شعار قسم ميدان

2017.. ليس مُجرّد عام آخر في تاريخ تويتر!

midan - twitter
كانت الأنظار في عام 2016 موجّهة نحو شبكة تويتر الاجتماعية بشكل كبير دون غيرها، فعلى الرغم من وجود شركات كثيرة مثل فيسبوك بتطبيقاتها المُختلفة، وتحديدًا إنستغرام  الذي حصل على ميزات منسوخة من تطبيق سناب شات [1]؛ إلا أن أخبارها لم يتمّ تناقلها مثلما كان الحال في شبكة تويتر التي يبدو أنها في 2017 لن تكون في حال أفضل.

 

توقع الجميع عودة تويتر لرؤية النور بعد سنوات من الظلام الدامس بسبب عودة أحد مؤسسيها، جاك دورسي (Jack Dorsey)، الذي طُرد سابقًا منها في عام 2008 [2]، وكأنه تكرار لقصة النجاح التي عاشها ستيف جوبز مع شركة آبل التي أسسها وطرد منها؛ ليعود إليها فيما بعد وينجح في تحويلها إلى إمبراطورية من ناحية الابتكار، ومن الناحية المادية كذلك. إلا أن نجاح دورسي مع تويتر، لم يكن فصلًا من فصول هذه الحكاية حتى هذه اللحظة.

 

والآن وفي عام 2017، يرى الجميع -دون استثناء- أن تويتر بصدد الحصول على فرصتها الأخيرة على مدار 12 شهرا، أو أربعة أرباع مالية أُخرى، قد تكون كفيلة بعودتها إلى الواجهة من جديد، أو تحويلها إلى إرث تقني على غرار شركات مثل ياهو  أو نوكيا على سبيل المثال لا الحصر.

 

تويتر ودورسي
جاك دورسي، أحد مؤسسي شبكة تويتر
جاك دورسي، أحد مؤسسي شبكة تويتر

في أكتوبر/تشرين الأول 2015، أعلنت شبكة تويتر عودة دورسي رئيسا تنفيذيًا لها، والذي بدا للجميع أنه المُنقذ للشركة؛ خصوصًا أنه يشغل نفس المنصب في شركته الأُخرى التي أسّسها سابقًا، سكوير إنك (Square Inc) للدفع الإلكتروني [3]؛ أي أنه أضحى رئيسًا تنفيذيًا لشركتين في نفس الوقت، وهو دليل على براعته بالنسبة للكثيرين على ما يبدو.

 

لكن وفي 2016، أي بعد عام وثلاثة أشهر من استلامه لدفّة القيادة سارت جميع الأمور بنفس الاتجاه وكأن شيئًا لم يكن؛ فالتغريدات المُزعجة ما زالت تجد مكانًا لها دافعةً البعض للتذمر، والبعض الآخر لإغلاق الحساب والعودة إلى شبكة فيسبوك التي تُعالج هذا النوع من المُشاركات بطريقة أفضل. دون نسيان أن استخدام تويتر كشبكة اجتماعية من قبل الوافدين الجدد لا يزال أمرًا صعبًا نوعًا ما، فالتطبيق والموقع الرسمي على حد سواء لا يجدون قبولًا من قبل الكثيرين؛ أي أن نسبة نمو المُستخدمين فيها كانت أشبه بالمعدومة خلال تلك الفترة [4].

 

مع نهاية الربع الثالث من 2016، أعلنت تويتر أن عدد مُستخدميها النشطين شهريًا وصل إلى 317 مليون مُستخدم، لكن وعلى الرغم من كبره كرقم، إلا أنه لا يُمثّل شيئا جيّدا؛ خصوصًا أن نسبة النمو خلال هذا الربع بلغت 3٪ مُقارنة بنفس الربع من عام 2015، أي أن دورسي وخلال عام لم ينجح في جذب أكثر من 3٪ كمستخدمين جدد، وهذا رقم عاد جدًا على الأقل في نظر المُستثمرين بعدما بدأ 2016 بعدد مُستخدمين وصل إلى 320 مليون، أي هروب 3 مليون مُستخدم بعد تسعة أشهر من بداية 2016 [5].

