شعار قسم ميدان

أذن رقمية وإبصار إلكتروني.. أجهزة ذكية تساهم بتحسين حياتنا

midan - biliscreen

على الرغم من انتشارها الكبير فإن الهواتف الذكية تشهد حتى اللحظة مُعارضة شرسة من بعض الجهات الصحيّة التي تدرس عن كثب تأثير الإشعاعات المُنبعثة منها على صحّة الإنسان، سجالات كان آخرها مُذكّرة صادرة من هيئة الصحّة العامة في ولاية كاليفورنيا الأميركية تُطالب رعاياها بعدم تقريب الأجهزة من الجسد(1).

 

تلك التحذيرات والمخاوف يُمكن تفنيدها بسهولة بتسليط الضوء على بعض الاستخدامات المُفيدة الموجودة على أرض الواقع للأجهزة الذكية، خصوصا بعد تقريبها من جسد الإنسان، فهناك دراسات تخمينيّة تدرس احتمالية وجود تأثير سلبي(2)، وأمثلة حقيقية تُظهر التأثير الإيجابي.

    

الإبصار الإلكتروني
لا تُعاني الأجهزة الذكية لوحدها من تلك الحملات المُضادّة، فالشبكات الاجتماعية أيضا لم تسلم بناء على دراسات وتقارير مُختلفة أكّدت تأثيرها السلبي على الإنسان بشكل عام، والتي كان آخرها تصريحات من أحد المسؤولين السابقين في شبكة فيسبوك مؤكّدا دورها في هدم المُجتمع وتفتيته(3). لكنها أيضا تسعى جاهدة لإغراق تلك الحالات السلبية بمبادرات اجتماعية مُختلفة كابتكار وسائل لنقل الصوت عبر الجلد مثلا، وتلك مشاريع بحاجة إلى مزيد من الوقت حتى ترى النور.

      

          

على أرض الواقع، تمتلك شبكة فيسبوك الكثير من المُبادرات الملموسة الموجّهة إلى فاقدي حاسّة البصر، وذلك من خلال وضع خوارزميات التعرّف على محتويات الصورة في خدمة الإنسان. الشبكة الزرقاء تُقدّم في بعض أدوات قابلية الوصول (Accessibility) إمكانية وصف محتويات الصورة بشكل صوتي للمستخدم، ثم قامت فيما بعد بتطويرها لتشمل مقاطع الفيديو، بحيث تقوم بوصف محتوياته صوتيا، مع أدوات أُخرى تقوم بتحويل الكلام الموجود داخل الفيديو إلى نص كتابي يظهر في الأسفل، وهنا يُمكن لفاقدي حاسّة السمع معرفة ما يجري داخل الفيديو دون الحاجة إلى تدخّل صاحب الفيديو لكتابة كل شيء بشكل يدوي، كما أضافت تلك الأدوات أيضا أثناء البثّ المُباشر، لكي لا يفوّت المُستخدم أي محتوى موجود على الشبكة(4).

 

تلك المبادرات ليست حبيسة فيسبوك فقط، فالشبكة قامت بتوفيرها لجميع الراغبين بالاستفادة منها في مشاريعهم الخارجية، وذلك من خلال مكتبات مفتوحة المصدر موثّقة بأفضل شكل مُمكن. كما توفّر منصّة يوتيوب نفس الخيارات كذلك، أي تحويل الكلام داخل الفيديو إلى نصوص تظهر في الأسفل.

 

شركة مايكروسوفت بدورها أخذت هذا النوع من الأدوات في اتجاه آخر، فالجميع يملك الآن هواتف ذكية، وعوضا عن استخدام المزيد من الأجهزة لمساعدة فاقدي حاسّة البصر وأولئك الذين يشتكون من ضعف فيه، قرّرت الشركة تطوير تطبيق يُساعد مستخدمي الهواتف الذكية على معرفة الأشياء الموجودة أمامهم من خلال نظام يتعرّف على الأشياء ويقوم بنطقها، فكل ما يحتاجه المستخدم هو تشغيل التطبيق الذي سيقوم بفتح الكاميرا، وبمجرد رفعه سيقوم برصد الأشياء وشرحها للمستخدم فورا ليعرف الاتجاه المناسب، ويحصل على مُبتغاه بسهولة تامّة.

