شعار قسم ميدان

"لاي فاي" البديل المحتمل لتقنية "واي فاي"

midan - light
يعود تاريخ إنشاء الشبكات اللاسلكية واي فاي (Wi-Fi) التي نستخدمها اليوم إلى العام 1867 تقريبًا حينما وضع العالم الإسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل فرضيّته الأولى حول وجود موجات الراديو التي لها خصائص مثل موجات الضوء في الحقول الكهربائية والمغناطيسية. وذكر ماكسويل أن هذه الموجات ترتد وتنتقل في الفراغ وتتأثر أيضًا ببعض العوامل والحقول. وبقي هذا مُجرّد تخمينات وكلام نظري إلى أن جاء هاينريش هيرتز عام 1887 وأثبت صحّة هذه النظرية وبدأ باستخدام موجات الراديو بشكل مُوسّع.

 

وشاع استخدام هذه الموجات بشكل كبير، فالمبدأ الأساسي هو وجود مُرسل أو باعث للإشارة أو الموجة في طرف، ومُتلقّ لهذه الموجات أو الإشارات في طرف آخر، وبكل تأكيد المسافة بين الطرفين تختلف باختلاف المجال أو الفضاء، فاستخدامات موجات الراديو موجودة مثلًا في بث الإذاعات عبر الراديو، حيث تُرسل الإشارات من الفضاء، أو لدينا أيضًا الموجات الخاصّة بتغطية شبكات الاتصالات، فالمُستقبِل هو الهاتف الذكي والمُرسل هو محطّة فضائية. وبتفصيل أدق، تُرسَل الإشارة عبر قمر صناعي إلى مُستقبل أرضي كبير، يقوم بدوره بتوزيع الحزم عبر أبراج التغطية لنستقبل الإشارة عبر هواتفنا، لكن بشكل عام المبدأ واحد: مُرسل في طرف، ومُستقبل في طرف آخر أيًا كانت المسافة.

 

مُعظم الشركات اتجهت نحو تطوير وتوسيع الحزم أو المجالات الخاصّة بهذه الأمواج، ولكنها لم تكن منذ اليوم الأول قادرة على نقل البيانات الكبيرة وبسرعات عالية، بل تطوّرت مع مرور الزمن.  وفي ذات الوقت، كانت الشركات أيضًا تعمل على معالجة بعض مشاكل هذا النوع من تبادل البيانات مثل حماية البيانات وتجنّب ضياعها أثناء الانتقال من طرف للآخر، أي نستطيع القول إن الشركات حاولت استهلاك موجات الراديو بأكبر قدر مُمكن طالما أن العملية ما تزال مُمكنة.

 

ولأن الخروج عن المألوف لم يكن عادة ماكسويل فقط، شاءت الأقدار أن يتجه البعض إلى استخدام موجات ثانية نستخدمها بشكل يومي منذ اكتشاف الكهرباء، ألا وهي الضوء، كيف لا وهو موجود في كل منزل، أو وسيلة نقل، أو مكتب، أو حتى في الأماكن العامّة والطرقات، أي أننا ولو أسقطنا نظرية الاتصالات على الضوء لوجدنا أن الطرف المُرسل موجود بشكل أو بآخر ولا نحتاج سوى لبضع التعديلات لاستكمال النظام ونقل البيانات باستخدامه.

 

نقل البيانات عبر الضوء
يمكن نظريا أن تصل سرعة نقل البيانات بالضوء إلى 224 غيغابايتا في الثانية الواحدة
يمكن نظريا أن تصل سرعة نقل البيانات بالضوء إلى 224 غيغابايتا في الثانية الواحدة
 

يأتي مُصطلح لاي فاي (Li-Fi) اختصارًا لـ(Light Fidelity) أو بالمعنى الحرفي الاعتماد على الضوء، وهو مُصطلح خاص بنقل البيانات عبر الضوء أو وسيلة الاتصال القادرة على نقل البيانات عبر موجات الضوء فقط. ومن حيث المبدأ لا تختلف لاي فاي عن واي فاي، فالتقنيتان تقومان على وجود مُرسل ومُستقبل ووسط ناقل.

 

وجاء هذا المُصطلح -لاي فاي- على لسان الأستاذ الجامعي الألماني هارلاد هاس الذي قدّم للعالم عام 2011 –خلال مشاركته في مؤتمر TED– نموذجًا للتقنية الجديدة بعد سنوات طويلة من الاعتماد على موجات الراديو كوسيلة لنقل البيانات. وبشكل عام تعتمد تقنية لاي فاي على الضوء والأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية لتحميل البيانات على الأمواج ونقلها بسرعات عالية تصل إلى 10 غيغابايتات في الثانية الواحدة [1]، وكان هذا عام 2014، أي أن سرعات أكبر قد تكون في طريقها للظهور في وقت قريب.