 

وبين هذا وذاك، قررت تويتر وبشكل مُفاجئ التخلّي عن تطبيق فاين (Vine) وإغلاقه بشكل كامل [6]، وهو تطبيق مثّل الخطوة الأولى في عالم الشهرة للكثير من المُمثّلين أو روّاد مجال الإعلام؛ لكنها وللأسف لم تنجح في الحفاظ عليهم؛ وهو ما دفعهم للتوجّه إلى منصّات منافسة على غرار أنستغرام، ويوتيوب، أو حتى فيسبوك التي توفّر هي الأُخرى إمكانية مُشاركة مقاطع الفيديو بالدقة الكاملة.

undefined

ماليًا لم يكن الوضع أفضل بالنسبة لتويتر أيضًا، فبالنظر إلى مُعدّل النمو السنوي في الربع الثالث من عام 2015، نجد أن الشركة امتلكت وقتها مُعدّلا يصل إلى 57.6٪ بعائدات بلغت 569 مليون دولار أمريكي. لكن هذه الأرقام استمرّت بالانخفاض لتصل إلى 616 مليون دولار أمريكي. كيف يُمكن اعتبار ارتفاع العائدات من 569 مليون إلى 616 مليون انخفاضًا؟ بكل بساطة الأمر يرتبط بمعدل النمو السنوي الذي انخفض إلى 8.2٪ فقط، وهو ما يجعل الشركة على أعتاب مواجهة صعوبات في تحقيق نمو على الصعيد المادي على الأقل، بإهمال صعوباتها الأُخرى في جذب شريحة جديدة من المُستخدمين [7].

 

وما زاد الطين بلّة كان شائعات رغبتها بالبيع؛ أي البحث عن شركة أُخرى تشتريها أملًا في إعادتها للحياة من جديد، وهو ما أدى بكل تأكيد إلى ارتفاع أسهمها في سوق الأوراق المالية بشكل فوري، فشركات مثل سيلز فورس (Salesforce)، وديزني، إضافة إلى جوجل كانت على قائمة المُرشّحين لشرائها، لكن ديزني مثلًا خرجت فورًا عندما رأت مُشكلة التغريدات المُسيئة والمُزعجة تُلوّح من بعيد دون حلول [8].

 

طبعًا لم يجلس دورسي وبقية المُهندسين في تويتر دون حراك في 2016، فالشركة حاولت القيام بالكثير من الأمور للمحافظة على شريحة المُستخدمين الخاصّة بها، فهي لم تعد تحتسب الروابط ضمن حروف التغريدة، وهو ما يمنح المُستخدمين مساحة أوسع للكتابة. كما أنها ركّزت بشكل كبير على البث المُباشر، واستفادت من تقنيات تطبيق بريسكوب (Periscope)، حيث يُمكن الآن ومن داخل تطبيق تويتر بث الفيديو مُباشرةً دون الحاجة إلى تثبيت أي تطبيق آخر. أما بخصوص التخلّص من التغريدات المُسيئة؛ فالشركة وجدت حلًا من خلال توفير أداة تسمح بإخفاء كلمات مُحددة، أو وسوم، أو مُستخدمين؛ بمعنى آخر، وفّرت تويتر أداة لإخفاء التغريدات المُسيئة، وليس للتخلّص منها بشكل كامل [9].

 

بماذا سيختلف 2017 عن 2016؟
بالنسبة للمُستثمرين، والمُحللين الاقتصاديين، تبدو تويتر في طريقها للنهاية، خصوصًا مع أرقامها التي تُسارع في الانخفاض، فما 2017 سوى عام آخر سيساهم في انخفاض هذه الأرقام أكثر وأكثر. لكن الواقع غير ذلك من الناحية التقنية، أو حتى من الناحية الإدارية التي ستشهد تغييرات كثيرة في العام الميلادي الجديد.
دورسي وُصف أكثر من مرّة أنه شخص يهتم بمظهره الخاص أكثر من اهتمامه بشبكة تويتر، وهذا الكلام على لسان موظفّين سابقين في الشركة
دورسي وُصف أكثر من مرّة أنه شخص يهتم بمظهره الخاص أكثر من اهتمامه بشبكة تويتر، وهذا الكلام على لسان موظفّين سابقين في الشركة

ودّعت تويتر 2016 بالكثير من الأخبار الإدارية المُزعجة مثل مُغادرة مُدير العمليات فيها  [10]، إضافة إلى المسئول التقني  فيها أيضًا [11]، أي أن دورسي بقي وحيدًا تقريبًا، بعد مُغادرة أشخاص بمناصب هامّة جدًا. لكن ومع بداية 2017، هناك أسماء جاءت لتملأ هذا الفراغ، وتحديدًا في مركز المسئول التقني الذي سيشغله كيث كولمان (Keith Coleman)، وهو مسئول سابق عن تطوير تطبيقات هامّة في جوجل مثل جيميل ، وإنبوكس، إضافة إلى شات جوجل ، فهذه الأسماء إلى جانب تواضع دورسي تُعطي بداية جديدة للشركة [12].

