الرسائل النصيّة بين المُستخدمين تطوّرت فيما بعد لتشمل تبادل الصور، ومقاطع الفيديو والصوت، قبل أن تقفز من جديد وتُضيف إمكانية إجراء المكالمات الصوتية والمرئية بدقّة لا بأس بها بالنظر إلى جودة الاتصالات في ذلك الوقت.

 

التحديثات لم تقتصر فقط على آلية التواصل بين المُستخدمين، فهي أخذت منحى آخر بعدما بدأت الشركات بإضافة خدمات إلى تلك البرامج مثل إمكانية تشغيل الألعاب واللعب بشكل جماعي مع المُستخدمين، أو بعض التطبيقات الأُخرى البسيطة على غرار البحث أو مشاركة الشاشة. وتحوّلت بذلك برامج المحادثة على شاكلة "ياهو ماسنجر" (Yahoo Messenger) و"إم إس إن ماسنجر" (MSN Messenger) إلى منصّة بوظائف مُختلفة أتاحت أيضًا التسوّق الإلكتروني في وقت من الأوقات.

  undefined

 
مع ظهور الأجهزة الذكية تكرّرت التجربة السابقة كذلك، فتطبيقات المحادثات الفورية قدّمت ميّزات بسيطة في البداية انطلاقًا من ضرورة إيصال الرسائل بأسرع وقت مُمكن قبل القفز لتقديم وظائف أُخرى. وبدون خوف أو تردّد، يُمكن اعتبار تطبيق "واتساب" المُحرّك الأصلي لثورة المحادثات الفورية على الأجهزة الذكية، فالجميع كان يعتمد على الشبكات الاجتماعية أو على الرسائل النصيّة القصيرة للتواصل مع الأصدقاء، ليأتي "واتساب" وينقل تلك التجربة إلى الإنترنت بجودة عالية من جهة، وبدون تكلفة إضافية من جهة أُخرى كون الرسائل مجانية عكس الرسائل النصيّة القصيرة التي كانت -وما تزال في بعض الدول- مأجورة.

 

تطبيقات كثيرة بعد ذلك ظهرت منها "لاين" (Line) و"تانغو" (Tango)، وماسنجر من فيسبوك (Messenger) و"تيليغرام" (Telegram) كذلك، وجمعيها بتلك الواجهة المؤلّفة من قائمة المحادثات التي يُمكن الاختيار من بينها والانتقال فيما بعد لنافذة المحادثة التي تحتوي على آخر الرسائل الواردة وعلى شريط لكتابة الرسائل أيضًا.

 

لكن فيسبوك قرّرت الذهاب في اتجاه آخر سارت فيه أولًا تطبيقات مثل "وي تشات" و"لاين"، وهو التحوّل إلى منصّة عوضًا عن مُجرّد تطبيق للمحادثات الفورية، خصوصًا مع وجود قاعدة مستخدمين كبيرة تنمو باستمرار وتجاوزت حاجز المليار ونصف المليار في الوقت الراهن. وبالفعل بدأ تطبيق ماسنجر في إضافة إمكانية تشغيل الألعاب بين الأصدقاء من داخل المحادثة، إضافة إلى إمكانية تبادل الأغاني عبر خدمات مثل "آبل ميوزك" (Apple Music)، أو حتى تبادل الأموال عن طريق خدمة "باي بال" (PayPal). آبل لحقت بركب فيسبوك وقرّرت تحويل تطبيق المحادثات الخاص بها، "آي مسج"، إلى منصّة مع متجر خاص للتطبيقات أيضًا.

  

 
وبناءً على تلك التجارب، تقبع تجربة المحادثات الفورية تحت تصنيفين الآن، واحد بسيط، والآخر تجاوز فكرة التطبيق وتحوّل لمنصّة كاملة.

 

تجربة غوغل

لم تكن غوغل غائبة أبدًا خلال المراحل المُختلفة لتطبيقات المحادثة الفورية، بل كانت لديها تجارب قبل وصول ماسنجر أو "واتساب" تتمثّل في تطبيق "غوغل توك" (Google Talk) الذي كان جزءا أساسيا من خدمة "جي ميل" (Gmail) للبريد الإلكتروني. لتعود لاحقًا وتُطلق "غوغل هانغ آوتس" (Google Hangouts) تماشيًا مع ظهور موجة من تطبيقات المحادثات الفورية الجديدة.

