شعار قسم ميدان

ما هو مستقبل الساعات الرقمية؟

midan - ساعة
عادة ما تنجح الأجهزة التقنية الجديدة بجذب الأنظار إليها، خصوصًا إذا ما دخلت شركات على غرار آبل، أو سامسونج، أو جوجل، في المنافسة وبدأت بإنتاج أجهزة جديدة من تلك الفئة. وبالحديث عن الأجهزة التقنية الجديدة، فإننا وباستثناء نظّارات (الواقع الافتراضي Virtual Reality) و(المُعزّز Augmented Reality)، إضافة إلى المُساعدات المنزلية الرقمية أيضًا -التي ما زالت في بداياتها-، فإن (الساعات الذكية Smart Watches) هي الأجهزة التي تُراهن مُعظم الشركات عليها منذ 2015 تقريبًا.

 

وبالنظر إلى الأرقام الصادرة عن (مؤسسة IDC) حول مبيعات الساعات الذكية في الربع الثالث من عام 2016، نجد أن هذه الأجهزة ما زالت بعد عامين تقريبًا دون مأوى لها، أو بمعنى آخر، لم تجد الشركات عوائد على الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها.

 

في الربع الثالث من عام 2016 سيطرت الساعات الذكية ذات المواصفات التقنية البسيطة، والفئة السعرية المُنخفضة على 85٪ تقريبًا من المبيعات، وهي أرقام تُذكّر قليلًا بالحواسب اللوحية التي ظهرت بعد الهواتف الذكية التي تُعتبر مرجعًا للأجهزة الذكية منذ عقد من الزمن تقريبًا [1].

 

هواتف ذكية بشاشات أكبر
شهدت الحواسب اللوحية مع بداياتها مبيعات منخفضة؛ لأنها لم تفلح في خلق ضرورة للحصول عليها من قبل المُستخدم
شهدت الحواسب اللوحية مع بداياتها مبيعات منخفضة؛ لأنها لم تفلح في خلق ضرورة للحصول عليها من قبل المُستخدم

عندما ظهرت حواسب (iPad آي باد) اللوحية من شركة آبل، بدأت مُعظم الشركات العالمية، وتحديدًا الصينية، بالإسراع باتجاه هذه الصيحة التقنية، لكنها تفنّنت في تقديم حواسب لوحية بأسعار مُنخفضة جدًا للمنافسة بصورة أكبر، فبعضها قدّم هذه الأجهزة على أنها مُشغّلات للوسائط فقط، وبعضها الآخر اعتبرها مُشغّلات لتطبيقات الهواتف الذكية لكن بشاشة أكبر قليلًا، وهي استخدامات تعكس حقيقة قصورهم في فهم الوظيفة الأساسية لمثل هذه الأجهزة.

 

اتّجهت مبيعات الحواسب اللوحية بعد قفزتها القوية في البدايات نحو الأسفل، والسبب في ذلك هو أن المُستخدمين وجدوا بالفعل أن هذه الأجهزة تسمح بتشغيل التطبيقات على شاشة أكبر، مع قوّة معالجة أعلى، وبطارية أكبر. لكن في نفس الوقت، لم تكن الهواتف الذكية راقدة، بل كانت هي الأُخرى تحصل على بطاريات بعمر أطول، وشاشات أكبر، مع قوّة معالجة أعلى، وهو ما جعل الحواسب اللوحية بدون هوّية أمام الهواتف الذكية.

 

وهُنا، عادت مُعظم الشركات إلى النموذج الأساسي الذي بدأت الشركات الكُبرى بتعريفه للحاسب اللوحي، وهو نموذج استهدفت فيه من الأساس الحواسب التقليدية، أو جزء كبير من الوظائف التي يُمكن اتمامها باستخدامه. وهُنا بدأنا نرى أن جميع الشركات حرصت على تقديم حواسب محمولة جديدة هجينة، أي مُزوّدة بشاشة تعمل باللمس مع إمكانية استخدامها مع لوحة مفاتيح وماوس كذلك، أملًا منها في كسب حصّة من السوق وإرضاء جميع الغايات.

 

وبالنظر إلى سوق الحواسب اللوحية عبر مُنتجات شركات مثل آبل أو مايكروسوفت، نجد أن حواسب (iPad Pro آي باد برو) على سبيل المثال تسمح الآن بالرسم الرقمي وإنتاج الرسوم المُتحرّكة، وإتمام جزء كبير من عمليات الإخراج والإنتاج الفني والموسيقي ببساطة بعد الدمج ما بين التقنية والتطبيقات القوية. وهو نفس الأمر تمامًا في حواسب مايكروسوفت الأخيرة (Surface Pro)، التي أيضًا لا تقل أهمّيتها عن حواسب آبل اللوحية.

