شعار قسم ميدان

هل تتخطّى سامسونغ "لعنة نوت7″؟

midan - samsung note7
لم يترك عام 2016 المُنقضي الشركات التقنية الكبيرة هادئة البال إطلاقا؛ فقد أصاب العديد من الشركات العملاقة بأزمات خطيرة؛ "فيسبوك Facebook" ومشاكل الأخبار الكاذبة، وشركة آبل وانخفاض العوائد ومبيعات "آيفون iPhone" للمرّة الأولى، مُرورًا بشركة "ياهو Yahoo" التي بيعت بعد الكثير من الأخذ والرد، وانتهاءً بشبكة تويتر التي تبدو وكأنها تحتضر.
 

سامسونغ هي الأُخرى سارت على نفس الدرب، وحققت نتيجةً لذلك أسرع دورة حياة مُمكنة لجهاز إلكتروني بفاصل زمني بين إطلاق الجهاز وإعلان وفاته رسميًا لا يتعدى الشهرين فقط، وهنا الحديث عن أجهزة "جالاكسي نوت Galaxy Note7  – 7" التي سمع بقصّتها القاصي والداني.
 

الشركة الكوريّة الجنوبية انتظرت ثلاثة أشهر تقريبًا قبل الحديث عن أسباب الموت المُفاجئ للجهاز، فقد أعلنت سحب الأجهزة من الأسواق وإيقاف إنتاجها في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2016، وأصدرت بيانها الرسمي مع نهاية يناير/كانون الثاني 2017 الذي بدت فيه واثقة وجاهزة للمُستقبل، لكن الذكاء خانها عندما ألقت اللوم على العنصر الخطأ وراء تلك الفضيحة.
 

الرواية الرسمية
سامسونغ شكّلت فريقًا مُكوّنًا من 700 باحث عملوا خلال لمدة ثلاثة أشهر على تحليل أكثر من 200 ألف جهاز، و30 ألف بطارية لمعرفة الأسباب الرئيسية وراء انفجار بطاريات نوت 7.
سامسونغ شكّلت فريقًا مُكوّنًا من 700 باحث عملوا خلال لمدة ثلاثة أشهر على تحليل أكثر من 200 ألف جهاز، و30 ألف بطارية لمعرفة الأسباب الرئيسية وراء انفجار بطاريات نوت 7.
 

باعت شركة سامسونغ ثلاثة ملايين جهاز نوت 7 تقريبًا خلال تلك الفترة القصيرة، لكنها أكّدت أن 96٪ من الأجهزة المُباعة أُعيدت للشركة، وبالتالي فإن خطر انفجارها أصبح ضئيلًا جدًا، ووجود وحدات تُهدّد حياة المُستخدمين لم يعد بنفس درجة الأهمّية السابقة التي دفعت بعض شركات الطيران لمنع اصطحاب تلك الأجهزة نظرًا لتهديدها الكبير للسلامة العامّة [1].
 

سامسونغ شكّلت فريقًا مُكوّنًا من 700 باحث عملوا خلال لمدة ثلاثة أشهر على تحليل أكثر من 200 ألف جهاز، و30 ألف بطارية للوقوف بشكل رسمي على الأسباب التي أدّت إلى انفجار الأجهزة الجديدة، خصوصًا أنها قامت قبل ذلك بإيقاف إنتاج الأجهزة واستبدال البطاريات أملًا في أن تُحل هذه المُشكلة وتستمر في بيع الأجهزة، وهو ما لم يحصل.
 

المُسبّب الرئيسي كان -مثلما توقعّ الكثير من المُحلّلين- بطاريات الجهاز بإصداريها الأول والثاني؛ فالأولى جاءت بأطراف مُنحنية لتُلائم هيكل الجهاز، وهو ما أدى بدوره إلى انحراف في مسار التيار الكهربائي عند الزوايا، ليخرج التيّار عن مساره في الدارة، ويؤدي إلى ارتفاع في درجة حرارة البطارية قبل احتراقها ثم انفجارها. أما الإصدار الثاني من البطارية، أي التي استُخدمت بعد استبدال القديمة، فكان سبب انفجاره وجود ضعف في مساري التيّار الكهربائي الذي أدى إلى "دائرة قاصرة Short-Circuit"، وهي دائرة تنعدم المقاومة فيها. هذا يعني أنه وبمجرد مرور تيّار كهربائي فيها ستُصاب الدائرة بأعطاب قبل أن تنفجر بالكامل، وهو ما حصل بالفعل بعدما قامت سامسونغ باستبدال بطاريات الأجهزة وإعادتها للأسواق من جديد [2].