 

دورسي وُصف أكثر من مرّة أنه شخص يهتم بمظهره الخاص أكثر من اهتمامه بشبكة تويتر، وهذا الكلام على لسان موظفّين سابقين في الشركة [13]، لكنه في 2017 يبدو أنه بصدد التركيز على تويتر، فهو طلب من مُستخدمي تويتر إخباره عن الميزات التي يرغبون بمُشاهدتها في الشبكة، وبدأ بتلخيص الطلبات الواردة، ووعد بتضمين بعض الميزات مثل تعديل التغريدات بعد نشرها، على غرار فيسبوك التي توفّر هذه الخاصيّة [14].

 

استمرار انخفاض أسهم تويتر وقيمتها الماديّة ليس بالأمر السيئ أيضًا، صحيح أنه سيئ بالنسبة للمُستثمرين الحاليين، ومجلس الإدارة، لكنه قد يُسهّل من بيعها لشركة ثانية قد تكون مُهتمة بإعادتها من جديد للواجهة على غرار جوجل، أو أية أسماء أُخرى جديدة قد ترى في شرائها فرصة لا تعوّض بثمن، خصوصًا أنها تمتلك باعًا طويلًا في مجال الشبكات الاجتماعية وما زالت قادرة على جذب مجموعة كبيرة من مُستخدميها الأوفياء الذين ساروا معها منذ البداية وحتى هذه اللحظة.

 

من جهة أُخرى، قد تُعيد الشبكة تعريف نفسها من جديد للتحوّل من شركة تقنية إلى شركة مُتخصصة في مجال الإعلام، فهي تمتلك الآن تطبيق بريسكوب  لبث الفيديو بشكل مُباشر، دون نسيان تعاقداتها المُستمرّة للحصول على الحقوق الحصرية لبث بعض المُباريات بشكل مُباشر، وبالتالي تبدو فكرة ظهورها بهويّة جديدة فكرة جيّدة نوعًا ما؛ خصوصًا أن شبكة فيسبوك تُعاني من مشاكل كبيرة في مجال الأخبار، واستغلال هذه النقطة للعب على وتر مصداقية الأخبار على تويتر فرصة رائعة؛ أي أن القيام ببعض الخطوات لدخول المجال الإعلامي عوضًا عن التقني أمر قد يُمثّل العودة المثلى، مع قاعدة مُستخدمين تصل إلى 317 مليون مُستخدم قابلة للزيادة في أي لحظة؛ لأن المُستخدمين الآن ليسوا بحاجة إلى شبكة اجتماعية جديدة، بقدر ما هم بحاجة لأداة جديدة تجعل حياتهم الاجتماعية أفضل.

طلب داش من دورسي أن يقوم بإطلاق ميزات جديدة كل فترة، وأن يُعالج مُشكلة التغريدات المُسيئة بشكل مُباشر، إضافة إلى التوقّف عن عرض بيانات لا قيمة لها أبدًا بالنسبة للمُستخدمين والمُستثمرين على حد سواء
طلب داش من دورسي أن يقوم بإطلاق ميزات جديدة كل فترة، وأن يُعالج مُشكلة التغريدات المُسيئة بشكل مُباشر، إضافة إلى التوقّف عن عرض بيانات لا قيمة لها أبدًا بالنسبة للمُستخدمين والمُستثمرين على حد سواء

في الختام، نشر آنيل داش، أحد المُختصين في المجال التقني والمُستثمرين في مشاريع تقنية مُختلفة، مقالًا بعنوان "هدية بقيمة مليار دولار لتويتر" [15]، وهو مقال نجح في جذب انتباه دورسي شخصيًا؛ لأنه كُتب من قبل شخص يُراقب ويرصد الكثير من المشاريع التقنية قبل الاستثمار بها، وبصورة مُختصرة طلب داش من دورسي أن يقوم بإطلاق ميزات جديدة كل فترة، وأن يُعالج مُشكلة التغريدات المُسيئة بشكل مُباشر؛ دون التفاف مثلما هو الحال في الحلول الحالية، إضافة إلى التوقّف عن عرض بيانات لا قيمة لها أبدًا بالنسبة للمُستخدمين والمُستثمرين على حد سواء. كما طالب داش بتوفير أدوات واحدة لجميع المُستخدمين، وتحديد موقف الشبكة الاجتماعية من المُطورين، وهم شريحة أغضبهم دورسي كثيرًا في عام 2016.

 

قد تكون نصائح داش في محلّها، وكذلك مبادرات دورسي أيضًا، أو قد يكون قدر تويتر كشبكة اجتماعية هو التحوّل إلى صفحة في كتاب التاريخ التقني؛ إذ يبدو أن سوق التجربة الاجتماعية مُتخمٌ في هذه الأوقات، وجميع المعايير الأساسية والافتراضية فيه مُحدّدة وثابتة.

المصدر : الجزيرة