     

     

الكشف عن مشكلات القلب
تؤمن الشركات التقنية أن الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة قوى عُظمى لا يُمكن الوقوف بوجهها شريطة أن يتم الاستفادة منها ووضعها بالمكان الصحيح. تلك المبادئ يُمكن مُشاهدتها بشكل حيّ ومُباشر في جهود الشركات ورغبتها في علاج مشكلات موجودة داخل جسم الإنسان دون حتى الدخول إليه، ومن جديد فإن فيسبوك ورغبتها في إتاحة التحكّم بالأجهزة الذكية عبر التفكير فقط مثال حيّ على تلك الرغبات. وعلى أرض الواقع، هناك أمثلة أنقذت حياة الكثيرين.

 

تقوم الساعات الذكيّة بقراءة نبضات قلب الإنسان بشكل دوري عندما يقوم المستخدم بارتدائها. لكن الاستفادة منها لا تقف عند هذا الحد، فالشركات قرّرت الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتحليل تلك البيانات والخروج منها بنتائج وذلك عبر أدوات وتطبيقات مُختلفة نذكر منها تطبيق "هارت وتش" (HeartWatch) المتوفّر في الوقت الراهن لساعات آبل الذكية(5).

 

نجح التطبيق في اكتشاف وجود خثرات دموية داخل رئتي أحد مُستخدمي الجيل الأول من ساعة آبل الذكية، وذلك من خلال رصد نبضات قلبه طوال اليوم والفروقات أثناء فترات الراحة وفترات الجهد المُرتفع. بدراسة وتحليل تلك البيانات لاحظ التطبيق وجود أرقام غير طبيعية ليُصدر تنبيها يُطالب المستخدم فيه بالتوجّه إلى الطبيب فورا. وبالفعل، وبعد مجموعة من التحاليل والصور، تبيّن وجود خثرة داخل الرئة كانت كفيلة بقتل المستخدم لو لم ينتبه لها.

    

   

في مثال آخر انعكست الآية، فأحد المُستخدمين في الخمسينيات من عمره قام بإجراء فحوصات شاملة بتكاليف وصلت إلى آلاف الدولارات للوقوف على حالته الصحيّة. وتلك فحوصات أكّدت أن قلبه سليم وأن كل شيء على ما يُرام، ليتفاجأ بعدها بأيام أن ساعته الذكية قامت بإيقاظه في منتصف الليل بسبب وجود مُعدّل نبضات غير طبيعي أبدا ارتفع إلى درجة غير متوقّعة. وبعد التوجّه إلى قسم الطوارئ وإجراء صور شعاعيّة لم تظهر المشكلات، لكن وبإجراء تحاليل دمويّة تبيّن وجود انسداد في شرايين القلب، انسداد لم تكتشفه الفحوصات الطبيّة المُكثّفة وآلاف الدولارات، لكن ساعة ذكية بتكلفة مئات الدولارات وتطبيق بسعر لا يتجاوز 3 دولارات أميركية نجح في إنقاذ حياة شخص خلد إلى نوم كاد أن لا يستيقظ منه(6).

 

الأورام الخبيثة
مع تطوّر الرؤية الحاسوبية وخوارزميات التعرّف على العناصر داخل الصور ومقاطع الفيديو، فإن اكتشاف الأورام الخبيثة أمر لم تُهمله أي شركة تقنية. آخر الدراسات كشفت أيضا أن الاستفادة من التقنية المُعقدّة ليس السبيل الوحيد، فاستخدام التفاعلات الكهربائية والكيميائية قد يُساهم في المُستقبل بهذا الأمر.

 

في سويسرا، وتحديدا في مُختبرات "EPFL" المُتخصّصة في مجال العلوم، تمكّن الباحثون من الاستفادة من التيّار الكهربائي والتفاعلات الكيميائية في الكشف عن الخلايا الحيوية السرطانية. انطلق الباحثون من أن الخليّة يتغيّر تركيبها الكيميائي عندما تُصبح خبيثة، حيث تتدخّل بعض المواد بشكل أكبر في تركيبها، بينما تنخفض مواد أُخرى. ومن هنا، فإن تمرير تيّار كهربائي والاستفادة من الأقطاب من شأنه إعطاء فكرة عن نوع الخليّة دون الحاجة إلى استخدام مواد كيميائية مُعقدّة أو استخدام الأشعّة، وتلك نتائج ما زالت تحت الاختبار حتى الوقت الراهن(7).

