شعار قسم ميدان

استثمارات بمليارات الدولارات.. لماذا تتجه الدول والشركات لـ"الجيل الخامس"؟

midan - 5g

في وقت تشقى فيه بعض الدول لتطوير البنية التحتيّة لشبكات الجيل الرابع المعروفة بـ "إل تي إي" (LTE)، وتسعى أُخرى لدعم أحدث معاييره، "إل تي إي+" (LTE+)، بدأت بعض الشركات بإجراء تجاربها على شبكات الجيل الخامس التي تُمثّل مُستقبل الاتصالات مع بداية العقد الثالث للألفية الجديدة.

 

الحديث عن الجيل الخامس ليس جديدا أبدا، فالشركات منذ 2015 تتحدّث عنه وكأنه على مقربة، حتى إن بعض الشركات بدأت الترويج لأجهزة ولهذا النوع من الاتصالات منذ نهاية 2016 ومطلع 2017، موجّهة اهتمامها الإعلامي نحوه دون جهود حقيقية في ذلك الوقت، لكن بالاقتراب شيئا فشيئا من 2018 كشّف الجميع عن سواعدهم وبدأ العمل الحقيقي.

 

تحت المجهر
تسعى بعض الشركات المُصنّعة للأجهزة الذكية لاستخدام عبارات تسويقية رنّانة دائما للتقرّب من العُملاء أكثر. وبطبيعة الحال، بدأ الزج بتقنية الجيل الخامس ضمن العبارات التسويقية التي قد تكون صحيحة(1)، أي إن الجهاز قد يدعم بشكل أو بآخر سرعات عالية في نقل البيانات تُحاكي التي يطمح الجيل الخامس للوصول إليها. وهنا الحديث عن الطموح لأن المُنظّمة المسؤولة عن تنظيم أجيال شبكات الاتصال لم تقم حتى الآن باعتماد الجيل الخامس ومعاييره القياسية(2)، الأمر الذي قد يجعل بعض الجهود الحالية دون فائدة لو استخدمت آليات لا توافق عليها المُنظّمة.

 

ومن هنا، فإن الجيل الخامس يعني شبكات اتصالات ببُنيّة تحتيّة تستخدم مُرسلات ومُستقبلات إشارة متوافقة مع المعايير الحديثة، وشبكات اتصال تدعم بالفعل تلك السرعات والبروتوكولات، وأخيرا أجهزة ذكية تحمل شرائح اتصال الجيل الخامس، مُشكّلة حلقة يجب أن تكون مُغلقة تماما للاستفادة الكاملة، وهي حلقة لن تكتمل بنسبة كبيرة إلا مع حلول 2020، العام الذي حدّدته شركة "تي موبايل" (T-Mobile) في أميركا -على سبيل المثال لا الحصر- موعدا لوصول الجيل الخامس رسميا(3).

    

    

وبدأت الشركة الأميركية باختبار استخدام حزمة تردّدات 600 ميغاهرتز لنقل البيانات باستخدام شبكات الجيل الخامس، لتكون الأولى بذلك. كما نجحت قبلها بفترة قليلة في الوصول إلى سرعة 673 ميغابت في الثانية الواحدة بالاعتماد على تقنيات الجيل الرابع الحديثة، "غيغابت إل تي إي" (Gigabit LTE)، التي تهدف إلى توفير سرعات تصل إلى 1 غيغابت في الثانية الواحدة بالاعتماد على بعض الآليات مثل استخدام أكثر من ناقل إشارة في ذات الوقت (carrier aggregation)، والاعتماد على أكثر من مُستقبل ومُرسل للإشارة، "مايمو" (MIMO)، دون نسيان تعديل طول الموجات أيضا(4).

 

استخدام تلك المفاهيم التقنية صحيح أنه يقبع تحت شبكات الجيل الرابع الحديثة، لكنها أيضا ستكون جزءا من المعايير القياسية الخاصّة بشبكات الجيل الخامس بحسب المسوّدات الصادرة، فالشركات ترغب بالاستفادة من التطوّر التقني الحاصل في شبكات الجيل الرابع مع مفاهيم الجيل الخامس الجديدة لتقديم اتصالات لا مثيل لها.