 

آلية العمل


يُمكن تشكيل أبسط نظام لنقل البيانات بالضوء من خلال ضوء (LED) ومُستقبل للضوء فقط، بل إن معظم المنتجات الموجودة حاليًا تقوم أيضًا على نفس المبدأ. ويعمل الضوء بواسطة الكهرباء وهو تيار ذو تردد مُعيّن، لكن ما نجهله حقًا هو أن هذا الضوء لا يُضيء 100% طوال الوقت، فهو يتناوب، أي أن هناك نبضات في التيار الكهربائي تؤدي إلى نبضات أيضًا في الإضاءة دون أن تلحظها العين المُجرّدة في المسافات القصيرة، لكنها واضحة عند النظر ليلًا إلى الأضواء البعيدة التي تبدو مُتلألئة، ومن هنا يمكن اعتبار هذه النبضات الضوئية البذرة الأولى لإرسال البيانات عبر الضوء، تمامًا مثلما هو الحال في الحاسب الذي يُرسل البيانات بالنظام الثنائي (Binary) على هيئة نبضات كهربائية مؤلفة من 0 و1 فقط.

 

وبعد تحميل البيانات عبر تلك النبضات سوف تنتقل في الفراغ عبر أشعة الضوء التي تُنير لنا الأماكن المُظلمة، أي أننا كمستخدمين لن نلحظ أية فروق عند استخدام الضوء لنقل البيانات، لكن وجود مُستقبل لهذه الأشعة أمر ضروري لتحويل النبضات المُرسلة إلى بيانات والاستفادة منها، فإرسال مجموعة من الأصفار أو الواحدات ليس بالأمر المفهوم بالنسبة لنا كبشر، ويجب تحويلها إلى بيانات ووضعها في سياقها الصحيح لفهمها، وهنا يأتي دور المُستقبل (photodiode) المسؤول عن هذه العملية.

 

الجميل في هذه التقنية أن الضوء ليس بحاجة للعمل دائمًا من أجل إرسال البيانات، أو بمعنى آخر هو بحاجة للعمل، لكن الأشعة الصادرة يمكن أن تكون تحت الحمراء أو فوق البنفسجية بحيث لا تراها العين، وهو شيء جيّد جدًا خلال النهار على سبيل المثال.

 

محاسن ومساوئ لاي فاي
لسنا بحاجة أبدًا للحديث عن سرعة الضوء التي تساوي ثلاثمئة كيلومتر تقريبًا في الثانية الواحدة، وبالتالي سرعة نقل البيانات ستكون عالية جدًا، إذ أنه يمكن نظريًا أن تصل إلى 224 غيغابايتا في الثانية الواحدة [3][2]، وهو رقم يفوق سرعة نقل البيانات في شبكات واي فاي التقليدية التي تصل تقريبًا إلى 7 غيغابايتات في الثانية [4].
نقل البيانات من الهواتف الذكية ممكن من خلال الشاشة نفسها التي تضيء طوال الوقت
نقل البيانات من الهواتف الذكية ممكن من خلال الشاشة نفسها التي تضيء طوال الوقت

لكن عند إنارة غرفتك الخاصة، هل تُنار أيضًا الغرفة المجاورة لك عند وجود حائط يفصل بين الغرفتين؟ تمامًا هذه هي مشكلة لاي فاي، فهي غير قادرة على اختراق الجدران، فهذه طبيعة الموجة الضوئية، وبالتالي لا يمكن أن تنتقل الإشارة بين الغرف المختلفة في حالة وجود طبقة عازلة تؤدي إلى ارتدادها. هذا الأمر في ذات الوقت مُفيد جدًا في موضوع الخصوصية، فاستخدام الضوء لنقل البيانات في المكتب فقط يعني استحالة وجود اختراق من مكتب مجاور لهذا الاتصال طالما أن المكتب معزول بشكل جيّد ويمنع خروج الأمواج الضوئية.

 

والحاجة إلى عمل المصابيح بشكل دائم من الأمور المزعجة أيضًا، صحيح أن تشغيل المصابيح في بعض الأحيان يعني فقط تشغيلها لإصدار الأشعة تحت الحمراء، إلا أن دائرة المصباح تعمل، وبالتالي قد يؤثر ذلك على العمر الافتراضي.

 

لماذا لاي فاي بوجود واي فاي؟
undefined

استخدام لاي فاي مُفيد في الأماكن التي تقتضي عدم وجود حقول كهرومغناطيسية فيها، مثل المشافي على سبيل المثال لا الحصر، فاستخدام تقنية لاي فاي سيمنع بكل تأكيد تداخلها مع بقية الأجهزة، وبالتالي لا تأثير على صحّة المرضى.