 

ولم يكن النجاح حليفًا لمُعظم محاولات غوغل لأنها اعتمدت على حساب الشركة بشكل رئيس، الأمر الذي يعني أن المستخدم بحاجة للبحث عن أصدقائه باستخدام حساب البريد الإلكتروني وليس عبر رقم الهاتف أو الاسم المُستعار، وتلك طريقة لم تعد عصرية في العقد الثاني من الألفية الجديدة.

 

وبعد مُحاولات، وتحديثات، وإخفاقات، قرّرت غوغل العودة من جديد لسوق المحادثات الفورية وهذه المرّة عن طريق تطبيق "آلو" (Allo)، التطبيق الذي لا يختلف عن بقيّة الخيارات الأُخرى الموجودة في السوق حاليًا(1). لكنه يأتي مُزوّدًا بمساعد الشركة الرقمي، "غوغل أسيستنت" (Google Assistant)، الأمر الذي يُضيف طبقة من الذكاء الاصطناعي لمحادثات المُستخدم من جهة، ويسمح باستخدام بعض التطبيقات الخارجية من جهة أُخرى، ولو بشكل محدود حتى الآن. 
 

 

ولم تُهمل الشركة جانبا آخر من جوانب المحادثات الفورية، وقرّرت السير مع آبل عبر توفير تطبيق مُنفصل لمكالمات الفيديو، مُعلنة عن تطبيق "دو" (Duo) كتطبيق مُستقل عن "آلو"(2). لكنها عادت فيما بعد وبدأت باختبار دمجهما معًا، أو على الأقل توفير إمكانية إجراء مُكالمات الفيديو عبر "دو" من داخل "آلو"، تمامًا مثلما هو الحال في ماسنجر من فيسبوك.

 

مُستقبل "آلو"

عندما أطلقت آبل خدمة "آي مسج" للمرّة الأولى مع خدمة "فيس تايم" (Facetime) لإجراء مكالمات الفيديو عبر الإنترنت، سارت في طريق الحصرية كما هي العادة في جميع مُنتجاتها تقريبًا، أي أن الاستفادة من تلك الميّزات محصورة لمستخدمي أجهزة آبل الذكية وحواسبها فقط ولا نوايا أبدًا لتوفيرها خارج بيئة الشركة. وعليه، فإن تحويل "آي مسج" إلى منصّة كان بفكر واضح وصريح وهو أن تطبيقات المنصّة ستتوفّر في متجر "آب ستور" (App Store).

 

فيسبوك، وعند تحويل ماسنجر إلى منصّة انطلقت من فكرة الانتشار الكبير للتطبيق وتوفّره لنظامي أندرويد و"آي أو إس" (iOS) دون مشاكل. وهذا يعني أن التطبيقات الجديدة التي ستعمل ضمنه ستكون متوافقة بشكل رئيس مع جميع الأنظمة دون تفضيل طرف على الآخر، باستثناء الاختبارات قبل الإطلاق الرسمي.

  

  

غوغل -وفي المُقابل- ما زالت خلف الجميع عند الحديث عن تحويل التطبيق لمنصّة، فهي حتى الآن لم تُعلن عن إمكانية الاستفادة من تطبيقات مثل كريم أو "سبوتيفاي" على سبيل المثال لا الحصر داخل "آلو". لكنها لو فكّرت بهذا الأمر قد تصطدم بحاجز متجر "غوغل بلاي" (Google Play) الذي سيُدخلها في حسابات مُعقّدة إذا ما رغبت في توفير تجربة استخدام واحدة أيًا كان نظام التشغيل المُستخدم.