 

وبالحديث عن الجيل الرابع والخامس جنبا إلى جنب، فإن أفضل ما يُمكن تشبيهه بها هو الطُرقات السريعة، فشبكات الجيل الرابع هي طريق سريع بمسرى واحد، بينما ستكون شبكات الجيل الخامس بمجموعة من المساري التي تسمح أولا مرور بيانات أكثر، وثانيا الاختلاف في سرعة التدفّق على اختلاف الحاجة.

 

الهند، كدولة لا تزال نامية في القطاع التقني، وضعت شبكات الجيل الخامس هدفا في 2020، لتُماشي بذلك الصيحة التقنية حول العالم، رافضة أن تتأخّر مثلما حدث في الأجيال السابقة. تلك التأكيدات جاءت على لسان المسؤول التقني في شركة "إريكسون" (Ericsson) الذي كشف عن اتفاقية لتوفير البُنيّة التحتية اللازمة لشبكات الجيل الخامس مع شركة "إير تل" (Airtel) التي بدورها ذكرت سابقا أنها ستتخلى عن شبكات الجيل الثاني والثالث خلال ثلاثة أعوام تقريبا لإفساح المجال أمام شبكات الجيل الرابع قبل كُل شيء(5)(6).

    

   

اختبارات ناجحة
بعد سلسلة طويلة من التجهيزات والنقاشات بين مزوّدي خدمة الاتصال والشركات المسؤولة عن تطوير العتاد الخاص بشبكات الاتصال الخلوي، بدأت الجهود الحقيقية بالظهور، وهذا بعدما أعلنت شركة "إنتل" عن أول شريحة اتصال بشبكات الجيل الخامس تُعرف بـ "إكس إم إم 8060" (XMM 8060)، والتي ستبدأ بالوصول رسميا في منتصف 2019 تقريبا. ستدعم تلك الشريحة أيضا جميع الأجيال القديمة(7)، الأمر الذي سيجعلها خيارا جيّدا لشركات إنتاج الأجهزة الذكية التي ستضمن بذلك أن أجهزتها متوافقة مع المعايير المُعتمدة في ذلك الوقت، وتلك التي ستبدأ بالوصول بعدها بعام أو عامين تقريبا.
           

     

وبالتزامن مع الكشف عن الشريحة أعلنت الشركة عن الانتهاء من أول اختبار لشبكات الجيل الخامس بالاعتماد على شرائح متوافقة معه، وذلك عبر إجراء مُكالمة ناجحة دون مشكلات، وهذا يُمثّل خطوة كبيرة في شبكات الجيل الخامس التي لن تنطلق جهود تطويرها بالسرعة القصوى إلا بعد وضع المعايير القياسية بشكل رسمي واعتمادها من قِبل الجميع.

 

ما قامت به "إنتل" مُثير للاهتمام والإعجاب، لكن ما قامت به شركة "إي إي" (EE) للاتصالات في بريطانيا، بالتعاون مع شركة "هواوي" (Huawei)، كان مُثيرا جدا(8)(11)، فالشركتان نجحتا في تطوير شبكة لاتصالات الجيل الخامس بسرعة تصل إلى 2.8 غيغابت في الثانية بمعدّل كمون لا يتجاوز 10 ملي ثانية، في وقت تصل فيه سرعة الجيل الرابع إلى 14 ميغابت في الثانية، وشبكات الجيل الرابع الحديثة إلى سرعة 40 ميغابت في الثانية.

       

       

تلك الأرقام يشوبها أكثر من عامل، أهمّها أنها أُجريت ضمن مُختبرات يُمكن التحكّم بجميع الظروف فيها، كما أن العتاد المستخدم من إنتاج شركة واحدة، الأمر الذي سيضمن توافقية كاملة. وبالحديث عن العتاد، فإن التجربة تمّت باستخدام وحدة إرسال إشارة، "مايمو"، لكنها كبيرة جدا مؤلّفة من 64 مُرسلا و64 مُستقبلا، في وقت تُستخدم فيها وحدات إشارة "4×4" أو "8×8" في شبكات الجيل الرابع، وهذا يعكس أهمّية التقنيات الحالية ودورها في المُستقبل.