كيف وصلت إلى هُنا بالأساس؟
سامسونغ هي المسؤول الأول والأخير عمّا حدث بعيدًا عن كونه ناتج بسبب بطارية الجهاز، أو معالجه، أو أي مكوّن داخلي آخر، لأنها قصّرت في إجراء اختبارات الحماية والأمان (رويترز)
سامسونغ هي المسؤول الأول والأخير عمّا حدث بعيدًا عن كونه ناتج بسبب بطارية الجهاز، أو معالجه، أو أي مكوّن داخلي آخر، لأنها قصّرت في إجراء اختبارات الحماية والأمان (رويترز)

لم يكن جهاز "نوت 7" الأول لشركة سامسونغ في مجال الأجهزة الذكية، فهي تمتلك باعًا طويلًا في هذا السوق الذي تعد أحد أقطابه الكبرى. لكن خلف ما حصل قصّة فيها الكثير من التفاصيل.
 

لا يُمكن لأي شركة طرح مُنتجاتها في بعض الدول دون الحصول على مجموعة من التراخيص وشهادات الجودة والأمان. وبالحديث عن الهواتف الذكية فإن الولايات المتحدة الأمريكية تطلب مثلًا من الشركات المُصنّعة لهذه الأجهزة أن تحصل على شهادات جودة من هيئة صناعات الهواتف الخليوية التي تُعرف اختصارًا بـ CTIA. وبناءً على ذلك، تحتاج كل شركة للتوجّه إلى أي مُختبر مُعتمد من تلك الهيئة لاختبار أجهزتها لطرحها في الأسواق بعد الحصول على الموافقة [3].
 

سامسونغ قامت بتهيئة مُختبراتها الداخلية لتتوافق مع معايير الهيئة، فهي ومنذ عام 2009 تقوم باختبار أجهزة "جالاكسي Galaxy" المُختلفة داخل مُختبراتها الخاصّة التي تتبع معايير الجودة العالمية. لكن هذا يعني أيضًا، أنها لا تُرسل الأجهزة الجديدة إلى جهات أُخرى لتطبيق اختبارات أُخرى عليها وفق معايير وآليات مُختلفة، وبالتالي وصلت إلى هذه النتيجة "السوداء"، خصوصًا أن أحد المُتحدّثين باسم الشركة قال خلال هذه القضية إن الشركة لم تجد مشاكل في أجهزة نوت 7 التي قامت بطرحها في الأسواق، أو التي قامت باستبدال بطاريّاتها فيما بعد، وهو ما عقّد الأمور نوعًا ما، وأظهر أن التنوّع في الاختبارات أمر هام جدًا في هذا النوع من الأجهزة [4].
 

وبناء على ذلك، فإن سامسونغ هي المسؤول الأول والأخير عمّا حدث بعيدًا عن كونه ناتج بسبب بطارية الجهاز، أو معالجه، أو أي مكوّن داخلي آخر، لأنها قصّرت في إجراء اختبارات الحماية والأمان، صحيح أن نفس المُختبرات كانت مسؤولة عن اختبار أجهزة جالاكسي الأُخرى مثل إس 7 أو إس 7 إيدج، لكن الأمر يختلف في "نوت 7" خصوصًا مع تغيير التصميم الصناعي للبطاريات لكي تتّسع داخل الوجه الخلفي للجهاز.
 

إضافة إلى ذلك، تُلام سامسونغ على استعجالها لإطلاق الجهاز قبل مُنافسيها؛ آبل وهواتف آيفون 7، وجوجل وهواتف "بيسكل Pixel"، حيث رأت أن الترويج لأجهزتها قبل موسم الأعياد بفترة تصل إلى ثلاثة أسابيع، وقبل تلك الشركات، أمر فيه فائدة، وبالتالي وصلت إلى السوق أجهزة ساهمت بشكل أو بآخر بهدم ثقة الزبون بسامسونغ التي ستعود بكل تأكيد عن طريق أجهزتها القادمة.
 

عن ظهر قلب
سامسونغ أكدت في مؤتمرها على التزامها الحقيقي بالتأكّد من جودة الأجهزة وعدم رغبتها في التسرّع من جديد تحت أي ظرف من الظروف.
سامسونغ أكدت في مؤتمرها على التزامها الحقيقي بالتأكّد من جودة الأجهزة وعدم رغبتها في التسرّع من جديد تحت أي ظرف من الظروف.
 