 

بداية مُتشابهة
undefined

شهدت الحواسب اللوحية مع بداياتها مبيعات منخفضة؛ وهذا لأنها لم تفلح في خلق ضرورة للحصول عليها من قبل المُستخدم، وهو حال الساعات الذكية التي ما زالت مبيعاتها لم تصل إلى الحجم المطلوب. لكن ومع مرور الوقت، بدأت الرسوم البيانية لمبيعات الحواسب اللوحية بوصل النقاط في الربع الأعلى من الجهة اليُمنى للرسم، أي في القسم الموجب تمامًا لأن هذه الأجهزة استندت على فكرة القيام بوظائف الهواتف الذكية التي كانت -وما زالت- مُسيطرة تمامًا على الأجهزة الذكية.

 

لكن الساعات الذكية وللأسف واقعها مُختلف على الرغم من البداية المُشابهة، لأن من حاول أن ينقل وظائف الهاتف الذكي إلى الساعة لم ولن ينجح بسبب حجم الشاشة الصغير جدًا، وقوّة المعالجة التي لا تُقارن، دون نسيان تجربة الاستخدام كذلك. كل هذا يعني أن الساعات الذكية بحاجة للسير في طريقها الخاص دون النظر إلى أي مُنتج آخر.

 

بحسب المُعطيات الحالية، فإن الوظيفة الأساسية التي يُمكن للساعات الذكية القيام بها هي قياس نشاط المُستخدم اليومي، أي معرفة مُعدّل ضربات القلب، وعدد الخطوات، إضافة إلى عدد السعرات الحرارية التي قام المُستخدم بحرقها، وهي بيانات يُمكن الحصول عليها من السوارات الذكية التي تتميّز بسعرها المُنخفض، إذ لا يحتاج المُستخدم لاقتناء ساعة ذكية غالية الثمن لهذا الغرض. وهو ما يجعل الساعات الذكية دون مكان ثابت أو دون أن تُعتبر كمنتج تقني ثابت في سوق الأجهزة الذكية الذي أصبح مُعرّفًا بالهواتف الذكية أولًا، والحواسب اللوحية ثانيًا.

 راقبت آبل لفترة الساعات الذكية في السوق وحاولت أن تجد لنفسها مكانًا وانطلقت بمنتج ركّز على الوظائف الحيوية والطبية بشكل أساسي دون أي شيء آخر
 راقبت آبل لفترة الساعات الذكية في السوق وحاولت أن تجد لنفسها مكانًا وانطلقت بمنتج ركّز على الوظائف الحيوية والطبية بشكل أساسي دون أي شيء آخر

آبل دائمًا ما تتجنّب دخول سوق ما زال في بداياته، إلا لو كان السوق من ابتكارها. فهي راقبت لفترة الساعات الذكية في السوق وحاولت أن تجد لنفسها مكانًا وانطلقت بمنتج ركّز على الوظائف الحيوية والطبية بشكل أساسي دون أي شيء آخر، إلى جانب بعض الوظائف الأُخرى. ولأن هذا لم يكن كافيًا، عملت على تحسين بعض الميّزات كرفع مقاومة الساعات الذكية للماء في الجيل الثاني (Apple Watch Series 2 آبل ووتش سيريس 2)، إلى جانب تزويدها كذلك بشريحة لتحديد (الموقع الجغرافي GPS) لرصد نشاط المُستخدم الرياضي بطريقة أفضل.

 

بناء الساعة على هذا الأساس، مع توفير بعض عناصر المتعة كمشاركة البيانات في الشبكات الاجتماعية، وعرضها داخل الساعة بطريقة مُبهجة، جعل شراءها أمرًا مُمكنًا ومُحبّبًا للبعض، بل ونجحت أيضًا في احتلال المرتبة الأولى من حيث مبيعات الساعات الذكية في بعض الأرباح المالية، متفوقة على الكثير من أقرانها [2]. لكن هذا لا يعني أبدًا أن الساعات الذكية أصبحت -حتى نهاية عام 2016 على الأقل- أجهزة تقنية يرغب الجميع باقتنائها.

 

ميّزات أساسية للتركيز عليها
وجود مجموعة كبيرة من الساعات الذكية في السوق في الوقت الراهن لا يعني أبدًا نجاحها. صحيح أن نفس الأمر موجود في الهواتف الذكية، لكن وبغض النظر عن الهاتف الذكي وقدرة معالجه أو دقّة شاشته وحجمها، فإنه يبقى جهازًا قادرًا على القيام بوظائف أساسية كالاتصال، وإرسال واستقبال الرسائل، وتصفّح الإنترنت كذلك، وهذه من الأسباب الرئيسية التي جعلت الهواتف الذكية مُنتجًا ناجحًا، في حين أن الحواسب اللوحية ذهبت صوب الحواسب المحمولة والمكتبية، ويبدو أنها تضع قدمًا لها في السوق حسبما نُشاهد من الاستثمارات والابتكارات التي تقوم بها الشركات.
 

undefined

أما الساعات الذكية فطريقها طويل، لكن هناك بعض الاستخدامات التي يُمكن أن تجعلها أجهزة أساسية إذا ما نجحت الشركات بالتركيز عليها، أو تطويرها بالصورة الأمثل التي تجعل المُستخدم راغبًا باقتنائها والحصول على أحدثها باستمرار.