 

وما "هواوي" و"إيكسون" و"إنتل" سوى لاعبين آخرين في نفس ملعب شركة "كوالكوم" التي تمتلك باعا طويلا في مجال الاتصال، والتي تعاقدت خلال 2017 مع شركة "زيد تي إي" (ZTE) الصينية، ومع "تشاينا موبايل" (China Mobile) لتطوير شبكات الجيل الخامس واختبار شرائح الاتصال الخاصّة بها(9). هذه الاتفاقية تتضمّن أكثر من طرف، وبالتالي أكثر من بُنية تحتية مع وجود وسيط بينها، وهذا يعني اختبارا يُحاكي الواقع الحقيقي لشبكات الاتصالات التي من النادر أن تعتمد على شركة واحدة، الأمر الذي يجعل اختبارات شركة "إي إي" ليست مثالية 100٪.

    

مبالغة أم ضرورة؟
الاسم العلمي لتقنية الجيل الرابع، والمعروف اختصارا بـ "إل تي إي"، يأتي من "التطوّر طويل الأمد" (Long Term Evolution)، وهذا يعني أن شبكات الجيل الرابع جاءت بفكرة أنها قابلة للتطوّر لتحقيق سرعات أعلى مع مرور الوقت، الأمر الذي يُمكن رصده بالفعل مع وصول هواتف مثل "غالاكسي إس 8" من سامسونغ التي تدعم شبكات "غيغابت"، وهي شبكات الجيل الرابع الحديثة التي تُقدّم سرعة اتصالات تصل إلى 1 غيغابت في الثانية الواحدة على الأقل. وهذا يطرح تساؤلا حول ضرورة وجود شبكات الجيل الخامس أو صرف المليارات عليها في الوقت الراهن في وقت لا تزال فيه شبكات الجيل الرابع آخذة بالنمو.

    undefined

   

لا تكمن أهمّية أجيال الاتصالات بالسرعة التي تُقدّمها فقط، صحيح أنها عامل رئيس، لكن عوامل أُخرى مثل حجم تبادل البيانات وعدد الأجهزة التي يُمكن تخديمها أمر مهم وضروري، الأمر الذي جاء الجيل الخامس من أجله بصورة أساسية. في الوقت الراهن تتصل الهواتف الذكية، والحواسب اللوحية والعادية، إضافة إلى الساعات الذكية وأجهزة التلفاز الذكي بالإنترنت، كما أن أجهزة إنترنت الأشياء (IoT) مثل مصابيح الإنارة وأقفال الأبواب الذكية تُصبح شيئا فشيئا عنصرا أساسيا في حياة المستخدم اليومية، وتلك أجهزة تحتاج إلى الاتصال بالإنترنت.

 

وبالقفز نحو المُستقبل الذي سيحمل بصورة أساسية النظّارات الذكية والسيّارات ذاتية القيادة، فإن مزيدا من الأجهزة بحاجة إلى اتصال مُلائم بالإنترنت، خصوصا السيّارات التي تحتاج إلى الاتصال بخوادم سحابية بسرعة كبيرة دون تأخير لاتخاذ القرار المُناسب وإخطار بقيّة السيّارات، في وقت لا تحتاج فيه إلى حزمة بيانات كبيرة، عكس بثّ الفيديو عبر الإنترنت الذي لا يحتاج إلى سرعة تبادل عالية، بل يحتاج إلى حزمة كبيرة نظرا لدقّة المقاطع التي تزداد مع مرور الوقت.

 

تلك الأمور أُخذت بعين الاعتبار في الجيل الخامس، ولهذا السبب هو عبارة عن طريق سريع بمسارٍ كثيرة، بحيث يُمكن تقديم سرعات مُختلفة في كل مسرى على حسب الحاجة، وبالتالي لن تُستهلك حزمات البيانات بسرعة كبيرة وستكون قادرة على استيعاب كمّية أكبر من الأجهزة طوال الوقت.

 

خلال أشهر قليلة تحوّلت شبكات الجيل الخامس من تضخيم إعلامي إلى واقع يقترب تحقيقه، فشركة "آبل" بدأت باختبار شرائح شركة "إنتل" لاستخدامها في هواتف "آيفون" القادمة في 2019، لتكون بذلك داعمة لشبكات الجيل الخامس قبل وصولها الرسمي(10). أما من ناحية العائدات، فالهند يتوقّع لها أن تُحقّق عائدات تصل إلى 27 مليار دولار أميركي من شبكات الجيل الخامس مع حلول 2026(5)، الأمر الذي يوضّح سبب الاستثمارات والجهود التي تبذلها بقيّة دول العالم الأول التي تعتمد بصورة كبيرة على أحدث تقنيات الاتصالات.

المصدر : الجزيرة