كما ذكرت بعض المصادر أن تطوير تقنية نقل البيانات عبر الضوء جاء بشكل أساسي بسبب عدم إمكانية استخدام شبكات واي فاي داخل الطائرات، فلفترة طويلة كان يعتقد أن استخدام هذه الشبكات يُسبب تداخلا مع موجات الاتصال والأجهزة داخل قُمرة القيادة، وبالتالي مُنعت قبل أن يُبرهن العُلماء أن هذه الادعاءات باطلة تمامًا ويمكن استخدام شبكات واي فاي داخل الطائرة دون مشاكل.

 

إضافة إلى ذلك، وقبل فترة، أعلن مكتب تنظيم الاتصالات الفدرالي (FCC) أن المجال أو الطيف الخاص بشبكات واي فاي قد شارف على الانتهاء بسبب كثرة الشبكات الموجودة التي تستخدم ترددات مختلفة لتجنّب التداخل مع بعضها البعض [5]، وبالتالي لا بد من استخدام وسط آخر غير الحقل الكهرومغناطيسي لنقل البيانات، وهنا جاء الضوء وسيلة مناسبة جدًا.

 

استخدامات حقيقية 

undefined

نعم هناك نماذج ومنتجات حقيقية في الأسواق لاستخدام الضوء في نقل البيانات، ففي عام 2014 قدّمت "بيور لاي فاي" -التي أسسها هاس نفسه- أول نموذج تجاري باسم لاي الأول (Li-1st) كما أن الشركة ذاتها أطلقت لاي فليم (Li-Flame) وهو عبارة عن نظام يتم وصله بمصابيح (LED) لإرسال البيانات عبر الضوء واستقبالها عبر وحدة لاي فليم المكتبية (Li-Flame Desktop) التي يتم وصلها بالحاسب عبر منفذ يو أس بي (USB) لنقل البيانات من طرف للآخر.

 

إضافة إلى ذلك، وفي الإمارات وتحديدًا في دبي أعلنت كل من شركة زيرو ون (Zero.1) ودو (du) في أبريل/نيسان 2016 عن استخدام تقنية نقل البيانات عبر الضوء بشكل رسمي [6][7]، حيث تم إنشاء نظام خاص يتم وصله مع أضواء الطُرقات التي تستخدم مصابيح (LED) من أجل تحميل بيانات عليها ونقلها باستخدام أمواج الضوء فقط.

 

من هنا إلى أين؟
قد يبدو أن قدوم لاي فاي لم يكن مُرحّبًا به كثيرًا، فقد جاء بشكل أو بآخر للقضاء على مخاوف استخدام واي فاي في الطائرات ليخرج العلماء ويؤكدوا أنه لا داعي للقلق من الشبكات اللاسلكية وأمواج الراديو فيها، وبالتالي قد يشعر البعض أن الأهمية قد تضاءلت.
تعتمد تقنية
تعتمد تقنية "لاي فاي" على الضوء والأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية لتحميل البيانات على الأمواج ونقلها بسرعات عالية تصل إلى 10 غيغابايتات في الثانية الواحدة
 لكن مجالات نقل البيانات عبر الضوء كبيرة جدًا، وفي الحقيقة تعديلات بسيطة في بعض الأجهزة التي نستخدمها ستكون كفيلة وقادرة على استقبال الضوء أو إرساله بعد تحميل البيانات من خلاله. والأجهزة الذكية خير مثال على ذلك، فهي تمتلك مُستشعرًا للضوء بجانب سمّاعة الرأس يقوم باستشعار ظروف الإضاءة الخارجية لضبط إضاءة الشاشة، وبالتالي تعديل هذا المُستشعر وجعله قادرًا على استقبال البيانات المُحمّلة عبر الضوء يعني أننا كمستخدمين سنحصل على إمكانية استخدام واي فاي ولاي فاي داخل الأجهزة الذكية دون صعوبات أبدًا، ودون تغيير في الهندسة أو الهياكل.

 

ونقل البيانات من هواتفنا الذكية ممكن أيضًا من خلال الشاشة نفسها، فهي تُضيء طوال الوقت لعرض الألوان والنقاط التي تُشكّل مُجتمعة بيانات نفهمها نحن كبشر، لكنها في نفس الوقت يُمكن أن تحمل بيانات لتنشرها في الوسط المُحيط، دون نسيان ضوء الفلاش الموجود على الوجه الخلفي لمعظم الأجهزة لتحسين جودة التقاط الصور في ظروف الإضاءة الليلية.

 

أما من الناحية التجارية، فسوق لاي فاي يشهد نموا سنويا بمعدل 82% تقريبًا، وهذه أرقام يتوقع أن تستمر حتى عام 2018، بحيث يُمكن أن تصل قيمة هذه التقنية إلى ستة مليارات دولار حينها، وهو ما قد يُشجّع أكثر من شركة على خوض غمار هذه التجربة لأن النموذج الربحي بدأ يتشكّل بشكل أو بآخر.