 

الدفع الإلكتروني: يُمكن للساعات الذكية أن تكون الأجهزة المُناسبة للمستخدمين من أجل إتمام عمليات الدفع التي تتم في المقاهي أو المحلات المُختلفة، دون إهمال الدفع في وسائط النقل العامّة مثلما هو الحال مع ساعة آبل في اليابان.

 

القفل الرقمي: بدأت الشركات بتطوير استخدامات مُختلفة للساعات الذكية، آخرها قفل وفك قفل الحاسب عبر الساعة، أو بمجرّد الاقتراب من الحاسب يتم فتحه بشكل آلي، وبمجرد الابتعاد عنه يتم قفله. هذه الوظيفة يُمكن توسعتها لتشمل السيارات على سبيل المثال، أو حتى أجهزة (إنترنت الأشياء IoT) في المنزل أو المكتب.

 

تنظيم البيانات: يستلم المُستخدم أثناء استخدامه للهاتف الذكي الكثير من التنبيهات بعضها من الشبكات الاجتماعية، وبعضها الآخر من تطبيقات المحادثات الفورية، وبعضها من تطبيق البريد الإلكتروني، وهو ما يجعل التركيز من أصعب الأمور. لذا فإن توفير إمكانية تخصيص الاستخدامات في الساعة أمر قد يجعلها مُحبّبة لدى البعض؛ فتفعيل وضع العمل يعني الحصول على التنبيهات الواردة من تطبيقات البريد الإلكتروني والرسائل فقط. أما تفعيل وضع الرياضة، فهو يقفل تمامًا أي تنبيهات واردة باستثناء المكالمات فقط، وهكذا يُمكن للمستخدم تفعيل الوضع الذي يناسبه والحصول على المعلومات بتنظيم أفضل.

يُمكن لهذه الساعات أن تُساعد المُستخدم في تنظيم وقته من خلال توفير واجهات استخدام بسيطة ومُباشرة تُركّز على تدوين الملاحظات، أو إدخال المواعيد إلى التقويم، وضبط المُنبّه ورسائل التذكير
يُمكن لهذه الساعات أن تُساعد المُستخدم في تنظيم وقته من خلال توفير واجهات استخدام بسيطة ومُباشرة تُركّز على تدوين الملاحظات، أو إدخال المواعيد إلى التقويم، وضبط المُنبّه ورسائل التذكير


الذكاء الاصطناعي
:
ماذا لو قدمت الساعات الذكية مُساعدات رقمية أفضل، بحيث يسألها المُستخدم -على سبيل المثال- عن طريقة الذهاب إلى مكان ما وتقوم بعرض تعليمات الانتقال خطوة بخطوة على الشاشة؟ وبهذا الشكل تُضارب بشكل أو بآخر على المُساعدات الرقمية المنزلية.

 

تسهيل إدخال البيانات: بما أن هذه الأجهزة مُمكن أن تُساهم في تنظيم الحصول على البيانات، فإنها يُمكن أيضًا أن تُساعد المُستخدم في تنظيم وقته من خلال توفير واجهات استخدام بسيطة ومُباشرة تُركّز على تدوين الملاحظات، أو إدخال المواعيد إلى التقويم، وضبط المُنبّه ورسائل التذكير.
 

هذا جزء بسيط من الاستخدامات المُختلفة التي يُمكن للساعات الذكية أن تقوم بها بصورة أفضل، لكنها قد تفتح المجال أمام الشركات لبيع كمّيات أكبر وتحويلها بالفعل إلى أجهزة بحصّة سوقية أعلى. ويبدو أن شركات مثل جوجل، المُطوّرة لنظام (أندرويد وير Android Wear) الخاص بتشغيل الأجهزة الذكية القابلة للارتداء، وآبل، المُطوّرة لنظام (watchOS ووتش أو أس) الموجّه لساعاتها الذكية فقط، بدأت تجد المُعادلة الأمثل للاستخدامات الحقيقية للساعة، إذ يُمكن اعتبار عام 2017 اختبارًا حقيقيًا لها خصوصًا مع إطلاق الإصدار الثاني من نظام تشغيل أندرويد [3]، والثالث من نظام تشغيل ساعات آبل الذكية [4]، بانتظار أسماء أُخرى على غرار سامسونج ونظام تشغيلها الخاص بالساعات، تازين Tizen. [5]

المصدر : الجزيرة