تعلّمت سامسونغ بكل تأكيد من الحادثة، فهي لم تمر مرور الكرام أبدًا، بل ويمكن أن يؤدي ما حدث إلى أجهزة بمستويات عالية جدًا من الجودة والأمان. الشركة قرّرت رفع عدد نقاط اختبار البطاريات إلى ثمان نقاط بحيث تقوم فيها بشحن الجهاز وتفريغ شحنه، وإعادة هذه العملية أكثر من مرّة للتأكد من عمل كل شيء بأفضل صورة مُمكنة. كما قررت مسح الجهاز عبر الأشعّة السينية X-Ray لمشاهدة المكوّنات الداخلية أثناء عمل الجهاز.
 

إضافة إلى ذلك، قررت الشركة إجراء اختبارات أقصى -من ناحية الظروف- من الاختبارات التي تُجرى عادة داخل المُختبرات المُعتمدة، فهي ستُعرّض البطاريات والأجهزة إلى ظروف جوّية سيئة جدًا كالأمطار الغزيرة، أو درجات حرارة أقل من عشر درجات تحت الصفر. كما تنوي تعريضها عمدًا إلى سوء استخدام لرصد ردّة الفعل التي قد تحصل لمحاولة التقليل من حدّتها قدر الإمكان [2]. هذا من شأنه التقليل من مخاطر أجهزة سامسونغ المُستقبلية، وخصوصًا الشخصية كالهواتف أو الحواسب اللوحية.
 

الأهم من هذا كُلّه؛ لم يكن المؤتمر الذي تناولت فيه ما حصل، أو الفيديو الذي شرحت فيه باختصار أصل المُشكلة وطريقة مُعالجتها، بل كان التزامها الحقيقي بالتأكّد من جودة الأجهزة وعدم رغبتها في التسرّع من جديد تحت أي ظرف من الظروف.
 

المؤتمر الذي أعلنت فيه شركة سامسونغ عن أسباب انفجار بطارية سامسونغ نوت 7 (وكالة الأنباء الأوروبية)
المؤتمر الذي أعلنت فيه شركة سامسونغ عن أسباب انفجار بطارية سامسونغ نوت 7 (وكالة الأنباء الأوروبية)

اعتادت الشركة لسنوات طويلة أن تكشف عن الجيل الجديد من هواتف جالاكسي إس Galaxy S أثناء مُشاركتها في معرض برشلونة السنوي MWC الذي يجري مع نهاية فبراير/شباط من كل عام. لكن هذه المرّة قررت الشركة وللمرّة الأولى الخروج عن هذه العادة وتأجيل إطلاق الأجهزة الجديدة إلى موعد لاحق [5].
 

سامسونغ أحوج ما تكون له في الوقت الراهن هو العودة بجهاز جديد للسوق، لكنها لا ترغب بالاستعجال من جديد، وفضّلت أن تتأثر أرقامها وحصّتها في سوق الأجهزة الذكية ذات المواصفات الرائدة على أن تخسر تمامًا ثقة المُستخدمين الذين قد يغفروا لها خطأها الأول، لكن تكراره سيكون كارثي بكل تأكيد.
 

لن تتوقف الشركة عن الابتكار والخروج بمنتجات جديدة، حالها حال أي شركة كبيرة تتعرّض لموقف مُشابه، لأن مثل هذه المشاكل هي من تُقدّم خبرة كبيرة للمُهندسين والعاملين داخل الشركة، وهي التي تُعطي المُدراء دروسًا في التواضع وعدم الاستهتار أيًا كان اسم الشركة، أو أيًا كان تاريخها، فالالتزام بالجودة أمر لا يجب أن تتخلى عنه الشركات أملًا في تقليل المصاريف، أو في كسب ود شريحة أكبر من المستخدمين.
 

شئنا أم أبينا، تبقى سامسونغ واحدة من أهم شركات الهواتف الذكية على مُستوى العالم، فهي تُزاحم في أكثر من فئة، لكن مُنافستها السنوية مع غوغل وآبل في فئة الأجهزة ذات المواصفات الرائدة يكشف مدى التزامها في هذا المجال الذي يبدو وكأنه بسيط جدًا، أو غير مُعقّد، لكن شركات عريقة بحجم "إل جي –  LG" أو سوني – Sony" فشلت في الاستمرار فيه لفترة طويلة من الزمن، وهو ما يعكس صعوبة الاستمرار فيه.

المصدر : الجزيرة