 

لو اعتبرنا أن التطبيقات التي ستعمل ضمن "آلو" ستتوفر في متجر "غوغل بلاي" فإنها ستكون فكرة مُلائمة جدًا لمستخدمي نظام أندرويد. لكنها سيئة بالنسبة لمستخدمي "آي أو إس" لعدم دعمه لمتاجر خارجية. ولا يُمكن توقّع لطافة مسؤولي آبل وإتاحة جزء من متجر تطبيقات أندرويد داخل تطبيق "آلو"، لأنها ستُعرّض بذلك خدماتها الخاصّة مثل "آي مسج" ومتجر "آب ستور" لمنافسة مُباشرة، الأمر المُستحيل في هذا الوقت على الأقل. وهذا يعني دخول غوغل في دوّامة لا غنى عنها، إلا لو قرّرت هي الأُخرى تمييز مُستخدمي أندرويد على البقيّة.

 

 
هناك أكثر من طريق أمام الشركة منها إتاحة تطبيقات "آلو" ضمن "غوغل بلاي" كنوع من الحصرية لمستخدمي نظام أندرويد. بهذا الشكل ستُشجّع الشركات ومُبرمجي التطبيقات لأنهم ليسوا بحاجة لبرمجة كل شيء من الصفر، وبتعديلات بسيطة على الشيفرات البرمجية يتم دعم المنصّة الجديدة وتوفير الخدمات داخل "آلو". ويُمكن للشركة كذلك السير على خُطى فيسبوك وإنشاء متجر جديد يعتمد على تقنيات الويب بصورة أساسية لإنشاء التطبيقات، وهذا يعني البداية من الصفر بالنسبة لها وبالنسبة للمُبرمجين أيضًا، الأمر الذي يحتاج وقتًا أطول لا تمتلكه في الوقت الراهن في ظل تحليق فيسبوك عاليًا.

 

طريق آخر يلوح في الأُفق يُمكن للشركة أن تسلكه يتمثّل في تطبيقات المساعد الرقمي "أسيستنت" التي تعمل على السحاب. فهي في الوقت الراهن توفّر منصّة تسمح لمُطوّري التطبيقات بإنشاء مهارات (تطبيقات) لمساعدها الرقمي الموجود في نظام أندرويد بشكل أساسي، وضمن تطبيق "آلو" أيضًا. وبهذا الشكل يُمكن الوصول لبعض الخدمات الإضافية من داخل المحادثات الفورية دون الحاجة لمغادرة التطبيق، خصوصًا أن مثل تلك الأمور لا تتعارض مع شروط استخدام متجر تطبيقات آبل التي -وفي أسوأ الاحتمالات- قد تطلب نسبة من المبالغ المالية لو وفّرت غوغل إمكانية تحويل الأموال أو الدفع داخل "آلو"، وهو أمر سبق وأن طالبت به في تطبيق "وي تشات" الذي يُدير متجره الخاص سحابيًا أيضًا.

 

قد تُفاجئ شركة غوغل الجميع بنموذجها الخاص، أو قد تُبقي على "آلو" كتطبيق بسيط للمحادثات الفورية والمكالمات المرئية والصوتية بعد الاستفادة من تقنيات "دو"، مع فرض رؤيتها الخاصّة المُتمثّلة في مساعد رقمي يُساعد المستخدم على إتمام مهامه المُتعلّقة بالمحادثات بسرعة أكبر. وبفضل وجود لوحة مفاتيح مثل "جي بورد" (Gboard)، يُمكن توفير إمكانية البحث أو الوصول لخدمات مثل يوتيوب أو "غوغل ميوزك" (Google Music) كوسيط مؤقّت لتجنّب خسارة مُستخدمي "آلو" على نظام "آي أو إس"(3).
 

 
ختامًا لا توجد عوامل تُجبر غوغل على تحويل "آلو" لمنصّة للمحادثات الفورية. لكن واقع امتلاكها لمتجر كبير للتطبيقات، ورغبتها المُستمرّة في المنافسة في مجال المحادثات الفورية تعني أنها ستحاول تطوير التجربة لإغراء الجميع وفرض التطبيق كخيار للراغبين بتبادل الرسائل بين الأصدقاء، لأن تركه كتطبيق آخر دون إضافات قد يجعله خيارا ثانويا في ظل سيطرة "واتساب" و"تيليغرام" عند الحديث عن بساطة المحادثات الفورية.

المصدر : الجزيرة