           

        

وبالانتقال إلى واشنطن، فإن تطبيق "بيلي سكرين" (BiliScreen) كان أحدث ما وصلت إليه تقنيات الرؤية الحاسوبية، فهو تطبيق قادر على اكتشاف سرطان البنكرياس من خلال تحليل درجة اللون الأبيض في العيون. نسبة نجاح التطبيق وصلت إلى 90٪ تقريبا، وهو يقوم بمقارنة درجة البياض التي تتغيّر عند مرضى سرطان البنكرياس نحو اللون الأصفر(8). واستمرارا مع الأورام الخبيثة، نجحت خوارزميات شركة غوغل في اكتشاف السرطان بسرعة أكبر من الأطبّاء مُحقّقة نسبة نجاح وصلت إلى 92٪ تقريبا، حيث اعتمدت على تقنيات كانت بالأساس تُستخدم في أنظمة القيادة الذاتية التي تقوم بتحليل كل شيء أمامها لاتخاذ القرار المُناسب(9).

 

الشركات التقنية تضع أولا تقنيات الرؤية الحاسوبية في مواجهة الأورام الخبيثة في وسيلة لاكتشافها بسرعة أكبر، وتذهب في ذات الوقت باتجاهات أُخرى لتحاول رصدها دون الحاجة إلى دخول جسم الإنسان أو إجراء الفحوصات التي تتطلّب كثيرا من الوقت والمال، وكل هذا عبر تطبيق داخل الهاتف الذكي.

 

أُذن رقمية
لا يُمكن الوقوف عند جهود فيسبوك ويوتيوب في تحويل الكلام إلى نصوص واعتبارها كافية، فالشركات التقنية ترغب في إيصال الصوت الحقيقي للمستخدم، ولأجل ذلك تعاونت شركة آبل مع شركة "كوكلير" (Cochlear) لتطوير سمّاعة قادرة على نقل الصوت من هواتف آبل الذكية إلى أذن المستخدم مُباشرة(10).

            

         

بشكل عام، فإن سمّاعات تقويّة السمع تقوم بأخذ الصوت وتُعيد إصداره من جديد داخل أذن المستخدم بتردّدات أعلى أملا في إحداث اهتزازات كافيّة داخل أذن الإنسان لإحداث السمع. لكن مع الهواتف الذكية كان المستخدم بحاجة إلى استخدام سمّاعة أُخرى تتصّل مع الهاتف الذكي لاستقبال المُكالمات وتشغيل الأصوات الصادرة من الجهاز. توحيد تجربة الاستخدام كان الهدف الرئيس لآبل و"كوكليز"، وبناء عليه تم تقديم سمّاعة "نيوكليوس 7" (Nucleus 7 Sound Processor) التي تأتي لتقوية السمع من جهة، وقادرة على الاتصال عبر تقنية بلوتوث بهواتف آبل الذكية لاستقبال وإجراء المُكالمات دون الحاجة إلى أية مُلحقات خارجية.

        

         

ولأن خدمة البشرية هي الهدف من تلك المشاريع، طرحت آبل تلك التقنيات بشكل مجاني للجميع، ويُمكن بذلك لأي شركة الاستفادة منها لتطوير مُلحقات قادرة على الاتصال بالهواتف الذكية كوسيلة لمنع تلك المشكلات الصحيّة من التأثير على تجربة استخدام تلك الأجهزة.

 

بعيدا عن المجال الصحّي، فإن شبكات الذكاء العصبوني في غوغل تمكّنت بالتعاون مع وكالة ناسا الأميركية من العثور على كوكب جديد، حمل اسم "كيبلر-90 آي" (Kepler-90i)، يبعد عن الكرة الأرضية أكثر من 2500 سنة ضوئية، الأمر الذي يجعل مجموعتنا الشمسية ليست الأعلى على مستوى الكواكب الموجودة فيها(11). ومن هنا، فإن الخوارزميات الذكية القادرة على رصد كواكب بعيدة جدا ستكون قادرة على المُساهمة في توفير حلول لمشكلات صحيّة ولأمراض بقيت مُستعصية لفترة زمنية طويلة، وما هي سوى مسألة وقت حتى تُتقن الآلة التفاعلات الكيميائية داخل جسم الإنسان لتكشف عن الأنماط الغريبة وتُحاول العثور على حلول طبيّة فعّالة للقضاء على الطفرات الصحيّة.

         

        

قد تؤثّر الأجهزة الذكية والشبكات الاجتماعية على الصحّة من جهة، لكنها أيضا بتأثيرات إيجابية يُمكن التركيز عليها لنقل البشرية إلى مستوى آخر عوضا عن تلك المعارك القضائية التي لم، ولن تنتهي، بسهولة داخل دور القضاء، فهي موجودة حتى قبل ظهور الهواتف الذكية.

المصدر : الجزيرة